الفصل 91: إذا أحببت، قد تتألم
”ألم تقولي أننا سنتناول شيئاً لذيذاً…؟”
”بلى. هناك العديد من المطاعم الرائعة في طريقنا إلى هناك!”
”وأعتقد أنكِ قلتِ أننا سننظر إلى أشياء جميلة.”
”ساشا، انظري خارج النافذة. أليست حقول الزهور جميلة؟”
”والهواء الطلق…؟”
”خذي نفساً عميقاً.”
لقد وقعت في الفخ. لم أعرف كيف أرد، فأغلقت عيناي. لم يكن الأمر أنني لا أريد الذهاب، ولكن الذهاب إلى إمبراطورية أخرى بهذا التلقائية دون أي استعدادات؟ عندما رأت رد فعلي، أغلقت سايرسي نافذة العربة.
”هل تفاجئتِ لسماع أننا ذاهبون إلى إمبراطورية أخرى؟”
”نعم… لم يكن لدي أي وقت للتحضير.”
”أنا آسفة. ظننتُ أنني إذا أخبرتكِ مسبقاً، لن ترغبي في المجيء.”
كانت محقة. لو سألتني: “لنذهب إلى إمبراطورية أتونيو”، كنتُ سأرفض بالتأكيد.
”منذ أن تزوجتي ثيو، مررتِ بالكثير من المصاعب بسبب عائلتنا وتلك الأميرة… أعني تلك الساحرة.”
هل فعلت؟
”كنت بعيدة في مهمة ولم أستطع الزيارة، لكنني أعرف أن الكثير حدث. حادثة الحريق، واللقاء مع الساحرة.”
”أكنتِ تعرفين كل ذلك؟”
”بالطبع! أبدأ كل يوم بتقرير عن كيف حالكِ وهل نمتِ جيداً.”
—
هل كان هناك شخص يبلغ سايرسي من داخل القصر…؟
”لم تستمتعي بأي حفلات أو تسافري مثلما تفعل سيدات النبلاء الأخريات. وأنتِ لا تحبين الشرب، ولن تهتمي أبداً بعشيق. ولكن إذا لم تستمتعي قليلاً، سينعكس ذلك عليكِ.”
قالت سايرسي وهي تهمس بكلمات حكيمة.
”تحتاجين بعض الوقت لنفسك، لتخفيف التوتر. وأعلم أنني قلتُ إننا ذاهبون لأجل عملي، لكنني أريد أن أعطيكِ بعض الوقت لتركزي على نفسك وتنسي كل شيء آخر.”
كما قالت سايرسي، لم أكن أفعل الكثير للاستمتاع في الحياة. كنتُ دائماً مشغولة بتحقيق أهدافي.
”ولكن هل يمكنني فعل ذلك حقاً…؟ لستُ متأكدة إذا كان هذا هو الوقت المناسب لي لفعل ذلك…”
”لماذا؟” سألت سايرسي ببساطة.
لماذا؟ كيف يمكنها أن تسأل ذلك؟ لم أعرف ماذا أقول.
”حسناً، بالطبع لأن…”
”لأننا نعرف هوية الساحرة؟”
أومأت برأسها مرتعشة. اتكأت سايرسي على أريكة العربة ونظرت خارج النافذة.
”ستكون معركة طويلة. الساحرة لن تتركنا بسلام.”
”…”
”وقد لا نجد الحل في هذه الحياة. قد يكون بعد موتنا، عندما يصبح سيلفين بالغاً.”
طريقة حديث سايرسي غير المبالية عن الموت ذكرتني بثيرديو. دائماً ما كان الموت حاضراً في أذهان آل لابلين.
”لذلك لا يوجد شيء اسمه الوقت المثالي، ساشا. يجب أن تستمتعي بالحياة بينما تستطيعين. لأن غداً، قد لا أكون هنا.”
ابتسمت سايرسي بإشراق، وكأنها تقول أن هذا هو أقل ما يمكنها فعله من أجلي. قبضت على يديّ ونظرت خارج النافذة. كانت السماء صافية جدًا، دون أي غيمة.
منذ متى لم أرفع رأسي لأتأمل السماء هكذا؟ في تلك اللحظة، شعرت وكأن القيود حول صدري قد ارتخت.
”شكرًا لكِ، سيسي…”
ابتسمت سايرسي ابتسامة عريضة. أخبرتني أنها أحضرت أغراضي وحتى تركت رسالة لثيرديو. لا بد أن الأمور على ما يرام.
بطريقة ما، ربما كان هذا هو الأفضل. كنت في الواقع قلقة بعض الشيء هذا الصباح حول ما يجب أن أقوله له، أو أي تعبير وجه يجب أن أرتدي.
مددت يدي إلى خاصرتي التي ما زالت تؤلمني قليلاً. شدة ما حدث الليلة الماضية ما زالت حاضرة.
”لا بد أنكِ ما زلتِ متألمة من الإفراط الليلة الماضية. ذلك ثيو! كان يجب أن يكون أكثر لطفًا.”
”أنتِ محقة… لم حتى نتوقف لأخذ استراحة- ماذا؟!”
توقفت عن فرك خاصرتي ونظرت إلى سايرسي مذهولة. كيف عرفت هذا؟
”آسفة، رأيت ثيو يحملكِ إلى الغرفة الليلة الماضية.”
”…!”
_ما هذا…!_
”لم أحاول التجسس عليكما أو أي شيء، فقط خرجت لأهرب من تأثير الكحول…”
”أفهم… لم نكن الوحيدين في القصر… كان لا بد أن يحدث هذا.”
”رأيت ثيرديو يركل باب الغرفة مفتوحًا، لذا أخبرت الخادمات بعدم إيقاظكِ في الصباح.”
—
أوه، لهذا لم يأتِ أحد. احمررت خجلاً وأصبح وجهي ساخنًا. غير متأكدة أين أنظر، التفت حولي وأخيرًا دفنت وجهي بين يدي.
انتظري لحظة. هل رأتنا أيضًا ونحن نتبادل القبلات في الحديقة؟
”امم، هل رأيتِ أي شيء آخر…؟”
”مثل ماذا؟”
”مثلنا في الحديقة… أو شيء من هذا القبيل…”
”يا إلهي…”
حتى أذني أصبحتا ساخنتين. عند رؤية تعبير وجهي، مسحت سايرسي خدها بقلق.
”ليس من الجيد فعل ذلك في الخارج، ساشا. قد يراكِ أحد… وهو غير صحي…”
”آه! ماذا تقولين؟! ليس هذا ما حدث!”
قطعت على سايرسي كلامها بسرعة ولوحت بيدي. سرعان ما أصبح جو العربة حارًا جدًا. ضحكت سايرسي وكأنها ترى حيوانًا لطيفًا يفعل شيئًا ظريفًا.
”ساشا،” نادتني وهي تمسك ذقنها بيدها.
”هناك شيء أود أن أسألكِ عنه.”
”طالما ليس شيئًا غريبًا، سأجيب…”
”هل تحبين ثيو؟”
”م-ماذا؟”
تجمدت في مكاني. ماذا قالت؟
”ماذا…؟”
سألت مرة أخرى. رمشت وعيناي وسايرسي ما زالت تبتسم.
”هاها، هل تعلمين كم تبدين مضحكة الآن، شاشا؟ أنتِ حمراء مثل الطماطم.”
”…!!!”
لـمـاذا يحمـر وجهي هكـذا؟ مسحـت خـديّ بسـرعة وخفضـت نظـري. فوجئـت بالسـؤال المفاجـئ ولم أعـرف مـاذا أقول. كـنت أعـلم أنـه يجـب أن أقول “نعم” لأن سـايرسي لن تعـرف أي شـيء عن عقدنـا. لكن صوتـي تعطـل بسبب خفقـان قلبي الشـديد.
”أنا… أنا…”
”لا بأس يا ساشا، رد فعـلك أخبرني بالفعل.”
هل فعلًا؟
”لم أتخيل يومًا أن يأتي شخص يحب ثيو.”
هل أخبرها رد فعلي أنني أحب ثيرديو؟ ضغطت على خديّ المحمرين.
”ولم أتخيل أبدًا أن ثيرديو سيحب أحدًا.”
بدت سايرسي أكثر حكمة من المعتاد. عيناها الحمراء اللطيفة امتلأتا بعاطفة الأخت الكبرى التي تهتم بأخيها الصغير.
”الطريقة التي نظر بها إليكِ البارحة… لم أره هكذا من قبل.”
”…”
”لم أعلم أنه يستطيع أن يصنع مثل هذا التعبير.”
ساد الصمت العربة. عندما أصبح الجو ثقيلًا، قرقشت أسنانها وأخرجت لسانها.
”واو، كان هذا عاطفيًا جدًا. آه… رؤية حبكِ عن قرب كان صعبًا عليّ. جعلني هذا أشعر بالحرج.”
كانت تحاول تخفيف الجو. هزت سايرسي كتفيها وأطلقت تنهيدة.
”لكن يا ساشا…”
”نعم؟”
”أنا حقًا أحبكِ.”
—
أغلقت سايرسي عينيها بينما كانت لا تزال تبتسم.
