في اليوم التالي، أثناء وجودي في القاعة الخاصة بالبلاط، ظهرت ميرالين لأول مرة. كانت المرأة رقيقة المظهر، بشرتها شاحبة وابتسامتها هادئة، لكن عينها كانت ثاقبة، كأنها ترى أكثر مما تسمح الكلمات بالكشف عنه.
اقتربت مني برقة، وجلست بجانبي، وكأنها تعرف كل شيء عن قلبي وعن أفكاري. قالت بصوت ناعم لكنه مزعج في الوقت ذاته:
“سمو الأميرة… بعض الأسرار، مهما حاولنا دفنها، تجد طريقها لتطفو. أحيانًا لا يكون من يسكب السم هو من يجب أن نخاف منه… بل من يفتح له الباب.”
“أحيانًا، يا مولاتي… الحقيقة ليست في ما نراه، بل في ما نختاره أن نراه. تذكري ذلك دائمًا.”
تركزت كل أفكاري في كلماتها، شعور داخلي بأن كل شيء لم يعد كما يبدو، وأن الخيوط تمتد إلى أشخاص أكثر تعقيدًا مما توقعت، وربما إلى قريب مني…
سيلينا أمسكت يدي بحذر، وقلت لها بصوت منخفض:
“أشعر أنها تعرف أكثر مما تقول… وكأنها تحمل جزءًا من الحقيقة.”
همست سيلينا:
“أو أنها تلعب معنا… كأنها تختبرنا، لترى كيف سنتصرف.”
كنتُ أراقب ميرالين وهي تبتعد ببطء، كل خطوة منها تثقل قلبي أكثر، وتزيد شكوكه. شعور داخلي غليان، إحساس بأن الحقيقة ستنكشف قريبًا… لكن بثمن باهظ.
جلستُ على مقعدي، أراقب الظلال تتسلل من الزوايا، وأدركت أن الخيط القادم سيقودني إلى شيء أكبر… وأن ميرالين، بغموضها وأناقتها، ستصبح حجرًا أساسيًا في هذه اللعبة.
مر اليوم حتى حل الليل، ولكن الليل في قصر درافينور كان أكثر ظلمة هذه المرة، كما لو أن الجدران نفسها تتربص بنا. جلست أنا وسيلينا خلف ستارٍ سميك في أحد الممرات الجانبية، نراقب كل حركة تمرّ أمامنا. قلبي لم يتوقف عن الخفقان منذ أن دخلت ميرالين القصر رسميًا في اليوم السابق.
تحركت بصمت، كظِل، تتحرك بخفة بين الأروقة، لا تلمس أي شيء، لكنها… كانت تعرف طريقها بدقة لا تخطئ. كل خطوة، كل نظرة، وكل حركة يدٍ أو رأس، شعرت أن لها معنى خفيًا.
همستُ لسيلينا:
“انظري… حتى في الظلام، كل شيء فيها مدروس. هل تعتقدين أنها تعرف أننا نراقبها؟”
ابتسمت سيلينا بابتسامة نصف مكتومة، وقالت:
“لا أعلم، لكن شعوري يخبرني بأنها ليست كما تبدو… شيء في عينيها… كما لو أنها تحمل أسرارًا دفينة.”
كنتُ أركز على تفاصيلها: كيفية التواء أصابعها حول دفتر صغير، الطريقة التي ترفع بها حاجبها عند مرور الخدم، نظرة خاطفة سريعة إلى الباب الغربي قبل أن تواصل المشي. كل شيء يوحي بأنها تعرف أكثر مما تقول.
بعد لحظات، توقفت ميرالين أمام نافذة صغيرة تطل على ساحة القصر. جلست بهدوء، عينها لا تزال تتحرك بين الظلال، وكأنها تتأكد من وجود أي تهديد. همست ببطء، كأنها تتحدث مع نفسها:
“البعض يظن أن السم يُسكب من كأس… لكن أحيانًا، مجرد معرفة الطريق كافية.”
صرخت داخلي: ما معنى هذه الكلمات؟ هل هي تحذرني أم تهددني؟
سيلينا أمسكت يدي بهدوء، وقالت:
“هدئي… كل شيء تحت السيطرة… فقط لاحظي كل حركة.”
ثم تحركت ميرالين مرة أخرى، مبتعدة إلى أحد الممرات السرية التي لم أكن أعرفها. شعرت بأن قلبي يتسارع، كل خطوة منها تزيد فضولي، وتزيد شعور الخط.
مع إشراقة النهار، ظهر الجانب الآخر لميرالين. كانت في القاعة الكبرى، بين الحاشية، مبتسمة وهادئة، تبدو وكأنها ملاك لا يشوب نقاءه أي ظلمة. تتحدث بلطف، تضحك برقة، تميل برقة على الورق الذي يحمل ملاحظاتها، لكنها لم تفلت أي نظرة طويلة على أحد.
كنتُ أراقب كل حركة، كل همسة، وكل ابتسامة. كان هناك شيء ما في طريقة تعاملها مع الورق، شيء يوحي بأنها تعرف أسرار السم والقلادة، لكنها تتعمد أن تبدو غير مهتمة.
مرّت بجانبي، ولم تلتفت، لكن نظراتها عبرت مسافة قصيرة جدًا، شعرتُ بأنها تقرأ قلبي وتعرف كل شكوكه.
همست سيلينا:
“هل لاحظتِ ذلك؟ كل شيء طبيعي أمام الجميع، لكنها… هناك شيء يخفيه.”
أومأتُ برأسي، قلبي يئن من التوتر. كل كلمة، كل حركة صغيرة، تجعلني أكثر شكًا، أكثر رغبة في معرفة الحقيقة، وأكثر خوفًا من أن كل شيء قد يكون خطيرًا.
عند انتهاء المجلس، اقتربت ميرالين مني على نحو غير متوقع، بصوت خافت يقول:
“أوفيليا… أحيانًا، من يبحث عن الحقيقة يظن أنها أمامه، لكنها قد تكون خلفه مباشرة. كوني حذرة من من يبتسمون برقة.”
صرخت داخلي: مَن؟ من يبتسم برقة؟ هل هي تشير إلى غرايسون، أم إلى شخص آخر؟
ابتسمت ابتسامة هادئة، نظراتها لا تفارق عيني، وكأنها تزرع بذور الشك في قلبي.
“لا تحاولي معرفة كل شيء دفعة واحدة… بعض الأسرار تحتاج إلى الصبر.”
رحلت بعد ذلك، تاركة أثرًا من الغموض والتساؤل في كل زاوية حولي.
جلست على مقعدي، قلبي ما زال يرفرف من كل كلمة سمعتها، وبدأت أكتب ملاحظاتي:
ميرالين تعرف أكثر مما تدّعي.
غموض تصرفاتها الليلية والنهارية يوحي بأنها على صلة بالسم أو القلادة بطريقة غير مباشرة.
كل خطوة تقترب من خيط السم والقلادة تجعلها أقرب للمشتبه بها، لكن لا دليل مباشر بعد.
جلست طويلًا، أفكر في كل شيء، في كل حركة، في كل كلمة. شعور داخلي بأن الغموض لا ينتهي، وأنني سأحتاج إلى كل ذكائي، صبري، وجرأتي لأكشف الحقيقة.
الليلة، سأبدأ أول خطوة فعلية لمعرفة ما تخفيه ميرالين… وكل الخيوط ستقودني في النهاية إلى الحقيقة.
وهكذا انتهى هذا اليوم، تاركًا قلبي مشدودًا بين الخوف والفضول، وذهنًا مشحونًا بالخطط القادمة، والمواجهة المحتملة مع الشخص الذي يحمل خيوط السم والقلادة، ومع ميرالين الغامضة التي بدأت تشكل لغزًا جديدًا في حياتي.
مر اليوم التالي حتى جاء الليل، ولكن، الليل في قلعة درافينور لم يكن سوى ظلّ ثقيل يضغط على صدري. جلست على سريري، عيني لا تكاد تُغلق، وأفكاري تتقافز بلا رحمة بين ما حدث مع القلادة، كلمات فريدريك عن السم، والغريب الغامض الذي يُسمّى “الغراب”. كل شيء بدا وكأنه شبكة من الخيوط المتشابكة، وأنا في منتصفها، أحاول أن أفكك العقدة بلا جدوى.
تنهّدت بعمق، أستمع لصوت الرياح التي تمر عبر النوافذ القديمة، كأنها همسات الماضي تعود لتطارحني بآلام قديمة: الدماء التي أُريقت، الخيانات التي لم تُكشف بعد، والوعود التي تحطمت. شعرت بأن قلبي يثقل أكثر من ثقل الجدران حولي.
سرت في الغرفة بخطوات هادئة، كأن كل حركة هي محاولة للهروب من أفكاري. “لماذا كل هذا؟ لماذا أنا عالقة بين الشك والخوف؟” تمتمت لنفسي. شعرت بالوحدة، بالرعب، وبالإرهاق من التفكير المتواصل.
ثم جاء صوت خافت عند الباب، يتسلل بين صرير الخشب وصوت الرياح:
“سموّ الأميرة… هل تسمحين لي بالدخول؟”
ابتسمت نصف ابتسامة وأنا أستدرك نفسي بسرعة: “تفضلي يا سيلينا.”
دخلت سيلينا بحذر، تحمل صينية صغيرة من الطعام، وابتسامة دافئة على وجهها. على الفور شعرت بدفء غريب يملأ المكان، وكأنها تحمل شعاعًا من الضوء وسط هذا الظلام الكثيف الذي كان يلتهمني.
جلست على حافة سريري، وضعت الصينية جانبًا، ثم نظرت إليها ببرود متعمّد:
“لا أريد الطعام، سيلينا.”
هزّت رأسها بهدوء، وكأنها قرأت أفكاري قبل أن أنطقها. “أنا هنا لأجلك، لا أكثر. ليس لنقل أخبار أو مراقبة… فقط لأجلك.”
لم أرد الرد في البداية، لكن بعد لحظات صمت، بدأت أحكي لها عن الشكوك التي تدور في رأسي: “هناك شيء خاطئ… كل الخيوط تؤدي إلى البلاط، إلى ميرالين… كل شيء يبدو مدبّرًا بعناية، وكأن أحدهم يريد أن يراني ضعيفة.”
ابتسمت لي بنعومة وقالت: “سنكتشف الحقيقة، خطوة بخطوة، لكنك لست وحيدة، أوفيليا. أنا معك.”
مع بزوغ الصباح، شعرت بتوتر جديد. الملابس التي ارتديتها كانت ثقيلة، قلبي لا يكاد يستوعب كل ما سيحدث في البلاط اليوم. سيلينا وقفت بجانبي، ترفع حاجبها بحذر، وكأنها تقول لي دون كلمات: “انتظري، راقبي، لاحظي.”
دخلنا البلاط، والهواء مختلف اليوم. كل شيء كان مرتبًا، لكن كل نظرة من الحراس، كل همسة من الخدم، كانت كأنها رسالة مخفية لا يفهمها إلا من يعرف كيف يقرأ الرموز.
ثم ظهرت ميرالين، ووقفت في الزاوية، رقيقة المظهر، ترتدي ثوبًا أبيض ينساب على جسدها برقة، لكنها لم تكن مجرد جمال بريء. كانت نظراتها حادة، ثاقبة، وكأنها ترى كل شيء، حتى أفكاري المظلمة.
اقتربت بخطوات هادئة، لم تنطق بكلمة، لكنها أطلقت عبارة قصيرة:
“أوفيليا… أحيانًا، ما تبحث عنه أمام عينيك يكون خلفك مباشرة. احذري من من يبتسمون برقة.”
صرخت داخلي: من؟ من يبتسم برقة؟ هل هي تشير إلى غرايسون، أم داريوس، أم لنفسها، أم لشخص آخر في البلاط؟
لم أستطع الرد، فقط التقطت نظراتها وأحسست بالريبة تتسلل إلى قلبي. ثم ابتسمت ابتسامة هادئة، وانصرفت وكأنها لم تفعل شيئًا سوى المرور.
جلست على أحد المقاعد القريبة، قلبي ينبض بسرعة، وبدأت أكتب ملاحظاتي في دفتر صغير:
ميرالين تعرف أكثر مما تدّعي.
كل حركة دقيقة، كل كلمة غامضة، قد تكون دليلًا أو فخًا.
يجب أن أراقبها أكثر، وأحاول فهم الخيط التالي، خطوة خطوة.
سيلينا وضعت يدها على كتفي بهدوء: “أعرف أن كل شيء يبدو معقدًا، لكننا سنكتشف الحقيقة معًا.”
أومأت برأسي، وأنا أشعر بعزيمة جديدة تتشكل في داخلي: سأعرف الحقيقة عن السم، عن القلادة، ومن يقف خلف كل هذا… حتى لو كان هذا الخائن قريبًا مني أكثر مما أظن.
الجزء الأول من اليوم انتهى، وأنا لا أزال متعبة، مضطربة، لكن قلبي متيقظ. كل خطوة كنت أخطوها كانت محسوبة، كل نظرة كنت ألقاها كانت مراقبة، وكل همسة كانت درسًا. الغموض بدأ يتكشف ببطء، لكنني أعرف أن الطريق طويل، وأن كل لحظة يمكن أن تكشف سرًا جديدًا، أو تخفيه أكثر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 11"