المدينة غارقة في ظلام ما قبل الفجر، والهدوء يخيّم كستار يخفي كل ما يتآمر في الظلال. جلست قرب النافذة الضيقة في غرفتي، أراقب الأضواء الباهتة البعيدة، بينما تدور في رأسي كلمات الأمس: “شخص ما… هو الذي أحضر القلادة، ولم يكن وحده.”
شعرت بصدري يضيق، عقلي يصرخ بأسئلة لا نهاية لها.
“من هو؟ لماذا؟ ولماذا القلادة بالذات؟”
اقتربت مني سيلينا بخطوات صامتة، وضعت كوبًا من الماء بجانبي وهمست:
“أوفيليا… لم تنامي مجددًا، أليس كذلك؟”
هززت رأسي، ابتسامة شاحبة ارتسمت على وجهي:
“كيف أنام؟ كلما أغمضت عيني أرى فريدريك… أراه يضع القلادة أمامي، يتهمني وكأن الحقيقة مكتوبة على وجهي.”
مدّت يدها وأمسكت بي بقوة، نبرتها حازمة على غير العادة:
“إذن لنجعل الحقيقة تتكلم… لا ذكرياته.”
في الصباح، تنكّرنا مجددًا. سيلينا وضعت غطاء رأس داكن، بينما ارتديتُ ثوبًا رماديًا بسيطًا جعلني أبدو كخادمة أكثر من أميرة.
بينما كنا نمرّ من أزقّة المدينة، همست سيلينا وهي تراقب السوق من بعيد:
“التاجر ميرون… سمعت أنه لن يفتح دكانه إلا بعد الغروب. هذا يعني أن لدينا وقتًا لنفكر بكيفية طرح الأسئلة من دون أن نثير شكوكه.علينا ان نجد اجوبة هذه المرة. “
تأملت الجموع المتزاحمة في السوق، شعرت كأن كل وجه ينظر نحوي رغم أنني متخفية.
“لا أريد أن يعلم أحد أننا نبحث عن القلادة… إن عرفوا، فسنكون في خطر حقيقي.”
حين حل الغروب، كان السوق أقل ازدحامًا. رائحة التوابل والجلود المعلقة على الأبواب اختلطت بهواء بارد، كأن الليل يتآمر لستر ما سيجري.
دلفنا إلى متجر ميرون. ولكن هذه المرة وكاننا فتيات اخريات غير اللتان جاءتا امس. رفع بصره إلينا، وصوته أجشّ:
“ماذا تريدان؟”
خطت سيلينا خطوة إلى الأمام بابتسامة مصطنعة:
“سمعنا أن لديك قطعًا نادرة… ربما ما نبحث عنه هنا.”
رمقنا بريبة، ثم أشار إلى الصناديق المكدسة خلفه.
“كل شيء هنا للبيع… بثمنه المناسب.”
كنت صامتة، لكن عيناي لم تفارقا حركاته. كان يتصرف كما لو أنه يخفي شيئًا أثمن من كل ما يعرضه.
اقتربت أكثر، بصوت هادئ يخفي ارتجافي:
“سمعت أن بعض القطع تصل إليك عبر طرق غير معتادة… قطع لا تمر من أعين الحراس.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة، لكن نظرته ازدادت حذرًا:
“من قال لك هذا؟”
أجبت بهدوء:
“السوق يتحدث يا ميرون… والناس لا تصمت عن الأشياء الثمينة.”
“سؤال ذكي… لكن خطير. لن أبيع الأسماء مثلما أبيع الذهب.”
لم أتحمل. اقتربت منه أكثر، نبرتي امتلأت بالعاطفة:
“من فضلك… هذه المسألة… مسألة حياة أو موت بالنسبة لي.”
توقف عن الضحك، نظر إلي مطولًا، وكأنه يزن صدقي. ثم قال:
“أعرف شخصًا واحدًا فقط… هو من جلبها إليّ. لكنه لم يأتِ باسمه الحقيقي… يسمونه الغراب.”
ارتجف قلبي، الاسم وحده بدا كأنه لعنة.
“الغراب؟” كررت بذهول.
أومأ:
“رجل يرتدي السواد دائمًا، يظهر ويختفي كالظل. لا أحد يعرف أصله، ولا أحد يجرؤ أن يسأله. جلب القلادة، أخذ الذهب، ثم اختفى… لكن ما أعلمه أنه لم يتصرف وحده. كان هناك يد أخرى… أكبر منه بكثير.”
تبادلت النظرات مع سيلينا. رأيت الخوف يلمع في عينيها، بينما أنا شعرت بارتجاف داخلي.
“إذن لم يكن الأمر من فريدريك وحده… هنالك من خطط، من نسج هذه الخيوط…”
سألتُه بجرأة رغم رعشة صوتي:
“وهل تعرف لمن سلّم القلادة بعدك؟”
أجاب وهو يعقد ذراعيه:
“سمعت أنه كان على موعد مع رجل من البلاط… لكن لم أرَ وجهه. فقط رأيت الخاتم في يده… خاتم يحمل شعار التاج.”
تجمدت الدماء في عروقي.
“من البلاط… إذن الخيانة أعمق مما ظننت…”
خرجنا من متجر ميرون والليل يلفّنا بصمته المخيف. خطواتنا سريعة، لكن رأسي مثقل بالأفكار. سيلينا تهمس:
“أوفيليا… هل تدركين ما يعنيه هذا؟ شخص من البلاط…!”
أجبت بصوت متهدج، عيني تتسعان بصدمة وغضب:
“لن أتوقف حتى أعرف من هو… حتى لو كان أقرب الناس إليه.”
رفعت رأسي نحو السماء، حيث القمر نصف غائب نصف حاضر، كأنه يشهد على صراع داخلي لا نهاية له.
“الغراب… والخاتم… والسم… كلهم خيوط، وأنا سأجمعها… مهما كان الثمن.”
الليل كان ثقيلاً على صدري. لم أستطع النوم رغم التعب الذي ينهش عروقي منذ أيام. كانت الغرفة خانقة، كأن جدرانها تتقارب عليّ ببطء لتسحقني. شعرت بحاجة للهرب، ليس من القصر وحده… بل من نفسي أيضًا. لذلك، وجدت قدميّ تقودانني إلى المكتبة.
المكتبة… المكان الوحيد الذي بدا وكأنه لم تلوثه الكراهية بعد. أبوابها الخشبية العتيقة، رفوفها العالية المليئة بكتب تحمل حكايات عن عصور لم أعشها، شموع تبعث وهجًا أصفر خافتًا، وصمتٌ له وزن أثقل من ألف صرخة.
دخلت بخطوات مترددة، أبحث عن ركنٍ بعيد أختبئ فيه مع أفكاري. أردت فقط أن أختفي.
لكن صوته جاء هادئًا، كالماء الذي ينساب على صخرٍ قديم:
— “الأميرة أوفيليا… لم أتوقع أن أراك هنا في مثل هذه الساعة.”
تجمدت. التفتّ بسرعة، فإذا به يقف هناك، بين رفّين يطلّان على بعضهما كحارسين. رجل طويل، ملامحه حادة ولكنها لا توحي بالقسوة، عيناه رماديتان تلمعان بضوء الشموع كأنهما تعرفان أكثر مما تقولان. كان يحمل كتابًا مفتوحًا بيده، ويغلقه بهدوء شديد، كأنه يخشى أن يوقظ حروفه من النوم.
— “المستشار داريوس…” قلت باسمه ببطء، محاولةً أن أبدو متماسكة.
ابتسم ابتسامة صغيرة مطمئنة، وانحنى قليلًا برأسه احترامًا.
— “آسف إن كنت أزعجتك. ظننت أنني الوحيد الذي يلجأ إلى هذه القاعة ليلاً عندما تثقل الأحلام.”
لم أجب. نظرت إلى الأرض، ثم إلى الكتب التي تحيط بنا، أحاول أن أهرب من حدة حضوره. لكنه تقدّم بخطوات هادئة، واقترب حتى صار على مسافة تكفي لأن أشعر برائحة الورق القديم المنبعثة من ثيابه.
— “أحيانًا، يا أميرتي، لا يكون النوم هاربًا منّا… بل نحن من نهرب منه.”
كلماته اخترقتني. نعم… كنت أهرب. من النوم، من الذكريات، من قلادة ملعونة، من صوت فريدريك وهو يتهمني.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 6"