تسلّل ضوء القمر شيئًا فشيئًا، فكشف عن هيئة جايها التي كانت مخفية في الظلام.
كان جايها يضع قبعة سوداء قاتمة قد غطّى بها رأسه بالكامل.
وحين مددت يدي نحو القبعة التي كان يرتديها، انقشعت الظلال التي كانت تغطي وجهه.
وحين رأيت جفونه الغائرة أكثر من المعتاد، وملامحه التي بدا عليها الشحوب، شعرت بوخزة في صدري.
“أين… كنت؟ ولمَ تظهر الآن فقط؟”
تفوّهت بتلك الكلمات بصعوبة، ثم ارتميت في أحضانه.
ومن جسده الملاصق، شعرت بدفئه، وسمعت دقات قلبه.
(إنه ليس حلمًا.)
لقد كان جايها الذي كنت أبحث عنه بشدة حتى في أحلامي.
ويبدو أن حنيني قد وصل إليه أيضًا، إذ إنه عانقني بشدّة.
“أنا آسف… كنت أحاول الاتصال، لكن يبدو أن الشرطة قد بدأت التحقيق بالفعل.”
“……”
“خشيت أن يتم تعقّب مكاني، فلم أستطع فعل شيء.”
على غير عادته، بدأ جايها يشرح بإسهاب.
أومأت له برأسي بصمت.
كنت أعلم أكثر من أي أحد آخر أنه لم يكن يستطيع التواصل.
ورغم أنني كنت أعتقد بأنه سيكون بخير، إلا أن قلبي كان مثقلاً كما لو أن حجرًا ضخمًا يجثم عليه.
كنت قلقة من أن يكون قد وقع في خطر لا يمكن التنبؤ به.
وحين وقفت أمامه ورأيته سالمًا، تلاشت التوترات التي كانت تلفّ جسدي.
أين كان طوال هذا الوقت؟ وكيف أصبح من بين المشتبه بهم؟
كان لديّ الكثير من الأسئلة التي وددت طرحها حين ألتقيه، لكن بمجرد أن وقعت عيناي عليه، خلت ذهني من كل شيء.
في هذه اللحظة بالذات، لم أرد سوى أن أستشعر جايها فقط، وجوده بجانبي فحسب.
“لا بأس… المهم أنك عدت سالمًا…”
رغم أننا افترقنا لأيامٍ فقط، إلا أنني شعرت وكأننا انفصلنا لأشهر، وكان قلبي خاوٍ.
وفي خضم الدفء الذي شعرت به بعد طول غياب، ارتميت في أحضانه بعمقٍ أكبر.
“اشتقت إليك، يا جايها.”
ربما لأننا مررنا بالعديد من الحوادث والمصائب.
لكن لم أشعر يومًا بفراغه بهذا الشكل الكبير من قبل.
وكان اشتياقي له أعظم من أن تصفه كلمات.
“وأنا كذلك.”
صوته الخافت المليء بالكبت همس في أذني.
وبلمسةٍ ناعمة رفعت رأسي الذي كنت قد دفنته في صدره، فرفعت رأسي ببطء.
“كنت على وشك الجنون من شدّة الشوق إليك.”
رأيت انعكاس صورتي في عيني جايها السوداوين.
كانت عيناه عالَـمًا ممتلئًا بي.
لقد كنت تشتاق إليّ بقدر ما كنت أشتاق إليك.
وحين شعرت بصدق مشاعره في عينيه، لم أعد بحاجة إلى أي كلمات أخرى.
وقفت على أطراف أصابعي وعانقت عنقه.
ومن دون أن يسبق أحدنا الآخر، التقت شفتانا التحامًا تامًّا.
كم كنّا متعلقين ببعضنا البعض…
“هاه…”
زفرت أنفاسي اللاهثة من بين شفتيّ المنفرجتين.
