وقفت على سلم البوابة الكبرى، يدي ترتجفان قليلًا بينما أراقب عربات والديّ وهي تقترب، الغبار يتطاير تحت عجلاتها، والريح تحمل أصوات الحشود والهمسات من الحراس. قلبي كان يرفرف بعنف، بدات مشاعري كلها متضاربة لا اعرف بما اشعر حقا: شوق ممزوج بالخوف، فرح ممزوج بالحزن، ودموع لم أستطع كبحها منذ أن غادرت مملكتي إلڤارين.
عند اقترابهم، شعرت فجأة بتيار من الحنين يغمرني، وبدون أن أفكر، خطوت نحوهم بسرعة، متناسية كل البروتوكولات والابتسامات الرسمية.
“أمي… أبي…” همست بصوت متقطع، والدموع بدأت تتساقط على خديّ قبل أن أتمالك نفسي.
والدتي، بعينيها المتوهجتين بالدهشة والفرح، انطلقت نحوي على الفور، واحتضنتني بشدة، كأنها تخشى أن أفلت منها ثانية. “أوفيليا… يا قلبي… لقد اشتقت إليك أكثر مما تتصورين.”
شعرت بأن قلبي ينفجر من الشوق، وبكيت معها، كل شعور مختلط: فرح باللقاء، ألم لاشهر الغياب،والتي عشتها كانها سنوات، وذكريات الماضي التي لم تزل تطاردني.
ثم التفت لانظر إلى والدي، وقلت بصوت مملوء باللوم والحزن: “أبي… لماذا لم تسأل عني ولو مرة واحدة منذ أن تزوجت فريدريك؟ ستة أشهر كاملة، ولم تسأل عني!”
والدي وقف مشدوهاً، وكأن الكلمات أصابته مباشرة في قلبه، حاول أن يقول شيئًا، لكن صوته خنقه البكاء والتوتر. همس أخيرًا: “أوفيليا… لم أدرك… لم أعلم…”
تقدمت خطوة أخرى، وأمسكت يديه بيدي المرتجفتين، دموعي تبلل أصابعي، وقلت بحزن: “كنت بحاجة إليك، كنت بحاجة لاهتمامك… لم أكن أعرف أنني سأكون وحيدة بهذا الشكل حتى في زوايا قلبي.”
ولكنني لم استطع ان اتحمل اكثر، وارتميت في حضنه، مثل طفلة صغيرة تائهة، كل ما تريده هو بعض الامان، قلت بصوت مبحوح من البكاء: “اشتقت لك ابي …واشتقت لحنانك الذي يريح قلبي دوما.”
أمي أمسكت يدي الأخرى، وجعلتني بين ذراعيها، محاولة تهدئتي، بينما لم يستطع والدي سوى ان يضمني بين ذراعيه، صامتًا، متأثرًا، وكأن كل شيء يمر عبر قلبه في لحظة واحدة.
في تلك اللحظة، شعرت بالراحة الغريبة، شعور لم أشعر به خلال هذه الاشهر: أن أكون بين أهلِك، أن يكون هناك من يفهمك دون كلمات، وأن تشعر بأنك لا زلت تنتمي إلى بيتك رغم كل الخراب.
سيلينا وسامي واقفا جانبًا، يراقبان المشهد بصمت، وكأنهما يعرفان أن هذه اللحظة لا تحتاج سوى دفء العائلة، ولا شيء آخر.
بعد أن هدأت دموعي قليلًا، أخذت نفسًا عميقًا، محاوِلة جمع شتات نفسي، ونظرت إلى والدي وقالت بصوت منخفض، لكن حاد: “أريد أن نكون صادقين هذه المرة. لن أخفي شيئًا عنكم، ولن تظنوا أنني مجرد ابنة ضائعة أو أداة سياسية.”
والدي ابتسم برقة، ومع ذلك بدا عليه الأسف، وقال: “لقد فاتتنا الكثير من اللحظات… لكن اليوم، لن ندع شيئًا يفرقنا مرة أخرى.”
ابتسمت لأمي، وشعرت بأن قلبي يمتلئ بالدفء والأمل، وأن سنوات الدمار لم تمح الحب أو الانتماء.
وفجأة، شعرت بشيء آخر يتسلل: المستقبل يضغط علينا. أعلم أن هذه اللحظة لا تدوم، وأن اجتماع معاهدة السلام سيبدأ قريبًا، وأن مسؤولياتي ليست فقط عاطفية، بل سياسية أيضًا. شعرت بتيار من الترقب، ولكن مع ذلك، شعرت بأن هذا اللقاء أعاد لي قوتي، وأنني لن أخاف مجددًا من المضي قدمًا.
والدي التفت إلى سيلينا وسامي، وقال: “حسنًا، دعونا نذهب، لدينا الكثير لننجزه، ولكن اليوم… لنبدأ من هنا، من لقاء القلب.”
ابتسمت له، وأنا أشعر بأن قلبي أصبح أخف، وأن دموعي لم تعد مجرد حزن، بل كانت دموع الفرح والطمأنينة، دموع تذكرني بأنني ما زلت ابنة إلڤارين، وأن حروبي لم تنته بعد، لكن دعمي أصبح أقوى: عائلتي بجانبي، سيلينا وسامي بجانبي، ومع الأيام، سأعيد كل شيء إلى نصابه.
بعد دقائق قليلة من اللقاء العاطفي عند البوابة، قادنا الحراس داخل القصر إلى غرفة الاستقبال، حيث كانت الترتيبات الخاصة بالمعاهدة قيد التحضير. شعرت بخفقان قلبي يتسارع مع كل خطوة أخطوها، كل غرفة نمر بها تذكرني بالسنوات الستة التي قضيتها بعيدة عن والديّ، وتزيدني إدراكًا بأن الأمور لم تعد كما كانت.
أمي، ما زالت ممسكة بيدي، تهمس لي بين الحين والآخر: “كوني قوية، يا قلبي. هذا اليوم مهم، ليس فقط لكِ، بل لجميع مملكتنا.”
جلست على الكرسي المخصص لي، محاطة بسيلينا وسامي، وأنا أحاول ترتيب أفكاري. كل شيء بدا رسميًا، لكن داخلي كان في حالة فوضى. شعرت بالامتنان لكل من بجانبي، ولكني كنت أعلم أن التحديات الحقيقية لم تبدأ بعد.
وفجأة، دخل فريدريك من الباب الكبير، حاد النظرات، عينيه تتفحص كل شخص في الغرفة. لم أستطع كبح شعور التوتر، لكنه لم يظهر أي علامة على التعاطف أو الود. كان هادئًا، لكن كل حركة فيه كانت مشحونة بالقوة والسيطرة، وكأن أي لحظة ضعف قد تكون خطأ كبيرًا.
اقترب من والديّ أولًا، وألقى التحية الرسمية، ثم نظر إليّ مباشرة. لم يقل شيئًا في البداية، فقط وقف، صامتًا، يراقبني بعينين تخترقان روحي. شعرت برعشة خفيفة، لكنني رفعت رأسي وحاولت الحفاظ على هدوئي.
“أوفيليا…” قال أخيرًا بصوت منخفض لكنه حاد، “غدًا سنبدأ الاجتماع بخصوص معاهدة السلام. لقد أرسلت رسائل إلى أهل مملكتك ليأتوا، وأنا أتوقع أن يكون كل شيء واضحًا وصريحًا.”
ابتسمت له ابتسامة باهتة، وأنا أحاول تمالك نفسي: “نعم، كل شيء سيكون واضحًا… على أمل أن نفعل ما هو أفضل لمملكتينا.”
جلس بجانبي قليلًا، ولكن دون أي تغيير في مظهره الجاد، وبدأ الحديث عن الترتيبات الرسمية، توزيع الوثائق، وموعد الاجتماع. رغم الجدية، شعرت ببعض الراحة لوجوده هنا، إذ لم تعد الأمور كلها غامضة، وكانت هذه الخطوة تعني أن الحوار سيبدأ، وأن الحقيقة ستخرج إلى النور.
أمي نظرت إليّ وابتسمت، وقالت بهدوء: “لقد كبرت يا ابنتي… أصبحتي قوية، لكنك ما زلت تحتاجين إلى قلبك بجانبك.”
لم أستطع كبح دموعي مرة أخرى، لكن هذه المرة لم تكن دموع خوف أو حزن، بل دموع ارتياح: ارتياح لأن كل شيء أخيرًا بدأ يتضح، لأن عائلتي موجودة معي، ولأنني شعرت بأن المسؤولية لم تعد وحدي.
سيلينا وسامي بقيان صامتين، يتابعان كل حركة، وكل كلمة، لكن شعرت بدفء وجودهما كما لو كانا درعًا غير مرئي يحميني.
عندما انتهى الحديث عن الترتيبات، نهض فريدريك فجأة، وقال: “غدًا سنبدأ، وأتوقع أن نضع كل الأمور على الطاولة. لا مجال للأخطاء.”
شعرت بتوتر خفيف، لكنه لم يكن نفس التوتر الذي كان يسيطر عليّ في الماضي، شعرت الآن بالقوة، شعور بأنني مستعدة لمواجهة كل شيء.وايضا…شعرت بارتياح غريب، مزيج من الامتنان والخوف، ودموعي بدأت تتوقف شيئًا فشيئًا.
ابتعد قليلاً، وترك لي مساحة أفكر، لكن حضوره الصامت كان كافيًا لتذكيري بأن المسؤولية لم تعد فقط عاطفية، بل سياسية أيضًا، وأن الطريق نحو السلام لم يكن سهلاً، لكنه بدأ أخيرًا.
جلست، أتنفس بعمق، وأنظر إلى الحديقة من نافذة الغرفة، أشعر بأن كل شيء قد تغير، وأن غدًا سيكون بداية جديدة: بداية للسلام، وبداية لفهم الحقيقة بالكامل، ولربما… بداية لعلاقة جديدة مبنية على الثقة، بعد كل سنوات الشك والخيانة.
انتهى اليوم، وعدت الى غرفتي، بينما والداي، ذهبا الى غرفة للضيوف، استلقيت على سريري، افكر بكل ما حدث معي من احداث، خلال هذه الاشهر، واتخيل ما سوف تكون عليه احداث الغد، وحتى مستقبلا، ومع كثرة التفكير، لم اشعر بنفسي، الا وانا انام بهدوء، على وسادتي، وكل افكاري تنزاح مع الفضاء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات