كانت القاعة شبه خالية مع بزوغ الصباح، الضوء الخافت يتسلل عبر النوافذ العالية، يرسم ظلالاً طويلة على الأرضيات المرصوفة بالحجارة الباردة. كل شيء بدا هادئاً، لكن قلبي لم يهدأ. نظرات الحراس، حركة الخدم، وحتى همسات الريح عبر القاعات، جعلتني أشعر أن كل خطوة أخطوها مراقبة، وأن أي تصرف خاطئ قد يكشف عن خططنا السرية أنا وسيلينا.
سرت بخطوات هادئة بجانب سيلينا، وأنا أحاول ألا أظهر أي شعور بالقلق. “هل تعتقدين أنها هنا؟” همست لها، تشير بعيني إلى الزاوية البعيدة حيث ظهرت ميرالين لأول مرة.
أومأت سيلينا، نظراتها ثابتة ومركّزة: “هي هناك، ولكن كوني حذرة. كل كلمة تقولها، كل حركة، قد تكون دليلاً أو فخًا.”
وفي تلك اللحظة، وقع شيء غير متوقع. أحد الحراس القريبين تعثر، وكاد أن يصطدم بنا مباشرة، مما أثار ريبة ميرالين التي كانت تراقبنا. قبل أن نتمكن من الابتعاد، اندفعت ظلّ سريع وارتطم بالحارس المتهور، ومنعنا من أي مواجهة مباشرة.
كان ساميلان. حارس قوي البنية، عينيه الثاقبتين لا تخطئ أي حركة، يتحرك كظل بين الأعمدة. “ابتعدوا!” قال بصوت منخفض لكنه صارم، بينما يرفع يده ليبعد الحارس المتهور عن طريقنا. كانت حركته سلسة، دقيقة، وكأن كل شيء محسوب سلفًا.
نظر إليّ مباشرة وقال: “مولاتي، ابتعدي عن الطريق.” تلك الكلمة، “مولاتي”، جعلت قلبي يخفق بشكل غريب. لم أفهم السبب، لكن شيئًا بدا مألوفًا، مطمئنًا.
تراجعت خطوة للخلف، أراقبه وهو يتأكد أن لا أحد يقترب منا. سيلينا بدت مندهشة لكنها لم تعلق، وكانت عيناها تقولان كل شيء: هذا حارس يستحق الثقة.
بعد أن تأكد ساميلان من سلامتنا، عاد إلى مكانه كأنه لم يحدث شيء، يختفي بين الظلال كما ظهر. شعرت بالفضول، لكنني كنت مضطرة للتركيز على ميرالين، التي كانت تراقبنا ببطء، نظراتها وكأنها تقرأ كل حركة وكل فكرة.
تقدمت ميرالين بخطوات هادئة، ورقتها في الحركة لم تخفِ حدة نظراتها. قالت بلسان رقيق:
“أوفيليا… أحيانًا، من تعتقدين أنهم حلفاءك، قد يكونون مجرد أعمدة في جدار كبير يحمي الأسرار.”
صرخت داخلي: أعمدة في جدار كبير؟ من تعني؟ هل تشير إلى ساميلان، أم إلى شخص آخر في البلاط؟
شعرت بتوتر شديد، وبدأت أسجل ملاحظاتي سريعًا في دفتر صغير، كل كلمة من ميرالين كانت تحمل دلالة، كل نظرة تحمل لغزًا:
ميرالين تعرف أكثر مما تدّعي.
كلماتها غامضة، لكنها تحمل تهديدًا ضمنيًا.
ساميلان… غير متوقع، حمايته كانت مفاجئة. هل هو فعلاً مجرد حارس، أم هناك ما لم أرَه بعد؟
جلسنا على مقربة من النافذة، حيث الضوء ينكسر على صفحات دفترنا، وبدأت أحكي لسيلينا عن كل تفاصيل ظهوره وتصرفاته: “سيلينا، لاحظت؟ لم يكن يعلم عن خطتنا… لكنه تصرف كحامي، دون أي تردد. شعرت بالأمان لحظيًا.”
ابتسمت سيلينا بهدوء: “ساميلان… يمكن أن يكون حليفنا دون أن ندرك ذلك بعد. لنحافظ على هدوئنا، ونراقب كل تحركاته، ولا ندعه يكتشف خططنا.”
أومأت، وأنا أشعر بعزم متجدد، رغم الخوف والتعب: سأعرف من الخائن، سأعرف كل خيط من خيوط السم والقلادة… وسأحمي نفسي من أي فخ.
وفي الظل، كانت ميرالين تتابعنا، تبتسم ابتسامة غامضة، وتغادرنا ببطء، تاركة خلفها سؤالًا كبيرًا: من هو حقًا الحليف؟ ومن هو الخائن؟
ابتعدنا مع سيلينا، وأنا أشعر بنظراته التي تتخللني، رغم أنني لم أتعرف عليه بعد بشكل كامل. كان وجوده كظل قوي، يحمي بلا أن يعلن نفسه، وكأن القصر كله أصبح أكثر ثباتًا بوجوده.
وقفت للحظة عند أحد الممرات الطويلة، أتنفس ببطء، وأهمس لنفسي: “ساميلان… مولاتي… أستطيع الاعتماد عليك؟ أم أنك أيضًا جزء من الغموض الذي يحيط بي؟”
الجو مشحون، كل خطوة، كل همسة، كل ظل… كلها قد تكون دليلًا أو فخًا. لكنني الآن أكثر إصرارًا من أي وقت مضى. سأكتشف الحقيقة، خطوة خطوة، بغض النظر عن كم من الأسرار والخداع يحيط بي.
جلست على مقربة من رفوف الكتب العالية، يدي ترتعشان قليلاً، بينما نظراتي لا تفارق ميرالين، التي كانت ترتدي ثوبها الأبيض، تبدو رقيقة المظهر، لكن كل حركة فيها كانت محسوبة، وكل ابتسامة تحمل شيئًا أكثر من مجرد ود.
سرت خطواتها البطيئة بين الصفوف، وكأنها تمشي على خيوط غير مرئية، تتفقد كل كتاب، وكل قارورة، وكل وثيقة كما لو كانت تبحث عن شيء محدد. شعرت بأن قلبي يضيق، وكل شعور بالطمأنينة يهرب مني.
همست سيلينا خلفي: “كوني حذرة، كل حركة منها قد تكون فخاً.”
أومأت برأسي، وأنا أتنفس بعمق، محاوِلة تهدئة نفسي، لكن فضولي كان أكبر من خوفي. تقدمت خطوة، ثم أخرى، حتى أصبحت على بعد مسافة قصيرة منها.
“أوفيليا…” قالت بصوت ناعم، لكنه يحمل تهديدًا مخفيًا، “أنت تبحثين عن شيء لم تجرّبيه من قبل. هل تعرفين حقًا ما تبحثين عنه؟”
صرخت داخلي: نعم، أعرف… أريد معرفة الحقيقة عن السم، عن القلادة، عن من يقف خلف كل هذا الغموض.
تقدمت خطوة أخرى، وقلت بصوت هادئ، لكن حاد: “أريد أن أفهم ما يحدث هنا، ميرالين. كل شيء يوصلني إليك. أريد أن أعرف الحقيقة.”
ابتسمت ميرالين ابتسامة قصيرة، وكأنها تستمتع بهذا التوتر الذي بدا واضحًا على وجهي. “الحقيقة؟ أحيانًا الحقيقة تكون أخطر مما تتصورين. وأحيانًا، من تبحثين عنهم هم الأقرب إليك…”
شعرت بأن كلماتها تجرح عقلي، وكل همسة منها تحمل لغزًا آخر. همست لسيلينا: “هل لاحظتِ؟ كل كلمة تقولها تدفعنا خطوة إلى الوراء قبل أن نقترب.”
سيلينا أومأت، وقالت بهدوء: “لن نستعجل، أوفيليا. كل خطوة محسوبة.”
ميرالين تابعت حركتها، التقطت قارورة صغيرة، وقامت بتحريكها بين أصابعها برفق. شعرت بقشعريرة تسري في جسدي، فهذه القارورة ربما تحمل دليلًا على تورطها بطريقة غير مباشرة في دس السم.
قلت لنفسي: يجب أن أراقب كل شيء، كل حركة، كل نظرة… كل شيء يمكن أن يكون دليلاً.
فجأة، ظهر ساميلان عند مدخل الرفوف، حاملاً صمتًا يبعث على الطمأنينة، لكنه لم يكن يعرف خطتنا بعد. وقفت بجانبي، عيناه ترصدان أي حركة من بعيد، وكأن وجوده وحده كفيل بحمايتي. قال لي: “مولاتي؟… ماذا تفعلين هنا؟…هل تحتاجين مساعدة؟”
توترت قليلا، فماذا اقول مثلا، اجل انا بخير فقط اراقب ميرالين لانني اشك بها، كم هذا التوتر مزعج، ولكن يجب ان ابقى هادئة لا اريد ان يشك بشيء.
قلت له: “اوه، لاشيء، فقط انا وسيليا نتجول في المكان، لقد تعبت من الجلوس في الغرفة.”
رغم انه لا يعرف شيء الا انه قال بابتسامة هادئة: “حسنا، انا هنا متى احتجتني، فانا المسؤول عن حمايتك.”
ابتسمت له داخليًا، وشعرت بالارتياح لمعرفتي أنني لم أعد وحدي في هذا القصر، لدي الان سيلينا من ناحية، وساميلان من ناحية اخرى.
ميرالين لاحظت نظراتنا، وقالت بهدوء: “أحيانًا، من تبحثون عن الحقيقة، تجدونها في تفاصيل صغيرة… ولكن ليس كل من يبتسم لكم، صديق.”
صرخت داخلي: أعرف، ميرالين… أعرف أن كل شيء حولك مشكوك فيه، وكل ابتسامة تحمل أكثر مما تقول.
جلست على مقربة، أراقب كل حركة، أحاول قراءة كل تفصيل، وكل همسة، وكل نظرة. شعرت بأن الغموض يزداد، لكن عزيمتي أيضًا تزداد: سأعرف الحقيقة مهما كلفني ذلك، وسأكشف كل خيط من خيوط السم والقلادة، مهما كان الثمن.
بينما كنت أدون ملاحظاتي بسرعة في الدفتر، سمعت خطوات خفيفة تقترب أكثر من رفوف الكتب. رفعت بصري، فرأيت ميرالين قد استدارت نحوي تمامًا، نظراتها اخترقتني كما لو كانت تقرأ سطور أفكاري المخفية.
قالت ببطء، وهي تضع القارورة الزجاجية الصغيرة على الرفّ بجانبها:
“أوفيليا… بعض الأسرار لا تُدوَّن على الورق، لأنها إن كُتبت، قتلت من يقرأها.”
شعرت بدم بارد يجري في عروقي، وانكمشت أصابعي على الدفتر بقوة حتى كدت أمزق صفحاته. لم تكن كلماتها مجرد تحذير، بل تهديدًا مبطنًا.
سيلينا وضعت يدها على كتفي بخفة، محاولة تهدئتي، لكن توترها كان واضحًا في عينيها. أما ساميلان، فقد تقدم خطوة أمامي، يقف كحاجز بشري بيني وبين ميرالين. لم يتكلم كثيرًا، لكن صوته حين خرج كان حازمًا، قاطعًا للهواء الثقيل:
“مولاتي ليست بحاجة لمثل هذه الألغاز، قولي بوضوح ما تريدين قوله.”
رمقته ميرالين بنظرة طويلة، لم تنكسر رغم ثباته، ثم ابتسمت بخفة وكأنها تسخر:
“حارس جديد… مخلص أكثر من اللازم. لكنك لا تعرف أن الإخلاص وحده قد يكون بوابة للهلاك.”
ارتفعت حدقة عيني ساميلان للحظة، لكن لم يظهر على وجهه أي ارتباك. رد بهدوء نادر:
“الهلاك أهون من أن تُترك مولاتي فريسة للخداع.”
شعرت بالدفء يتسرب لقلبي رغم الجو المشحون. تلك الكلمات كانت مثل سيف مرفوع باسمي. لأول مرة منذ دخولي هذا القصر شعرت أن هناك من يمكن أن أقف خلفه مطمئنة.
ميرالين، وكأنها لا تبالي بما يحدث، عادت تدير أصابعها على القارورة الزجاجية كمن يعزف على وتر حساس، ثم قالت بنبرة مشوبة بالمعرفة:
“أوفيليا… لو أردتِ الحقيقة، ابحثي في الأشياء التي لا تلمعينها… في الخدم الذين لا تنظرين إليهم مرتين… في الكلمات التي لم تُقَل يوم سقوط إلڤارين.”
جحظت عيناي، وأحسست كأنها طعنتني مباشرة في قلبي باسم مملكتي. إلڤارين… الكلمة وحدها كافية لإيقاظ ألف جرح دفين.
همست بصوت متقطع: “كيف… تعرفين عن إلڤارين؟”
ابتسمت ابتسامة واسعة هذه المرة، لكنها كانت ابتسامة من يعرف أكثر مما ينبغي:
“الكتب تحفظ ما لا تحفظه القلوب… والقلوب تخفي ما لا تجرؤ الكتب على قوله. ألا تظنين ذلك؟”
تقدمت منها خطوة، لم أعد قادرة على كبح نفسي، لكن ساميلان رفع يده قليلاً أمامي في حركة حامية، وكأنه يطلب مني التوقف. التفت إليّ، وصوته صار أخفض، لكنه يحمل ثقل الأمان:
“مولاتي… لا تثقي بكل ما تسمعين. دعيني أكون درعك في هذه اللحظة.”
ارتجف قلبي، ليس خوفًا هذه المرة، بل من الإحساس بأنني لست وحدي وسط هذا الصراع المظلم. سيلينا من جانبي، ساميلان أمامي، وميرالين أمامنا كطيف غامض يزداد غموضًا كلما تكلمت.
مددت يدي ببطء إلى الدفتر، أغلقت صفحاته، ونظرت مباشرة في عيني ميرالين:
“مهما كانت الألغاز التي تخفينها، سأفكها. إلڤارين لن تُمحى من ذاكرتي… ولن أسمح لأسرارها أن تبتلعني.”
ضحكت ميرالين ضحكة قصيرة، ثم أدارت ظهرها، وغادرت بخطوات هادئة وكأنها لم تقل شيئًا. لكن كلماتها بقيت محفورة في عقلي مثل نقش على صخر.
أما ساميلان، فقد بقي واقفًا كالجدار أمامي حتى غادرت، ثم التفت نحوي بخفة، وعيناه تخفيان مزيجًا من القلق والالتزام:
“مولاتي… أعدك أنني سأبقى هنا. أيًا كان ما تحاولين كشفه، لن أتركك تواجهينه وحدك.”
في تلك اللحظة، شعرت أن دوائر الشك والغموض بدأت تتسع أكثر. ميرالين لم تكن مجرد امرأة غامضة… بل بوابة لحقائق أخطر. وساميلان… أصبح فجأة جزءًا من معركتي، حتى وإن لم يعرف بعد حجم الظلال التي تحيط بي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"