وفي الهدوء التام لغرفة المعيشة، سُمع صوت خافت حين سقطت قطعة من الملابس على الأرض.
وحين بدأت قواي تخور في ساقي، رفعني جايها عن الأرض.
وبعد لحظات، وضعني برفق فوق الأريكة.
كانت برودة الجلد الملامس لجسدي العاري على الأريكة واضحة، لكنها لم تدم سوى للحظة.
فقد ارتفعت حرارة الغرفة بسرعة، بسبب الحرارة التي كانت تنبعث من جسدينا.
رفع جايها الجزء العلوي من جسده.
وبينما كان يخلع ملابسه المزعجة، ابتعد عني للحظة.
لكنني لم أتحمّل حتى تلك اللحظة القصيرة، فسحبته إليّ من جديد.
“لا تتوقف…”
ويبدو أن كلماتي أثارت جايها ، إذ امتلأت عيناه السوداوين بالحرارة المتقدة.
“هذا ما كنت أريده.”
قالها باختصار، ثم عادت شفتاه تلتحم بشفتيّ بعمق.
كانت قبلته تلك المرة أعمق كأنّه سيبتلعني.
كان أكثر إصرارًا من ذي قبل.
وحين انزلق من على عظام الترقوة الغائرة بشفتيه إلى الأسفل، خرج نفسي متسارعًا.
كان شعورًا حلوًا ومذهلًا إلى حد الذوبان.
وهكذا، بدأت أفقد صوابي تدريجيًّا.
.
.
.
غرفتي في منزل العائلة كانت كما كانت قبل إقامة حفل الزفاف تمامًا.
ما اختلف قليلًا هو أن رائحة جايها العالقة في السرير تثير في قلبي شوقًا إليه.
مسحتُ الغطاء الذي كان يصدر صوت خشخشة خفيفًا.
(كنت تقيم هنا إذن…)
قال إنه كان يعيش في سونغبوك-دونغ بعد أن أصبح المشتبه به الرئيسي، تبعًا لنصيحة العم هيونيك
كان المكان محاطًا بجدارٍ عالٍ يحجب الرؤية، نادرًا ما يزوره أحد سوى مساعدة منزلية تأتي بين حين وآخر.
وحين استدرت مع اهتزاز السرير، رأيت جايها وقد اقترب مني دون أن أشعر.
كان يلف جسده بمنشفة، ويجفف شعره المبلل بينما اقترب أكثر نحو مكاني الذي أستلقي فيه.
“ظننتُ أنك نمتِ.”
دخل جايها الحمام قائلاً إنه سيستحم، وبينما كنت على وشك الاستسلام للنوم العميق، لم أتمكن من إغماض عيني.
كنت أخشى أن أغمض عينيّ، وأفتحهما فلا أجده.
وربما شعرجايها بالقلق الذي علق في نظراتي، فعانقني.
“أنا آسف لأنني لم أُخبرك مسبقًا.”
ذهب جايها يمسح ظهري بلطف، وكأنه يخفف عني عناء ما مررتُ به من قلق.
ثم بدأ يروي ما حدث في ذلك الوقت.
“حين تلقيتُ رسالة الاستدعاء العاجلة، ودخلتُ غرفة الرئيس، كانت حالته الحيوية غير مستقرة بالفعل.”
“……هذا غريب الشرطة والدكتور شين قالوا إنهم لم يتلقوا أي رسالة طارئة.”
بالفعل، المحقق والدكتور شين أكّدا أنهما لم يتلقيا شيئًا من هذا القبيل.
حين علت وجهي علامات الاستغراب، أومأ جايها برأسه وكأنه يوافقني.
“صحيح كانت إشارة مزيفة أُرسلت لكي يجعلوني المشتبه به.”
كما توقعت، هذا هو الفخ الذي كان يتحدث عنه.
في آخر مكالمة معه، كان يندفع مسرعًا نحو بيونغ تشانغ دونغ
وبكلمات جايها ، انبثق في ذهني وجه سيو جيهان تلقائيًّا.
ذاك الذي ابتسم ابتسامة باردة حين سمع كلمة “مشتبه به” تتردّد على لسان المحققين في غرفة المستشفى.
“وكنت أعلم أيضًا أن ذلك كان فخًا نصبه سيو جيهان’.”
“……كنت تعلم؟ ذهبت إلى هناك وأنت تعرف؟!”
عندما قال إنه ذهب إلى هناك رغم معرفته بأنه فخ، جلستُ فجأة منتصبة في مكاني.
أومأ جايها برأسه ردًّا على سؤالي المندهش.
“كان لا بد من ذلك للإمساك بـسيو جيهان والسيدة أوه.”
لم أستطع تصديق ما أسمعه، ففتحت فمي من الذهول.
أي إن ما يقوله جايها هو…
“كلّ شيء تمّ وفق خطة مدروسة.”
“……”
“أنا آسف… لم أستطع أن أكون صريحًا معكِ، لأن خداع سو جيهان كان يتطلب ذلك.”
(ماذا؟)
تجمدتُ في مكاني، أحدق فيه بدهشة.
***
كان جيهان جالسًا في مكتبته، يربّت بأصابعه على الأوراق المفتوحة فوق مكتبه.
كان يفكر في إعلان الوصية الذي تم بالأمس فقط.
(نائب الرئيس، إذن…)
كما أراد تمامًا، كان من المقرر أن يُعيَّن رسميًا نائبًا للرئيس في الذكرى السنوية المقبلة لتأسيس الشركة.
استعاد جيهان في ذهنه ذكريات من أيام قليلة مضت، في شقة البنتهاوس.
فور عودته من أمريكا، توجه برفقة مينغوك والسيدة أوه إلى شقة البنتهاوس في هاننام-دونغ، بعد أن زاروا غرفة المستشفى أولًا.
ظل مينغوك صامتًا طيلة الطريق إلى هاننام-دونغ، يحدق خارج النافذة بوجه يصعب تمييز ما يخفيه من أفكار.
وعندما وصلوا إلى القصر، لم يتكلم إلا بعد أن شرب من الكأس الذي قدمته له السيدة أوه
“إنه لأمر غريب… أن يقوم الرئيس فجأة بتعديل وصيته.”
أعرب مينغوك عن شكوكه بشأن الوصية بطريقة غير مباشرة، وهو يرمق جيهان والسيدة أوه بنظرات فاحصة.
كان كأنه أدرك أن هناك أمرًا لا يُقال له، فحدّق بعينين حادتين.
“هذا لأن صحته تدهورت مؤخرًا بشكل مفاجئ بالنظر إلى سن والدي، أظن أن ذلك أمر ممكن، في رأيي.”
أجابت السيدة أوه بابتسامتها المعتادة الماكرة.
فأنزل مينغوك كأسه على الطاولة بصوت مسموع، متضايقًا من ردّها المراوغ كالثعبان.
“لماذا لا تتحدثان بصدق؟ ما الذي تخفيانه أنتما الاثنان؟”
اخترقت نظرات مينغوك الحادة كالسيف الاثنين معًا، لكن السيدة أوه لم تتأثر، بل ملأت كأسها من جديد.
“ماذا تعني بالخداع؟ صحيح أن حالة الرئيس الصحية محزنة للغاية… لكن في نفس الوقت، أشعر ببعض الارتياح.”
“… ماذا؟”
عند سماعه كلامها الصريح الذي ينضح بالطمع، ازداد تجهم مينغوك ، وظهر انزعاج واضح في ملامحه.
ابتسمت السيدة أوه وكأنها كانت تتوقع هذا تمامًا.
“كنت أشفق دومًا عليك، لأنك بقيت طويلًا في ظل الرئيس.”
“…”
“من منظور مصلحة المجموعة، لا شك في أن وجود الرئيس أمر مهم، لكن من ناحية زوجي وابني، أرى أن هذه الأزمة فرصة.”
وبكلمات مفعمة بالإغواء والمراوغة، ارتسمت على شفتي السيدة أوه ابتسامة خفيفة.
“ألست تطمع في هوجين’؟ فالرئيس لم يربِّه وحده بل إن وجود هوجين اليوم ما كان ليكون لولا جهودك أنت أيضًا.”
“…”
“وبالطبع، لا ننسى مديرنا التنفيذي سو جيهان.”
وفي عينيها، التي كانت تلمع بجشع شديد، انعكست رغبتها التي لا حدود لها.
طَرق طَرق.
في خضم انغماسه في ذكريات الماضي، انتبه جيهان إلى صوت طرقٍ على الباب.
“ادخل.”
بمجرد أن نطق بالأمر، دخل مدير كيم المكتب
راقب جيهان مديره وهو يقترب، وكأنه يحمل أمرًا ليبلغه، وسأله:
“ما الأمر؟”
“هناك تقرير بسيط أود تقديمه.”
أخذ جيهان الجهاز اللوحي الذي قدّمه له، وبدأ يقلب في الصور.
كانت الصور تُظهر يوجين
“ما هذا؟”
“السيدة الكبرى عادت البارحة إلى سونغبوك-دونغ بدلًا من العودة إلى منزل الزوجية المرأة التي كانت عادةً ما تلازم غرفة الرئيس بالمستشفى خرجت، فقام رجالنا بتعقبها.”
بعد أن استعرض الصور حتى آخرها، وضع جيهان الجهاز اللوحي على المكتب.
كانت عدة صور تُظهر يوجين وهي تدخل قصر العائلة في سونغبوك-دونغ
“وماذا في ذلك؟ يبدو أنها زارت بيت العائلة فحسب، في نظري.”
“…”
“لا بد أن غياب أخي جعلها تشعر بالكآبة، لذا عادت إلى منزل والديها.”
يوجين وُلدت وترعرعت في قصر سونغبوك-دونغ، وكانت لديها مشاعر خاصة تجاهه.
حتى بعد أن فقدت عائلتها في حادث، لم تقم ببيع القصر.
وبكلمات جيهان اللامبالية، عجز مدير المكتب كيم عن الرد.
وبينما كان كيم يهمّ بأخذ الجهاز اللوحي عن المكتب، سأله جيهان بصوت خافت:
“هل لاحظت أي تصرفات مريبة؟”
“كلا لم نرصد أي تحركات مشبوهة.”
“هذا يكفي إذن.”
في الوقت الحالي، كان ما يهم أكثر من مراقبة يوجين هو محاصرة جايها بقوة.
الدلائل واضحة، وكان التحقيق الرسمي من النيابة العامة على وشك أن يبدأ.
ومع الضغوط التي تُمارَس من القيادات العليا، فالمسؤول عن القضية سيرفع لائحة الاتهام بسرعة.
وإذا أُدين جايها ودخل السجن، فـهوجين سيصبح وكأنه له.
(إن حدث ذلك، فلن تهم مسألة كونه ليس ابني البيولوجي.)
فمن الأفضل أن يُربّى هوجين على يد شخص مثله، بدلًا من أن يُربّى على يد مجرم، حتى لو كان الأخ الأكبر البيولوجي.
ومع هذا التفكير، شعر جيهان وكأن حملًا ثقيلًا أُزيح عن صدره.
أخيرًا، شعر أنه و جايها على نفس خط الانطلاق.
وبوجهٍ أصبح أكثر ارتياحًا، أمسك جيهان هاتفه واتصل بأحدهم.
“أين أنت؟”
نظر إلى الساعة المعلّقة على جدار المكتب، وارتسمت على وجهه ابتسامة غامضة.
“أريد أن أراك قليلًا.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 107"