جلستُ في القاعة الكبرى بعد مواجهة مارتينا وفريدريك، لا أزال أحاول استيعاب كل ما قيل. الجو كان مشحونًا بالصدمة، والهدوء الذي تبع المواجهة كان يخفي خطرًا قادمًا.
فجأة، شعرتُ ببرودة الهواء تنساب عبر الباب المفتوح، وسمعت حركة سريعة من خلف الستائر. قبل أن أستوعب ما يحدث، اختفت مارتينا من أمام أعيننا.
“لقد هربت!” صرخ فريدريك، وعيناه تتفحّصان كل زاوية في القاعة.
سيلينا ومددت يديها إليّ: “علينا التحرك بسرعة، مولاتي… لا يمكن أن نتركها تفلت.”
سامي تحرك بجانبي، ممسكًا بالسيف، عينيه ثاقبتان لكل حركة مشبوهة: “سأمنعها من الهروب لمسافة كبيرة… لكن علينا خطة.”
بدأ البحث في القصر نفسه، غرفه، الممرات، وحتى الحدائق المحيطة، لكن مارتينا كانت سريعة وذكية. كل غرفة كنا نصل إليها كانت فارغة، وكأنها لم تكن موجودة أصلًا.
“لابد أنها استخدمت أحد الممرات السرية…” همست سيلينا، وعيونها تتفحص المكان.
قلتُ لنفسي: يبدو أن كل خطوة منها محسوبة… كل حركة تحمل خطة مسبقة… لا يمكن أن نكتشفها بسهولة.
وفي اليوم التالي، بدأنا بتقسيم فرق البحث: أنا وسامي في القسم الشمالي من القصر، وسيلينا تتفقد الجنوب، بينما فريدريك يراقب من نقطة استراتيجية، يحاول أن يتوقع كل تحرك لمارتينا.
خلال البحث، واجهنا عدة مشاهد مثيرة:
أحد الحراس أخبرنا أنه رأى شخصًا يشبه مارتينا يدخل قبو القصر، لكن عندما وصلنا، لم نجد أي أثر لها، فقط أوراق ممزقة وأثاث مبعثر.
في جناح الضيوف، عثر سامي على خريطة مخفية في مكتب قديم، يبدو أنها كانت تستخدم لتخطيط الهروب، تحمل رموزًا غامضة قد تشير إلى طريقها خارج القصر.
سيلينا رصدت خيطًا من القماش الأحمر ممسكًا بأحد النوافذ المفتوحة، مما يشير إلى أنها ربما استخدمت حبلًا للهبوط إلى الأسفل.
وفي الليالي التالية، بدأ البحث يأخذ منحى أكثر تعقيدًا:
حاولت مارتينا ترك رسائل مشفرة لنا، لكنها كانت مختفية في أماكن يصعب الوصول إليها.
خلال إحدى الليالي، رأيتُ ظلها يمر بسرعة عبر حدائق القصر، وكان يبدو أنها تختبر ردود أفعالنا.
سامي حمى كل تحركي، وسيلينا قدمت تحليلات دقيقة لكل أثر، لكن رغم كل ذلك، كانت مارتينا دائمًا خطوة أمامنا.
وفي منتصف اليوم، قررنا محاولة استدراجها، بوضع فخ بسيط في الممر الرئيسي، باستخدام أوراق مشبوهة يبدو أنها تحمل أدلة عن القلادة والسم.
مارتينا اقتربت، وحين رأت الأوراق، ترددت للحظة، ثم اختفت مرة أخرى قبل أن نتمكن من الإمساك بها.
في نهاية اليوم، وقفنا جميعًا أمام أحد الممرات الطويلة، ونحن نتنفس بصعوبة، ندرك أن مارتينا الآن خارج القصر، والبحث عنها سيتطلب الذكاء والدهاء أكثر من القوة فقط.
فريدريك قال بصوت صارم: “لن أسمح لها بالهروب… مَن كانت السبب في كل ما حدث، يجب أن تتحمل مسؤولية أفعالها.”
قلتُ له في هدوء، وأنا أشعر بمزيج من الغضب والخوف: “لكنها ذكية… لن يكون الإمساك بها سهلًا.”
وسامي أومأ: “سأبقى بجانبك، مولاتي. لن تُفلت بسهولة.”
وسيلينا أضافت: “كل خيط سنعثر عليه سيقودنا إليها… علينا فقط الصبر والمراقبة.”
جلستُ على أحد المقاعد المطلة على حدائق القصر، وأنا أراقب كل حركة بعينين متفتحتين. سامي يقف بجانبي، يراقب كل ممر وكل ظل، وسيلينا تتفقد كل زاوية من الجانب الآخر.
“يبدو أن مارتينا تختفي أكثر من أن تُرصد”، همستُ، وأنا أحاول جمع شجاعتي بعد صدمة المواجهة السابقة.
سامي هز رأسه ببطء: “هي ذكية جدًا… لا يمكننا توقع كل خطوة منها. لكن لا تقلقي، سأكون دائمًا هنا لحمايتك.”
سرتُ عبر الممرات الطويلة للقصر، أحمل مذكرة مملوءة بالملاحظات عن تحركات مارتينا السابقة، وكل محاولة منها لإرسال إشارات أو ترك خيوط.
“كل أثر نكتشفه يقودنا خطوة نحوها، مولاتي”، قالت سيلينا بابتسامة مطمئنة، لكنها كانت تخفي قلقها. “عليك فقط الصبر والمراقبة الدقيقة.”
بدأنا بالتفتيش في جناح الضيوف، القاعات المهجورة، والممرات السرية. كانت القلوب تتسابق، كل أصوات الرياح أو حركة أوراق تثير توتري.
في إحدى الغرف، وجدتُ قطعة قماش ممزقة، كانت تشبه الخيط الذي تركته مارتينا في إحدى المرات. قلبتُ المذكرة، محاوِلة فهم أي رمز أو رسالة مخفية فيها.
سامي اقترب مني وهمس: “يبدو أنها هنا، أو أنها تركت شيئًا يدل على طريقها.”
بعد ساعات من البحث، شعرنا جميعًا بالإرهاق، لكن لم يكن هناك أي أثر مباشر لها. كل دليل كان غير مكتمل، وكأنها تختبر صبرنا.
سلكنا الممرات الخلفية، وبدأت سيلينا تلاحظ نمطًا في اختفاءاتها: “انظري… كل خطوة كانت تقودنا نحو الحديقة الشمالية. يبدو أنها تحب المكان المفتوح.”
تحركنا جميعًا بحذر، كل خطوة محسوبة، كل حركة مراقبة. كل زاوية من القصر أصبحت مسرحًا للتوتر والترقب.
وفي الليل، وبينما كنا نراقب إحدى النوافذ المفتوحة، رأينا ظلًا سريعًا يمر على العشب، يختفي خلف شجرة كبيرة.
اقتربنا بحذر، وكان كل شيء هادئًا… حتى لمحنا شيئًا يتلألأ بين الأشجار: قطعة من ثوب مارتينا، وربما شيء آخر يدل على وجودها.
وقفتُ متجمدة، وأدركت أن هذه اللحظة قد تكون المفتاح: “أليس هذا دليلًا؟” همستُ لسيلينا.
سامي أشار برأسه: “إنها هنا… أو كانت هنا منذ قليل. علينا التحرك بسرعة قبل أن تختفي مرة أخرى.”
وفي النهاية، لمحناها تجلس على مقعد صغير تحت ظلال الأشجار، ترتبك عند رؤيتنا، وعيونها تحمل مزيجًا من التحدي والخوف.
“مارتينا…” ناديتُها بصوت هادئ، لكن صارم. “حان الوقت لتتحدثي.”
ابتسمت ابتسامة قصيرة، وكأنها تنتظر هذه اللحظة منذ البداية، ثم قالت بصوت خافت: “لقد كنتم أذكى مما توقعت… لكنكم الآن هنا، وأنا لم أختر الهرب بعد… بعد قليل، ستعرفون كل شيء.”
وقفتُ أمامها وأنا أشعر بالارتباك، وقلبي يضرب بسرعة، وكل ما شعرت به من غضب وخيانة يختلط بالصدمة والحزن تتصارع داخلي: اللحظة التي كنا ننتظرها، ربما تكشف لنا الحقيقة بالكامل… لكنها أيضًا تحمل مخاطرة كبيرة، سيلينا وساميلان يقفان بجانبي، عيونهم تتفحصان كل حركة منها، كأنهما مستعدان لأي تصرف مفاجئ.
مارتينا ابتسمت ابتسامة قصيرة، تحمل شيء من التحدي، ثم قالت بهدوء: “أعرف أنكم تتساءلون لماذا فعلت كل هذا… لكن الوقت لم يحن بعد لتعرفوا كل شيء.”
قلت لها بصوت ثابت، رغم اهتزاز قلبي: “كل شيء انتهى، مارتينا. لا يوجد مكان تهربين إليه بعد الآن.”
سامي، الذي كان يراقب المكان، تقدم بخطوات حذرة، وقال: “مولاتي… علينا ألا نتركها تفلت. إنها السبب في كل ما حدث.”
سلبت سيلينا أنفاسها للحظة، ثم أشارت إليّ: “نحن ثلاثتنا، سنتأكد من أنها لا تهرب مجددًا.”
مارتينا حاولت التراجع، لكن سامي أسرع، وحجز ممرها بوجوده القوي، وعيناه لم تبرحاني، وكأنهما يحذرانها من أي خطوة خاطئة.
قلت بصوت أعلى قليلاً: “مارتينا… يجب أن تعرفي أن كل خيوطك، وكل مخططك… انتهت. الآن ستتبعيننا.”
ارتجفت قليلاً، لكنها لم تصرخ. بدلاً من ذلك، نظرت إلينا نظرة تحدٍ، كما لو كانت تقول: لقد ربحتوا هذه الجولة فقط… لن يكون الأخير.
سحبناها بحذر، وكل خطوة كانت محسوبة، حتى اقتحمنا إحدى الغرف الآمنة في القصر، حيث وضعناها تحت حراسة مشددة، بعيدًا عن أي فرصة للهرب.
جلست على مقعدها، وعيونها تتجول في الغرفة، ربما تحاول أن تجد طريقة جديدة للهرب، لكن كل شيء محكم.
تنهدت سيلينا وقالت: “الآن يمكننا أن نخطط للخطوة التالية… لكن أولًا، يجب أن نعرف كل شيء عنها.”
سمعتُ قلبي يهدأ قليلاً، مع شعور بالارتياح. لقد وجدتُها أخيرًا، لكن الامر لم ينتهِ بعد. الحقيقة الكاملة ستظهر، ومارتينا لن تستطيع إخفائها بعد الآن.
جلستُ أمام مارتينا، يدي مشدودة على الطاولة الخشبية، وقلبي يصرخ بأسئلة كثيرة. أمامي لم تكن الخادمة البسيطة التي عرفتها يومًا، بل امرأة مختلفة تمامًا، تحمل ماضٍ أسود ورغبة لا تنتهي بالانتقام.
سيلينا كانت واقفة إلى جانبي، نظراتها حادة، بينما سامي يقف في الخلف، يراقب كل حركة بعينيه الصارمتين. الغرفة هادئة، لكن التوتر يكاد يخنق الهواء.
ابتسمت مارتينا ببرود، وكأنها لا تبالي بما ينتظرها.
قلت لها بصوت ثابت:
“انتهى وقت الصمت، مارتينا. الآن ستخبريننا بكل شيء: لماذا فعلتِ هذا؟ ومن ساعدك؟”
ضحكت ضحكة قصيرة، ثم أمالت رأسها قليلًا:
“ولماذا أجيبكِ يا مولاتي؟ أنتم أخذتم مني كل شيء… عائلتي، حياتي… أنتم السبب في كل ما أنا عليه الآن.”
تقدمتُ خطوة نحوها:
“قلتِ إن كل شيء بدأ بسبب حجر التنين. قلتِ إن عائلتي سرقته. لكنكِ تكذبين. الحقيقة ظهرت، وعائلتكِ كانت الخائنة. الآن نريد أسماء من تعاونوا معكِ، وإلا…”
صمتُّ لحظة، ثم أضفتُ ببرود: “لن تكون لديكِ أي فرصة للخلاص.”
عندها تغيرت ملامحها قليلًا، وظهر توتر خفي في عينيها. سيلينا اقتربت أكثر وقالت:
“مارتينا، نحن نعرف أن التاجر هو من أوصل السم… ولكن من كان يسهّل لكِ الحركة داخل القصر؟ من فتح لك الأبواب؟”
“لم أكن وحدي… غرايسون… هو من ساعدني على إدخال السم. كان يكره عائلة فريدريك، كان يرى أن الإمبراطورية ستسقط من الداخل… وهو ساعدني لأن مصالحه تتقاطع مع انتقامي.”
شعرتُ بصدمة تجتاحني، التفتُّ نحو سيلينا التي شهقت بخفوت، بينما سامي شد قبضته وكأن الدم يغلي في عروقه.
قلت بحدة: “غرايسون؟… كنتُ أعلم أن هناك شيئًا خفيًا، لكن… لم أتوقع أن يصل به الأمر إلى الخيانة!”
مارتينا تابعت، وكأنها تستمتع بوقع كلماتها علينا:
“ولم يكن وحده. حتى داريوس، مستشاركم الموقر… ساعدني في تمرير المعلومات. لم يعرف كل شيء، لكنه كان ضعيفًا أمام وعودي وأمام تهديداتي. كان أداة… مجرد أداة.”
ارتفع غضبي أكثر، لكنني تماسكت.
“إذن، كنتِ تحيكين شبكتك بيننا طوال هذا الوقت.”
أضافت سيلينا بسرعة:
“وميرالين؟… أين مكانها في هذه اللعبة؟”
ضحكت مارتينا ضحكة قصيرة، نظراتها مليئة بالازدراء:
“ميرالين لم تكن سوى شاهدة… تحاول أن تلعب مع الأقوياء، لكن لا تعرف إلى أي طرف تنتمي. لم تكن صديقتي… لكنها أحيانًا ساعدتني لتبقى في مأمن.”
وقفت فجأة، لم أعد أحتمل الجلوس. كل كلمة تخرج منها كانت كطعنة.
قلت بصرامة: “حسنًا، الآن كل شيء واضح. سامي… أخبر الحراس. سيتم القبض على غرايسون وداريوس فورًا. أما ميرالين، فستُستجوب تحت الحراسة.”
أومأ سامي برأسه، وخرج بسرعة لينقل الأوامر.
مارتينا نظرت إليّ بابتسامة باردة وقالت:
“حتى لو قبضتم عليهم جميعًا… لن تمحوا ما حدث. لن تمحوا دماء عائلتي… ولن تمحوا اللعنة التي زرعتموها فيّ.”
وقفتُ أمامها، نظرت إليها مباشرة في عينيها، وقلت:
“لن أمحو الماضي، مارتينا. لكنني سأمنعك من أن تدمري المستقبل.”
وفي تلك اللحظة، دخل الحراس ومعهم غرايسون وداريوس، مُكبّلين، بينما وجوههم شاحبة وقد أدركوا أن لعبتهم انتهت.
ميرالين جُلبت أيضًا، نظراتها مرتبكة، وكأنها لا تعرف أي جانب سيحميها الآن.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"