يقظتُ على خيوط شمس خجولة تسللت من بين ستائر غرفتي، فغمرت الأرضية بلون ذهبي دافئ. كان الصباح مختلفًا، أستطيع أن أشعر به في كل ذرة من الهواء، وكأن القصر بأكمله يستعد لشيء لم يشهد له مثيل منذ زمن طويل. نهضت ببطء، كأنني أريد أن أستوعب اللحظة بكل تفاصيلها… اليوم ليس يومًا عاديًا. اليوم هو اليوم الذي قد يغيّر وجه التاريخ.
جلست على طرف السرير، وضعت يدي على صدري أستمع إلى دقات قلبي المضطربة. كم من مرة تخيلت هذا اليوم؟ كم من ليلة قضيتها أتساءل: هل سيأتي السلام يومًا؟ وهل سأكون أنا، أوفيليا، ابنة إلڤارين، جزءًا من هذا الحدث العظيم؟
لكن رغم الأمل، كان هناك خوف ينهشني. كنت أخشى أن يكون كل ما بنيناه هشًا، أن تنهار أحلامنا تحت ثقل الكراهية القديمة.
وقفت أمام المرآة، نظرت إلى وجهي، وعيني المتورمتين قليلًا من البكاء ليلة أمس. تذكرت كلام فريدريك حين دخل عليّ، حين قال بثبات أنه لن يتراجع عن زواجنا، وأن الغد — أي هذا اليوم — سيكون بداية جديدة. تلك الكلمات منحتني طمأنينة غريبة، لكن أيضًا شعورًا بالمسؤولية أثقل كتفي أكثر من أي وقت مضى.
ارتديت ثوبي الأبيض المطرز بخيوط فضية، صُمم خصيصًا ليعكس النقاء والأمل. وضعت تاجًا بسيطًا من الزهور البيضاء على رأسي، رمزية السلام التي أردت أن يراها الجميع. حين أكملت ارتدائي، دخلت وصيفتي سيلينا بابتسامة واسعة.
قالت بصوتٍ مبحوح بالعاطفة:
– “أوفيليا… لم أرك بهذا الجمال من قبل. كأنكِ لستِ فقط أميرة، بل رمز لأمة كاملة.”
ابتسمت لها رغم ارتجاف شفتي.
– “لستُ رمزًا يا سيلينا… أنا فقط فتاة أرهقها الماضي، وتريد أن ترى الناس يضحكون من جديد.”
وضعت يدها على يدي وقالت:
– “وهذا بالضبط ما يجعلهم يؤمنون بكِ.”
دخل سامي بعدها بلحظة، مرتديًا زيه الرسمي، وجهه يعكس الجدية، لكنه لم يستطع إخفاء بريق الفخر في عينيه.
– “القصر كله يتحرك مثل خلية نحل. الأعلام رُفعت، الجنود اصطفوا، حتى الشعب تجمع خارج الأسوار ليشهد اللحظة. إنهم يرونكِ الأمل يا أوفيليا.”
أطرقت برأسي، أشعر بدموعي تحاول الانفلات. “آمل فقط ألا أخيب ظنهم.”
حين خرجت من غرفتي، بدا الممر مختلفًا. الجدران المزينة بالرايات، الجنود الذين انحنوا تحية، أصوات الموسيقى البعيدة التي كانت تعلو تدريجيًا. رائحة الورود التي نُثرت في أرجاء القصر ملأت المكان. شعرت أنني أسير في لوحة مرسومة بعناية، لكنني كنت أعلم أن وراء هذه اللوحة تختبئ ذاكرة طويلة من الدماء والدموع.
رأيت والديّ، قد خرجا من الغرفة، وتجهزا للذاهب الى القاعة مثلي، لكنني اتجهت اليهما لنذهب معا، فانا اريد ان احظى بالامان حتى اخر لحظة، وامان والديّ، هو الذي يستمر لاطول مدة ممكنة.
