جلستُ على أطراف كرسيي، وقلبي يدق بسرعة كأنما يعرف أن ما سيأتي لن يكون سهلاً. مارتينا، الغراب، وقفت أمامي، عينيها تتلألأ بنار هادئة، وابتسامتها لا تزال تحمل بروداً رهيباً.
بدأت تتحدث ببطء، وكأن كل كلمة منها تحمل سنوات من الغضب والكراهية:
“أوفيليا… القلادة التي كنتِ تعتقدين أنها مجرد ذكرى طفولية… تلك القلادة كانت المفتاح لكل ما حدث. أخذتها منك عندما كنا صغاراً… كنتِ تعتقدين أن لا أحد يلاحظ؟ لكني كنت أراقبك، كل حركة، كل لحظة.”
شعرت بغصة في صدري، والدهشة تلغي كل صواريع الحذر التي حاولتُ أن أتمسك بها.
“كيف… كيف استطعت أن تأخذيها؟” همستُ بصوت مرتعش، ويدي ترتجف.
ابتسمت ابتسامة قصيرة، وقالت: “لم يكن صعباً كما تظنين. كنتِ صغيرة، مهملة بعض الشيء… وعندما أعطيتكِ قلبك الطفولي للثقة… استغلت ذلك. أخذتها بهدوء، دون أي مقاومة. ثم سلمتها للتجار الذين ساعدوني على تنفيذ خطتي… نعم، التاجر ميرون كان الوسيط، لكنه لم يكن يعلم من وراء الطلب في البداية.”
أخذت نفساً عميقاً، وحاولت هدوء أعصابي، لكن قلبي كان على وشك الانفجار: “وهذا يعني… أن كل ما حدث لفريدريك ووالدته… كان بسببك؟”
نظرت إليّ بلا خجل، بل بنظرة ثاقبة تقول: “نعم، كنتُ أريد الانتقام. لم أستطع نسيان دم عائلتي… لم أستطع نسيان كل ما فقدته بسبب أفعالكما، أنت وفريدريك. السم الذي تناولته والدته وابنه؟ جزء من خطة طويلة لضمان أن تتأذوا جميعًا… وأن تعرفوا الألم الذي شعرت به طوال حياتي.”
تلعثمت، محاوِلة أن أجد كلمات: “وم… من ساعدك في البلاط؟ هل كان أحدهم من المشتبه بهم الثلاثة؟”
ابتسمت ابتسامة حزينة، وغمضت عينيها للحظة قبل أن تقول بصوت خافت لكنه ثابت: “نعم… أحدهم، وكان قريباً منكما. لم أكن قادرة على السيطرة على كل شيء وحدي. غرايسون كان موجوداً لتسهيل بعض الأمور… لكنه لم يعرف كل الخطة. أما مارلين، فقد أعطتني بعض المعلومات عن تحركاتكم، عن الأماكن التي تزورونها، وعن الوثائق التي تبحثون عنها… لم أستطع الاستغناء عنها. كل شيء كان محسوبًا بدقة، كل خطوة كانت جزءًا من الانتقام الذي طال انتظاره.”
شعرت بغضب عارم يغلي في صدري، ودموعي بدأت تكاد تخرج من عينيّ: “كل هذا… وكل شيء بسبب دماء عائلتك؟ هل هذا يعقل؟!”
رفعت رأسها بثقة، وقالت: “نعم، أوفيليا… كل شيء. كنت أريد أن تشعري بما شعرت به… أن تعرفي أن الثقة يمكن أن تكون سلاحاً، وأن من تبدين لهم أقرب الناس يمكن أن يكون أعداءك الحقيقيين.”
جلستُ للحظة، محاوِلة هضم كل ما قالت، وكل خيط من الخيانة الذي كشفته أمامي. كل خطوة من حياتي، كل قرار، كل حركة… كانت تحت رقابة الغراب منذ البداية.
سامي اقترب، وضعت يده على كتفي، وقال بصوت منخفض: “لا تقلقي، مولاتي. لن أدعها تؤذيك أكثر. نحن هنا معك.”
سيلينا وقفت بجانبي، ممسكة بذراعي، وقالت: “سنكشف كل شيء… لا تقلقي. لن تستطيع مارتينا أن تختبئ خلف الأكاذيب بعد الآن.”
تنهدت، وقلت لنفسي: “الآن… كل شيء أصبح واضحًا. كل خيط، كل دليل… كل شخص مشتبه فيه. والآن يجب أن أواجههم، وأكشف كل شيء، وأعرف لماذا كل شيء وقع بهذه الطريقة.”
مارتينا ابتسمت ابتسامة أخيرة قبل أن تقول: “المرحلة القادمة… ستكون الأصعب، أوفيليا. ستكتشفين كل ما لم تتخيليه، وستعرفين من كان يخونك طوال الوقت… من كان الغراب الحقيقي.”
وفي هذه اللحظة، شعرت بأن كل شيء أصبح على المحك. كل خطوة من الآن فصاعدًا ستكون حاسمة. كل كلمة سأقولها، كل حركة سأقوم بها، ستكشف الحقيقة، وستقربنا من النهاية التي طال انتظارها…
حاولت أن أتقدم نحوها، وقلت بصوت متقطع: “لماذا كل هذا؟ لماذا لم تأتي إليّ مباشرة؟ لماذا كل الكذب والخداع؟”
ابتسمت ابتسامة مريرة: “لأنني كنت أعرف أنك لن تصدقي، وأن الثقة يمكن أن تكون سلاحًا أقوى من أي سيف. كنتُ بحاجة لأن تشعري بنفس الألم الذي شعرت به طوال حياتي.”
سامي اقترب مني، وضع يده على كتفي، وقال بهدوء: “مولاتي… لن نتركها تؤذيك أكثر. نحن هنا معك.”
وسيلينا بجانبي قالت بصوت حنون: “ستكتشفين الحقيقة كاملة، أوفيليا… لا تقلقي، لن تستطيع مارتينا الاختباء وراء الأكاذيب بعد الآن.”
وبينما كانت مارتينا تواصل سرد كل تفاصيل الخيانة، شعرتُ بغصة في صدري وحنق داخلي، لكن عزيمتي ازدادت: سأكشف كل شيء، سأواجههم، وسأعرف كل ما حدث بالفعل.
فجأة، توقفت مارتينا، وأخذت نفساً عميقاً قبل أن تقول بصوت منخفض وثابت:
“كل شيء بدأ بسبب حجر التنين الذي سرقته عائلتك… ومن هنا، بدأت سلسلة الانتقام كلها.”
شعرت بالصدمة تعصف بي، ورفعت يدي لأحاول منع نفسي من الانفجار، لكن الغضب والخوف أخذاني معًا. كنت أريد أن أصرخ، أن أجرحها بالكلمات، أن أعاقبها على كل ما فعله… لكن فجأة سمعت خطوة خلف الباب.
سيلينا همست لي بصوت خافت: “ابقِ هادئة… لا تفقدي أعصابك. فقط استمعي.”
وقبل أن أتمكن من الرد، اقتحم فريدريك الغرفة بعنف. كان هادئًا على غير عادته، لكن في عينيه كان الغضب واضحًا، كأنما كل ما سمعه من سيلينا جعله ينفجر.
وقف في منتصف الغرفة، عيناه تتجولان في كل اتجاه، وكل عضلة في وجهه مشدودة: “مارتينا… كل هذا كذب؟ كل هذه الألاعيب والخطط؟! كيف تجرؤين؟!”
تجمد الجميع للحظة، الصمت يخيم على المكان. سامي وسيلينا إلى جانبي، لكنهم لم يتدخلوا، فقط يراقبون، وقلوبهم تتسارع.
همست سيلينا مهدئة لي: “انا احضرته …قلت له ان ينتظر في الخارج حتى يسمع الحقيقة كاملة.”
صدمت، فلم اتوقع ان هذا قد يحدث، ولكن في الواقع، كنت سعيدة، لانني اخيرا سوف اكون بريئة في نظر فريدريك.
مارتينا حاولت أن تتراجع خطوة، لكنها وقفت ثابتة وقالت: “لقد فعلت ما كنت أعتقد أنه العدالة… لقد عانيت طوال حياتي، وكنت أريد الانتقام.”
فريدريك اقترب منها بخطوات سريعة، صوته مليء بالغضب: “العدالة؟ هذه ليست عدالة، هذه جريمة! جريمة خيانة لكل من وقف بجانبك!”
شعرتُ برعشة تتسرب إلى جسدي، وقلبي ينبض بسرعة لا أستطيع السيطرة عليها. لم أكن أعلم ما سيحدث بعد، لكن كنت أعرف أن كل شيء سيتغير الآن، وأن الحقيقة التي كنت أبحث عنها قد ظهرت أخيرًا أمام أعين الجميع.
كل شخص في الغرفة كان صامتًا، والعالم حولي بدا وكأنه توقف للحظة. كل خيط من الغموض، كل لغز من الماضي… كان الآن أمامنا، حقيقيًا ومرئيًا، والصدمة على وجوه الجميع كانت واضحة.
وقف أمامنا جميعًا، صوته منخفض وثقيل: “كفى… لقد حان الوقت لتعرفوا الحقيقة كاملة.”
ارتعشت قليلاً، لكنني شعرت بأن شيئًا ما في صوته يحمل العدالة التي طال انتظارها، ليس الغضب الذي كنت أتوقعه.
تابع فريدريك: “عائلة أوفيليا ليست مذنبة بأي شيء مما حدث. كل ما قيل عنكم، كل الاتهامات السابقة… كانت كاذبة. الحقيقة أن المذنبة هي عائلة مارتينا.”
تجمّد الجميع للحظة، حتى مارتينا لم تستوعب ما سمعته. نظراتها انتقلت بسرعة بيننا، بين الغضب والإنكار.
قلتُ بصوت مرتعش: “مارتينا… ماذا تقول؟ هذا مستحيل!”
فريدريك أكمل، وهو يراقب ردة فعلها: “السبب الذي جعل عائلتي وعائلتك يتخذون إجراءات صارمة بحقهم لم يكن انتقامًا منكم… بل بسبب خيانة عائلتها، التي كانت السبب في حرب بين مملكتينا منذ سبعة عشر عامًا. لو لم يحدث ذلك، كنا سنذهب نحو هدنة، نحو مصالحة حقيقية بين المملكتين.”
سمعت صمتًا طويلًا، كان كل شيء في الغرفة يبدو وكأنه توقف للحظة. سامي بجانبي يضع يده على كتفي، محاولا أن يهدئ من روعي، وسيلينا تراقب الوضع بتركيز شديد.
مارتينا رفعت رأسها، وعيناها ملؤها العناد، تحاول إنكار كل ما قاله فريدريك: “كذب… أنتم تحاولون إلقاء اللوم عليّ… هذه لعبة منكم!”
فريدريك تجاهل إنكارها، وقال بثقة: “لا، مارتينا…لقد كنت صغيرة عندما خانتنا عائلتك ولكن… كل الدلائل واضحة الآن باللذي فعلته انتِ لاحقا. كل الخيوط التي كانت تقودنا إلىكِ… تؤكد أن أفعالك هي السبب في كل ما حدث. السم، القلادة، الفوضى… كل ذلك كان جزءًا من مؤامرتك.”
شعرت بغصة في صدري وأنا أستمع، لكنني شعرت أيضًا بارتياح غريب. أخيرًا، الحقيقة خرجت للعلن. أخيرًا، لم يعد هناك ظل للشك حول مَن كان المذنِب الحقيقي.
سامي همس لي: “مولاتي… لقد انتهى الأمر تقريبًا… العدالة ستتحقق.”
فريدريك نظر إلى مارتينا بعينين مشحونتين بالقوة، وقال: “الآن، وبما أن الحقيقة ظهرت، يمكننا أن نبدأ طريق المصالحة بين المملكتين. لم يعد هناك سبب للعداء، ولم يعد هناك سبب للخوف.”
لكن مارتينا رفضت الاعتراف، صرخ بصوت مرتفع: “لن تسمحوا لي بذلك! كل ما حدث كان بسببكم، لأنكم أخذتم كل شيء مني! كل شيء!”
فريدريك هز رأسه بهدوء، متحكمًا بالغضب: “كل ما أخذته… لم يكن لأحد منكم الحق في استخدامه للانتقام. الحرب بدأت بسبب عائلتك، وليس بسبب أي من عائلتي أو عائلة اوفيليا، أو حتى أي شيء فعلته اوفيليا نفسها.”
شعرت بالصدمة والراحة معًا. الصدمة لأن كل ما عانيناه كان مرتبطًا بخيانة مارتينا، والراحة لأن عائلتي، وعائلة فريدريك لم يكونوا مذنبين كما ظننت.
مارتينا سقطت على المقعد، ودموعها كانت تختلط بالغضب والندم، لكنها لم تنطق بأي كلمة بعد.
فريدريك أكمل حديثه، بصوت أكثر حزمًا: “الحقيقة ظهرت، ومهما حاولتِ إنكارها، فهي لا تزال واقعة. الآن يمكننا البدء في إصلاح ما دمرته، ويمكننا بناء الثقة بين المملكتين.”
شعرت بالارتياح يغمرني، وكأن ثقلًا هائلًا قد أزيح عن كتفي. سيلينا همست: “أوفيليا… أخيرًا… يمكنك أن تتنفسي.”
ابتسمت ابتسامة صغيرة، لكن عيني لم تفارق مارتينا، التي جلست هناك، صامتة، عازمة على رفض الحقيقة، رغم كل الأدلة التي قدمها فريدريك.
فريدريك أشار لنا جميعًا بالهدوء، وقال: “لن يكون هناك مزيد من الأكاذيب، ولا مزيد من الخداع. من الآن، كل خطوة نخطوها ستكون نحو المصالحة والعدالة.”
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي، وعرفت أن كل شيء الآن سيتغير. الحرب التي دمرت مملكتنا منذ سبعة عشر عامًا، الكراهية، الخيانة… كل شيء يمكن أن يبدأ في التعافي.
لكنني أيضًا شعرت بالخطر القادم، لأن مارتينا لم تستسلم بعد، وكانت عينيها مليئة بالشر والمكيدة، كأنها تبحث عن ثغرة في الواقع لتعيد كل شيء إلى الفوضى.
جلست هناك، أراقبها، وأدركت أن مهمتي القادمة لن تكون سهلة. الحقيقة خرجت للعلن، لكن مواجهة النتائج، والتأكد من أن المصالحة ستنجح… ستكون تحديًا أكبر من أي شيء واجهته في حياتي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"