كانت السيدة أوه جالسة في طابق البنتهاوس العلوي الذي يطل على منظر نهر الهان المفتوح على مصراعيه.
كانت تجلس على الأريكة وتميل كأس الويسكي في يدها، لكنها وضعت الكأس ما إن سمعت صوت باب المدخل يُفتح.
ثم توقف صوت خطوات تسير في الرواق، وظهر جيهان.
وبمجرد أن رأته، أقبلت عليه السيدة أوه بوجه متهلل من الفرح.
“أجئتَ يا بُني؟”
إلا أن جيهان مرّ بجانبها دون أن يُلقي لها بالًا وتوجّه بخطى واسعة نحو غرفة المعيشة.
السيدة أوه رمشت بعينيها وهي تلاحظ ملامح وجه جيهان غير العادية.
صحيح أنه لم يكن حنونًا بطبعه، لكنه لم يكن يومًا بهذه البرودة.
بدا واضحًا أنه كان مستاءً بشدة، ربما بسبب قضية إنتيك
أخذ كأس الثلج الموضوع على الطاولة وملأه بالماء ثم شربه دفعة واحدة.
“هل هو بسبب مقال إنتيك؟ لقد تحدثت مع والدك بشأن ذلك الأمر و…”
“لا حاجة لذلك!”
صرخ جيهان بغضب، قاطعًا حديث السيدة أوه الذي امتلأ بالقلق.
من الذي دفعه إلى حافة الهاوية بهذا الشكل؟!
– طَق!
لم يستطع كبح الغضب المتصاعد داخله، فوضع الكأس على الطاولة بعنف كمن يلقيه.
ثم حدّق في وجهها بنظرات حادة وسأل:
“أبي! ها، هل ذلك الرجل المقيم حاليًا في أمريكا هو حقًا والدي؟”
“هاه؟ ماذا تقصد…؟”
بدا الذهول على وجه السيدة أوه من السؤال المفاجئ عن والده.
لكن عينيها سرعان ما وقعتا على الأوراق التي يحملها جيهان
وفور أن رأت شعار معهد الأبحاث الجينية المختوم على الظرف، ارتجف طرف شفتيها.
“كنت أظن طوال حياتي أنني من دم هوجين! في ذلك البيت الخانق، كنت أعيش باعتزاز لمجرد أنني أحمل دم نائب الرئيس في عروقي، حتى وإن كنت نصفًا فقط!”
“…جي… جيهان…”
“لكن أن لا أكون ابنًا بيولوجيًا؟!”
انفجر غيظه وهو يلقي الظرف الذي كان في يده على الطاولة.
تناثرت الأوراق من الظرف، وعينا السيدة أوه كانتا ترتجفان وهي تحدق فيها.
“ك… كيف حصل على ذلك؟!”
كان سرًا قد أبقته مخفيًا بعناية، لا يعرفه أحد.
فأدركت أن جيهان قد عرف حقيقة ولادته، فما كان منها إلا أن وضعت يدها على شفتيها من الصدمة.
“من هو؟ من هو والدي الحقيقي؟”
“………”
السيدة أو التزمت الصمت أمام إلحاح جيهان على معرفة من هو والده الحقيقي.
وبدا أن جيهان ضاق ذرعًا بصمتها، ففكّ ربطة عنقه بعصبية.
ذلك الصمت الطويل كان أبلغ من الكلام.
كأنما يخبره أن والده البيولوجي شخص منحط لدرجة أنه لا يُمكن التلفّظ باسمه.
اشتد به العطش، فأمسك بزجاجة الويسكي التي كانت السيدة أوه تشرب منها وشرع يشرب منها مباشرة.
رغم أن السائل القوي كان يحرق حلقه دون توقف، إلا أن ظمأه لم يهدأ.
“لِمَ… لِمَ فعلتِ ذلك؟! كيف لكِ أن تفعلي شيئًا كهذا؟!”
صرخ جيهان من أعماق صدره، متألّمًا بصوت مبحوح وهو يواجه السيدة أوه
منذ اللحظة التي تسلّم فيها نتيجة فحص النَسَب، أحسّ كأن صدره قد اختنق.
كل الجهد الذي بذله عبر السنين انهار فجأة.
كم مرة عاش على أعصابه متوترًا منذ دخل بيت بيونغ تشانغ-دونغ؟!
لم ينعم بلحظة راحة منذ ذلك الحين، حتى أنه لم يمدّ رجليه لينام براحة ولو لليلة واحدة.
لأنه لم يكن سوى نصف إنسان، كانت حياته حربًا مستمرة.
والآن، تبيّن أن حتى ذلك النصف كان مزيفًا.
لم يعد قادرًا على كبح شعور الغضب المتصاعد، فأسقط كل ما على الطاولة أرضًا.
– وَاجَانْجْ!
تحطمت كؤوس الزجاج على الأرض وأحدثت ضوضاء حادة.
“جيهان! م… من أين عرفت؟!”
تمسّكت السيدة أوه بطرف كمه، مذعورة.
من هو ذلك الشخص الجريء الذي أخبر جيهان بالحقيقة؟!
لقد أخفت هذا السر بإحكام طوال عشرين عامًا.
بدت وكأنها على وشك اتخاذ قرار بالتخلّص من ذلك الشخص فورًا، فقد اشتعل بريق حاد في عينيها.
“هل من المهم الآن من أخبرني؟! رئيس مجلس الإدارة يعلم!”
أزاح جيهان يدها بعنف عن ملابسه.
وما إن سمعت أن موجين يعرف، حتى تدلّت يدها بتراخٍ.
كان جيهان قد تلقى تقريرًا من السكرتير كيم في طريقه إلى البنتهاوس.
تقرير عن أن موجين استدعى جايها إلى منزل بيونغ تشانغ-دونغ
لو كان الأمر في وقت آخر، لما أولاه اهتمامًا، فجدّه دعا حفيده فقط، لا أكثر.
لكن التوقيت لم يكن عاديًا، ما جعله يشعر بالتوتر.
أن يستدعيه إلى البيت وليس المكتب يعني أنه أراد تفادي أنظار الآخرين.
فهل كان هناك اتفاق سري بينهما؟
رغم أن موجين قال إنه سيفكر بتعيين مدير تنفيذي محترف بعد شغور منصب الوريث، إلا أنه لا سبب ليتجاهل جايها الذي هو الأجدر بذلك المنصب.
لقد نشأ وتربى على يده كوريث طوال حياته.
إلى الآن، كان جايها مشتتًا في الخارج، لذا استطاع جيهان أن يتقدم للوراثة.
لكن إن تنحّى هو، فلن يكون أمامهم سوى جايها لتولّي المنصب.
حين وصل إلى هذه الفكرة، قبض جيهان على قبضته بعنف.
“مستحيل! لا يمكن أن أترك “هوجين لسو جايها”!”
جلست السيدة أوه على الأرض مطأطئة رأسها، ثم أطلقت ضحكة خافتة.
هل فقدت عقلها؟
نظر إليها جيهان بوجه مشوّه من الغضب لرؤيته لها بهذا الشكل المتداعي وهي تضحك.
“ذاك العجوز… يعرف؟”
مدّت السيدة أوه يدها والتقطت الأوراق المتناثرة على الأرض.
كانت مصدومة للغاية من أن ذلك العجوز اكتشف السر الذي أخفته بإحكام.
يوم دفعت بـجيهان إلى منزل بيونغ تشانغ، تخلّت عن ضميرها كإنسانة.
وبطريقتها المحكمة، أجرى موجين فحص النسب بنفسه، وتمّ التلاعب بالنتائج ليثبت أن جيهان ابن مينغوك البيولوجي.
وبذلك أصبح الابن الثاني لعائلة هوجين، وعاش بسلام نسبي.
“ذاك العجوز اكتشف الحقيقة!”
بعد وفاة سو كيونغ ، والدة جايها ، ظنّت السيدة أوه أن المكان أصبح حقًا من نصيبها.
لكن موجين لم يقبل بها رغم أنها أتمّت معه تسجيل الزواج رسميًا.
رفضه القاطع كان شديدًا لدرجة أن حتى مينغوك رفع يديه مستسلمًا.
“أيعقل… أنّه كان يعلم منذ البداية بأن جيهان ليس ابنه البيولوجي؟”
لكنها سرعان ما هزّت رأسها.
“مستحيل.”
لقد عرفت موجين على مدى عشرين عامًا، ولم يكن من النوع الذي يتغاضى عن أمر كهذا.
بيدين مرتجفتين، قلّبت السيدة أوه الصفحة الأولى من الأوراق.
كانت عيناها ترتجفان دون توقف وهي تقرأ تقرير نتيجة فحص النَسَب.
وحين وصلت إلى النتيجة التي تُثبت عدم التطابق، مزّقت الورقة دون رحمة.
“من الذي أخبرك بهذه الحقيقة؟”
سألت السيدة أوه وقد انقلبت ملامح وجهها فجأة، فأجاب جيهان بصوت منخفض:
“أخبرني بها رئيس مجلس الإدارة.”
فالتوى فم السيدة أوه كما لو كانت تتوقع هذا الجواب.
لم يكن هناك من يمكنه قول هذا الكلام سوى موجين
في الواقع، كانت السيدة أوه قد تحدثت مطولًا مع مينغوك قبل مجيء جيهان
ولم يبدُ على مينغوك أنه علم بالحقيقة بعد، فلو علم لكان قد أشار إلى الأمر في حديثه.
“لو كان موجين ينوي كشف الأمر، لفعل ذلك منذ زمن.”
موجين لم يُخبر مينغوك أيضًا بحقيقة نسب جيهان
وهذا معناه أنه يُخفي شيئًا في نفسه.
وقد جاءت رحلة مينغوك إلى أمريكا في هذا التوقيت كضربة حظ لا تُعوض.
“نعم، هذه فرصة منحنا إياها القدر.”
“لا تُعِر اهتمامًا لنتيجة هذا الفحص السخيف أنت ابني.”
“…”
“وأنت الابن الثاني لعائلة هوجين، والوريث الشرعي للمجموعة.”
ضحك جيهان ضحكة يائسة عند سماعه كلماتها الحازمة.
كيف لها أن تزجّ به في هوجين رغم أنه ليس ابنًا بيولوجيًا، ثم تقول هذا الكلام؟
نظر إليها بعينين تفيض منهما الكراهية والاشمئزاز.
“هذه الحقيقة لن تتغير أبدًا.”
قالت السيدة أوه وهي تنهض من مكانها، تلمع عيناها بنظرات شرسة.
اقتربت من جيهان الذي كان واقفًا جامدًا، وربّتت على كتفه بابتسامة.
“لا تقلق، جيهان لديّ كل الطرق والوسائل.”
“هاه…”
أضافت كلماتها بابتسامة باردة تبعث على القشعريرة:
“ستتولى قيادة هوجين لا محالة.”
***
حتى قبل لحظات فقط، كان قلبي يخفق بعنف، لكنه هدأ الآن كأن شيئًا لم يكن.
وضع جايها كوب شاي الأعشاب الذي كان يحمله في يديه فوق الطاولة الجانبية.
“عندما تُصاب بالصدمة، من الأفضل أن تشرب شيئًا دافئًا.”
قالها وقد بدا غير راضٍ عن إصراري على المشروبات الباردة حتى النهاية، ثم اقترب بهدوء وجلس إلى جانبي على السرير، وناولني الكوب الآخر المتبقي.
“أشعر بحرقة في صدري، لذا أحتاج لمضغ بعض الثلج على الأقل.”
رأيته يضحك، وكأن لا حيلة له أمامي.
اقترب أكثر حتى أصبح خلفي، وضمني إليه من الخلف.
“حقًا… لا أصدق أن ذلك الرجل لم يكن الابن البيولوجي لنائب الرئيس إنها صدمة هائلة.”
سمعت من جايها، العائد من لقاء رئيس مجلس الإدارة، أن جيهان لم يكن ابنه الحقيقي.
حين سمعنا للمرة الأولى عن موضوع الحساسية في مستشفى دايجين، ظننت أن الأمر مستبعد، لكن… الآن بدت الحقيقة جليّة، وصادمة.
ذلك الرجل الذي سلب مني كل شيء، لم يكن حتى من دم هوجين
“إذًا، من هو والد سو جيهان الحقيقي؟”
مهما يكن، فإن مجرد التفكير بأنهم أخفوا هذا الأمر لأكثر من عشرين سنة جعلني أرتجف.
في أحضانه الدافئة، كنت أرتشف الشاي، حين سمعت صوته الهادئ يتسلل إلى أذني.
“أرأيتِ؟ ما كان عليّ أن أخبرك.”
“لماذا؟”
تمتم جايها بنبرة متذمرة:
“أعتقد أنك ستقضين اليوم بأكمله تفكرين في سو جيهان مجددًا أتمنى لو كنتِ تفكرين بي بهذا الشكل.”
“حتى لو كان التفكير نفسه، فالمشاعر مختلفة، أليس كذلك؟”
كيف له أن يضع نفسه وجيهان على قدم المساواة؟
لم أتمالك نفسي من الضحك.
لكن فجأة تذكرت اتصال رئيس مجلس الإدارة.
كان قد طلب أن نتناول الغداء معًا في عطلة نهاية الأسبوع.
“جايها، هل علمت أن رئيس مجلس الإدارة طلب منا الحضور نهاية الأسبوع؟”
“هذا الأسبوع؟ إلى المنزل الرئيسي؟”
فتح جايها عينيه دهشة، وكأنه يسمع ذلك للمرة الأولى.
“ألم يخبره رئيس المجلس؟”
كنت أظن أنه قال له ذلك، بما أنهما التقيا اليوم، لكن يبدو أنه لم يكن يعلم.
“ليس إلى المنزل الرئيسي، قال إنه حجز مطعمًا، وإنك مدعو أيضًا إن كان جدولك يسمح.”
شعرت بيده التي كانت تداعب ظهري تتوقف للحظة.
“هل هذا بسبب سو جيهان”؟”
“من يدري؟ لا أعلم.”
أجابني جايها وهو يتظاهر بالجهل، لكن تعبيرًا غريبًا مرّ على وجهه.
كأنه يشك في شيء ما.
ثم دفن وجهه في عنقي، وكأن دعوة رئيس المجلس لم تعد تهمه.
شعرت بحرارة أنفاسه تتسلل إلى بشرتي.
“إذًا، يوجين ، هل تنوين الذهاب إلى ذلك اللقاء؟”
“بالطبع، لا يمكنني الرفض، إنه رئيس مجلس الإدارة بعد كل شيء.”
كلما تحدث، كانت أنفاسه تمس رقبتي، ما جعلني أتحرك بلا وعي.
ثم أدركت فجأة أن يديه تدوران حول خصري.
“مهلًا، جايها ، هذا يدغدغ… ما هذه اليد؟”
“أي يد؟”
متى وضع يده هناك أصلاً؟
استدرت نحوه مباشرة، ومع أنني كنت أعلم أنه يدرك تمامًا ما كنت أعنيه، إلا أنه تظاهر بالبراءة.
ضحكت من تصرفه الماكر، ودفعته على كتفه بمزاح، لكن…
“مهلًا…”
“انتظر، لقد دفعتك، فكيف سقطت أنا؟”
كيف انتهى بي المطاف على السرير؟
نظرت لأعلى، فرأيته يحدق بي من فوق.
“ظننتك تجذبينني.”
ما إن زال الارتباك حتى ارتسمت على وجهي ابتسامة، تأثُّرًا بتغير الأجواء المفاجئ.
“هذا ليس موقفًا يُضحك عليه.”
قال ذلك وهو يحدّق بي، شفتاه تلتويان بابتسامة خفيفة.
“هذا الموقف… كيف انتهى بي الأمر بالسقوط و…”
“همم.”
لم يسمح لي بإكمال حديثي، بل مال نحوي فجأة، وطبع قبلة ناعمة على شفتي.
مع أننا كنا في حديث جاد حتى اللحظة، إلا أن التفكير في جيهان تلاشى كليًّا.
كان جايها يقبّلني بشغف، وكأنه يريد أن يمحو من فمي طعم شاي الأعشاب كله.
واستمر الأمر هكذا لفترة طويلة، حتى ارتفعت أنفاسنا واضطربت.
حين ابتعدت شفتاه أخيرًا، قال بصوت خافت:
“أرأيتِ؟ لا وقت للضحك.”
كانت عيناه الهادئتان تشبهان سطح البحر في الليل، لكنني رأيت فيها شرارة خفيفة.
بابتسامة هادئة ارتسمت على شفتي، جذبته إليّ من جديد.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 101"