كنت جالسة على حافة سريري، أنفاسي متقطعة قليلاً، أفكاري تتجول بين ما حدث ليلة أمس، كلمات ميرالين، ونظرات غريسون الغامضة في المكتبة. شعور داخلي يقول لي إن هناك شيئًا أكبر من مجرد السم والقلادة… شيئًا يختبئ داخل البلاط نفسه.
جلست سيلينا بجانبي، تضع دفتر الملاحظات أمامها. “أوفيليا… إذا أردنا أن نكشف الخيط التالي، يجب أن نبدأ من الداخل، من الأشخاص الذين يقضون الوقت في البلاط يوميًا… وليس فقط من نشتبه بهم مباشرة.”
نظرت إليها بعينين مليئتين بالتساؤل، “هل تقترحين أن نراقب كل تصرفاتهم؟”
ابتسمت بابتسامة خفيفة، “ليس فقط المراقبة، أحيانًا يجب أن نسمع ما لا يقوله الناس، نقرأ بين السطور.”
همست لنفسي، وقلبي ينبض بعزم، “إذا… هذا هو الخيط الثاني… القرب من الحقيقة داخل البلاط نفسه.”
وفجأة، طرق الباب، وظهر سامي بابتسامة دافئة، لكنه كان جادًا أكثر من المعتاد. “مولاتي… لقد رتبت خطة صغيرة. سأرافقكم إلى بعض الأماكن في البلاط دون أن يلاحظ أحد. قد تكون هناك إشارات صغيرة لم نرها بعد.”
ابتسمت له داخليًا، وأومأت بخفة، “شكرًا… سامي. وجودك يجعل الأمور أقل رهبة.”
تحركنا معًا عبر الممرات الطويلة للقصر، كل خطوة محسوبة، كل حركة محسوبة بعناية. كانت الأعين في كل زاوية، ولكن سامي كان يقف دائمًا في الظل، يراقب ويصغي، وكأنه يعرف كل شيء قبل أن يحدث.
بدأت أولى التحقيقات في صمت، وأنا أحاول قراءة تعابير الوجوه من حولنا، خاصة غريسون وميرالين. كل حركة منهم، كل همسة، كل ابتسامة… كانت تثير لدي شعورًا بعدم الراحة، لكنه شعور محفز أيضًا.
سيلينا همست لي، “انظري… ميرالين تتحدث مع أحد الحراس، يبدو طبيعيًا، لكن لاحظي حركتها الخفية، شيئًا ما هناك.”
ركض قلبي بسرعة، شعور باليقظة المطلقة. نظرت بعناية، وكلما اقتربنا، كلما شعرت بأن ميرالين تعرف أكثر مما تقول، وأن خيوط السم والقلادة مرتبطة بطريقة غير مباشرة بحضورها هنا.
وفجأة، وقع نظري على غريسون، كان يقف عند نافذة، ينظر بعيدًا، وكأن شيئًا يختبئ في الظل يراقبه. شعرت برعشة، “هناك… يجب أن نعرف ما يخطط له.”
سامي تقدم خطوة إلى الأمام، “دعيني أتعامل معه إذا اقترب الخطر…”
قلت له بهدوء، “لا، دعنا نراقب، نعرف كل شيء قبل أي خطوة.”
الساعة كانت متأخرة، ولكن الغرفة المظلمة لم تخفف من توتري، بل زادته. كل شيء بدا مشوشًا، كل حركة صغيرة تحمل معنى خفيًا.
وفي لحظة صمت، جلست على مقعد، أتأمل كل تفاصيل المكان، كل الألوان، كل ظل، كل حركة… شعور داخلي يقول لي: الحقيقة هنا، قريبًا، لكنها مختبئة بين ثنايا البلاط، بين كلمات وهمسات من حولنا.
سامي وقف بجانبي، يضع يده على كتفي برفق، “لا تقلقي، مولاتي… سنتجاوز هذا معًا.”
أغمضت عيني للحظة، مستوعبة كلامه، مسترجعة كل ما قاله فريدريك عن السم والقلادة، كل تلميحات ميرالين، وكل المواقف الصغيرة التي قد تكون خيوطًا تقودنا إلى الخائن.
همست لنفسي: “سأعرف… من هو الغراب الحقيقي، ومن يحاول التلاعب بكل شيء… وسأكشفه مهما كان الثمن.”
لم يكن الليل يرحم أفكاري.
رغم التعب الذي أنهكني، ورغم ثقل الجفون الذي حاول أن يسرقني بعيدًا، بقيت يقظة، أسيرة دوامة من الصور والذكريات: نظرات ميرالين الثاقبة، ابتسامات غرايسون الملتوية، ووجود سامي الذي دخل حياتي كدرعٍ غير متوقع… لكن وسط كل هذا، كان وجه واحد يطفو أمامي كلما أغمضت عيني: داريوس.
المستشار العجوز الذي بدا في تلك الليلة في المكتبة وكأنه يعرف أكثر مما يُفصح. لم أستطع أن أنسى كلماته الغامضة، ولا ذلك الهدوء الذي كان يخفي وراءه بحرًا من الأسرار.
شدتني المكتبة من جديد، وكأنها مسرح يخبئ خلف رفوفه حقائق لم تُروَ. لم أكن واثقة إن كان من الحكمة العودة إلى هناك، لكن قلبي كان يصرخ: هناك خيط آخر ينتظرك.
خرجت من غرفتي بخفة، وسيلينا إلى جانبي، همست لي:
“أوفيليا… هل أنت متأكدة؟ قد يكون الأمر فخًا.”
ابتسمت بمرارة، “لو كان فخًا، فلن أجد مخرجًا سوى مواجهته. أحتاج أن أعرف، سيلينا… كل يوم يمر يزيد الظلال من حولي.”
سامي كان يرافقنا من بعيد، يخطو بخطوات ثابتة لا تُصدر صوتًا تقريبًا، عيناه في كل اتجاه، كأنه يرى حتى ما وراء الجدران. حين لمحني أنظر إليه، أومأ برأسه إيماءة قصيرة تعني: أنا هنا.
حين دخلنا المكتبة، كان الصمت عميقًا، والهواء محمّلًا برائحة الورق العتيق والحبر الجاف. النار في الموقد كانت خافتة، لكنها تكفي لإضفاء دفء خادع.
هناك، جالسًا أمام مكتب ضخم مغطى بالكتب والوثائق، كان داريوس. قامته الطويلة رغم العمر، كتفاه العريضتان، شعره الموشح بخيوط بيضاء، ووجهه المرسوم بخطوط السنين… لكن عينيه، آه، عينيه كانتا ثاقبتين كالسيوف، سوداوان كليلٍ لا قمر فيه.
رفع بصره ببطء حين رآني، وكأن حضوري لم يكن مفاجأة أبدًا.
“أوفيليا… الأميرة الضائعة في متاهة الأسئلة.” صوته هادئ، لكنه يحمل صدى يجعل قلبي يرتجف. “كنت أعلم أنك ستعودين.”
ابتلعت ريقي بصعوبة، بينما شعرت بسيلينا تشد على معصمي لتمنعني من التقدم.
“مولاتي، حاولي أن تبقي حذرة.” همست.
لكنني حررت يدي منها بخفة.
“أنا بخير… عليّ أن أسمع ما لديه.”
اقتربت ببطء، خطواتي على أرضية الخشب تطرق كأنها طبول في أذني.
وقفت أمامه، بيني وبينه مسافة قصيرة، لكنه كان كافيًا ليجعلني أشعر أن كل كلمة ستخرج مني ستكون امتحانًا.
قلت ببرود حاولت أن أتمسك به:
“لديك الكثير من الأجوبة، أليس كذلك يا داريوس؟ أجوبة عن أشياء لا يفترض أن يعرفها أحد.”
رفع حاجبه بخفة، ثم أمال رأسه قليلًا.
“الأجوبة… يا ابنة إلڤارين… ليست سوى وجوه مختلفة للأسئلة. أحيانًا نطرح السؤال نفسه ألف مرة، لكننا لا ندرك أن الإجابة كانت في أعماقنا منذ البداية.”
غضبت. لا أريد أحاجي، أريد وضوحًا.
“كفى بالألغاز! أخبرني… القلادة، السم، كل هذه الخيوط التي تتشابك حولي… ما علاقتك بها؟”
ساد صمت قصير. كان يحدق بي وكأنه يقرأ أفكاري، حتى شعرت بأن جدران المكتبة نفسها تقترب مني. ثم قال بهدوء قاتل:
“السم… ليس دائمًا في الكؤوس يا أوفيليا. أحيانًا، السم يقطر في الكلمات، في العهود، في الابتسامات التي نظنها صافية. القلادة… لم تكن سوى مفتاح لبابٍ فُتح منذ سبعة عشر عامًا.”
تراجعت خطوة، قلبي يخفق بعنف. سبعة عشر عامًا… تمامًا منذ سقوط إلڤارين.
“ماذا… تعني؟”
اقترب مني فجأة، حتى شعرت بحرارة أنفاسه قريبة من وجهي، لكن نبرته بقيت هادئة كنسيم بارد:
“يعني أن ما تعيشينه الآن لم يبدأ بكِ… بل بدأ قبل ولادتكِ حتى. والقلادة؟ إنها ليست ملككِ ولا ملك فريدريك… إنها شاهد على خيانة قديمة، وعلى وعد لم يُحفظ.”
تسمرت مكاني. شعرت أن الأرض تهتز تحت قدمي.
خيانة قديمة؟ وعد لم يُحفظ؟
هل يتحدث عن والدي؟ عن تحالف إلڤارين ودراڤينور؟ أم عن شيء أعمق؟
“داريوس…” قلت بصوت متهدج، “إن كنت تعرف شيئًا، فأخبرني بوضوح. ألا ترى أنني أُساق وسط ظلام لا نهاية له؟”
ابتسم ابتسامة حزينة، لكنني لم أثق بها.
“الوضوح يا أميرتي… ليس دائمًا نعمة. أحيانًا، حين ينكشف كل شيء، نتمنى لو أننا بقينا في جهل.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"