جلستُ في حضنه، أحسّ بحرارة قلبه، وبقوة ذراعيه تحيط بي وكأنها جدار يحفظني من كل شيء، وكل همٍّ أو ألمٍ سابق أصبح مجرد ذكرى بعيدة. لحظة الاحتضان تلك جعلتني أستعيد كل شعور الأمان الذي فقدته منذ سنوات طويلة، ومنذ لحظة لم أكن أعلم أنني سأشعر به مجددًا.
لكن فجأة اتاني ادراك انني في حضن فريدريك، شعرت بخجل شديد يتسلل إلى أعماقي، ووجهي احمرّ كاللهب، فأبعدتُ نفسي عنه سريعًا. رأيته يحدّق فيّ بقلق، عيناه تتفحّصان وجهي وكأنهما تحاولان التأكد من أنني لم أُصَب بحُمّى، قبل أن يضع يده على رأسي برفق، يتحسس حرارة جسدي.
“لا… لا، أنا بخير…” قلت بسرعة، محاوِلة إخفاء خجلي، لكن قلبي كان ينبض بشكل محموم، ولم أستطع التوقف عن ارتعاش خفيف.
“لماذا… سمحت لي بحضنك؟ أو بالبكاء عليك؟ هذا… هذا لا يجوز…” تلعثمت وأنا أبتعد أكثر، لكن فجأة انفجر هو بالضحك.
ضحكته كانت تلك التي عرفتها منذ طفولته، طفولة فريدريك الصغيرة قبل 17 عامًا، ضحك عفوي، قوي، معدٍ، حتى شعرت أنني لا أستطيع كبح نفسي، فابتسمت أنا أيضًا، ثم ضحكت بصوت عالٍ لم أشعر أنني قادره على كبحه.
ثم لكمني بخفة على كتفي بمزاح:
“يا حمقاء، أنا زوجك، إن لم تعلمي… لذا فانا الرجل الوحيد الذي يجوز له أن يحتضنك ويستمع لدموعك.”
توقفت للحظة عن الضحك، متأثرة بهذه الكلمات. لم أكن أصدق أن هذا هو فريدريك البارد، القاسي القلب الذي عرفته منذ بداية زواجنا، لكنه كان يبتسم، ضحكته تنبض بالدفء، وكانت معدية، جعلتني أضحك مجددًا، أكثر حيوية وفرحًا.
لم يمر وقت طويل حتى اقتحم رودريك المكان—بسبب سماعه لضحكنا المفاجئ— ووقف ينظر إلينا، وكان وجهه مزيجًا من الاستغراب والذهول: نحن نضحك مثل المجانين! وضع جبهته على راحة يده وكأنه يرى أطفالًا يعبثون، وقال:
“لقد جن الاثنان…”
لكنني لاحظت في تلك اللحظة أن رودريك ابتسم بسعادة حقيقية، وكأنه انتظر هذا الامر منذ زمن طويل، وسرت فيها شعور غريب بالطمأنينة والراحة. بعد لحظات، توقفنا عن الضحك، والتنفس بدأ يعود إلى طبيعته.
نظر فريدريك إلى رودريك وقال بصوت هادئ، ولكنه يحمل في نبرة أمر ما:
“أبي، أين وضعت العلبة التي أخبرتك عنها؟”
أجابه رودريك بسرعة:
“في الدرج الأول لمكتبك.”
حاولت فهم ما يجري، لكن لم أستطع استيعاب معنى هذه العلبة، وكل ما استطعت فعله هو النظر إليه وهو ينهض بسرعة، عاقدًا حاجبيه قليلًا، وكأن ذهنه يركض أمامه بأفكار كثيرة. ثم رأيته يتوجه إلى مكتبه بخطوات حازمة، وأنا جالسة هناك، أحاول متابعة كل حركة وكل شعور ينبض بداخلي…
عاد فريدريك ومعه العلبة الصغيرة، حمراء اللون، وكانت تبدو وكأنها تحمل سرًّا مخفيًّا بداخلها. طلب مني الوقوف، وقد فعلت دون أن أشعر بخجل، عيناي تراقبان كل حركة، كل نظرة، وكل خفقة قلبٍ ترتجف من المفاجأة.
ثم رأيته يركع أمامي، ورغم قسوة الأيام الماضية، شعرت حينها بالدفء يملأ قلبي. قال بصوت منخفض، لكنه صادق:
“أوفيليا… أعلم أن زواجك مني في البداية كان إجباريًا وبطريقة غير صحيحة، حتى أننا لم نحتفل أو نشارك مباركات كما ينبغي… لذا أريد أن أعيد ذلك، لكن هذه المرة بطريقة جيدة.”
ثم فتح العلبة أمامي، وكأنها مفتاح لعالم جديد. كان بداخلها خاتم يتلألأ بألوانه الباهرة، يعكس الضوء كأنه يحمل جزءًا من الشمس. نظرت إليه، وسمعت قلبه ينبض بقوة، وشعرت بأن كل شيء حولنا يتوقف للحظة.
قال لي وهو يبتسم بابتسامة لم أرها من قبل:
“أوفيليا، أميرة الفارين وملكة قلبي الوحيدة… هل تقبلين أن تكوني ملكة قلبي وملكة مملكة درافينور معي؟”
لكن فجأة، رأيت الحزن يتسلل إلى عينيه، وكانت نظراته تقول أكثر من أي كلمات. حتى رودريك، الذي وقف خلفه، بدا مصدومًا. شعرت بأن قلبي ينهار قليلًا، لم أكن أرغب في جعله يشعر بهذه الخيبة.
فقلت بسرعة، وقلبي يخفق من حماسة وارتباك:
“آسفة… لقد كنت أمزح، بالطبع أقبل!”
في تلك اللحظة، ارتسمت الفرحة في عينيه، تلك التي لم أرها منذ زمن بعيد، وبدأت أشعر بلمسة السعادة تتغلغل في أعماقي. أخذني بين ذراعيه، ووضع الخاتم في يدي، وقبلها بلطف وحبّ، شعرت حينها أن كل الأيام الماضية، كل الألم، كل الانتظار، كانت تستحق هذه اللحظة.
ثم حملني بين ذراعيه، ودار بي في الغرفة بخفة وفرح، وبدأت أضحك بلا توقف. ضحكنا معًا، ونحن نتبادل السعادة التي لا يمكن للكلمات وصفها. شعرت بأن كل شيء حولنا يختفي، وأننا فقط نحن الاثنين، قلبه إلى جانبي، وضحكنا يملأ الأرجاء، وكأن العالم كله أصبح مليئًا بالحب والدفء في تلك اللحظة.
بعد ذلك، عدت إلى غرفتي سعيدة، وقلبي يرفرف من الفرح، وأنا أريد أن أشارك سيلينا وسامي بما حدث للتو. وعندما دخلت، رأيتهما ينتظرانني بقلق، عيناهما تبحثان عن أي علامة تدل على النتيجة. لكن فور أن شاهدا وجهي المشرق والمبتسم، شعرا بالراحة، وارتسمت الابتسامة على وجهي بلا تحكم مني.
جلستُ أمامهما، وقلت لهما كل ما حدث وبعدها انهيت كلامي بحماسة:
“هذا كل شيء ! وبعدها فريدريك… قبل يدي وألبسني هذا الخاتم، و… غداً سنعد حفل زفافنا، وسيحضره جميع الممالك ليشهدوا على سعادتنا!”
في البداية، لم يصدقا، لكن عندما أريتهما الخاتم المتلألئ، بدا الصمت على وجهيهما يتبدد، وبدأت سيلينا تجري بعشوائية في الغرفة، وكأنها تريد تجهيز كل شيء فوراً: الفستان، الإكسسوارات، الترتيبات… كل شيء يبدو عاجلاً بالنسبة لها.
وأثناء انشغالها، لاحظت لمحة خجل على وجه سامي، فسألته:
“ماذا هناك؟”
تنهد بخفة وقال بتوتر:
“أمم… في الواقع، مولاتي… أنا أحب سيلينا، وهي كذلك… اكتشفنا هذا خلال فترة تحقيقنا، لكننا لم نعترف لبعضنا إلا قبل قليل في هذه الغرفة… لذا لازلت أشعر ببعض الخجل فقط، ليس أكثر.”
قفزت من السعادة وقلت:
“حقاً؟ يا لسعادتي! كم أتمنى لكما حياة سعيدة معاً، وسأشرف شخصياً على زفافكما بعد زفافي!”
توقفت سيلينا فجأة، واقتربت من سامي، وقالا معًا بصدمة:
“ماذا تقولين، مولاتي؟!”
ضحكت بقوة بسبب تعابير وجهيهما المذهولة، وقلت بمزاح:
“ماذا؟ هل لا تريدان أن أحضر زفافكما أم ماذا؟”
ردت سيلينا بسرعة:
“لا، أوفيليا! بالطبع نريدك… أنت الأولى! لكن لا داعي لأن تتعبين نفسك.”
صفعتها على رأسها بخفة، وقلت بعناد:
“إن لم أجهزه بنفسي، فلن أحضر!”
خاف سامي قليلًا، وقال بتوتر:
“لا، لا بأس… يمكنك القيام به، ولكن أرجوك، بدون مصاريف كثيرة.”
هززت رأسي بابتسامة، وقلت لهما:
“حسنًا، حسنًا”
لكن في رأسي كنت أخطط بالفعل لأعد لهما أفضل حفل زفاف على الإطلاق.
حضنتهما بقوة، وقلت لهما بصدق:
“شكراً حقاً على كل شيء. لولاكما، لما وصلت إلى هذه اللحظة. لن أستطيع أن أرد هذا الجميل ما حييت.”
اعترضا على كلامي، لكنني تجاهلته، وبدأت أجرهما خارج الغرفة بين ضحكاتي:
“هيا هيا، اخرجا! أريد أن أنام جيدًا، فغداً يوم حافل!”
وقفا خارج الغرفة، ينظران إلي بضجر من طردي لهما، وعندما كنت على وشك إغلاق الباب، قال سامي بمزاح:
“إذن، مولاتي… تخلت عنا من أجل حبها الأول!”
أخرجت له لساني بمشاكسة، وأغلقت الباب بسرعة. رميت نفسي على السرير بسعادة غامرة، أفكر في كل ما سيحدث غدًا، في حفل الزفاف، والفرح الذي سيملأ القلوب. ولشدة فرحي وتفكيري، غلبني النوم بسرعة، وأنا أبتسم في نومي، أحلم بكل لحظة سعيدة ستأتي.
في صباح اليوم التالي استيقظت باكراً وأنا مفعمة بالنشاط والحماس، كلي شوق لهذا اليوم الذي طال انتظاره. وعندما هممت بالنهوض من سريري، وجدت سيلينا في الغرفة منشغلة تحضر كل شيء لتجهيزي، إذ لم تنتهِ أمس من تجهيزاتي بالكامل. ابتسمت لها وقلت:
“صباح الخير، ما؛ هذا النشاط كله؟”
التفتت إليّ وقالت بابتسامة مشرقة وعيون تتلألأ:
“صباح النور! هيا يا كسولة، الحمام جاهز، اسرعي حتى نجهزك يا عروستنا الجميلة!”
وغمزت لي في نهاية كلامها، مما جعلني أشعر بالخجل طفيفًا، لكن قلبي امتلأ بالفرح والحنان تجاهها.
دخلت الحمام سريعًا، استحممت وأشعرت بكل نشاط وحيوية. وعندما خرجت، ساعدتني سيلينا على ارتداء ملابسي، ثم قامت بتصفيف شعري ووضع مساحيق التجميل. لم أستطع إلا أن أعجب بمهارتها؛ لقد كان عملها مبهراً ورائعًا.
مع اقتراب موعد الحفل، سمعنا فجأة صوت طرق على الباب، ودخل سامي بابتسامة عريضة:
“مرحبا مولاتي، لقد أحضرت مفاجأة لك!”
وخلفه، دخلت أمي وأبي، فاندفعت نحوهما واحتضنتهما بسعادة غامرة. شعرت بالرغبة في البكاء من شدة الفرح، لكنني خشيت أن أتلف مساحيق التجميل، ولأكون أدق… خفت أن تقوم سيلينا بقتلي إذا أفسدتها! لذا حشرتها بعناية.
بعدها أمسك أبي يدي وقال بابتسامة ودية:
“والآن حان دوري على أن أوصلك إلى زوجك، هيا بنا.”
لففت ذراعي حول ذراعه وأنا في قمة سعادتي وقلت:
“هيا بنا، جميعا!”
رافقونا أمي وسيلينا وسامي، وفي الطريق شعرت بأن كل خطوة تزيد من توتري وفرحي معًا. وصلنا إلى باب القاعة، وكان هناك حارسان يقفان على الباب. عند رؤيتنا، انحنيا احترامًا، ثم فتحا الباب لنمر.
دخلنا جميعًا، واندفعت أمي وسيلينا وسامي بين الحضور، بينما أنا وأبي نسير على البساط الأحمر، متجهين نحو حيث يقف فريدريك والقس. عند رؤيته، شعرت بسعادة غامرة، ولم أستطع إلا أن ألاحظ كم كان وسيماً ببدلته الرسمية.
اقتربنا، وسلمني أبي إلى فريدريك محذرًا:
“أنا أئتمنها عليك. إن حدث وأحزنتها، فسوف أستعيدها مجددًا.”
ابتسم فريدريك مطمئنًا وقال له بهدوء:
“لا تقلق عمي… إنها في عيني قبل قلبي.”
شعرت بالخجل الشديد من تلك الكلمات، وقلبي خفق بقوة. اقتربنا أكثر حتى حانت اللحظة الأخيرة. قال القس:
“فريدريك درافينور، هل توافق على أوفيليا الفارين زوجة لك حتى النهاية؟”
أجاب فريدريك بلا أي تردد:
“نعم.”
ثم قال القس:
“أوفيليا الفارين، هل توافقين على فريدريك درافينور زوجًا لك؟”
نظرت إلى فريدريك للحظة، ثم قلت بوضوح:
“طبعا أوافق.”
قال القس مبتسمًا الجملة التي جعلتني أخجل وأتوتر:
“و الآن … يمكنكما تقبيل بعضكما.”
نظرت إليه بتوتر، وهو أيضًا نظر إليّ، ثم بدأ يقترب مني ببطء، ينزل وجهه حتى أصبح على مستوى وجهي. وعندما التقت شفتاه بشفتي، شعرت بدفء وسعادة لم أشعر بهما منذ سنوات طويلة، وبادلته القبلة بحب وحنان تحت تصفيق الجميع ودموعهم، دموع الفرح التي تلمع في عيون الجميع.
وهنا اصبح زواجي هو سبب سعادتي بعد ان كان …ثمن بقاء مملكتي.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات