حين أخبرني جايها بحقيقة ما حدث في هذه القضية، لم أستطع تصديق الأمر.
“في الواقع، الرئيس… إنه واعٍ.”
“نعم؟ لحظة واحدة… ألم يكن في غيبوبة؟”
“نعم حين سقط في البداية، فقد وعيه، لكنه أفاق بعد فترة قصيرة.”
قال إنهم نصبوا فخًّا مع الرئيس بعد أن استعاد وعيه.
لأنه إن دخل الرئيس في غيبوبة طويلة، كان من المؤكد أن هذين الشخصين سيحاولان انتهاز الفرصة بشتى الطرق.
وقد كان ذلك التوقع في محله تمامًا.
لقد رشوْا الطبيب شين وخطّطوا لإعطائه أدوية، وقد نُفِّذ ذلك المخطط بالفعل.
(لا، بل يعتقدان أنه قد نُفِّذ.)
“لقد قمنا برشوة الطبيب شين من الجهة المقابلة لأكون دقيقًا، استخدمنا الطريقة التي كانت يُوجين تستعملها كثيرًا.”
“طريقتي أنا؟ أكنتُ أهددهم مثلًا؟”
لم يجبني، بل رفع طرف شفتيه بابتسامة خفيفة.
وبينما كنت أسترجع ما دار بيني وبين جايها ، شدني صوت فأنعش يقظتي.
“أيها الوغدان… في النهاية، خنتماني فعلًا.”
نهض الرئيس سو ببطء وجلس معتدلًا.
وهو جالس متكئ على السرير، بدا من الصعب تصديقه أنه كان مريضًا فاقدًا للوعي، إذ كانت نضارة وجهه جيدة جدًا.
(أن يكون كل هذا مجرد تمثيل…)
رؤية الرئيس بهذا العزم والحيوية جعلتني أشعر بمشاعر مختلطة.
بسبب تقدمه في السن، كنت أخشى ألا يفيق أبدًا.
وقد شعرت بالاختناق لمجرد تخيلي أن يفقد هوجين لصالح هذين الشخصين.
لكن رؤيته بهذه الحال جعلتني أشعر وكأن الغمّ المتراكم في صدري قد انقشع فجأة.
تنهدت بارتياح وسألت الرئيس:
“ما الذي تنوي فعله؟”
“… وما عساي أفعل؟”
حينها، لمع بريق في عيني الرئيس وهو يغلي غضبًا.
“لا بد من قطع الأغصان العفنة.”
وقد أطبق أسنانه كما لو أن حنقه على هذين الشخصين قد بلغ ذروته.
كان وجهه المليء بالغضب يخبرني بوضوح: لن يُسمح لأيٍّ ممن تورط في هذه القضية أن ينجو.
“وماذا عن جايها”؟”
“السيد جايها بخير رغم أنه أصبح من المشتبه بهم الأساسيين.”
حرّك الرئيس عنقه المتصلب وكأنه يحاول التخفيف من توتره، ثم سأل عن جايها.
وحين أخبرته أنه مشتبَه به، قطّب جبينه غير راضٍ.
“ذلك الفتى… قلت له ألا يبالغ، لكنه لا يسمع الكلام.”
“… بمن تراه يشبه إذًا؟”
أخفضت رأسي وتنهدت بعمق.
عناده المفرط ذلك، كأنه خُلُق موروث في هذه العائلة.
ألم يكن جايها نسخة من الرئيس في عناده الذي لا يُضاهى؟
“لو كنت أعلم مسبقًا، لثنيت الرئيس عن خوض هذا الأمر حتى هذا الحد.”
لقد كانت مغامرة مميتة تتعلق بحياة الرئيس.
لكن حتى لو حاولت منعه، كان من الواضح أن الرئيس وجايها سيدفعان بالأمر قدمًا بكل طريقة.
حين أغمضت عينيّ، تدفقت الذكريات الماضية.
رغم مرور أيام، ما زال صوت جايها البارد حين قال إنه يشعر وكأنه عالق في فخ، يرن في أذني.
كيف يمكنني أن أنسى؟ ذلك الشعور بالقشعريرة الذي جعل شعري ينتصب.
حتى الآن، كلما تذكرت تلك اللحظة، خفق قلبي بعنف يكاد يفجّره.
في البداية، شعرت بالحنق من جايها لأنني وحدي لم أكن أعلم بالأمر.
بل، شعرت حتى بالخذلان من العم هيونيك
كنت أظن أنه كان يمكنهم إخباري مسبقًا.
بالنسبة لي، تلك الأيام القليلة قبل أن ألتقي بجايها كانت جحيمًا حقيقيًّا.
لكن حين أفكر في دقة تخطيط جيهان، فلا بد أن يكون ذلك ضروريًا.
فمهما حاول أحدهم التمثيل، إن كان يعلم بالحقيقة، فلا بد أن يظهر عليه ذلك.
“هاه، لقد بالغتَ حقًا يا رئيس.”
“…”
“أتعلم كم كنت مرعوبة؟ حين انهرتَ هكذا، ظننت أنك سترحل عني إلى الأبد…”
ظهر وجه جدي الراحل على وجه الرئيس للحظة.
لأنني فقدت عائلتي فجأة، فقد أصبح الرئيس بمثابة عائلة لي.
حين خطر ببالي والديّ الراحلين، ارتجف صوتي من التأثر.
“… آسف، كان يجب أن أخبرك مسبقًا، لكنني لم أستطع.”
وكأنه يفهم مشاعري، أمسك بيدي.
دفء يده أذاب الخوف العميق المتجذر في قلبي شيئًا فشيئًا.
في الحقيقة، لم أكن أجهل السبب الذي جعل الرئيس يضطر إلى هذا الحد.
مجرد تخيل شعوره حين اكتشف أن جيهان الذي ظنه حفيده الحقيقي لم يكن من دمه، أمر لا يُحتمل.
كأن يُطعَن القلب بدل القدم بفأس الثقة.
رغم أنه لم يُظهر شيئًا، إلا أن الرئيس كان يحمل الكثير من المشاعر تجاه جيهان، حتى إنه كاد يمنحه منصب الوريث رغم أنه ابن غير شرعي.
لكن ذلك الحفيد نفسه حاول خنقه.
إنه أمر مروع لا يُعبّر عنه بمجرد القول إنه يشعر بالقشعريرة.
“أعلم أنك تكرهينني يا يوجين ولا أملك سوى أن أقول إن هذا كان الحل الأمثل آسف لذلك.”
“…”
“حتى الرئيس يشعر بالمثل لن يتكرر شيء كهذا في المستقبل.”
حين خطر ببالي وجه جايها وهو يعتذر بصدق، خفّت مشاعر الغضب داخلي.
رؤية نظرة الرئيس الحزينة التي لا تليق به جعلتني أتراجع عن شعوري باللوم.
“أنا أدرك ما كان يشعر به وأفهم لماذا لم يكن أمامه خيار سوى اتخاذ هذا القرار.”
حين رأيت وجه السيدة أوه المتعجرف وهي تغادر غرفة المرضى، فهمت أكثر.
لقد بدت كوحش، لا كإنسان.
فكان من الطبيعي اتخاذ هذه الخطوة للإيقاع بأمثالهم.
“أشكرك على تفهمك.”
هز الرئيس رأسه ناحيتي وابتسم بخفة.
“إذن، ما الذي ينوي جايها فعله بعد ذلك؟”
“قرر مجاراة هذين الشخصين مؤقتًا وهو نفسه يرغب في ذلك.”
قال جايها إنه سيعيش كمشتبه به حتى موعد الذكرى السنوية لتأسيس الشركة.
وقد وافقت على الخطة أيضًا.
يجب أن يستمر الاثنان في اعتقاد أنهما انتصرا تمامًا ولا يعلمان شيئًا.
فحين يُخدعان تمامًا، سيذوقان خيانة مدمّرة لا تُنسى.
“سأعطيهما كل ما يرغبان فيه، كل ما يحلمان به.”
“… كل شيء، تقولين.”
“حين يسمعان عن اتهام جايها سيُخدعان كليًّا لن يتخيّلا قط أن الطبيب شين أصبح في صفّنا.”
كان الأمر واضحًا كوضوح الشمس.
الرئيس سو أيضًا فهم جيدًا ما تعنيه كلماتي، فقد لمع بريق في عينيه.
“أهم ما تحتاجه مجموعة هوجين الآن هو المال لتغطية فضيحة إنتيك لقد باعوا حصصًا خاصة بشكل مجحف لتغطية النقص، وسيسعون بأي وسيلة لتعويض ذلك.”
“…”
“طلبوا مني التنازل عن مجموعة دبليو مقابل الدمج، سيمنحونني جزءًا مناسبًا من الأسهم.”
ضحك الرئيس ساخِرًا وكأنه كان يتوقع ذلك.
“ذلك الأحمق لم يتغير أبدًا لم يكن أهلًا للميراث من البداية.”
“أجل المنصب لم يكن مناسبًا له من الأساس لعله الآن سعيد حدّ الغبطة لذا، سأمنحه أملًا أكبر.”
“ثم ماذا؟”
أبدى الرئيس فضولًا تجاه ما تبقى من خطتي.
“سأستعيد كل شيء منه.”
ابتسمت وأنا أرى عينيه تتسعان من الدهشة.
كنت مستعدة للمشاركة في لعبة جيهان حتى النهاية.
“أتعلم ما هو أسوأ شيء؟ أن تُعطي، ثم تُنتزع منك.”
ذلك الشعور وأنت ترى كل ما كنت تريده أمامك ينهار ويتلاشى.
أردت أن أجعل ذلك الرجل يشعر بذلك تمامًا.
يمكنني أن أرى ملامح جيهان السعيد وهو يضحك، كما لو أنه يعيش حلمًا.
من المؤكد أن هذا هو أسعد أوقاته.
لأنه يظن أن كل شيء يسير كما يشاء.
الرئيس انهار، وجايها الذي كان دائمًا مصدر قلقه على وشك أن يُقبض عليه.
استمتع بسعادتك ما استطعت.
فحتى الذكرى السنوية فقط.
بعدها، لن يكون في مستقبلك سوى الهاوية.
حين رأى الرئيس النظرة المملوءة بالسمّ في عيني، أظلم وجهه فجأة.
شعرت بارتجافة طفيفة في يده وهو يمررها على ظاهر يدي.
“لقد أصبحتِ قاسية جدًّا.”
“… إنها غريزة البقاء.”
في النهاية، كانت هذه انتقامًا يائسًا من أجل النجاة.
لم أستطع أن أموت من جديد في هذه الحياة، مغدورة، بلا حول.
فبدلًا من أن أتعرّض للخيانة، قررت أن أسبقهم بخيانتهم.
“في يومٍ ما، أود أن أسمع قصتك الحقيقية، يا يوجين.”
رفعت رأسي عند كلماته الدافئة.
هز الرئيس رأسه وكأنه يفهمني، لكن ملامحه حملت مرارة لم يستطع إخفاءها.
رغم أن نظراته كانت تتساءل بوضوح عن دواخلي، إلا أنه لم يسألني بشيء.
لا بد أنه يتساءل لماذا أرغب في إسقاط جيهان بهذا الإصرار.
ومع ذلك، مجرد امتناعه عن السؤال كان كافيًا لأشعر بمحبته لي.
في حياتي السابقة، لم يكن هناك أحد.
لكن هذه الحياة كانت مختلفة.
هناك جايها الذي يقلق عليّ دومًا، والعم هيونيك الذي لا يغادر جانبي.
والرئيس، الذي يعتني بي بهذا القدر.
فقط بذلك، امتلأ قلبي بالدفء.
“في يومٍ ما… سأخبرك.”
إن حصلت على الشجاعة لأبوح بكل شيء بصدق.
***
بعد أن تناوبتُ مع العم هيونيك، عدتُ إلى بيت الزوجية بعد وقت طويل.
فتحتُ الباب متوقعةً أن أجد البيت خاليًا تمامًا، لكن داخله كان مضاءً على نحو ساطع.
رغم أن الوقت كان بعد الظهر، تسلّل إليّ شعور غريب.
(ما الأمر…؟)
لا يُفترض أن يكون هناك أحد.
لكن حين رأيت الحذاء المألوف عند المدخل، اندفعت مسرعة إلى داخل البيت.
وسمعت صوت الأواني يتصادم بعضها ببعض قادمًا من المطبخ.
كنت أظن أنه من المستحيل…
“آه؟”
تلاقت نظراتي مع جايها الذي كان منشغلًا بتحضير شيء ما.
في البداية، ظننت أنني أتخيل، فلا يُعقل أن يكون جايها في بيت الزوجية.
“لقد عدتِ؟”
لكن حين وصل صوته إلى أذنيّ، استفقت من ذهولي.
لقد عاد إلى البيت حقًّا.
“ما هذا؟ كيف… كيف أتيت إلى هنا؟ أهذا مسموح أصلًا؟”
ألم يكن مطاردًا من الشرطة؟
حين اقتربت منه مذعورة، ابتسم لي بخفة.
“سوف أُسلّم نفسي للنيابة اليوم.”
“اليوم…؟”
“لا يمكنني أن أظل هاربًا إلى الأبد.”
أومأ لي برأسه ببطء.
“كما أنني إن خضعتُ للتحقيق، فسوف يقلّ حذر سيو جيهان على الأرجح، لأنه هربتُ، سيتم حبسي احتياطيًّا.”
“……”
“ما دام القلق مؤقتًا، فأنا بخير.”
حين قال ذلك، خطرت ببالي الذكرى السنوية لتأسيس الشركة، التي لم يتبقَّ لها الكثير.
رغم أنها أيام قليلة، إلا أن الحياة في الحجز لن تكون سهلة…
“هل أُحضِر لكِ بعض الشاي؟ أعتقد أن هناك شاي بالليمون.”
منذ زمن لم أرَ جايها في المطبخ.
بدا وكأنه يستعدّ للذهاب إلى النيابة حالًا، إذ كان يرتدي قميصًا وربطة عنق بكامل أناقته.
بدا وكأنني أراه وهو يخرج إلى العمل كالمعتاد، فانقبض صدري تأثرًا.
في الأصل، لم يكن عليه أن يمرّ بكل هذا العناء.
وبينما كان يتفقد الخزائن، توقف فجأة ونظر إليّ، لأنني لم أجب على سؤاله.
كنا نقف وجهًا لوجه وبيننا طاولة المطبخ.
وحين لاحظ تعبير وجهي الغريب، مال بجسده ناحيتي قليلًا.
“ما بكِ؟”
سألني بصوت خافت.
غريب كيف يلاحظ التغيرات الصغيرة في حالتي النفسية… ومع ذلك، يتظاهر بأنه لا يفهم أنني لا أريد منه الذهاب إلى النيابة.
“هل يجب عليك أن تذهب حقًّا؟ ألا يمكنك البقاء هنا حتى تنتهي الأمور؟”
“……”
“سأخدع السيد سيو جيهان بنفسي إن استخدمت الاندماج كطُعم، سيقع في الفخّ بسهولة.”
حتى حين حاولتُ منعه باستخدام الطُعم كذريعة، لم يتحرك جايها قيد أنملة.
كان يكتفي بالنظر إليّ بصمت.
“أيعني هذا أنك لا تستطيع البقاء هنا؟”
إن لم ينفع هذا، فلم يبقَ أمامي سوى حل واحد.
نظرت إليه من خلال عينين ضيقتين.
وبدا أنه ينتظر ليرى كيف سأتصرّف بعد ذلك.
وزاوية فمه التي ارتفعت بخفة، بدت وكأنها مستمتعة بالأمر.
“لا أريد أن أُرسلك اليوم.”
مددتُ يدي وسحبتُ ربطة عنقه برفق.
وعندها فقط، بدأت عينا جايها ، التي كانت ساكنة كبحيرة، تتأرجح بموجة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 109"