«حسنًا… الأمر بدأ قبل أن آتي إلى قَصركم بأسبوع. قبل أن أعلن عن زواجي بك. قبل أن أضع خاتمًا في يدك. طوال سبعة عشر عامًا كنت أفكّر فيكِ. كنتُ أكتب لكِ رسائلًا، أكتب وأكتب، ثم تصلني الأخبار — أن الرسائل تمزق، أن لا ردّ. لكنّي لم أستسلم. قلت لنفسي: ربما هي مجبرة. ربما هناك من يمنعها من الرد. ثم حدث التسميم.»
توقّفت لحظة، رأيت في عينَيها رغبةً في أن تسمع أكثر، وتردُّ على كلّ سؤالٍ يغزو نظري.
«أما عن حادثة التسمم… فقد جاء القتلة إلىّ. خَبرٌ لم أصدّقه بسهولة عندها. لقد جاءوا يحملون قلادتك في يدهم. القلادة التي كنت تضعينها حين كنتِ طفلة.الذي كنت انا من اعطاك اياها. رأيتها بين أصابعهم وكان قلبي يملك بدال الروح. في تلك اللحظة… انطفأتُ. لم أرَ بعينٍ حيّة إلا صفة الانتقام. حُبّ والدتي عمى بصيرتي، جعلني أصدقُ ما قد يكون أبشع احتمال. لماذا؟ لأن الألم كان عميقًا جدًّا. فقدت أُمًّا لم تكن فقط روحي، بل وكانت محور عالمي. لقد كُنت أريد جوابًا، كنت أريد ثأرًا.»
تذكّرت كل شئ الآن: الوجوه الملطخة، رائحة دمٍ في القصر، ليالٍ قضيتها أنقّب عن دليل. قلتُ لها بصراحةٍ مُرة:
«فكرت بكلّ الطرق: كيف أنالُ منكِ الثأر؟ كيف أريّح قلب أمّي بانتقامٍ من فاعلٍ واضح؟ لم أجد. حتى جاءني فِكرة هذا الزواج — زواج سياسي، زواجٌ يبدو على الورق كحل سياسي لِلممالكتين. قلت: إنْ كانتْ أوفيليا حقًّا مذنِبة، فسترفضُ زواجي، وسيدفع شعبها الثمن، وسينكشفُ أمرهم. وإن قبلتْ… سأجعلها تعيشُ عذابًا لا يوصف. لقد قررت أن أجعلكِ تدفعين ثمناً باهظًا. هكذا تفكّرُ نفسي الجريحة حين تُلهَمُهُ الغيظ.»
رُفِعَتْ عيناي قليلاً ونظرت إليها وكأنّي أقيّم ما بقي من إنسانية في وجهها. كنت أعدّ في قلبي كل سيناريو؛ كنتُ أعلم أنّكٍ طيبة بطبعك، وأنَّكِ — لِحُسنِ طيبتكِ — قد تقبلين لتخففي عن شعبك العذاب. هذا بالضبط ما جعل مخطّطي يتمرّد على وجداني.
«ثمَ أعلنت زواجي. أخذتكُ إلى قصري. تذكّرين؟ كانت بدايةً مُعلنة، احتفالات، بروتوكولات. لكنّكِ عزلتِ نفسك في غرفتكِ لأسبوعٍ كامل. لم تأكلي، لم تشربي، لم تسمحي لأحدٍ بالدخول. سألت الخدم عنك، وأخبروني: ‘هي لا تخرج’. كان الأسبوع صعبًا عليّ. لا أعرف لماذا… كنت أُكرّر لنفسي أنني أكرهك، وأن ما فعلته ببعض مني هو حقٌّ مُستحق. لكن قلبي رفض ذلك. رفض أن يظل قاسيًا بلا مبرّر.»
أذكرُ جيدًا تلك اللحظة، اليوم الثامن، حين رأيت خادمة تحاول أن تُدخِل الصينية إليكِ. أمسكْتُ الصينية من يدها. لم أُخبرها لماذا فعلت ذلك. ارتكبتُ عملاً غير متزناً. قُلتُ: «أنا سأدخل لها الطعام.» واندفعتُ إلى باب غرفتكِ وكسرتهُ بابًا بابًا لأنني ظننتُ أن طرقَه لن يُجدي. دخلتُ الغرفة. ورأيتكِ — لا أكثر ولا أقل — كأنّكِ جثّةٌ على قيد الحياة: عيناكِ شاحبتان، شفاهكِ جافة، جسدكِ ملتفّ حول حزنكِ… كأن العالم كله استسلم فيكِ لِلْبُؤس.
«كان المنظر يُقطّع قلبي. لكني تماسكْتُ — تذكّرين؟ — وأجبرتُكِ على الطعام. لم أرد أن أموت أمام رؤية انحداركِ. ثمَّ بدأنا الحديث. عن القلادة. عن السم. عن الرسائل. كنتُ أترقبُ إما اعترافًا ببرودٍ كالصقيع، أو صرخة تُظهِر إنك بريئة. اعترضتِ كما توقعتُ. لكن حين نظرتُ إلى عينيكِ… لم أعد أستطيع أن أصدق أنكي تكذبين.»
توقفتُ. هناك وقعٌ في سقف المكتب، أو لربما كان وقعُ قلبي. كانت عيناها تحكيان أكثر مما تنطق. شيءٌ في حركتها حينها أقنعني، أو على الأقل أمحت بعض الضرر الذي رُسِمَ في نفسي.
«خرجتُ من غرفتكِ ذلك المساء وأنا أحمل في رأسي سؤالَ العاصفة: هل أنتِ بريئة حقًا؟ أم تحاوِلِينَ التمثيل؟»
ترامى صوتُ فمي في الصمت كما لو أنّه يحمِلُ اعترافًا ونِدمًا مختلطَين.
ثم رفعتُ يدي، احكمتُ قبضتي، وحاولتُ أنْ أجد بين قوافِ صمتي سببًا لمواصلة الظنِّ أو لِلتراجع عن القسوة. كانت الجواباتُ متشابكة. كنت أرى واضحًا إنكِ لم تكنِ قاتلة، لكنني ترددتُ — كيف يمكن أن يصدّق القلب ما تراه العين؟ كيف لمن فقد محبوبته أن يُمسكَ بِنِعْمٍ من الرحمة؟
لم أنتهِ عن الكلام بعد؛ قلتُ لها بكلّ صدقٍ مقطوعٍ، والبرد في صوتي يحاول أن يخفي الدفء الغريب الذي نبض:
«أنا لم أذهبُ بعيدًا عن فكرة الانتقام فورًا. حبي لوالدتي جعلني أعمى. كنتُ أمسكُ الخيط منه ومحاولُ أن أمسك به أولئك الذين تُذّكرهم. لكنّ بعد رؤيتكِ… بعد رؤية ضعفكِ، لم أعد أستطيعُ تبنّي أفعالٍ أعدُّها وحشيّة. كنتُ أقارن — ما الذي يفعلُه قلبٌ مُنكسِرٌ؟ وما الذي يفعلُه قلبٌ مُنتقمٌ؟»
نظرتُ إليها بنظرةٍ قاسيةٍ مرّتْ بها لَحظاتُ الضعف، ثم تذكّرت وجوه أُناس آخرين. والدي، ثباته، الهفوات الصغيرة في عقلي حين فكّرت في قضيتنا ككل. تذكّرتُ كيف أن خوفي من الخيانة قد جعلني أرى الشيطان في كل ابتسامة. تذكّرتُ أيضًا أنّني كنتُ في الخفاء أرسلُ رسائلًا بلا ردّ. تائهًا، مثبتًا على حافة الغضب.
«ثم ماذا؟» سألتها في نفسي. «هل سأستطيع أن أتحرّر؟»
أخبرتها كيف أني كنتُ بين خيارين: إما أواصل اللعبة وأجعل منكِ أداة عذابٍ وأدفع الشعب ثمناً، أو أن أكون إنسانًا بما تبقّى لي من إنسانية، وأخضع نفسي لحقيقة أُثبتت أمامي بالحواس لا بالافتراضات. كنتُ قاسيًا على نفسي حين اتخذت الخيار الثاني. لأنّه كان فعل ضعفٍ بالرُغم من كلّ ما شعرتُ به. لكنّ الضعف أحيانًا هو المكان الذي يبدأ فيه الإنسان أن يعود إلى الحياة.
حين انتهيتُ روايتي، لم أنظرْ إلى عينيها مباشرة. كنتُ أخشى إنْ رأَتْ كيف اهتزّ الكلام داخل صدري. كنتُ أخشى أن تَعرف أنني تعرّضتُ عندما كنتُ أخطط لتدميرها. كنت أخشى أن أبدو كجلادٍ يمارس اعترافه.
ثم توقفتُ، وسمحتُ لثوانٍ من الصمت أن تَسقط.
صمتٌ لم يكن فراغًا. كان ملغومًا بكثيرٍ من العتابِ والحنينِ والندَم.
وقبل أن نمضي في حديثٍ أطول، قلتُ: «لقد قلتُ لكِ كلّ هذا لأنّي لم أرد أن تبقى قصتي عنكِ أسطورة في نفسي. أردتُ أن تعرفي كيف وصلتُ إلى تلك النقطة… كيف رأيتُكِ في الظلال أولاً، ثم بدأتِ تتلطّفين في نورٍ غريب. لكنّي لم أعد أظنّ الآن أن لكِ ذنبًا في ذلك الحجر. لم أعد أظنّ أنكِ من دبرتِ التسميم.»
ابتلعت كلماتها، رأيت في وجهها دمعةٍ لم تستطع الظهور. ثمّ، قبل أن يكسر أحدنا الصمت بصوتٍ جديدٍ، نظرت إليها ونطقتُ:
«لكنّي أيضاً لم أتعافَ تمامًا. لا أعدُ نفسي بارعًا في العفو، ولا أظن أنّ الأمور بيننا ستعود كما كانت بين رجلٍ لا يعرف إنسانًا. ما فعلته حتى الآن كان جزءًا من حربٍ ومخطط. وأنتِ — قد تكونين برئية من تلك اللحظة، لكن آثار الشك والدم ستبقى على يدينا لبعض الوقت. هل تدرين ماذا يعني ذلك؟»
لم تعطني الإجابة حينها. كانت الدموع تلمع في عينيها وكأنّها تُنصِت لشعوري كمن يسمعُ لعزفٍ مريب.
تردّد صدى كلماتي في الهواء كأنها جسورٌ تُبنى بين لحظةٍ وأخرى، فمدّتُ يدي إلى الطاولة لأمسك بكوبٍ باردٍ من الماء، ثم عدتُ لأنظر إليها بعمقٍ أكثر، وكأنّي أبحث في ملامحها عن إذن للاستمرار. قلتُ بصوتٍ أخفّ من قبل، لكنّي لم أقطع سرده:
«بعدما خرجتُ من غرفتكِ — وأنا أحتار بين الشكّ واليقين — رجعتُ إلى مكتبي. جلستُ هناك لأجمع شتات نفسي، لأفكر في كل شيء حدث، في كل ما رأيتُه في عينيكِ حينها. ولم أكن وحيدًا؛ رُودريك ـ كبير الخدم، الرجل الذي أعتبره أحيانًا أبًا آخر في حياتي ـ كان جالسًا على الأريكة ينتظرني. رأيته هناك، هادئًا، عيونُه تحمل شيئًا من الحذر، لكنه لم يَبدو مُتعجّلًا. سألتهُ ببساطةٍ: لماذا أنت هنا؟ فأجابني بصوتٍ حنونٍ ولكنه مُباشر:
«الخادمة التي كانت تُحاول إيصال الطعام قالت لي أنّك أخذت الصينية لها بنفسك. قالت أنّه كان هناك شيء غريب، وأنّه يبدو أنّك قد دخلت الغرفة بنفسك. جئتُ لأسمع منك ما حدث.»
«فتحتُ فمي لأحكي له كل شيء — كيف رأيتكِ، كيف اخترتُ دخول الغرفة، كيف أنّ منظرَكِ فرّق قلبي إلى قسمين — لكن قبل أن أتمالك حتى آخر سطر، وضعَ رودريك يده على كتفي وجلَّسني كأنّي طفل. نظر إليّ بنبرة أبويةٍ حزينة: «إذا كان قلبك يشعر بالشك، فهذا يعني أنّ هناك حقيقة. إنّ القلب لا يكذب عند ملاقاة حقيقته. لا بدّ أن تبحث عنها. لا تدع هذا الشكّ يأكلك ويأكلها.»
«ترددتُ و نظراته تصطكّ داخل رأسي؛ كيف أرفض نصيحة رجل ألهمني الصدق منذ زمن؟ كيف أستمر في ضمائر مُخبّأةٍ بينما أحدهم يقف أمامي يقول بصراحةٍ بسيطة ما تشعر به القلوب؟ قلتُ لرودريك إنّي لستُ متيقنًا، وأنَّ الشكّ ما زال يدافع عن نفسه في قلبي، فوبّخني قليلًا بحزمٍ أبويّ: «بهذه الطريقة تُؤذي نفسك وتؤذيها. إن أردتَ الحقيقة فاطلبها. لا تبقَ في الحالة الوسواسية هذه.»
«ثمّ سألتهُ — بحدةٍ طفيفة — ماذا تقترح أن أفعل لأزيل عنها ما يكبلها؟ أجاب بسرعةٍ غير متوقعة: «المال والملابس. الفتيات يحببن هذه الأشياء. ستشعر بأنها تعامل بلطف، وستخرج من عزلتها.» تمنّعتُ قليلًا — بدا الأمر سطحيًا في رأسي الذي ظلّ يقارب الانتقام — لكن شيئًا في سماعه لي جعلني أرتاح لفكرة بسيطة قد تنقذ إنسانًا ضائعًا في نفسه.»
«وفي اليوم التالي أعطيتُ رودريك الأمر بأن يقدّم لك أموالاً وملابس — لكني رفضت أن أكون حاضراً أثناء ذلك. لم أرد أن تظني أنّي أتفضل عليكِ. أردت أن تكون لفتةً بريئةً، لا عريضةً تسيء إلى كرامتكِ. تخيلتُ أنّكِ ستأخذين المال، تشتري شيئًا لنفسكِ، أو على الأقل تُعطيه لقصركِ أو لِأهل مملكتكِ، ولكنكِ حطمت كل توقعاتي حين اعطيته لاهل مملكتي. لكنّ ما حصل بعد ذلك هزّني.»
«وصلني خبرٌ من رودريك مسرعًا كمن قطعَ شرياناً في صدره: الشعب الذي ذهبتِ إليه — أولئك الذين تضرّروا من حرب والدك علينا — رّمَوْكِ بالحجارة، ولاحقوكِ بالشتائم. وقال لي أن احد الحراس قال له ان الحراس الذين رافقوكِ لم يتحرّكوا مطلقا لحمايتك. لم أمتلك وقتًا للتفكير: هرعتُ إلى الخارج، مسرعًا، كل همّي أن أمنع تلك الحجارة من أن تقطع لحمكِ. رأيتكِ هناك — قَبحٌ يتحوّل إلى شجاعة، ووجوهٌ متوحشة، وحجارةٌ تقطع الهواء. توقّفت أنفاسي حين رأيتُ التعدّي عليكِ. وما زلتُ أذكر كيف أنّ كل ما في عقلي آنذاك كان كلمة واحدة: أحميكِ.عادَنا إلى القصر، وهناك وبختكِ، وانا»
صمت للحظة ونظرت لها بحزن شديد وعيون مليئة بالندم وحينها … بكيتُ.
«اسف، اسف حقا على ذلك،اعلم ان اسف ليس كافيا،ولكن صدقيني،كان ذلك لغرضٍ واحد: لأنّي خشيتُ عليكِ، ولم أُرِد أن تُظهري أمامي ضعفكِ.»
«لكني لم أرَ الخوف في عيون الحراس عندما واجهتهم؛ رأيت الخوف في وجوههم وهم ينظرون إليّ لكن الندم كان غائبًا في معظمهم. كان هناك واحد فقط…واحد… واحد لم تخنه عينه. نادمٌ حقًا. وهنا وقفت أمامه وسألته مباشرة: «هل أنت نادم أم أنك تمثّل؟» قال بصوتٍ مكسورٍ أنه نادم، وأنّه حاول أن يساعدكِ، لكن بقية الحراس أوقفوه وأخبروه أنّ الأمر صادرٌ عني، وأن عليه أن ينفذ. غضبت. أخرجت الباقي من الغرفة، وامرتُ ان يعاقبوا باشد الطرق على عصيانهم وكذبهم، واحتفظتُ بتلك العيون المندمّة عندي فقط.»
«سألته إن كان يوافق على أن يكون حارسَكِ الخاص عرضٌ يحمل بين طياته تحملاً للمسؤولية والشرف.»
«كان رده مفاجئًا: رفض. قال أن فشله في حمايتك من الشعب جعله يشعر بالعجز. كيف له أن يعد نفسه ليحميكِ من قوى أكبر من وجوهٍ قَد تهاجمكِ؟ قلتُ له: «إنّك تستطيع. سأعطيك وقتًا لتفكّر.» ثم خرج. ذهبت أتفحّص عيون الحراس الراكدة، ووجدتُ في نهاية المطاف أحدهم يستحقّ أن يوكل إليه أمر حراستك،اتعلمين ذلك الشخص من كان. ذلك الشخص كان… ساميلان.
«وبينما كنتُ أرتّب تلك الملفات في رأسي، دقّ الباب فجأة. دخلت خادمة تحمل صينية طعامٍ لِي، لكنها لم تكن مجرد خادمة؛ كانت ستصبح لاحقًا أكثر من ذلك.»
« توقّفت عند الباب، وأنا أراقبها عن بُعد. لاحظت فيها يقظةً ما؛ كنت أعلم أنّك ستكونين بحاجةٍ إلى مَن تعتني بك عن قُرب أكثر من أي وقتٍ مضى. توقفت الخادمة وقالت إنّها تعبّر عن رغبتها في البقاء إلى جانبك إن أتيحت لها الفرصة. توقّفتُ لأنّي كنت واثقًا بأنكِ سترفضين في البداية هذا الذي اعتدته منكِ: رفضك لأي مناورةٍ قد تشعركِ بأنّكِ مدفوعةٌ بالإحسان، فلو جعلتكِ تتقبلينها و تعتادين عليها بهدوء، فربما تجعلكِ تخرجين من قيد عزلتك.»
«لم أتردّد في تهديد تلك الخادمة إن عادت وأخبرتني أنكِ منعتها من الاقتراب منك ماذا سأفعل بها. قلتُ لها بلغةٍ صارمةٍ لا تحتمل المزاح: إن عدت اليّ مرفوضة من قبلها اعلمي أنّي سأجعلكِ تدفعين الثمن. كانت لغةً قاسيةً، نعم. لكنّي فعلت ذلك لأنّي لم أكن أملُك طرقًا لطيفة أخرى لإخراجكِ من عزلةٍ كادت تُحطمكِ. كنت اعلم انك طيبة لدرجة انك لن تقبلي ان تعاقب الخادمة بسببك، ومن هنا— وعلى مضض — وافقت الخادمة. وهكذا دخلت الخادمة الى حياتكِ وصارت وصيفتكِ، المصحّةُ الصغيرة التي كنت أحتاجها لكِ، وساقٌ إضافية تسندكِ إن تعثّرتِ.وانتِ طبعا تعرفين من هي …انها سيلينا.»
وقفتُ قليلًا، أتنفّس عمقًا حتى تستقيم كلماتي، ثم رژمتُ في صوتي شيئًا من اعترافٍ مُرهف: «حينها شعرتُ بالارتياح. لم تكن نيتي أن تظني أني أتفضل عليكِ. أردت فقط أن تكوني بأمان، ولا أحدٌ يجرؤ على أن يُقلل من كرامتكِ أمامي أو أمام أولئك الذين يظنون أنّهم يعرفونكِ.»
نظرتُ إليها ببطء، وأحسستُ بخفوتٍ ما في قلبي، كما لو أن ثقبًا في درعٍ ما بدأ يتشكل. ثم همستُ، وكأنّي أبرئ ضميري واطلب من روحها أن تسمع: «وهذا ما فعلته. هذا ما قادني لأن أُسارعَ في حمايتكِ، وأن أواجه ما خفي خلف الأسوار. ولم يكن كل أمرٍ قاسٍ فعلته بقسوةٍ باردة؛ كان في داخلي دائمًا خوفٌ على خسارتكِ، وخوفٌ من ألا أجد من يعتني بكِ حين يقترب العدوّ أكثر.»
توقفتُ طويلاً عن الكلام، ورأيتُ كيف أنّ الدموع ارتفعت في زوايا عينيها. كانت نظراتُها تحمل مزيجًا من الذهول والغضب وقليلٍ من الامتنان الذي لم تجرؤ على نطقه بعد. قلتُ أخيرًا، بصوتٍ مكتومٍ وكأني أخفي اعتذارًا طويلًا: «هكذا صار الأمر أوفيليا. هكذا ضمنتُ سلامتكِ، من قصري،ومن شعبي،و أيضًا … مني، وهكذا تشكّلت الخطوات التي قادتني لأن أدين ثمّ لأرحم.»
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات