الطلاق كان سهلاً.
“بالاتفاق بين الطرفين، أُصدر الحكم بالطلاق في القضية رقم 2020.”
ما إن خرجت كلمة “الطلاق” من فم القاضي حتى أغمضت عينيّ بشدة.
الطلاق الذي قيّدني وأتعبني، انتهى ببساطة لم تستغرق سوى بضع دقائق.
حياتي الزوجية التي لم يكن لها أي معنى، خمس سنوات من جهدي لخصتها ورقة واحدة.
“لقد انتهى كل شيء الآن حقاً…”
فتحت جفنيّ، فرأيت رجلاً يحدّق بي بصمت.
الرجل الذي كان زوجي طوال خمس سنوات، والذي أصبح الآن غريباً عني.
“سوجي هان.”
قبضت على يدي بشدة حتى غاصت أظافري في جلدي.
وبعد هذا الصراع الطويل الذي خضته معه، لم يتبقَ لي شيء.
فقدت عائلتي كلها.
العائلة الوحيدة التي كانت تساندني تفككت، وأصبحت بلا شيء وذلك كله بسبب ذلك الرجل الذي كان زوجي.
“لماذا لا توكلين إليّ إدارة مجموعة عائلتك؟ أنا زوجك، أليس كذلك؟”
“اعتمدي عليّ، يا يوجين دعيني أساعدك.”
رغم أنه زواج مرتب من أجل المصلحة، وثقت به.
ذلك الرجل الذي خان ثقتي، كان يهمس بكلمات الحب مع أعزّ صديقاتي وأقربهن إليّ، وعلى مدار خمس سنوات.
“لنطلّق إن انسحبتِ الآن، سأعطيكِ حصتي في مجموعة هو جين.”
“على أي حال، لا تملكين القدرة على حماية مجموعة W أنت تعرفين ذلك، ولهذا أوكلتِ الأمر لي، أليس كذلك؟”
“لماذا تبدين بهذا الشكل البائس؟ أنتِ من وثق بي بإرادتك هذا أقصى ما أستطيع فعله من أجلك.”
ظلّ يضغط من أجل الطلاق بحجة أن حصتي قليلة.
رغم أنه استولى على مجموعة عائلتي، قال لي إنه يجب أن أكون ممتنة لأنه سمح لي بالاحتفاظ بالقليل مما أملك.
“لقد وثقت بك حقاً.”
خيانة أعزّ شخصين لدي ما كان عليّ أن أعرّف تشايسرين على زوجي.
لو لم أفعل ذلك… لربما لم ينتهِ زواجي بهذه الطريقة البائسة.
“لا، لا جدوى من الندم الآن…”
خرجت من المحكمة بخطى سريعة، وكأنني أهرب من الاختناق.
وحين وصلت إلى ممر المشاة أمام المحكمة، قبض أحدهم على معصمي بقوة.
كان “جيهان”، يلهث كمن كان يركض خلفي.
“لحظة، دعينا نتحدث قليلاً.”
“عن ماذا؟ أليست كل الأحاديث قد قيلت أمام القاضي؟”
متى كان ذلك الذي طالب بالطلاق بكل تلك البرودة؟
نظر إليّ بوجه عابس، وعندما نظرت إلى يدي التي كانت بقبضته، شعر بالحرج وأطلقها.
“يون يوجين.”
ناداني باسمي بصوته العميق وقبل أن أرد عليه، جاءت من خلفنا تلك النبرة الناعمة التي ما إن سمعتها حتى استدرت ببطء.
كما توقعت، كانت “تشايسرين”.
“أأحضرتها إلى جلسة الطلاق؟”
“لقد كنت في الانتظار منذ وقت طويل.”
نظرت إليّ بتفحّص، ثم ارتمت في أحضانه.
كان ينوي قول شيء لي، لكنه ما إن رأى سيرين حتى أغلق فمه من جديد.
“ادخلي إلى الداخل.”
“أردت أن أكون أول من يستقبلك عند خروجك.”
ردّت عليه بعذوبة ثم نظرت إليّ من طرف عينها.
كانت وكأنها تستفزّني متعمّدة، عندما التصقت به أكثر ابتلعتُ ضحكة ساخرة.
“تشايسرين، أنتِ لا تستحقين أن تُسمّي إنسانة.”
رؤية سيرين وهي تبتسم بين ذراعي الرجل الذي كان زوجي أحرقت قلبي حتى العظم.
استدرت لأغادر، غير راغبة في رؤية هذين الشخصين المجنونين أكثر.
“أوني.” (أختي الكبرى)
نادَتني بذلك اللقب المقزز الذي لا أطيقه، فأدرت وجهي من جديد.
“نحن سنتزوج قريباً وسنبدأ بتسجيل الزواج أولاً، لأنني حامل.”
“توقفي، لا داعي لقول هذا.”
أمسك جيهان بملابسها وهو يومئ برأسه نافياً.
حينها، ترددت في أذني تلك الكلمات التي قالتها لي يوماً وهي تخبرني بخبر حملها:
“أنا حامل… بطفل من زوجك، أختي.”
أي نوع من البشر تتجرأ أن تقول ذلك بهذا الفخر؟
تذكرت ذلك المشهد الكريه، فعضضت شفتي المرتجفتين بشدة.
“أنا ممتنة لكِ.”
“ماذا؟”
تجمد لساني من الصدمة حين سمعتها تقول إنها ممتنة.
“بفضلكِ استطعت أن ألتقي بأخي سأعيش دائماً وأنا ممتنة لكِ من أعماق قلبي.”
في تلك اللحظة، تركها جيهان وتقدم نحوي.
“اعتني بنفسك سنلتقي عند الانتهاء من الأوراق.”
أي وجه لديه ليتمنى لي الخير؟ من بين كل الناس، هو؟
“بل أتمنى لك ألّا تعيش بخير.”
أتمنى أن تكون حياتك الزوجية تعيسة كما كانت حياتي.
استدرت وغادرت تاركة كلماتي الأخيرة وراء ظهري، محاوِلة أن أمشي بثبات دون أن أتوقف.
كلما ابتعدت عن “جيهان”، عادت ذكرياتنا معاً أكثر وضوحاً.
في ذلك المنزل الكبير، كل ما كان يمكنني فعله هو انتظار ذلك الرجل.
رغم أنه كان زوجاً لا يبالي، لكنه كان آخر ما تبقى لي من عائلتي.
كنت متمسكة بذلك الزواج بكل قوتي.
لكن النتيجة؟ خيانة اثنين من أعز الناس إلى قلبي…
وقفت أمام ممر المشاة حين غمرتني الدموع فجأة.
كان الضوء أخضر، والناس يعبرون الطريق، لكنني لم أستطع التحرك.
“هاهك…”
كانت الدموع تنهمر، مشحونة بكل الحقد، والخذلان، والغضب.
وفي لحظة كانت الرؤية تزداد ضبابية، رأيت سيارة تقترب بسرعة دون كوابح.
“هل تلك السيارة… تتجه نحوي؟”
وقفت مذهولة أنظر إليها تقترب، بسرعة أكبر كل لحظة.
ربما… لو متُّ، سأرتاح أخيراً.
وحين أغمضت عيني، كانت السيارة قد اقتربت حتى كادت تدهسني.
رأيت وجه السائق، رجل في منتصف العمر.
“ذلك الشخص هو…!”
رأيت شامة بجانب عينه الضيقة.
تذكرت حينها—ذلك هو الرجل الذي كان “جيهان” يستعين به حين لا يريد أن يلوّث يديه.
“آآاااااه!”
صرخة اخترقت أذني، وكأن أحدهم صرخ بدلًا عني.
ثم سُمعت صرخة الفرامل المفاجئة، وشعرت بجسدي يرتفع في الهواء.
رغم الألم الشديد الذي اجتاح جسدي كله، لم أستطع إبعاد عينيّ عن الرجل الذي وعدني ذات يوم بالأبدية.
“هل… تحاول قتلي؟”
لماذا؟
مددت يدي إلى “جيهان” الذي كان واقفًا بين الناس، دون أن يتحرك.
ويبدو أنه أدرك أنها كانت ممدودة نحوه، إذ تغيرت ملامحه.
“لم يكن من الضروري أن تصل إلى هذا الحد…”
لقد منحتك كل شيء.
لماذا؟
ونظرة عينيه التي بدت وكأنها اعتراف صامت زادت الطعنة عمقاً.
“شخص ما صُدمته السيارة!”
كان صوت سيارة الإسعاف يقترب.
وفي اللحظة التي بدأت فيها أشعر بضعف أطرافي، ومع تلاشي وعيي، أغلقت عيني.
***
رفعت جفني المرتجفين برعشة طفيفة.
عندما استيقظت من الظلام الذي كان يغطّي عليّ كضباب، كان ملمس غريب وخشن يحيط بأطراف أصابعي.
“هل… نجوت؟”
صوت اصطدام أشبه بالانفجار جعل جسدي يحلّق في الهواء بلحظة.
كنت أظن أن الموت بات وشيكاً في تلك اللحظة التي بدأ فيها الوعي يتلاشى.
لكن حين فتحت عينيّ، كان أول ما رأيته هو أرضية رخامية ناعمة وسجادة بيضاء ناصعة.
ثم، من الأمام، سُمعت أصوات التقاط صور بالكاميرا.
“العروس، هذه المرة انظري إلى الأمام أمسكي الباقة في المنتصف، رجاءً.”
توقفت تدريجياً أصوات ضغطات الكاميرا المتسارعة.
أمام عيني، كان هناك مصوّر ينظر إليّ وكأن تصرفي غريب.
“عزيزتي العروس؟”
أسرعت أُدير بصري من حولي، وفجأة سرت قشعريرة في جسدي.
المكان الذي وقعت عليه عيناي كان مألوفاً جداً.
صور زفاف لا تُعد ولا تُحصى مصفوفة على خزانة طويلة، وزهور الزفاف مصطفّة في ترتيب أنيق.
“لا يعقل…”
“عزيزتي، لا يجوز أن تنهضي فجأة! قد تسقطين!”
عندما نهضت بسرعة من مكاني، تعثرت بكعب الحذاء العالي وكدت أقع.
أسرعت امرأة مساعدة نحوي وأمسكت بي قبل أن أختل توازني.
دفعت يدها عني بسرعة، وتناولت إحدى إطارات الصور من فوق الخزانة.
رأيتني أضحك إلى جانب “جيهان” في صورة من صور الزفاف الكثيرة.
“ما الذي تفعله هذه الصور هنا؟”
شعرت كأن أحدهم ضربني على مؤخرة رأسي، إذ بدأ رأسي يدور.
ومع الشعور المفاجئ بعدم الانسجام، استدرت نحو المصوّر.
“عفواً، ما التاريخ اليوم؟”
“اليوم؟ إنه الثامن والعشرون من مايو إنه يوم زفافك، عزيزتي العروس.”
مستحيل.
كيف يكون اليوم هو يوم الزفاف، بينما هو نفس الزفاف الذي أُقيم قبل خمس سنوات؟
بدأ جسدي يرتجف كله.
في حالة من الذهول، أدرت وجهي نحو المرآة.
رأيت في المرآة امرأة ترتدي فستان زفاف ناصع البياض.
شعري مرفوع بعناية نظرت إلى المرأة الواقفة في المرآة، وعندما التقت عيني بعينيها، شهقت وغطيت فمي بيدي.
“هاه!”
خرج صوت أنين مكتوم من بين شفتيّ.
فستان زفاف أبيض يخطف الأنظار، مرصّع بكريستالات سواروفسكي المتناثرة بين طيات التول الفخم.
الفستان الذي يغطي العنق حتى نهايته… كان هو، بالضبط، نفس الفستان الذي ارتديته في زفافي على “جيهان”.
“ما هذا؟ كيف يمكن لشيء كهذا أن يحدث؟”
أتذكر بوضوح السيارة التي اندفعت نحوي.
لا يمكن تفسير حالتي السليمة تماماً، دون خدش، إلا على أنها حلم أو وهم.
“عزيزتي العروس؟”
استفقت من أفكاري على صوت يناديني.
نعم… يجب أن أخرج الآن.
كان عليّ أن أرى بعينيّ لأفهم حقيقة ما يجري.
“إلى أين تذهبين؟ عزيزتي العروس!”
تجاهلت المنادين لي، وخرجت مسرعة من غرفة انتظار العروس.
وما إن خرجت حتى ظهرت أمامي قاعة فسيحة مكتظة بالضيوف والصحفيين.
“هل أنا… أحلم؟”
نظرت حولي بذهول، ثم بدأت ألاحظ النظرات تتوجه نحوي.
أطلقت زفيراً ثقيلًا وقد بلغ التوتر حده.
إن كان هذا زفافي حقاً، فلا بد أن “جيهان” هنا.
ذلك الرجل الذي قتلني وسلبني كل شيء.
كل ما أردته هو الإمساك بياقته والصراخ في وجهه: لماذا فعلت ذلك بي؟
وبينما كنت أبحث عنه بنظري، تسللت إلى أذني أحاديث الضيوف من حولي:
“أين ذهب العريس؟”
“ربما ذهب إلى الحمام؟”
لاحظت حينها أن “جيهان”، الذي كان من المفترض أن يكون في مكانه، غير موجود.
ثم وقعت عيناي على مصعد كان بابه يُفتح لتوه.
ما إن رأيت “جيهان” يخرج من المصعد حتى انقطع نفسي فجأة.
ملامحه، كما رأيتها عندما كنت أموت، عادت إلى ذهني، فارتعد جسدي كله.
“أين كنت؟”
عندما وقفت في وجهه، اتسعت عيناه بدهشة.
“ذهبتُ إلى السيارة للحظة. لكن ماذا تفعلين أنتِ هنا؟”
قال إنه ترك استقبال الضيوف ليذهب إلى السيارة… وهو يرتدي ذلك اللباس؟
كان الأمر مريباً، ولكن ما أثار قلقي حقاً هو ما رأيته على ملابسه.
نظرت إلى الأسفل، إلى طرف سترته الرسمية التي كانت مجعّدة.
ثم لاحظت بقعة صغيرة حمراء بالكاد ترى على ياقة قميصه الأبيض.
“أحمر شفاه؟”
رغم أنها كانت لطخة صغيرة جداً، إلا أن قلبي بدأ ينبض بقوة.
“لا يمكن…”
لا، لا، لا… أتوسل أن يكون ظنّي خاطئاً.
“ما هذا؟”
اقتربت منه وأشرت إلى الياقة وسألته.
نظر إلى ما أشرت إليه، ثم بدا عليه الارتباك.
“آه… اصطدمتُ بامرأة في المصعد، ربما لطّخته دون قصد.”
“هذه البقعة… لا تبدو وكأنها نتيجة اصطدام عابر.”
وفي تلك اللحظة، فُتح مصعد آخر.
وخرجت منه “سيرين”، وعندما رأيتها، كاد قلبي يسقط من مكانه.
“هل حقاً… كانا معاً؟”
كانت تمشي بخطواتها الهادئة، وما إن رأتني واقفة بجانب “جيهان”، توقفت.
بدت متفاجئة حين رأتني خارج غرفة العروس.
“أختي يوجين؟”
تقدمت نحوي بابتسامة مفعمة بالفرح، وكانت تضع أحمر الشفاه نفسه.
“تبدين جميلة جداً، أوني لكن تفاجأت لأنك خرجتِ من غرفة العروس.”
”…”
“ما الذي تفعلينه هنا؟”
كلامها الهادئ والمعتاد جعلني أرتجف من الداخل.
كنت أرى الآن صورة مشوهة تتشكل فوق وجهها — صورة خيانتهما لي في الخفاء.
“هاه، كيف لهما أن يفعلا هذا في قاعة زفافي…”
عضضت شفتي المرتجفة.
خدعاني، وسرقا حياتي، ثم تجرآ على التسلل إلى موقف السيارات الخلفي ليتبادلا كلمات الحب.
“هل أنتما حتى بشر؟”
قلبي كان ينبض بعنف يكاد يمزقه.
“كيف يمكن…”
كنت على وشك أن أصرخ في وجههما، لكنني تماسكت في اللحظة الأخيرة.
الآن ليس الوقت المناسب.
لا يمكنني أن أكتفي بتوبيخهما فقط.
ذلك الشعور القاتل بالخيانة، والخذلان، والألم… يجب أن يعيشاه أيضاً.
“لماذا خرجتما معاً من المصعد؟”
خرج صوتي بصعوبة، مرتجفاً.
تقاطعت نظراتهما المرتبكة للحظة في الهواء.
“ما هذا الكلام؟ على كل حال، عودي إلى غرفة العروس الآن.”
“صحيح أوني، هيا ندخل أريد التقاط صورة معك.”
سيرين أمسكت بذراعي وابتسمت.
في حياتي السابقة، تشاركت مع سيرين الكثير… دون أن أعلم أنها كانت تسرق زوجي.
“كم كنتُ ساذجة بنظرها؟”
تمنيت لو أن كل هذا كان حلماً، لكنني كنت أزداد وعياً ووضوحاً.
مهما بدا كخيال، لا خيار أمامي سوى التصديق.
إن لم يكن هذا حلماً… فقد عدت فعلاً.
عدت إلى الماضي، وأنا أحتفظ بذكريات حياتي السابقة بكل تفاصيلها.
“نجوت من الموت… وعدت للحياة.”
وهذه المرة… لن أكون الضحية.
سأغيّر كل شيء.
وسأفعل أي شيء من أجل انتقامي.
“حتى لو اضطررتُ إلى التضحية بزوجي.”
“ما هذا الصخب والضجيج بوجود الضيوف؟”
استدرت تجاه الصوت المألوف.
كان والد “جيهان”، نائب الرئيس “سو مين غوك”، وجده، رئيس مجلس الإدارة “سو مو جين”، يقتربان منا.
“ربما جاءت تبحث عني لأنني غبتُ قليلاً لا شيء مهم.”
كان “جيهان” يحاول تهدئة الأمور، لكنني ابتسمت بسخرية.
“بل هناك شيء مهم.”
خرج صوتي منخفضاً لكنه تردّد في القاعة كلها، وجعل الجميع ينظر إليّ.
“ماذا تقصدين؟”
ضاقت عينا “جيهان” بتوتر واضح.
“الحدث الحقيقي سيبدأ الآن…”
“أبي، جدي.”
نظرت إلى العيون المتفاجئة لوالد وجَدّ “جيهان”، وابتسمت بابتسامة مشرقة لا تشوبها شائبة.
“لن أتزوج.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 1"