وفي طريقنا الى القاعة، كان الشعب يهتف خارج الأسوار. كان اليوم يبدو وكأنه بداية عصر جديد، حيث الأعداء بالأمس صاروا حلفاء اليوم. رأيت البهجة في أعين الجميع، لكنني لم أستطع تجاهل القلق العميق في داخلي.
الطريق نحو القاعة الكبرى كان طويلاً، لكن خطواتي كانت مثقلة أكثر من أي وقت مضى. كل زاوية من القصر تذكرني بما مررنا به، كل جندي ينحني أمامي كان شاهدًا على صراع طويل.
حين وصلت أمام أبواب القاعة، وقفت للحظة، أغلقت عينيّ، وأخذت نفسًا عميقًا. كان هناك صراع في داخلي: بين الطفلة التي فقدت كل شيء، والمرأة التي تريد أن تبني مستقبلًا جديدًا.
فتحت عيني، نظرت إلى سيلينا وسامي اللذين وقفا إلى جانبي، ثم إلى والديّ اللذين وقفا خلفي. شعرت أنني لست وحدي.
عندما فُتحت الأبواب الثقيلة، انكشف المشهد أمامي: فريدريك يقف شامخًا بجانب الإمبراطور، القاعة مزينة بألوان الذهب والأحمر، والعرش ينتظر من يجلس ليشهد التاريخ.
ارتجف قلبي…
اليوم لن يكون مجرد توقيع على ورقة. اليوم هو اليوم الذي سيقرر إن كانت دماء إلڤارين ودراڤينور ستتحول إلى جسور من السلام… أو تظل لعنة تطاردنا إلى الأبد.
وبينما تقدمت خطوة إلى الداخل، أدركت أنني، أوفيليا، لم أعد مجرد أميرة ضائعة. أنا الآن وجه السلام… وبداية النهضة.
جلستُ على مقربة من طاولة الاجتماعات الطويلة، أستمع إلى صدى خطوات الحرس على الأرض الرخامية، بينما قلبي يدق بسرعة لم أشعر بها منذ سنوات. القاعة الكبرى كانت مزينة بألوان الذهب والفضة، الرايات ترفرف بخفة، والجو مشحون بانتظار الكلمات الأولى التي ستحدد مستقبل مملكتينا.
جلست أمي ووالدي خلفي مباشرة، بينما وقف فريدريك بجانب الإمبراطور، والهدوء الذي يغلفه يبدو كدرع صلب يحجب أي شعور. رغم أنني كنت على بعد خطوات منه، شعرت بالتوتر يتصاعد داخليًا.
فتح الإمبراطور أولًا، صوته يحمل وزن السلطة:
– “اليوم، نجتمع هنا ليس فقط لتصحيح أخطاء الماضي، بل لإعلان عهد جديد. عهد سلام ونهضة بين مملكتينا.”
نظرتُ إلى والدي، الذي أومأ بخفة، وكأنه يحاول تهدئتي، لكن عيناه تعكسان الحذر.
أكمل الامبراطور بصوت هادئ لكنه حاد:
– “لقد ناقشنا كل الملفات، وكل الأدلة. ما حدث قبل سبعة عشر عامًا لم يكن نهاية القصة، بل بداية رحلة طويلة للوصول إلى الحقيقة.”
اقترب الإمبراطور قليلاً، وقال:
– “لقد تأكدت من كل التفاصيل. عائلة أوفيليا لم تكن مذنبة في حادثة حجر التنين، كما تم الترويج له. المذنبون الحقيقيون… هم عائلة مارتينا. وللأسف، كانت خيانة بين المملكتين سببًا في تجدد الصراع، ولم نتمكن من عقد هدنة السلام بسبب ذلك.”
شعرت بقلبي يخفف من وقع الضغط عليّ، كانت الكلمات تعكس أخيرًا الحقيقة التي طالما تمنيتها.
قال والدي، موجهًا الكلام إلى الجميع:
– “إننا اليوم نضع نهاية للظلم. سنوقع على معاهدة رسمية بين المملكتين، وسنعيد بناء الثقة بين شعبينا.”
أومأت سيلينا بجانبي، مسكت يدي بهدوء، وكأنها تقول لي: “لقد فعلتي ذلك، أوفيليا… لقد ساهمتِ في الكشف عن الحقيقة.”
فريدريك، الذي ظل صامتًا منذ بداية الجلسة، رفع رأسه أخيرًا، نظر إلى الجميع بعينين جادتين، وقال:
– “سيتم توقيع المعاهدة رسميًا بعد أن يوافق الطرفان على كل بنودها. كل خطوة محسوبة، وكل شرط مدروس بدقة. لن نترك أي ثغرة.”
جلس كل طرف على مقربة من الطاولة، بدأ الحرس بإغلاق الأبواب، والهدوء يملأ القاعة بالكامل. شعرت بتوتر غريب يملأ صدري، وكأن كل نظرة وكل كلمة ستحدد مصيرنا جميعًا.
اقترب مني والدي قليلاً، همس بصوت منخفض:
– “تذكري، ابنتي… أنت اليوم ليست مجرد أميرة، بل رمز للسلام.”
ابتسمت له برفق، وأغمضت عيني للحظة، مستوعبة حجم المسؤولية التي أحملها الآن.
وفي لحظة واحدة، بدأ الحضور في مناقشة التفاصيل الدقيقة للمعاهدة، بينما كنت أراقب فريدريك عن قرب. رغم كل ما حدث، لم يكن يعبر عن أي مشاعر، لكني شعرت بشيء غامض يختبئ خلف تلك الجدية… ربما غضب، ربما حذر، وربما شيء آخر لم أستطع تحديده بعد.
جلسنا لساعات نراجع البنود، كل كلمة كانت تمثل خطوة نحو السلام، وكل توقيع يرمز إلى غلق فصل طويل من الخيانة والكراهية. شعرت بالراحة أخيرًا، لكن أيضًا بثقل المسؤولية.
وبينما كانت الجلسة تقترب من نهايتها، أدركت أن هذه اللحظة ستكون بداية لعهد جديد. عهد السلام والنهضة، الذي طالما حلمت به، والذي أخيرًا أصبح في متناول أيدينا جميعًا.
وقفتُ على عتبة الطاولة الكبيرة، أراقب كل شيء بعينين متسعتين، وقلبي يتسارع مع كل خطوة يخطوها أحدهم. الطاولة كانت مغطاة بأقمشة مزخرفة بالذهب، وعلى كل طرف وضعوا أقلام حبر فاخرة، والوثائق الرسمية للمعاهدة.
امي جالسة بجانبي، ويدها ترتجف قليلاً، وأنا أمسك يديها بهدوء لأطمئنها. شعرت بشعور غريب بين الفخر والخوف… الفخر لأن الحقيقة كشفت أخيرًا، والخوف من أن أي خطأ صغير قد يُفسد السلام.
فريدريك جالس أمامي، كما لو أن كل العالم يقع بين يديه. لم يبتسم، لم يخفِ شيء، لكن نظراته كانت ثاقبة، وكأن كل كلمة وكل حركة تخضع لتمحيصه. لم أشعر بالغضب تجاهه هذه المرة، بل شعرت بالرهبة، وقليل من الامتنان لأنه كان جزءًا من هذه العملية رغم كل ما حدث بيننا.
الإمبراطور أخذ القلم أولًا، ووضع توقيعه الرسمي على الوثيقة. بعدها جاء دوري، والتقطت القلم بيدي مرتجفة قليلًا، ولكنني أخذت نفسًا عميقًا، ووقعت على الصفحة، وأحسست وكأن ثقل سبعة عشر عامًا من الشك والخوف يزول عن صدري.
بعد توقيعي، بدأ والديّ يوقعان، تلاه والوفد الآخر. كل توقيع كان يشعل شعورًا داخليًا بالانتصار… الانتصار على الخيانة، على الماضي، وعلى كل العقبات التي أعاقت العدالة.
فريدريك رفع رأسه أخيرًا، ووضع توقيعه بخط ثابت وقوي، ثم نظر إليّ مباشرة، تلك النظرة التي كانت دائمًا تثير قلبي، لكن هذه المرة شعرت فيها باحترام، رغم القسوة التي كانت تخفيها.
ابتسمت سيلينا إليّ خفية، وهمست:
– “لقد فعلتِ ذلك، أوفيليا… لقد ساعدتِ في بناء السلام.”
أغمضت عيني للحظة، أشعر بالدموع تكاد تنهمر، لكنني كنت ممتنة للحظة السلام هذه، وللسلام الذي بدأ يلوح في الأفق بين المملكتين.
ثم جاء وقت الكلمات الرسمية أمام الجميع. الإمبراطور قال بصوت عميق:
– “اليوم، نعلن بداية فصل جديد بين مملكتينا. السلام الذي طال انتظاره يبدأ من هذه اللحظة. لن يكون هناك المزيد من الحقد، ولن تكون هناك خيانة.”
الجميع أومأ برأسه، والهدوء يملأ القاعة، لكن قلبي كان لا يزال ينبض بسرعة، شعور بالمسؤولية يعانقني من الداخل.
فريدريك نهض فجأة، نظر إلى الحضور وقال:
– “أي شخص يفكر في عرقلة هذا السلام، سيعرف أن العدالة لن تتوانى عن أن تصل إليه. لا مكان للخيانة بعد اليوم.”
ابتسمت داخليًا، لم يكن ابتسامة ودّ، بل شعور بالتحذير، وكأن القوة التي يمتلكها الآن ستكفل استمرار السلام.
عندما انتهت الجلسة، تقدمتُ خطوة، والتفتت إلى والديّ، دموعي بدأت تنهمر أخيرًا، وقالت أمي بصوت متأثر:
– “لقد كنتِ شجاعة يا ابنتي… لقد أنقذتِ مملكتك ومملكتنا معًا.”
ضممتها بقوة، وشعرت بأن ثقل الماضي قد بدأ يخفّ، وأن الأمل بدأ يزهر من جديد.
وقفتُ لبعض اللحظات، أراقب الجميع وهم ينسحبون ببطء من القاعة، وأشعر بفراغ غريب يملأ المكان، لكنه كان نوعًا من الحرية التي لم أشعر بها منذ سنوات. تنفست بعمق، وكل نبضة قلب كانت تخبرني أن هذه النهاية ليست مجرد توقيع على ورقة، بل بداية حقيقية… بداية سلام، بداية عدل، وبزوغ فجر جديد لمملكتينا.
جلستُ على مقعدي، أغمضت عيني للحظة، وأحسست بالراحة تسري في داخلي، شعور لم أعرفه منذ زمن طويل. لقد شعرت أنني أستطيع أخيرًا أن أتنفس بحرية، أن أحلم بغد أفضل، وأن أبدأ من جديد.
وفي تلك اللحظة، أدركت أن السلام ليس مجرد معاهدة على ورق، بل هو شعور ينبع من داخلنا… من شجاعة مواجهة الحقيقة، ومن القوة لمصالحة الماضي، ومن الأمل الذي لم ينطفئ حتى بعد أعوام من الظلام والخيانة.
فتحت عيني، ونظرت إلى نافذة القاعة، حيث أشعة الشمس تتسلل بين الزجاج، تُضيء الغرفة بخفة، وكأنها تبشر بمستقبل أكثر إشراقًا… مستقبلي ومملكتنا معًا.
وفي تلك اللحظة، أدركت أن السلام ليس مجرد توقيع على ورقة، بل هو شعور ينبع من القلوب، من الإرادة، ومن الشجاعة لمواجهة الماضي والمضي قدماً نحو المستقبل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات