جلست أنا وسيلينا وسامي في زاوية مظلمة من القصر، بعيدًا عن أعين الآخرين، نحاول رسم خطة واضحة للخطوة القادمة. الأوراق المبعثرة بيننا، والخرائط القديمة على الطاولة، تعكس حجم المهمة.
“يجب أن ننقسم،” قالت سيلينا بهدوء، “أنا وسامي سنتابع الأجزاء الأخرى من القصر، بينما أنتِ… أوفيليا، ستذهبين إلى الغرفة المهجورة وحدك.”
شعرت ببرودة في صدري، وحدها؟ لكن فضولي كان أقوى من خوفي. “أنا… سأكون بخير،” حاولت أن أبدو واثقة، رغم أن قلبي يخفق بسرعة. “يجب أن أعرف الحقيقة، هذا الخيط قد يكون الأول.”
ابتسم سامي قليلاً وقال: “أفهم، مولاتي… لكن كوني حذرة، أي حركة خاطئة قد تكشفك.”
أومأت برأسي، وأنا أحس بالمسؤولية الثقيلة على عاتقي. كل خطوة هنا، كل تحرك… يجب أن يكون محسوبًا.
بعد دقائق، ودعوني عند الممرات المظلمة، وكلما اقتربت من الغرفة، ازداد شعور الخوف والفضول في داخلي. الهواء هنا يختلف، الرائحة ثقيلة، وكأن المكان يحرس أسراره.
جلست أمام الباب الثقيل للغرفة المهجورة، يدي ترتجف قليلاً بينما أعد نفسي لدخول هذا المكان الذي طالما سُمعت عنه الهمسات. لم يكن مجرد قصر مهجور، بل كان محفوظًا كما لو أن الوقت توقف بداخله، يحمل أسرارًا لم تُكشف منذ وفاة والدته الملكة، وسردت الجدران صمتها الطويل لكل من يجرؤ على الاقتراب.
دفعت الباب ببطء، صوت صريره كأنه يهمس باسمي، ودخلت. الهواء بارد، ثقيل، ورائحة العدم تملأ أرجاء المكان. رفوف الكتب العالية تغطي الجدران، والستائر المتآكلة تسمح بخيوط ضوء خافتة لتتسلل إلى الداخل. قلبي تخطى نبضة، ثم ركضت أنفاسي بسرعة، لكن فضولي كان أقوى من خوفي.
بدأت أسير بين الرفوف، أراقب كل شيء بعناية. كل كتاب، كل قارورة، كل قطعة من الخشب المنحني تحت غبار السنين… كل شيء يمكن أن يخفي سرًا. حاولت أن أهدئ نفسي، قلت داخلي: اهدئي، أوفيليا. هذا المكان ربما يحمل الخيط الذي سيقودك إلى الحقيقة.
ثم رأيتها، فوق رف بعيد، مذكرة صغيرة مغبرة، طُويت بعناية رغم السنين. شعرت بيدها ترتجف وأنا أسحبها برفق. فتحتها بحذر، الكلمات على الصفحة مكتوبة بخط دقيق ومنسق، لكنها لم تكن مجرد مذكرات عادية، بل تلميحات عن الحوادث الأخيرة: ذكرت القلادة، تلميحات عن السم، وأسماء غير واضحة… كل شيء بدا وكأنه موجّه لي لأعرف الحقيقة خطوة بخطوة.
أمسكت المذكرة، وعقلي يدور بسرعة: هذا هو الخيط الأول… أخيرًا شيء ملموس، شيء أستطيع أن أبدأ به التحقيق. لكن لا وقت للاحتفال، كل صوت في الغرفة أصبح واضحًا: الصرير الخفيف للأرضية، الريح التي تدخل من نافذة مكسورة، وحتى قلبي الذي كان ينبض بصخب.
تقدمت خطوة، فاهتز رف صغير وأسقط قارورة زجاجية، تصدع الزجاج على الأرض بصوت حاد كالصاعقة. قفز قلبي، وتجمّدت قدماي، شعرت بالبرد يلف جسدي كله. حاولت أن أهدئ نفسي، أتنفس ببطء، أقول: لا، لا تخافي… لا أحد هنا إلا أنتِ.
ثم ظهر فجأة ظل على الجدار، كبير وقوي… وسمعت صوته الحاد، منفعل:
“ماذا تفعلين هنا؟!”
قفزت على الفور، قلبت المذكرة في يدي، ولم أستطع الكلام. هناك، في الباب، وقف فريدريك، عينيه تلمع بالغضب والانفعال، لم يكن هادئًا، لم يكن كما في المرات السابقة… كان منفجرًا، غاضبًا كما لو أن كل ما فعله يعانيه في لحظة واحدة أمام عيني.
جمعت شجاعتي وقلت، بصوت مرتعش قليلًا، لكن محاولًا أن أبدو حازمة:
“أنا… أنا كنت أبحث عن شيء هنا… شيء يخص الحقيقة.”
ابتلع الهواء بصعوبة، وعينيه لم تفارقني، يتفقد كل حركة، كل نفس. صمت طويل ملأ الغرفة، كان ثقيلًا، كأن كل الجدران تشهد على هذه اللحظة. ثم قال بصوت حاد، لكنه منخفض بما يكفي ليصل إليّ وحدي:
“أوه… تبحثين عن الحقيقة؟ في هذا المكان؟! لا تعرفين ما الذي قد تجده هنا… ولا تعرفين ما الذي يمكن أن يحدث لك.”
أخذ خطوة إلى الأمام، كأنه يسيطر على كل مساحة الغرفة، شعرت بالضغط يزداد عليّ. حاولت أن أظل واقفة، أن أحافظ على رباطة الجأش، رغم خوف قلبي الذي كان يطرق صدري كطبول الحرب.
ثم ببطء، أدركت أن هذه اللحظة ليست مجرد مواجهة… إنها فرصة لرؤية الخيط الذي بحثت عنه. فتحت المذكرة، وأشرت إلى فقرة فيها:
“هنا… تلميح عن القلادة، وعن القصر القديم… ومن يمكن أن يكون وراء كل السموم.”
نظراته تقطّعت بين الغضب والانفعال، لكنه لم ينطق بكلمة بعد، فقط راقبني، كما لو كان يحاول قراءة كل شعور داخلي.
قلت داخلي: هذه فرصتي… يجب أن أتعرف على كل شيء قبل أن يغادر الغرفة أو يكتشف ما أعرفه.
ثم، فجأة، اقترب أكثر، صوته صار أقرب:
“هل تعلمين، أوفيليا… أن كل خطوة تخطينها هنا قد تكون مخاطرة كبيرة؟”
أومأت برأسي، محاولة أن أبدو شجاعة: “نعم… ولكني لا أستطيع الانتظار أكثر، عليّ أن أعرف… يجب أن أفهم.”
سكت للحظة، ثم أضاف بغضب محتدم:
“أنتِ تظنين أن كل شيء هنا لعبة… لكنك لم تعرفي بعد من يمكن أن يراقبك، من يمكن أن يراقب كل تحركك!”
كان غضبه واضحًا، ولكن وراءه شعور غامض، كأن شيئًا في الداخل يزعجه أكثر من الغضب نفسه. شعرت بأن هذه الغرفة، والمذكرة، وكل ما اكتشفته… سيغير كل شيء، وأن ما أمتلكه الآن هو خيط حقيقي سيقودني للتحقيق القادم.
سكت للحظة، ثم اقترب أكثر، صوته صار أقرب:
“كل حركة خاطئة قد تكون مصيرك… هل تعلمين ما قد يحدث إذا لم تعرفي الحقيقة؟”
نظر إليّ مرة أخيرة بعينين كاشفتين عن الغضب والقلق، ثم التفت وخرج بسرعة من الغرفة، تاركًا إياي وحدي، أتنفس الصعداء وأحس بثقل الأحداث يخف قليلاً.
جلست على الأرض، المذكرة بين يدي، وقلبي لا زال ينبض بعنف. أدركت الآن: هذا هو الخيط الثاني، خطوة نحو الحقيقة… والخطوة التالية ستقودني إلى معرفة من يقف خلف كل السموم، ومن وراء القلادة، ومن خان.
ابتسمت داخليًا، رغم الخوف: سوف أعرف، مهما كلفني ذلك…
تنفست بعمق وحاولت تهدئة نفسي، كلما أفكر في فريدريك، شعرت بالغضب والقلق معًا. كيف يمكن لشخص أن يكون حادًا وغاضبًا هكذا، وكأن كل شيء حولي خطأ؟ لكن لا وقت الآن للخشية من وجوده، المهم أن أستفيد من الفرصة وأحل لغز المذكرة.
بدأت أبحث في الصفوف حولي، أحاول أن أجد أي شيء يمكن أن يربط بين ما كتبته المذكرة وما حدث سابقًا. أسماء مبهمة، رموز، وعبارات نصف مكتملة:
“الغراب”… “البلاط”… “الليلة الأولى”
كتبت بسرعة في دفتري: كل تفصيل صغير يمكن أن يكون دليلًا. شعرت بأن هناك من كان يراقب كل خطوة منذ البداية، وأن الغموض يمتد لأكثر مما أستطيع تصوره.
وفجأة، سمعت خطوات خفيفة خلفي. تجمدت في مكاني، لم يكن بإمكاني رؤية أي شيء، لكن إحساسي بالتحسس جعلني مستعدة لأي مواجهة.
ظهر ظل طويل، وعندما اقتربت عيناي، وجدت داريوس واقفًا عند أحد الممرات الضيقة، نظراته ثاقبة، ووجهه هادئ لكنه يبعث على التوتر.
“سمو الاميرة…” قال بصوت هادئ، لكنه محمل بالتدقيق، “هل تبحثين هنا بمفردك؟”
أومأت برأسي، متمسكة بالمذكرة: “نعم… أحتاج أن أفهم ما يحدث، كل خطوة تقودني أكثر نحو الحقيقة.”
ابتسم ابتسامة قصيرة، وكأنها تحمل معنى مزدوج: “الحقيقة؟ سموك… أحيانًا الحقيقة تكون أكثر قتامة مما تتصورين. هل أنت مستعدة لمواجهة ذلك؟”
شعرت بالقشعريرة تسري في جسدي، لكنني لم أتراجع: “أنا مستعدة، وسأعرف كل شيء.”
داريوس أخذ خطوة إلى الأمام، واقترب قليلاً، وقال: “هناك من في البلاط يراقب كل شيء… أنت لا تعرفين من تثقين به.”
تراجعت خطوة إلى الوراء، أحاول أن أستوعب كلماته. البلاط… من يمكن أن يكون؟
سكت لبرهة، ثم فجأة ظهر غرايسون من خلف رف آخر، يراقبنا بصمت. نظراته كانت غامضة، لكنني شعرت بالتهديد، وكأن كل شيء حولنا متشابك بخيوط خفية.
“سموك… كل شيء حولك خاضع للتخطيط…” قال غرايسون، وكأن كلامه يهمس بالتحذير، “حتى هذه اللحظة، كل خطوة محسوبة.”
سليتنا معًا، وأصبحت أشعر بالدوار من كثرة الأسماء والرموز والتهديدات المبهمة. لكنني علمت شيئًا واحدًا: الخيط الثاني مهم جدًا، ومن هنا تبدأ الخطوة الحقيقية.
جلست على حافة رف، أفتح المذكرة مرة أخرى، وأدون كل شيء بعناية: الغراب، البلاط، الليلة الأولى، وربطها بالقلادة. كل كلمة مكتوبة بحبر خافت تشبه الأحجية، لكنني بدأت أفهم الاتجاه.
داريوس وغرايسون تبادلا نظرات قصيرة، وكأن هناك اتفاق صامت بينهما. شعرت بالريبة، لكن لم أستطع التراجع، فكل لحظة تمر قد تفقدني فرصة لمعرفة من يقف وراء السم والقلادة.
فجأة، شعرت بريح خفيفة تدخل من نافذة مهترئة، والأصوات خفتت، وبقيت وحدي مع المذكرة وخيالي الذي يسافر بين كل ما قرأت وما أعرفه.
قلت في نفسي: يجب أن أكتشف الحقيقة بنفسي… مهما كانت المخاطر، مهما كانت الخيانة قريبة مني… سأعرف من هو الغراب ومن يقف وراء السم والقلادة.
جلست هناك لفترة طويلة، أفكر في كل التفاصيل، أراجع كل خطوة، وكل حديث داريوس وغرايسون، وكل رمز ومعلومة في المذكرة، حتى بدأت أشعر بالقوة تتسلل إليّ، شعور بأنني على وشك كشف جزء من الحقيقة.
ثم سمعت صرير الباب… انعكس صوت صوته على جدران الغرفة، لكن لم يكن أحد. أخذت نفسًا عميقًا، واستعديت للخطوة التالية: التحرك نحو معرفة من يحاول خداعي من البلاط، والخيط الثالث، والذي قد يغير كل شيء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 16"