عندما رأى جيهان زيارتي المفاجئة، عبس جبينه.
“هذا شأن عائلي يخصنا من الأفضل أن تبتعدي عنه.”
“كيف لي أن أبتعد؟ إنه أمر يخص زوجي أيضاً ثم إن الرئيس سُو لم يتوفَ بعد، فكيف يمكن أن نجتمع من أجل الكشف عن وصيته؟”
عندما رآني أجادله بإصرار، بدا عليه الصداع، فوضع يده على جبهته وكأن الأمر يزعجه .
“إلى متى علينا الانتظار إذن؟ هل تريدين أن نضع خطة بعد وفاة الرئيس وتفكك المجموعة تماماً؟ ما هذا الطفل العاطفي… تِش.”
السيدة أُوه كانت تتحدث وكأن وفاة الرئيس أمر محسوم.
أما أنا، ففقط فكرة وفاته كانت تجعل يدي ترتجف دون توقف.
ثم حدّقت بي بعينين قاسيتين وأضافت بكلمات لاذعة:
“حتى الدكتور شين قال إنه لا أمل له يجب أن نُودّع الراحلين، ونتابع حياتنا، نحن الأحياء.”
“…”
“لقد كان الرئيس طاعناً في السن، وكان يعاني من أمراض مزمنة، عليكِ أن تتقبّلي الأمر.”
(هذا ليس هو السبب الحقيقي…!)
غلي صدري من رؤية السيدة أُوه تتحدث بتلك اللامبالاة، وكأن وفاة الرئيس كانت أمراً متوقعاً منذ البداية.
عند رؤية وجهيهما الوقحين، تلاشى كل ترددي، وأصبح شكي يقيناً.
لا شك أن هذين الشخصين قد دبرا شيئاً ما.
“كيف يمكن أن تفعلوا هذا…! وهل بقيتم بشراً بعد كل هذا؟”
هل كانت وراثة المنصب بهذا القدر من الأهمية؟
السلطة، الشرف، والثروة… ما الذي يساوي كل ذلك إذا كان الثمن حياة الرئيس؟
تصرفاتهما، التي تستهين بحياة إنسان، كانت مرعبة.
دون أن أشعر، بدأت يدي التي تمسك بطرف تنورتي ترتجف.
لم أرد أن أبدو ضعيفة أمامهما، لكن الارتجاف لم يتوقف.
لاحظت السيدة أُوه ذلك، فابتسمت بسخرية:
“لا داعي للمزيد من التأخير، المحامي جو افتح الوصية.”
رفعت صوتها نحو المحامي وكأن الأمر قد انتهى بالنسبة لها.
وفي تلك اللحظة، التقت عيناي بعيني نائب الرئيس الذي كان يجلس في الجهة المقابلة.
…
وفي النهاية، تم الكشف عن وصية الرئيس.
“بالنيابة عني، ليتولى نائب الرئيس سُو مينغوك منصب الرئيس، وليتولى سُو جيهان المدير التنفيذي، منصب نائب الرئيس أما بخصوص الأسهم المتبقية…”
تابع المحامي قراءته لما يتعلق بتوزيع الحصص، لكنني لم أعد قادرة على الإصغاء.
محتوى وصية الرئيس كان غير معقول إطلاقاً.
“لحظة من فضلك هل قلت إن السيد سُو جيهان سيتولى منصب نائب الرئيس؟”
“نعم، هذا ما ورد في الوصية… سيدتي!”
“هذا غير ممكن!”
انتزعت الوصية من يد المحامي جو الذي كان يقرأها.
وعندما وصلت إلى الجزء الذي ينص على تعيين جيهان نائباً للرئيس، توقفت عيناي عنده.
(هذا غير معقول…!)
لا يمكن أن يكون الرئيس قد اتخذ هذا القرار.
حتى قبل أن ينهار، عندما اجتمع بنا نحن الثلاثة، كان قد طلب من جَاه تولي منصب الوريث.
وحتى نسب توزيع الأسهم تشير بوضوح إلى أن الرئيس كان يعتبر جيهان الرئيس القادم للمجموعة.
كانت يدي ترتجف بشدة وهي تمسك بالوصية.
فجأة، اختفت الوصية من يدي كما لو سُحبت منها.
“أين أدبك؟ كيف تجرؤين على هذا أثناء قراءة الوصية؟”
“…”
“أمي وأبي موجودان هنا أيضاً إن كنت ستتصرفين هكذا، فغادري.”
(هل قال أبي لتوه؟…)
تجمدت في مكاني من الذهول بسبب اللقب الذي نطق به جيهان بكل طبيعية.
لم يسبق له أن نادى نائب الرئيس بـأبي من قبل.
كانت هذه أول مرة أسمعه يقولها.
وبعد لحظة قصيرة من تلاقي النظرات في الفراغ، صرف جيهان بصره عني أولاً.
ثم أعاد الوصية إلى المحامي جو.
وأشار إليه بيده وكأنه يطلب منه متابعة القراءة.
استُؤنفت قراءة الوصية، لكنني لم أعد قادرة على التركيز.
كان جيهان طوال الوقت يبتسم بابتسامة خفية، وكأنه يعتبر المعركة قد حُسمت لصالحه.
نظراته كانت مليئة بالثقة وكأنه أصبح فعلاً الرئيس الجديد.
وعندما نظرت إليه، تداخلت صورته مع ذكرياتي من الحياة السابقة، عندما خدعني وانتزع مني الأسهم.
ضحكت بسخرية بسبب شعوري بالفراغ.
(حتى الوصية من تدبيرك، أليس كذلك؟)
إن تُوفي الرئيس فعلاً، فإن جايها لن يُتهم حينها بمحاولة قتل، بل بارتكاب جريمة قتل كاملة.
ومن المؤكد أن جيهان سيرشو المحققين ليضمن أن جايها لا يخرج بريئاً.
وسيُقصي كل من يعرف سره المتعلق بأصله، حتى لو اضطر إلى قتلهم، ليصل إلى سدة الحكم.
بمجرد أن وصلت أفكاري إلى هذه النقطة، شعرت بغضب لا يمكن السيطرة عليه.
كنت على وشك أن أفضح سر هذا الرجل على الملأ.
في تلك اللحظة، أنهى المحامي جو ، قراءة الوصية وغادر القصر.
“لدي عمل في الشركة، سأغادر أولاً.”
ثم ترك جيهان تحية قصيرة لكل من مينغوك والسيدة أُوه وغادر المكان.
نظرت السيدة أُوه إليه وهو يغادر، ثم نهضت من على الأريكة وكأن عملها هنا قد انتهى.
وعندما همّت بالخروج من غرفة المعيشة وهي تحمل حقيبتها، عادت إلي فجأة.
“يا يُوجِين، يا لكِ من مسكينة.”
رفعت رأسي عند سماع صوتها الرقيق وهي تخاطبني.
ثم نظرت إلي بازدراء وأكملت:
“ألم أخبرك أن تتزوجي جيهان ؟ الرجل الجيد هو كل شيء في الحياة.”
“…”
“كنتِ تمشين بكل فخر وكبرياء، وفي النهاية اخترتِ حبلاً فاسداً.”
حاول مينغوك إيقافها وهو يدفعها بخفة قائلاً:
“كفى، هذا يكفي جايها أيضاً ابني.”
عندما بدا أن مينغوك يدافع عن جايها ، أطلقت السيدة أُوه ضحكة ساخرة ثم غادرت المكان.
وهكذا، تُركت وحدي في القصر، حيث خيم الصمت بعد مغادرتهم.
غطيت وجهي بكفّي تحت وطأة الإحباط المتأخر الذي اجتاحني.
كانت أفكاري مشوشة ومتشابكة.
لا يوجد أي وسيلة للتواصل مع جايها.
منذ ذلك اليوم الذي انقطعت فيه أخباره من بيونغ تشانغ دونغ لم يعرف أحد أين ذهب.
وبينما يغيب جايها ، يحاول جيهان والسيدة أُوه استغلال الفرصة للسيطرة على هُوجِين.
ماذا يمكنني أن أفعل في مثل هذا الوضع؟
عندما أفكر في جايها ، يتضخم القلق والخوف بداخلي ككرة ثلج.
أين يكون الآن؟ هل تورط في شيء خطير يمنعه من التواصل معي؟…
أدرت رأسي بعنف، رافضة الاستسلام للضعف من جديد.
(لا… الآن يجب أن أفعل ما يمكنني فعله.)
كما قال العم هُيونك، لا بد أن لدى جايها خطة ما.
أنزلت يدي عن وجهي بعدما مسحته بها.
ومن تصرفات السيدة أُوه منذ قليل، بات لدي أمر مؤكد.
هذان الاثنان لا يعلمان بعد أنني أعرف سر ولادته.
كما أن مينغوك على ما يبدو، لا يعرف بعد سر جيهان.
(عليّ أن ألتقي بنائب الرئيس بأي وسيلة.)
كان لا بد من مقابلته على انفراد، وكشف سر ولادة جيهان له.
بينما كنت أفكر في كيفية، وأين، ومتى يمكنني أن أطلب اللقاء، تذكرت فجأة كلام جايها:
“السيدة يُوجِين، عليكِ أن تتظاهري حتى النهاية بأنك لا تعرفين شيئاً عن سر ولادة جيهان.”
كان قد طلب مني بإلحاح أن أُبقي الأمر طيّ الكتمان عندما أخبرني عن جيهان من قبل.
ولعله اتُّهِم في قضية محاولة قتل الرئيس لأنه اكتشف ذلك السر.
(إذا اكتشفوا أنني أعرف سر ولادة ، سأكون في خطر أيضاً.)
قبضت بيدي البيضاء على نفسها بقوة حتى ارتعشت.
لكن خوفي من هذين الشخصين لن يجعلني أخرس.
تماسكت، وهممت بالاتصال بمينغوك.
لكن قبل أن أفعل، وصلتني رسالة.
***
بينما كنت أحدّق إلى قصر سونغبوك دونغ عادت إلى ذهني الأحداث التي جرت في غرفة المستشفى.
كانت الرسالة التي وصلتني في النهار من عمّي هيونيك.
في البداية ظننتُ أن مكروهًا قد أصاب رئيس المجلس، فأسرعت عائدة إلى غرفة المستشفى.
[يوجين، إذا قرأتِ هذه الرسالة، توجّهي فورًا إلى غرفة المستشفى- عمّك هيونيك]
كانت رسالة تطلب حضوري فورًا إلى غرفة المستشفى، دون أي شرح مفصّل لما يجري.
لكنني شهقت عندما وجدت الرئيس كما كان عليه في الصباح عند مغادرتي.
وما إن هدأت أنفاسي، حتى اقترب مني عمّي وتحدث إليّ بنبرة خفيفة:
— أردت أن أقول لك شيئًا.
— شيئًا لتقوله لي؟
— نعم، رؤية وجهك المتعب وأنت تموتين قهرًا لم تدعني أرتاح اذهبي إلى المنزل.
طلب مني أن أعود إلى المنزل لهذا اليوم.
كنت قد عدتُ خصيصًا لأبقى بجانب الرئيس طوال الليل، لكنه دفعني إلى خارج غرفة المستشفى.
— لا تذهبي إلى منزل الزوجية، بل توجّهي إلى سونغبوك دونغ.
ثم أضاف أن أذهب إلى سونغبوك دونغ بدلًا من منزل الزوجية.
في البداية ظننت أنه يطلب مني أن أرتاح لأنني أبدو مرهقة بعد مكوثي الطويل في غرفة المستشفى.
ولكن لماذا قال لي أن أذهب إلى سونغبوك دونغ ؟
أمالت رأسي في حيرة.
إن كان السبب هو الخوف من الخطر في بيت الزوجية، فقد يكون منطقيًا، ولكن سونغبوك دونغ لم يكن مكانًا آمنًا أيضًا.
صحيح أنّه بيت فارغ، مما يجعله مناسبًا جدًا للاختباء عن أعين الناس، ولكن…
عن أعين الناس ؟
في تلك اللحظة، خطر في ذهني شخص واحد.
ما إن نظرت إلى القصر الغارق في الظلام الدامس حتى بدأ قلبي يخفق بشدّة.
— لا يكون…
أيمكن أن يكون…؟
بدافع القلق، ركضت عبر الحديقة باتجاه القصر.
رغم أن الظلام الحالك والجو البارد كانا يخيمان على أرجاء المنزل، إلا أنني لم أشعر بالخوف قط.
كان الشيء الأهم بالنسبة لي هو إن كان ظني صحيحًا، وإن كان ذلك الشخص موجودًا حقًا هنا.
وأنا أسير في الممر المظلم، كان قلبي على وشك الانفجار.
وحين بدأت ملامح غرفة المعيشة تقترب رويدًا رويدًا وأنا أنظر حولي،
فجأة، امتدت يد كبيرة من خلفي لتكمم فمي.
— أُغمف!
وقعت في الزاوية إلى الحائط بقوة لا تُقاوَم، دون أن أجد فرصة للهروب.
كان الموقف مرعبًا، لكن الغريب أنني لم أشعر بالخوف أبدًا.
كانت رائحة الحمضيات الخفيفة…
العطر المألوف المنبعث من اليد التي كممت شفتي دغدغ أنفي بلطف.
كما ظننت … إنه أنت .
رغم الظلمة الحالكة، كانت صورة الشخص الذي ينظر إليّ واضحة في ذهني.
تنهد تنهدًا طويلًا، ثم قال بصوت منخفض عند أذني:
— حقًا، يون يوجين… لا تعرفين الخوف.
كنت على حق …
ما إن سمعت صوته الذي اشتقت إليه بشدّة، حتى شعرت بالحرارة تملأ عينيّ.
شدّدت قبضتي على كم جاكيت جايها تلقائيًا.
— ماذا لو كنتُ شخصًا سيئًا؟ كيف تجرئين على الدخول هكذا دون حذر؟
كان جايها يخفف الضغط شيئًا فشيئًا عن يدي التي كانت تغطي فمي.
كل ما أردته هو أن أراه بعيني وأتأكد أنه بخير مددت يدي أتحسّس وجوده في الظلام.
لكن الظلام كان كثيفًا، ولم يكن من السهل لمسه.
وربما شعر بلهفة يدي، فقادها بنفسه لتلمس وجهه.
— أين كنت؟ وما الذي كنت تفعله حتى الآن…
كم كنت قلقة عليه، وكم عانيت من الخوف أن يكون قد أصابه مكروه.
وكأنّه أراد أن يطمئنني بأنه بخير، شعرت بدفء يده يتسلّل إلى أطراف أصابعي.
— لقد كنت قلقة عليك كثيرًا… هيك…
وفي النهاية، سقطت دموعٌ التي كانت على وشك الانهمار من طرف عيني.
ثم تسللت أشعة القمر عبر نافذة غرفة المعيشة الواسعة، فأزاحت الظلام عن ناظريّ.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 106"