حين بدا أن الجدال سيستمر، خرج جيهان من القصر مصطحبًا السيدة أوه معه.
حتى أثناء مغادرتهما، ظلَّت تلك الابتسامة الغامضة التي رسمتها على شفتيها عالقة في ذهني، تذهب وتعود بلا انقطاع.
وبعد مغادرة الدكتور شين، أعطيت لسيدة بيت بيونغ تشانغ بعض التعليمات البسيطة، ثم خرجت من القصر.
وحين اتجهت إلى المرآب، وقعت عيناي على جيهان والسيدة أوه وقد سبقاني وكانا على وشك الصعود إلى السيارة.
كانا قد خرجا منذ وقت طويل، ويبدو أنهما لم يغادرا بعد.
لكن ما إن أحسَّا بوجود أحد خلفهما، حتى توقفا عن الصعود واستدارا نحوي.
“أأنتما ذاهبان أخيرًا؟ من طريقتك في الكلام، خُيِّل إليّ أنك ستقضين الليل بجوار الرئيس.”
قالت السيدة أوه ذلك بنبرة ساخرة وهي تنظر نحونا.
وقد بدا جليًا أنها توجه كلامها إليَّ، إذ كنت طوال الوقت داخل غرفة النوم أعقد حاجبيّ في امتعاض.
لم نُجب أنا وجايها بشيء، استدار جيهان فجأة وأشاح بوجهه عنا.
وقد بدا أنه لا يريد رؤية أيٍّ منا أكثر من ذلك، إذ صعد إلى السيارة على الفور.
“صحيح في النهاية، ما جدوى بقائكما هنا؟ دعي الرئيس لـالدكتور شين يهتم به.”
أضافت السيدة أوه جملة أخرى قبل أن تصعد إلى السيارة، وكأنها لا تملك ما تقوله بعد ذلك.
وفي اللحظة التي كنت فيها على وشك الاتجاه نحو سيارة جايها المتوقفة، غير راغبة في مواصلة الحديث:
“آه، وعلى فكرة…”
أنزلت نافذة السيارة فجأة، وكأنها تذكرت أمرًا ما، ونادتنا.
“أرجو أن تتأكدي من أن موظف الأمن الذي اخترتموه شخص يمكن الوثوق به فأنا أيضًا لا أشعر بالارتياح لترك الرئيس وحده في هذا القصر الكبير.”
“……”
“أليس المال أغلى من الدم؟ هكذا يُقال.”
رسمت السيدة أوه ابتسامة ماكرة على وجهها، ثم أغلقت النافذة بعد تلك الكلمات.
“هاه؟ يا لها من وقاحة، فعلًا!”
كيف يمكن لشخص أن يحمل مثل هذا التفكير الدنيء؟
كان من الواضح أن السيدة أوه تنوي تحميلنا أنا وجايها مسؤولية انهيار الرئيس.
وبينما أحدق في سيارة جيهان التي تبتعد، التفتُّ نحو القصر من جديد.
كان الرئيس الملقى في غرفة نومه لا يزال يشغل قلبي ويرهقني بالقلق.
حتى لو قال جايها إنه سيُبدل جميع طاقم الأمن، إلا أن الشعور بعدم الارتياح لم يفارقني.
“الرئيس قد انهار، ونائب الرئيس غائب، ولا يمكن ترك منصب المدير التنفيذي شاغرًا أيضًا.”
تذكرت حين قال جيهان بحزم إنه لا يمكنه الانسحاب من الإدارة لحين عودة نائب الرئيس من الخارج.
كان من الواضح أنه يرى في هذه الأزمة فرصة لإعادة الانطلاق من جديد.
“لنذهب الآن.”
اقترب جايها مني، وقد لاحظ ترددي في التحرك.
“هل سيكون من الجيد أن نعود هكذا؟”
لم يبقَ في القصر سوى سيدة بيت بيونغ تشانغ والمحامي جو.
وقد بدا أن جايها يدرك تمامًا قلقي المستمر، فأجاب بصوت خافت:
“سيكون الأمر بخير لدي خطتي الخاصة.”
كانت عيناه تلمعان بنظرة لا تعرف التردد.
نظراته تلك، التي منحتني راحة غريبة، بدأت تهدئ قلبي المضطرب شيئًا فشيئًا.
***
مرّت عدة أيام منذ ذلك الوداع في بيونغ تشانغ.
ذهب جيهان مع السيدة أوه إلى مستشفى دايجين حيث يعمل الدكتور شين، بعد أن نسّقا موعدهما مسبقًا.
وعندما وصل إلى مكتب البروفيسور ،كانت السيدة أوه قد سبقته وجالسة في مواجهة الدكتور شين.
“أوه، أتيت؟”
من الأكواب الفارغة أمامهما، بدا أن الحديث بينهما قد طال.
“لم أتوقع أن أجدك هنا قبلي.”
“كان لدي متسع من الوقت، فجئت باكرًا كنت أنتظر وأنا أتبادل الحديث مع الدكتور شين.”
ألقى جيهان نظرة خاطفة نحو الدكتور شين.
على عكس السيدة أوه التي كانت تحتسي الشاي بهدوء، بدا هو متوترًا بشدة، وكأن وجوده في هذا المجلس يثقل صدره.
“دكتور شين، فهمت ما قلته لك، صحيح؟ دورك في هذه المسألة مهم للغاية.”
أعادت التأكيد على ما كانت تناقشه معه قبل مجيء جيهان.
لقد سقط الرئيس سيو بسبب تعرضه لفترة طويلة للدواء.
فقيل إن تراكم المضاد الحيوي في جسده تسبب برد فعل تحسسي.
والذي قام بحقنه بذلك الدواء طوال تلك الفترة، هو الدكتور شين الذي سبق لـالسيدة أوه أن اشترته لصالحها.
في البداية، لم يتوقع أحد أن تؤدي تلك الحساسية إلى دخول موجين في غيبوبة تامة.
“كنت أعلم أن لديه حساسية شديدة، لكن لم أتخيل أنها بهذه الخطورة.”
وإن قاموا بحقنه بجرعة قاتلة وهو في غيبوبته، فذلك يعني أنه سيلقى حتفه على الفور.
سارت الأمور بسلاسة أكثر مما توقعت، فارتسمت ابتسامة على شفتي السيدة أوه.
“لكن سيدتي… أليس غريبًا أن يدخل الرئيس في غيبوبة فجائية هكذا؟ صحيح أنه تعرض لفترة طويلة للدواء، لكن حالته لم تكن تستدعي هذا الانهيار.”
“ما الغرابة في ذلك؟ أليس يعاني من ضغط الدم المرتفع منذ زمن؟ وفي عمره هذا، حتى الموت المفاجئ لا يُعدّ مستبعدًا.”
فضلًا عن صدمته الأخيرة بسبب ما حدث بين إنتك وجيهان، فلا عجب أن يتدهور حاله.
وسوف يُعلن لوسائل الإعلام أن موجين لم يستطع تحمل الصدمة وانهار بسبب ضغطه المرتفع، ليبقى في غيبوبته إلى الأبد.
كانت السيدة أوه تنوي استخدام الدكتور شين لحقنه بالجرعة القاتلة.
لكن ما إن اقتربت لحظة التنفيذ، حتى بدا القلق واضحًا على الدكتور شين، وكأنه يخشى أن تطاله العواقب.
“تس، ليس غريبًا أنه بقي مجرد رئيس قسم طوال عمره…”
أن يكون شخصٌ كهذا عاجزًا عن اتخاذ قرار حاسم رغم طموحه بأن يصبح مديرًا للمستشفى!
راقبت السيدة أوه كيف أنه ظل يعبث بيديه أسفل الطاولة، وأطلقت تنهيدة حنق.
رغم أنها لا تثق كثيرًا في رجل مثله، إلا أنه كان الخيار الوحيد المتاح الآن.
طموحه في أن يصبح مديرًا كان أكبر من أي شيء آخر، لذا من غير المرجح أن يُفشل الخطة.
بل والأكثر من ذلك، فقد كان بالفعل منبوذًا داخل المستشفى.
فهو متورط في دعوى قضائية بسبب إهمال طبي، مما يصعب عليه حتى افتتاح عيادته الخاصة.
ولذلك، لم يتبقَ له سوى أن يتمسك بطوق النجاة الذي تقدمه له السيدة أوه وجيهان.
“لا تقلق، دكتور فأنت لم تدخل القصر من قبل، صحيح؟”
“……”
“ما عليك سوى أن تأتي بينما تكون سيدة بيت بيونغ تشانغ نائمة تحت تأثير المنوّم لن يلاحظ أحد هيهي، لن تجد حتى نملة تحوم حول قصر بيونغ تشانغ ذلك اليوم.”
ضحكت السيدة أوه وهي تكشف عن نواياها الشريرة.
“أما فريق الأمن الذي شكله سو جايها، فقد اشتريناه نحن لصالحنا لذا، في اليوم الذي تزور فيه القصر، ستتوقف كاميرات المراقبة مؤقتًا بسبب انقطاع مفاجئ للكهرباء.”
ظل جيهان صامتًا طوال المحادثة، ثم بهدوء، أنزل كوبه على الطاولة.
ومن ثم، أخرج ظرفًا ومدّه نحو الدكتور شين.
وعندما نظر إليه الأخير مستغربًا، أومأ جيهان برأسه ليحثه على فتحه.
وما إن رأى ما بداخله، حتى اتسعت عيناه بشدة، واهتزت حدقتاه بعنف.
لقد كانت ورقة شيك بيضاء، لم يُكتب فيها أي مبلغ.
لاحظ جيهان أن يده المرتجفة حين التقط الشيك، فابتسم بخفة.
“اكتب الرقم الذي تريده، دكتور.”
“ر… رئيس القسم…”
“وإن أنجزت هذه المهمة بنجاح، فستتولى منصب مدير المستشفى القادم.”
عند سماع كلمة مدير المستشفى ، شهق الدكتور شين لا إراديًّا.
لقد كان يُدرك جيدًا معنى هذا الشيك.
ولعله أدرك أيضًا أنه قد تجاوز نقطة اللاعودة، فظهر الارتجاف جليًّا على وجهه.
“لقد عملت في دايجين لأكثر من عشر سنوات إلى متى ستظل تركض بين غرف العمليات وأنت تترقّب كل يوم؟”
“……”
“إن أنهيت هذه المهمة كما ينبغي، سنُسقط عنك أيضًا القضية الطبية العالقة حاليًّا.”
من البداية، لم تكن هذه صفقة يمكن لـالدكتور شين أن يرفضها.
.
.
.
كان الاثنان في طريق عودتهما من المستشفى إلى شقة البنتهاوس في هانّامدونغ
فتح جيهان فمه بعد أن بدا وكأنه يحدّق بصمت من خلال نافذة السيارة
قال إن وصية الرئيس محفوظة في الخزنة هل كنت تعلمين بذلك
الوصية تقصد الخزنة الموجودة في غرفة النوم
فوجئت السيدة أوه عند سماع كلمة الوصية فالتفتت نحو جيهان بدهشة
وصية هذا أول ما تسمعه عن ذلك
نعم حسبما قاله المحامي جو فإن الرئيس كتبها من جديد الأسبوع الماضي يبدو أن صحته كانت قد تدهورت مؤخرًا
أن يقوم بتعديل وصيته في مثل هذا الوقت ذلك العجوز فعلها حقًا
حتى دون أن يفتحوا تلك الوصية كان من السهل توقّع محتواها
من المؤكد أنه نقل كامل حصص جيهان إلى جايها
عضّت السيدة أوه شفتيها بقوة وهي تتذكّر موجين المستلقي في غرفة النوم
رغم مرور عشر سنوات على دخولها إلى عائلة هوجين لم يُعترف بها ككنّة ولو لوهلة واحدة
ولم يكن ذلك فحسب بل طُردت من أمريكا بطرد غير معلن حتى أن العودة إلى الوطن لم تكن أمرًا يسيرًا
كلما تذكرت ما عانته من مرارة تلك السنوات كانت تنهض من نومها غاضبة
لقد أخفيتُ الأمر لعشرين عامًا فكيف تسرّب إلى العلن الآن
حتى مينغوك الذي كان صارمًا ودقيقًا لم يشكّ بالأمر
وبينما كانت السيدة أوه غارقة في أفكارها أضافت بنبرة متمهلة
والدك على الأرجح لا يعلم بالأمر لو كان قد علم لعاد إلى كوريا فورًا
لقد عاشت مع مينغوك كزوجين لأكثر من عشرين عامًا
ورغم أن علاقتهما لم تعد كالسابق إلا أن التواصل بينهما لم ينقطع
حتى في آخر مكالمة له معها لم يُظهر أي علامة على معرفته بسرّ ميلاد جيهان
إذًا من يكون
لابد أنه سو جايها
تذكّر جيهان زيارة جايها له في وقت سابق والهدوء الغريب الذي بدا عليه
ربما كان سبب تلك الثقة أنه كان يعرف كل شيء عن سر ولادته
ومع تذكّره لتلك اللحظة ارتجف جيهان غيظًا وصرّ على أسنانه بشدة
ماذا كيف عرف بذلك
أصاب الذهول السيدة أوه حين علمت أن جايها يعرف سر ولادته
وفي تلك اللحظة عادت إلى ذهنها نظرات جايها الباردة التي كانت تفترسها بنظره فارتعشت
حتى الآن كان شعور يراودها بأن ذلك الفتى يراقبها من مكان ما
الشخص الوحيد الذي يريد إقصائي هو أخي لا يهم كيف عرف المهم أنه الآن يعرف نقطة ضعفي
كان من المؤكد أن جايها سيستغل ذلك السر ليضغط عليه ويقضي عليه
بمجرد أن يُقدم الدكتور شين على خطوته ويدخل الرئيس في غيبوبة تامة ستُعلن الوصية فورًا
ولكن إذا تم الإعلان عن الوصية كما هي الآن فستكون غير مناسبة بالنسبة لك
لا بأس سأقوم بتعديلها بحيث لا تضرّني
قال المحامي جو إن الوصية تُفتح فقط في حال أصبح الرئيس غير قادر على أداء مهامه
لقد فعل ما هو أبشع ليحافظ على مكانه فكيف سيكون تزوير وصية شيئًا صعبًا عليه
ارتسمت على شفتي جيهان ابتسامة قاسية
أمي سأصبح الرئيس الأعلى لعائلة هوجين
أظهر جيهان ورقته التي لم يُفصح عنها لأحد قط
أنتَ رئيس العائلة
خفق قلب السيدة أوه بشدة حين لمحت بريق الطموح في عينيه
لبضع لحظات تخيلت جيهان وهو يتربع على قمة السلطة في عائلة هوجين
إذا مات موجين وهو في غيبوبة فسيُتاح لهما دخول العائلة بالفعل
وليس هذا فقط
مع مرور الوقت وعندما يتنحى مينغوك عن منصبه سيخلفه جيهان ليكون الرئيس الأعلى
خطة مثالية باستثناء عائق واحد فقط
سو جايها
لو اختفى ذلك اللعين لأصبحت الخطة مثالية
قرأ جيهان تعبير والدته دون أن ينبس بكلمة ثم أمال جسده إلى الوراء على مقعد السيارة
إن وُجد من يقف في طريقي سأُزيحه بلا رحمة
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 103"