دخلتُ القاعة الكبرى، شعوري مزيج من القلق والغضب، بينما خطواتي تتردد على الأرضية الرخامية الباردة. كانت القاعة مليئة بالحضور، الحراس، المسؤولون، والموظفون من البلاط، وأعينهم كلها تتجه نحونا: مارتينا محمولة بين القيود، غرايسون وداريوس خلفها، وميرالين واقفة بجانبهم، تتجنب النظر إليّ مباشرة.
جلستُ على المقعد المخصص لي بجانب سيلينا وسامي، والقلوب تخفق بشدة، كل نفس من الهواء المشبع بالتوتر كان يذكرني بما حدث قبل أيام، وبالحقائق التي كشفناها بعناء.
إمبراطور درافينور جلس على عرشه، وجهه صارم، وعيناه تتفحصاننا بحدة. وفريدريك كان بجانبه، جسده مشدود، وملامحه المتوترة تعكس غضبًا دفينًا، رغم أنه كان يحاول إخفاء مشاعره.
أخذ الإمبراطور نفسًا عميقًا وقال بصوت قوي:
“اليوم نكشف الحقيقة كاملة، ونعرف كل من تورط في الخيانة. لن يكون هناك أي عذر.”
ارتجف المكان قليلاً، وسمعت الهمهمات تنتشر بين الحضور، وكأن كل شخص يحاول فهم ما سيحدث.
وقفتُ، ونظراتي على مارتينا، وقد شعرت بقوة الغضب تتسلل إليّ. قلت بصوت واضح:
“كل الأدلة موجودة هنا، وكل خيط من خيوط المؤامرة تم جمعه. مارتينا، اليوم ستتكلمين أمام الجميع.”
بدأت المحاكمة بعرض الأدلة، وكنت أقف قريبة، أراقب ردود أفعالها. التاجر ميرون أتى وأكد أن القلادة التي استخدمتها مارتينا كانت في حوزته، وأنها استلمتها مقابل تعليمات دقيقة لسم فريدريك ووالدته. كل كلمة كانت بمثابة صدمة للغرفة بأكملها.
إمبراطور درافينور رفع حاجبيه وقال ببطء:
“إذن الخيانة لم تكن من عائلة أوفيليا كما ظننا، بل من عائلة مارتينا. كل ما حدث بسبب رغبتكم في الانتقام… هذا سبب كل المصائب.”
تصاعدت الصرخات والهمهمات في القاعة، والجميع بدأ يوجه الأنظار لمارتينا، التي بدت وكأنها فقدت توازنها.
قلتُ بصوت ثابت، أرفع الحقيقة:
“والآن، عليها ان تقول بلسانها من كان يتعاون معها داخل البلاط؟ من ساعدها في التسلل، ومن كان أداة لها؟ حتى لا يكون هناك انكار للحقيقة. “
مارتينا أخذت نفسًا عميقًا، ثم بدأت بقول التفاصيل التي نعرفها:
“غرايسون كان معي… داريوس ساعدني جزئيًا… ميرالين كانت شاهدة… لكن الجميع لم يكن يعرف الدوافع الحقيقية وراء أفعالي. كل شيء بدأ بسبب سرقة حجر التنين… ومن ثم انتقام عائلتي…”
وقف فريدريك فجأة، صوته مشحون بغضب حقيقي:
“كل ما حدث كان نتيجة كذبكم وخيانتكم! عائلتي لم تفعل شيئًا ضدكم، لكن أفعالكم هي من أدت إلى موت والدتي، إلى التسمم، وإلى كل هذه الفوضى!”
الجميع صمت، وبدأت العيون تتحرك بيننا وبين مارتينا، التي حاولت البحث عن عذر، لكنها لم تجد.
إمبراطور درافينور رفع يده، قائلاً بصوت هادئ لكن حازم:
“كفى. الحقيقة ظهرت اليوم. عائلة أوفيليا لم تكن مسؤولة عن أي من هذه الجرائم. المذنبون هم عائلتكم، مارتينا، وهذا سبب كل الفوضى السابقة بين المملكتين.”
ذهل جميع الحضور اللذين في القاعة من النبلاء وعامة الناس.
مارتينا حاولت أن تنكر، وتظهر نفسها بريئة امام الحضور، لكنها لم تجد كلمات، وبدأت دموعها تتساقط. سيلينا همست لي:
“الآن كل شيء أصبح واضحًا… اصبحت المملكتين تعرف كل شيء.”
جلستُ على المقعد، أشعر بثقل الأحداث على صدري، بينما الإمبراطور أصدر أمره بالقبض على مارتينا وبقية المتعاونين معها فورًا، وسجنهم مع الاشغال الشاقة، الحراس اقتادوهم واحدًا تلو الآخر، والغرفة كانت صامتة، باستثناء صوت الأصفاد وأقدام الحراس.
فريدريك وقف بجانب الإمبراطور، نظراته نحو مارتينا كانت مليئة بالغضب، لكنه لم يوجه أي كلمة، كأن صمت القاعة كان عقوبة بحد ذاته.
في النهاية، توقفتُ عند مدخل القاعة، أنظر إلى كل شخص، وأدرك أن العدالة أخيرًا بدأت تأخذ مجراها. الغرفة كانت مليئة بالصدمة، والحضور لم يستوعب كل التفاصيل بعد، لكن الحقيقة بدأت تظهر، والخونة لم يعودوا يملكون أي قوة.
جلستُ بجانب سيلينا، وأنا أتنفس ببطء، أشعر أن ثقل الأيام الماضية بدأ يخف قليلاً. لكن عيني لم تفارق مارتينا، وكأنني أريد أن أحفظ كل لحظة، كل تعبير، كل نظرة قبل أن تُسدل الأصفاد عليها للأبد.
بعد ان انتهت المحاكمة، خرجت من القاعة، ولم أعد أشعر بقدميّ الا حين وصلت إلى باب غرفتي. كأنني كنت أجرّ جسدي جراً منذ أن انتهت المحاكمة، منذ أن رأيت مارتينا تُساق إلى السجن مكبلة، هي وكل من وقف إلى جانبها.
وقفت برهة أمام الباب، يدي ترتجف فوق المقبض. لا أعلم لماذا… ربما لأن هذه أول مرة منذ سبعة عشر عامًا أشعر أن الظلال بدأت تنقشع، أن الماضي بكل دمائه واتهاماته وكراهيته… قد بدأ يذوب كضبابٍ في شمس الصباح.
فتحت الباب ببطء، ودخلت. كان كل شيء كما تركته: سريري المرتب بعناية، الستائر الثقيلة التي تحجب ضوء الشمس، الطاولة التي وُضعت عليها شمعة نصف ذائبة. لكن اليوم… الغرفة بدت مختلفة. كأنها أخيرًا صارت لي، لا قفصًا يحبسني بين جدرانه.
جلست على السرير، ودفنت وجهي بين يديّ. شعرت بالدموع تبلل أصابعي. لم أبكِ في المحكمة، لم أبكِ حين كشفت الحقيقة أمام الجميع، لم أبكِ حتى حين انهارت مارتينا واعترفت بأن حياتي كلها كانت مسرحية من الأكاذيب. لكن الآن… وأنا وحدي… بكيت.
كل تلك السنوات من الشكّ، من حمل وزر جريمة لم أقترفها، من نظرات الاتهام التي لاحقتني في كل مكان… انكسرت أمام هذه اللحظة.
أخيرًا، لستُ خائنة.
أخيرًا، اسمي واسم والدي سيُنقش كما يجب: بكرامة، لا بلعنة.
تذكرت كلمات فريدريك في القاعة، وهو يكشف الحقيقة بصوته الثابت، يفضح جذور الخيانة التي زرعتها عائلة مارتينا… لحظتها شعرت وكأن قيودًا حديدية كانت حول قلبي قد تحطمت. ورغم أن مارتينا أنكرت حتى النهاية، إلا أنني كنت أعلم… لم يعد لإنكارها قوة.
كنت ما أزال أبكي بصمت، وجسدي يهتز فوق الوسادة كطفلة ضاعت طويلًا ووجدت نفسها فجأة. شعرت بالخفة، نعم، لكن الدموع لم تتوقف… كأنها كانت تحاول أن تغسل كل السنوات التي عشـتُها في ظلام الاتهام.
لم أسمع وقع الخطوات في الممر إلا حين توقفت فجأة أمام باب غرفتي. شهقت، ومسحت وجهي بسرعة، لكن الباب انفتح ببطء… ودخل هو.
وقف فريدريك عند العتبة، طويلًا، صامتًا، عيناه تلمعان بشيء لم أتبينه: قلق؟ حزن؟ دهشة؟ لم يتحرك مباشرة نحوي، بل بقي يحدّق بي وكأنه يحاول أن يقرأني، أن يفهم سبب بكائي بعد أن انتهى كل شيء.
ارتبكتُ. لم أرد أن يراني بهذا الضعف… لكن في اللحظة نفسها، لم أعد أملك قوة لإخفاء شيء.
تمتمتُ بصوت مبحوح:
ـ “فريدريك…”
اقترب بخطوات بطيئة، كأن شيئًا كان يقيّده. جلس على حافة السرير دون أن يلمسني، وكأن بيننا جدارًا خفيًا من المشاعر المجهولة. نظرت إليه بعينين دامعتين وسألته:
ـ “الآن بعد أن عرفت الحقيقة… هل تغيّر رأيك بي؟ هل… ستُنهي الزواج؟”
انطلقت الكلمات من فمي كطعنة. لم أكن أريد أن أقولها، لكن الخوف الذي عشت فيه سبعة عشر عامًا لم يتركني بسهولة. كنت أخشى أن يكون كل هذا مجرد نصرٍ مؤقت، وأن يُلقى بي مجددًا في هاوية الوحدة.
تغيّر وجهه للحظة، بدا وكأنه لم يتوقع سؤالي. ارتسم على شفتيه شيء أقرب إلى ابتسامة غامضة، نصفها سخرية ونصفها حزن. ثم قال بصوت هادئ لكنه حازم:
ـ “لا، أوفيليا. لن أنهي الزواج. لو أردتُ ذلك… لفعلت منذ زمن بعيد.”
تسارعت أنفاسي، شعرت بالارتجاف يترك أطرافي شيئًا فشيئًا، لكنني لم أستطع الرد. كل ما استطعت فعله هو النظر في عينيه، أبحث فيهما عن صدق لا يتزعزع.
تابع بصوتٍ أكثر جدية، وكأن شيئًا مهمًا يثقل ذهنه:
ـ “غدًا سيجتمع الجميع من أجل معاهدة السلام. أرسلت رسالة إلى أهلك… سيأتون ليشاركوا. لقد حان الوقت لإنهاء ما بدأ قبل سبعة عشر عامًا.”
ارتجف قلبي عند سماع كلماته. أهلي… سيأتون؟! تخيلت وجوههم، تخيلت لحظة لقائي بهم في قصر أعدائي القدامى، لا كأميرة مخلصة وحيدة، بل كجزء من مصالحة قد تغيّر مصير أمة بأكملها.
رفعت رأسي نحوه، والدموع ما تزال عالقة في عينيّ. أردت أن أشكره، أن أقول له إن كلماته منحتني أملًا لم أعرفه من قبل… لكنني صُدمت بملامحه.
كان يراقبني بصمت، عيناه عميقتان، غامضتان… لم أفهم ما يخفيه. هل كان حزنًا لأنه رآني بهذا الضعف؟ أم شيئًا آخر لم يجرؤ على البوح به بعد؟
شعرت بأنفاسي تتباطأ، وبأن المسافة بيننا ـ رغم قربه ـ أوسع من أن تُختصر بكلمة. ومع ذلك، في تلك اللحظة… أحسست أنني لست وحدي.
بعدها خرج من الغرفة، وتركني وحدي افكر بكلماته، استلقيت على السرير، أغمضت عيني، وتركت نفسي أستمع لصوت أنفاسي. كان في داخلي صراع غريب: راحة عظيمة كمن وجد أخيرًا ملجأه بعد تيه طويل، وخوف خفي مما سيأتي لاحقًا. لأن كشف الحقيقة لا يعني أن كل شيء قد انتهى… بل ربما كان بداية طريق جديد.
ابتسمتُ رغم دموعي.
لأول مرة منذ زمن طويل… شعرت أنني أستطيع التنفّس.
ولكن…في تلك اللحظة، أدركت أن الامر لم ينته بعد… وأنه تبق علينا اصعب مهمة…اعادة الثقة والسلام بين المملكتين.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات