تركتُ “جيهان” خلفي، وهو يرمقني بنظرات مشتعلة توشك أن تنفجر، وتحركت بخطواتي.
حتى أثناء سيري، كان جسدي كله يقشعر كلما تذكرت “جيهان” الذي لم يستطع التفوه بكلمة واحدة.
تلك النظرة التي أدرك فيها أنه لا يستطيع فعل شيء… طوال خمس سنوات من معرفتي له، لم أرَ ذلك التعبير على وجهه من قبل.
خرج “جايها” من حانة النبيذ متجهًا إلى المصعد المؤدي إلى الغرف.
رغم أنني ابتعدت عن مرأى “جيهان”، إلا أن “جايها” ما يزال ممسكًا بمعصمي بقوة.
كان معصمي المحاصر بين يديه الكبيرتين يكاد يحمى من شدة الحرارة.
“أ… سأعود إلى المنزل.”
“…”
“سيد سو جايها؟”
هل ينوي حقًّا أن يأخذني إلى غرفته؟
وقف “جايها” أمام المصعد وضغط على الزر.
كان من المفترض أن تنتهي هذه المسرحية، التي تهدف إلى إثارة غيظ “سوجيها”، عند هذا الحد.
ولكن رغم أنني ناديته مجددًا، إلا أنه لم يُبدِ أي حركة.
هل يريد حقًا أن نصعد إلى الغرفة التي يقيم فيها؟
“… ألم تسمعني؟ قلت إنني سأعود إلى المنزل.”
بينما كنت ألتف لأحرر معصمي من قبضته، أوشك المعطف الذي كان يغطي كتفي أن ينزلق.
“هاه… ابقِ ساكنًا ألا تدركين كيف تبدين الآن؟”
قال ذلك بصوت خفيض، ثم سارع إلى تعديل المعطف الذي كاد أن يسقط، ما جعلني أرتجف من لمسته المفاجئة.
“ترين ذلك الرجل الجالس في الردهة؟ ذاك الذي يحمل جهازًا لوحيًّا.”
“ماذا؟ … نعم.”
حين حولت نظري إلى حيث أشار، رأيت رجلًا يجلس على الأريكة في منتصف الردهة.
كان يحمل جهازًا لوحيًّا، وعيناه الحادتان تجوبان المكان وكأنهما تراقبان شيئًا.
وفي اللحظة التي أوشك نظره أن يقع عليّ،
وقف “جايها” أمامي بجسده العريض ليحجبني عنه، وهمس قائلًا:
“إنه صحفي اشتهر بتغطية أخبار عالم المال.”
“لماذا الآن بالذات يوجد صحفي هنا…؟”
قطبت جبيني لا إراديًّا بسبب هذا التوقيت البائس.
عندها فقط فهمت ما كان يحاول “جايها” قوله.
فملابسي المبللة بالنبيذ كانت كافية لجذب أنظار الجميع.
في تلك اللحظة، دفعني “جايها” إلى داخل المصعد الفارغ الذي انفتح بصدفة مناسبة، وابتسم بمكر.
“إن لم تريدي أن تكون نهاية انتقامك اليوم، فاستمعي لي.”
“آه…”
حين التقت عيناي بعيني الصحفي الجالس بعيدًا، سارعت بصرف نظري.
رغم أن النظرة لم تستغرق إلا لحظة، إلا أن حدة بريقها أشعرتني بقشعريرة تسري في جلدي.
ومع ذلك، كان اتخاذ قرار حاسم أمرًا صعبًا، فترددت يدي فوق زر إبقاء المصعد مفتوحًا.
بينما كنت أتردد، لا أستطيع أن أتحرك لا إلى الأمام ولا إلى الخلف،
اقترب “جايها” الذي كان واقفًا أمام باب المصعد، ليملأ رؤيتي بالكامل.
“ألم تقولي إنك أردتِ أن تسمعي إجابتي؟”
أمسك بيدي الفارغة، ووضع فيها بطاقة.
“سأعطيك الجواب عن العرض الذي اقترحته عليّ في ذلك الوقت.”
كانت نظراته تقول: “إن أردت سماعه، فاصعدي بهدوء.”
لم ألتقه اليوم لأقع في موقف كهذا…
بتنهيدة خفيفة، رفعت إصبعي عن زر إبقاء المصعد مفتوحًا.
يبدو أن قراري أرضاه كثيرًا، إذ ابتعد خطوة إلى الوراء عن باب المصعد.
“آه، وبالمناسبة، إن شعرتِ بعدم الارتياح، يمكنكِ ارتداء ملابسي.”
كيف يُفترض بي أن أرتديها…؟
قال ذلك وهو يبتسم ببطء من خلال الفتحة الضيقة للمصعد الذي كان يغلق ببطء.
***
كانت غرفة “جايها” تقع في أعلى طابق ملكي.
وكما يليق بالغرفة التي يقيم فيها، بدت مرتبة ونظيفة كأنها مُنظَّمة بدقة بالغة.
“لا يبدو وكأنه مكان يعيش فيه إنسان.”
استدرت بعدما كنت أتأمل المنظر الجميل خلف النافذة.
كنت على وشك الجلوس على الأريكة الموضوعة أمام النافذة، لكنني تذكرت أنني مبللة بالنبيذ، فاعتدلت واقفة.
قبل صعودي إلى غرفته، لم أكن أنوي تغيير ملابسي أصلًا.
ولكن حين رأيت مظهري في المرآة، أدركت أن لا خيار آخر لدي.
فليس قميصي المبلل وحده ما كان ملتصقًا بجسدي، بل وشعري المبتل أيضًا بدا فوضويًّا للغاية.
“لا بأس إن استحممتُ.”
بعد تردد طويل، دخلت إلى الحمام.
وبعد أن أنهيت الاستحمام، ارتديت قميصًا واسعًا من قمصان “جايها” وخرجت.
بينما كنت أُجفف شعري وأنا أخرج، التقت عيناي بعيني “جايها” الذي كان واقفًا في الغرفة.
كان يبدو مذهولًا لا يقل عني.
“متى جاء…؟”
شهقت لا إراديًّا.
كان يحدق في الماء المتساقط على خدي عبر خصلات شعري المبلل.
ثم بدأت نظراته العميقة تنزلق ببطء من جبهتي إلى عيني، ثم إلى أنفي، ففمي.
“لم أكن أتوقع أن تستقبليني بهذا الشكل…”
اقترب مني حتى كاد أن يلامسني، وكانت ملامحه تتغير بشكل طفيف وكأنه قد شم رائحة عطر السيترس التي كانت تفوح مني.
فقد استخدمتُ عطر الحمام الخاص به، فاختلطت رائحته بجسدي.
“آه… لقد أرسلتُ القميص للتنظيف الجاف قالوا في الاستقبال إنهم سيتكفلون بذلك.”
حين خفضت نظري، رأيت أن يديه، اللتين كان قد ذهب لشراء الملابس بهما، فارغتان.
لا أدري إن كان قد عاد الآن أم أنه جاء إلى هنا بعدما شعر بوجودي.
“بما أن السيد جايها قال إنه يمكنني استعارة الملابس، فقد ارتديت قميصًا.”
حين فتحت خزانته للمرة الأولى، أخذت أول قميص وقع في يدي من بين مجموعة القمصان المرتبة.
كنت أنوي ارتداء شيء آخر، لكن لم أرغب في تفتيش خزانته كثيرًا.
ضحك “جايها” ضحكة قصيرة لا تصدق، وانفرجت شفتاه بابتسامة ساخرة.
“كان يجب أن تكون هناك بعض القمصان العادية أيضًا… ولكن، ألا كان من الأفضل أن تجففي شعرك على الأقل قبل الخروج؟”
حين انزلقت نظراته من وجهي إلى ساقي العاريتين، تذبذب بريق عينيه بشدة.
عندها فقط أدركت كيف أبدو.
احمر وجهي على الفور وتراجعت خطوة إلى الوراء.
“كلما تراجعتِ بهذه الطريقة، ازداد وضوح كل شيء.”
تجمدت في مكاني عند سماعي همسه الخافت الذي قال فيه إن تراجعي يجعله يرى كل شيء بشكل أوضح.
بينما كنت عاجزة عن فعل شيء، كان قلبي يخفق بعنف.
تنهد “جايها” تنهيدة عميقة وكأنه يتمتم، ثم سار نحو داخل غرفة المعيشة.
لم أفعل ذلك عن قصد.
سرت خلف “جايها” الذي تقدمني.
على الطاولة أمام الأريكة، كانت هناك شاي أعشاب يفوح منه عبير خفيف لا أدري متى تم تحضيره.
“ولكن، ألم تذهب لشراء الملابس؟”
“لم أستطع العثور على متجر مفتوح بالجوار، فأرسلت سكرتيري.”
“آه… في هذا الليل المتأخر، سيكون من الصعب إيجاد متجر يمكنني فقط ارتداء القميص بعد أن يتم تنظيفه بالتنظيف الجاف.”
قالوا إن الأمر لن يستغرق سوى ساعتين، فكنت أنوي ارتداء ملابسي والانصراف بعدها.
خطتي التي كانت تقضي بتناول كأس نبيذ في بار هادئ للحديث عن العرض السابق، تلاشت تمامًا.
“تحطمت تلك اللحظة حين التقيت بهذين الاثنين.”
كيف آلت الأمور إلى هذا الحال؟
“مدة التنظيف الجاف قد تكون قريبة من الوقت الذي يستغرقه السكرتير لجلب الملابس.”
“…….”
“فقط ارتدي الملابس الجديدة واذهبي تخلصي مما لا يناسبك.”
كان القميص كبيرًا لا يناسب جسدي ومع ذلك، حين رآني مترددة، تحدث إليّ بنبرة خافتة.
“ثم إنه من الأفضل أن تبقي هنا الآن.”
في عيني “جايها” بريق غريب وهو يواصل حديثه بنبرة غامضة.
“سو جيهان سيكون ميتًا من الفضول حول ما نفعله الآن ينبغي أن نترك له شيئًا يتخيله، أليس كذلك؟”
في النهاية، قررنا أن أبقى حتى يتم الانتهاء من تنظيف بلوزتي.
وهكذا، حل الصمت مجددًا بيني وبينه.
باستثناء صوت ارتشافي للشاي، كانت الغرفة هادئة إلى حد مربك.
ومع ذلك، بدا أن “جايها” لا يجد الصمت غريبًا، فقد كان يقرأ كتابًا كان موضوعًا فوق الأريكة.
“هل يجب أن أسأله عن رده على العرض؟”
في الحقيقة، جئت إلى هنا لسماع رده على العرض الذي قدمته له.
لو لم يقبل هذا الرجل، كان عليّ أن أبحث عن شخص آخر.
لكن لا أحد يناسب هذا المنصب كما يناسبه “سو جيها”.
“هل أنتِ جادة؟”
اخترقت أذني صوته المنخفض بينما كان يقرأ الكتاب.
حين رفعت رأسي، التقت عيناي بعيني “جايها” الذي كان ينظر إليّ.
“ما قلته بشأن الانتقام.”
أغلق الكتاب الذي كان يحمله.
“نعم ، أنا جادة.”
نظرت إليه بعينين ثابتتين دون تردد.
كنت أرغب بشدة في الإطاحة بـ”سو جيهان” و”هوجين” فورًا.
“قلتِ إنك تستهدفين رئاسة مجموعة دبيلو أليس كذلك؟”
“…….”
“سأتولى ذلك المنصب.”
بعد لحظة صمت، قال إنه سيقبل العرض، وارتسمت على شفتيه ابتسامة غامضة.
حين قال إنه سيقبل، شعرت بأن التوتر الذي كان يحيطني قد انحل.
تساءلت عما يدور في رأس “جايها” وهو يراقبني واضعًا ذراعيه على صدره.
لكن نظراته كانت ساكنة تمامًا، تخفي أي مشاعر.
“بصراحة، لا يمكنني أن أثق تمامًا بالسيدة “يون يوجين”.”
تابع حديثه بنبرة هادئة.
بخلافي، أنا التي عدت إلى الماضي، كان “جايها” يعيش حاضره، لذا كان من الطبيعي ألا يثق بي.
فهو لم يكن يمتلك المعلومات والذكريات التي جمعتها من حياتي السابقة.
“ولكن عرضك حينها كان مغريًا للغاية يصعب رفضه.”
قال ذلك بنظرة غامضة وكأنه يسترجع ما حدث في تلك الليلة.
“قلتِ إنك ستعجلين الموعد، أليس كذلك؟”
“نعم قلت إنه يمكنني تسريع خطتك الحالية.”
كانت تلك هي الجملة التي قلتها له في الليلة التي التقينا فيها على انفراد.
ثم اقترب مني “جايها”، مائلًا بجسده نحوي، وهمس لي:
“أوفي بوعدك لنسقط مجموعة “هوجين” سويًّا.”
كانت نظراته تتلألأ بشراسة حين تحدث عن الانتقام.
“بالطبع الانتقام من “هوجين” هو أيضًا انتقامي.”
“…….”
“يمكنك أن تثق بي في هذا الأمر.”
رابطة أنشأها الانتقام الذي لا يمكن التخلي عنه.
كنت أعرف أنه لن يثق بي بسهولة.
لكنني كنت متأكدة من أننا سنكون شريكين رائعين.
فقد أخبرني حدسي بذلك.
برررن.
رن جرس الباب، قاطعًا السكون بيني وبينه.
وقفت معتقدة أن الملابس التي أرسلتها للتنظيف قد وصلت، لكن “جايها” أعادني إلى الأريكة بيده الكبيرة.
وأشار إلى مظهري المثير للشفقة وقال:
“بأي هيئة كنتِ تعتزمين الخروج؟ ابقي هنا.”
وبعد فترة وجيزة، دخل إلى غرفة المعيشة برفقة رجل آخر.
بدأت أتخيل من قد يكون هذا الرجل.
لم أكن على دراية كبيرة بمحيط “جايها”، إذ لم تكن علاقتي به وثيقة من قبل.
لكني خمّنت أن الرجل القادم معه لا بد أن يكون السكرتير الذي جاب أنحاء سيول لجلب الملابس بدلاً عني.
“تشرفت بلقائك. أنا “هان سونج-جون”. يمكنك مناداتي بالسكرتير “هان”.”
“مرحبًا، سكرتير هان أنا “يون يوجين”.”
وضع أمامي سترة بغطاء رأس وبنطالًا اشتراهما من مكان ما.
على الرغم من أن بلوزتي التي أرسلتها للتنظيف كانت ستصل قريبًا، لم يلغِ “جايها” أوامره.
“آسفة حقًّا لا بد أن المتاجر المفتوحة في هذا الوقت قليلة للغاية…”
“هاها لا بأس هذا لا يعد شيئًا.”
“لقد أتعبتك.”
بعد أن بدلت ملابسي بما أحضره السكرتير “هان”، عدت إلى غرفة المعيشة، فوجدت “جايها” جالسًا وحده وقد أنهى استعداداته.
ويبدو أن السكرتير قد غادر أثناء تبديلي لملابسي.
كان يومًا طويلًا بالفعل.
وحين نظرت من النافذة خلفه، كان الليل الحالك يغطي السماء.
“لنذهب سأوصلكِ.”
“لا بأس سأذهب وحدي سآخذ سيارة أجرة.”
“سيكون أقل تعبًا لو ذهبتُ معك بدلاً من أن يحدث أمر مزعج.”
بما أنه أصر على ذلك…
وبصراحة، كنت قلقة من الصحفيين، لذا أومأت برأسي دون اعتراض أمام حديثه الحازم.
.
.
.
بينما كانت السيارة تنطلق في طريق خالٍ تقريبًا، دخلنا إلى مجمع الشقق، وتوقفت السيارة ببطء.
كنت على وشك النزول، ثم استدرت نحو مقعد السائق.
“آه…”
ماذا كنت سأفعل لولا مساعدته؟
تخيلت نفسي أعود إلى البيت وحدي مبللة بالنبيذ، فشعرت بالدوار.
“شكرًا لك.”
“لا داعي لذلك إنه أمر بسيط.”
عيناه اللتان كانتا تحدقان بي كانت ساكنة للغاية.
ومع ذلك، بدا وكأنه شعر ببعض الإحراج، فأدار نظره بعيدًا.
ابتسمت له ابتسامة رقيقة، ثم نزلت من السيارة.
وبينما كنت أراقب سيارته تبتعد، استدرت للدخول إلى المجمع السكني.
لكن في تلك اللحظة، أمسك شخص ما بمعصمي فجأة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 10"