الفصل 94: هل نستحم معًا؟**
ظل ثيرديو يتوسل إليَّ وهو لا يزال يحتضني.
”قلت لن أفعل. أرجوك، دعني أتنفس قليلًا.”
لكن ثيرديو، الذي كان لا يزال يخفي وجهه بين ذراعي، بدا محطمًا، وهو أمر غير معتاد منه.
”أدركت كم كنت أحمق. كل شيء أصبح فارغًا في رأسي، ولم أستطع فعل أي شيء. كل ما فكرت فيه هو أنني يجب أن أعيدك إلي.”
رفع ثيرديو رأسه ببطء، ثم اقترب مني بحنين واضح.
”لا تتركيني، بيريشاتي. لا أستطيع فعل أي شيء بدونك.”
مال ثيرديو نحوي، وعندما شعرت بثقله عليَّ، احمررت وجهي. هل يجب أن أغمض عيناي؟ عندما اقترب وجهه مني، بدأ قلبي يخفق بسرعة. ابتلعت ريقي، لكنه دفن وجهه في كتفي بدلًا من ذلك.
”…!”
لم يكن يقبلني. ظننت أنه سيفعل! حولت وجهي الأحمر قليلًا وأخرجت الزفير الذي كنت أحبسه. كنت سأشعر بالإحراق لو أنني أغمضت عيناي…
”ما الأمر؟”
عندما بدأت ألتفت حولي محرجة، أمال ثيرديو رأسه متسائلًا. ابتسمت باضطراب وغيّرت الموضوع بسرعة.
”ب-بأي حال، كيف تمكنت من دخول الدوقية؟”
”الدوق ألتروود تعرف عليَّ فورًا وأمر بفتح الأبواب. لكن الأهم، قولي أنك لن تتركيني…”
”لم أفكر في المغادرة من الأساس… لو كنت سأفعل، لكنت غادرت عندما طلبت مني السيدة أكمان ذلك.”
—
فقط عندها شعر ثيرديو بالاطمئنان. أرخى كتفيه، وعندما نظرت إليه عن قرب، لاحظت أنه لا يبدو بحالة جيدة.
لقد ركب طوال الطريق إلى هنا على ظهر حصان… بدا مرهقًا وأكثر نحافة. حتى سيرش لاحظت أنه لم يرتاح أو يأكل لأنه كان يحاول الوصول إلي…
”هل لم تتوقف أبدًا؟”
”نمَت مرة كل يومين”، قال ذلك بثقة. كنت في حيرة من أمري.
ابتعدت عن حضنه وجلست بعيدًا قليلًا.
”ماذا عن الطعام؟ هل أكلت؟”
”طالما أن الجسم رطب، يمكن للإنسان أن يعيش لفترة طويلة.”
”أ-أنت جاد…؟!”
”اعتدت على ذلك في ساحات القتال. تعودت على عدم وجود سروم والصيام.”
لم أكن مخطئة عندما لاحظت مدى إرهاقه. مددت يدي ولمست وجهه المتعب. انكمش قليلًا.
”لكنني علمت أنني سأراك اليوم، لذا توقفت في نزل لاستحم…”
رفع ثيرديو ملابسه برفق، قلقًا من أنه قد يكون منتِنًا. وجدت هذا الأمر ظريفًا.
دللت خده واحتضنته بقوة، ثم جذبته نحوي وأسندت رأسه إلى حجري.
”ماذا… تفعلين…؟”
”يجب أن تنام قليلًا. هل تعلم كم تبدو مرهقًا الآن؟”
نظر ثيرديو إليَّ بمفاجأة وهو مستلقٍ على حجري، وهو تعبير نادرًا ما يرتسم على وجهه. كان هناك الكثير لأقوله له…
—
وأسمعه منه. أردت أن أخبره بمشاعري على الفور، لكنني أردت الاعتناء به أولًا.
”سأكون هنا. لن أذهب إلى أي مكان. لذا لا تقلق.”
”حقًا…؟”
”لن أتركك.”
ثارديو، الذي كان ينظر إليَّ بعينين شاكّتين، ضحك قليلًا. لقد انتظرت طويلًا لأسمع هذا الضحك. لقد اشتقت إلى هذا الوجه كثيرًا. وإلى هذه اليد. تورّم قلبي. أمسك ثيرديو بيدي برفق، وكانت طريقة تشابك أصابعنا مدهشة ومثيرة.
”لن أترك يدك.”
ضغط على يدي وابتسم بخبث، ثم أغلق عينيه. وجدت صعوبة في التنفس بسبب لمسة يديه، وكأنه يمسك قلبي.
تحركت العربة بهدوء، ربما بسبب التأرجح المريح أو لأنه اطمئن لوجودي بجانبه، وسرعان ما أصبح تنفس ثيرديو عميقًا وهادئًا.
نظرت إلى وجهه المسترخي. لا بد أنه كان متعبًا جدًا. هذا الوجه كان يظهره لي وحدي. لي وحدي.
”أيها الأحمق…”
تفحصته. كانت ملابسه في حالة غير مرتبة، وبدا متعبًا جدًا. لقد كانت رحلة شاقة بالنسبة إليه.
رفعت يدي الأخرى، وبإبهامي، داعبت شفتيه الجافتين ببطء. كانتا تنزفان قليلًا. عبس من الألم، وتورّم قلبي مرة أخرى.
”اشتقت إليك…”
لم أستطع كبح هذا الشعور المتصاعد. لم أعد قادرة على إبقائه حبيسًا بداخلي. هل هكذا كان يشعر ثيرديو؟
مشطت شعره خلف أذنه وانحنيت ببطء، ثم وضعت شفتيّ برفق على جبينه المتجعد.
*قبلة خفيفة.* بمجرد أن قبلته، استعاد جبينه نعومته مرة أخرى.
”ههه.”
لم أستطع كتم ضحكتي عندما رأيت ذلك. ربّتت عليه برفق كي لا يستيقظ، واستمررت في الابتسام.
***
”كان عليّ التفكير مسبقًا… وحجز مكان إقامة لنا.”
بما أنه ألغى كل شيء وهرع إليّ فجأة، لم يقم بالطبع بأي تحضيرات لرحلة العودة.
كما أننا لم نحضر معنا أي طعام أو ملابس. كان الوقت قد تأخر بالفعل عندما أدركنا ذلك. لكن لحسن الحظ، تمكنا من الوصول إلى قرية وحصلنا على غرفة نظيفة في النزل.
”أنا بخير. على الأقل لن نضطر للنوم في الغابة أو داخل العربة.”
كانت الغرفة صغيرة. يمكن رؤيتها كلها بنظرة واحدة. وضع ثيرديو يده على جبهته وتنهد بإحباط.
”هذا يجعل الرحلة تبدو عفوية حقًا، إنه نوع من المرح…”
حللت شالتي وابتسمت. كان الوقت متأخرًا ولم يكن لديهم سوى غرفة نظيفة واحدة، لذا قررنا البقاء فيها معًا. لم يكن الأمر مهمًا، فنحن بالفعل نتشارك الغرفة في القصر. اقتربت من السرير وجسست المرتبة. يبدو أن النوابض قد صدأت لأنني سمعت صوت صرير. كما أن المرتبة لم تكن داعمة بما يكفي.
وفي كل مرة كنا نسير على الأرض الخشبية، كانت تصدر صوتًا عاليًا. شعرت كما لو أن الأرض قد تنهار في أي لحظة. كانت هناك آثار لتسرب مياه من السقف، ربما بسبب الأمطار الغزيرة. كانت مختلفة قليلًا عن المكان الذي كنت أقيم فيه، لكنها لم تكن سيئة.
—
”هذا غير مقبول… إذا تقدمنا قليلًا، سنصل إلى مقر الكونت. سأركب للأمام لأرى إذا كان بإمكاننا المبيت لليلة واحدة.”
أمسكت بكم ثيرديو. بدا مستعدًا للخروج من الغرفة في أي لحظة.
”ليس لدينا حراسة الآن. كل ما لدينا هو العربة ونحن. ماذا لو تعرضنا لهجوم؟ لا داعي لإثارة ضجة كبيرة هنا في إمبراطورية أخرى.”
”لكن…”
”وأنت بحاجة للراحة، ثيرديو. لم تأكل أي شيء بعد.”
”لكن لا يمكنني تركك في مكان مثل هذا…”
”أنا بخير طالما أنا معك.”
التفتُ إليه وابتسمت. اقتربت منه ولمست خده كما فعلت في العربة.
”قبل أن ندخل النزل، أرسلنا أحدهم لتسليم رسالة إلى سيسي. بدءًا من الغد، سنتمكن من البقاء في الأماكن التي تحجزها لنا. كما أنها سترسل عربة أمتعة، لذا سنحصل على بعض الملابس أيضًا. يمكننا البقاء ليلة واحدة هنا.”
حاولت إقناعه، لكنه بدا غير راضٍ
”ولكن…”
”ثيو، هل ستتركني هنا وحدي بينما تذهب؟ أم أنك تخطط لأن أركب معك على الحصان في هذا الوقت من الليل؟ المسافة بعيدة جدًا بالنسبة للعربة، وسنقضي الليل بداخلها. سيكون ذلك غير مريح أكثر.”
عاجزًا عن الجدال، سكت ثيرديو. لم يكن سعيدًا تمامًا، لكن لم يكن لدينا خيار آخر.
—
**ثم سمعنا صوتًا عند الباب. *طق طق.* كان هناك من يطرق. فتح ثيرديو الباب فجأة، وكان صاحب النزل يحمل صينية طعام لشخصين وبعض الملابس الإضافية التي طلبناها.**
”ها هي بعض الملابس الإضافية ووجبتكم. سنجهز حمامًا دافئًا لكما للاستحمام. يمكنكم استخدامه وقتما تشاؤون.”
انحنى صاحب النزل. لم يعرفوا بالضبط من نحن، لكنهم لاحظوا أننا نبلاء من طبقة رفيعة.
”هذا كل شيء…” قال ثيرديو بإحباط ولوح بيده. غادر صاحب النزل.
رفع الملابس ليتفحصها وتنهد.
”من المفترض أن نرتدي هذا؟”
”إنها نظيفة.”
كان يمكنني أن أقول أنهم بذلوا جهدًا فيها، لكنها لم تبدو مرضية لثيرديو.
”لا تشتكِ كثيرًا. إنها ليوم واحد فقط.”
ربّتت على كتفه برفق وأخرجت وجبتنا. كان هناك خبز جاف، وحساء مائي، وبطاطس مسلوقة، وخضروات مع لحم مقلي. طعام كافٍ لملء بطوننا.
رغم أنه في أعيننا كان بسيطًا، إلا أنني متأكدة أنهم بذلوا جهدًا لتحضير شيء جيد. بدأت بالأكل، وبدون أن يتمكن من الشكوى أكثر، تابع ثيرديو أيضًا.
كان لذيذًا. كان طعامًا بسيطًا، لكن لأنني كنت أتناوله مع ثيرديو، كان مذاقه أفضل مما توقعت. لم تكن الكمية كبيرة، لذا انتهينا بسرعة.
”سأذهب لأستحم…”
”حسنًا. سأفعل ذلك أيضًا.”
ما زال غير راضٍ عن الملابس، ظل ثيرديو يحدق فيها وهو يتأمل. جمعتُ مستلزمات الاستحمام وتوجهت إلى الحمام المشترك لأغسل تعب اليوم.
لحسن الحظ، كانت أماكن النساء والرجال منفصلة. لم يكن الحمام كبيرًا جدًا ولا نظيفًا تمامًا. شعرت وكأن آثار استحمام شخص آخر لا تزال عالقة في كل مكان.
*إنها ليوم واحد فقط.* تساءلتُ إذا كان عليّ تخطي الاستحمام ليوم واحد، لكنني كنتُ سأشارك الغرفة مع ثيرديو ولم أرغب في أن أكون ذات رائحة.
*إنه شعور غريب أن أستحم وحدي…* كما قال صاحب النزل، كانت المياه دافئة. غمرت يدي في الماء للتحقق من درجة الحرارة. ثم خلعت ملابسي ووضعتها بعناية. لففت شعري واغتسلت بخفة قبل الدخول.
”إنه دافئ…”
كان الأمر مقززًا قليلًا لأنني شعرت وكأنني في حمام شخص آخر، والتفتُ حولي. لكنه لم يكن سيئًا. *لا بأس بهذا بين الحين والآخر…* أو ربما شعرت بذلك لأنني كنت مع ثيرديو…
ابتسمت لنفسي وسكبت الماء على ركبتي اللتين كانتا تبرزان من الحوض. لولا ثيرديو، لربما شعرت بالضيق من البقاء في نزل مثل هذا أو المرور بهذه المحنة. بسببه، شعرت أن هذا منعش نوعًا ما.
”اشتقت إليه…”
رأيته قبل دقائق فقط، لكنني ما زلت أشتاق إليه. عقدت العزم على الانتهاء سريعًا والعودة، عندما سمعت الباب يفتح.
”…”
”…؟!”
كان ثيرديو واقفًا يرمش، نصفه العلوي عارٍ. فوجئت بوجوده المفاجئ، ولم أستطع سوى أن أرمش باتجاهه.
”ث-ثيو؟”
التعليقات لهذا الفصل "94"