”ليس لأنكِ متزوجة من أخي، لكنني ببساطة أعتقد أنكِ شخصة طيبة. شخصيتكِ، سلوككِ، وحتى أفكاركِ. أحترم كل ذلك. أريد أن أكون مثلكِ وأن أحميكِ.”
”هذا… هذا لطف كبير…”
”لو لم تكوني زوجة ثيرديو، ولو التقينا في ظروف مختلفة، لكنت جعلتكِ أختي الصغيرة وأخذتكِ معي في كل مكان.” قالت سايرسي بحزم، واثقة من ذلك.
لم أتخيل أبدًا أنني سأحصل على مثل هذه الثقة والحب. لم أستطع كبح رغبتي في الابتسام.
”لهذا أريدكِ أن تفكري جيدًا في الأمر.”
”في أي شيء؟”
”في ما تشعرين به الآن.”
فتحت سايرسي عينيها. نظرتها اللطيفة كانت موجهة إليّ.
”قد لا يكون هذا حبًا. قد يكون مجرد تعاطف.”
اهتزت العربة قليلاً. ورغم أنها كانت تبتسم، إلا أن وجهها ارتسمت عليه تعابير عدم ارتياح، كأنها لا تريد قول هذا. تذكرت كلمات سمعتها من قبل.
”يشعرون أننا مميزون بطريقة ما فيتعاطفون معنا ويطورون شعورًا غريبًا بالواجب للبقاء مخلصين لنا.”
كان هذا عندما التقيت ثيرديو لأول مرة. لقد حذرني، تمامًا كما تفعل سايرسي الآن.
”أشعر بالأسف لأخي، لكن يا ساشا… لا أريدكِ أن تكوني تعيسة.”
”سيسي…”
”أليس هذا مضحكًا؟ لأجلكِ أنتِ، أفضل شيء هو أن تبتعدي بقدر ما تستطيعين عن أخي وعائلتنا، وعني… من المضحك أنني أتمنى ذلك.”
خفضت سايرسي نظرها. ألقت رموشها ظلالاً تحت عينيها.
”لكنني أعني ما أقول يا ساشا. كلما تعرفت عليكِ أكثر، كلما زاد رغبتي في رؤيتكِ سعيدة. أنتِ مختلفة عن أي شخص قابلته، شاشا. أنا حقًا أعتبركِ عائلتي.”
_عائلتي._ تفتحت زهور في قلبي الذي كان قاسيًا كشتاء عاصف بارد.
”لذلك لا أريد تكرار نفس الخطأ مرتين.”
بالخطأ نفسه، كانت على الأرجح تتحدث عن زوجها وطفلها.
”استفيدي من هذه الفرصة لتباعدي المسافة بينكِ وبينه وفكري في الأمر. سواء كان حبًا أم تعاطفًا. سواء كان البقاء أفضل أم المغادرة.”
”سيسي…”
”شاشا، أنتِ مثل هدية من الله الذي رحمنا.”
”أنا لستُ هنا لأن أحدًا أرادني أن أكون، سيسي. أنا هنا لأنني أريد ذلك. لا أحد يحجزني رهينة. يمكنني المغادرة إذا أردت، لكنني باقية لأنني أريد أن أكون هنا مع عائلة لابلين.”
”ساشا، ثيو نشأ دون حب…”
خفضت سايرسي رأسها وكأنها ارتكبت خطأ ما.
”قبل عامين من وفاة والدنا، وُلد ثيو، أصغرنا بين الأشقاء الثلاثة. كان صغيرًا جدًا لذا أنا متأكدة أنه لا يتذكر الحب الذي حصل عليه.”
”…”
”أخبرني ثيو مرةً. أن أحد أولى ذكرياته كانت عن محاولة أمه قتله.”
”…”
أمه حاولت قتله؟ لم يتحدث ثيرديو أبدًا عن والديه. ولم أسأل لأن القصة التي أخبرتني بها سايرسي عن والدتهم كانت صادمة جدًا.
—
”أنا وأخي الآخر نتذكر أننا حصلنا على الحب، لكن ثيو وُلد لاحقًا وهو لا يتذكر. أمنا كانت مدمرة عندما توفي والدنا. خلال طفولته، كان ثيو محبوسًا في تلك المخزن الصغير، يحسد الجميع.”
يحسد؟ ثيرديو الحالي لن يحسد أحدًا أبدًا.
”مرت عدة سنوات وانتحرت أمنا. عندما غادرت الوصية الوحيدة عليه، احتضنتنا غلوريا. بفضل جهود غلوريا وفينياس، استطاع ثيو النجاة.”
”إذن…”
”لكن تلك كانت المشكلة. الطفل الذي كان محبوسًا أُعيد إلى العالم وأصبح أكثر إشراقًا. نسينا اللعنة.”
كنا الآن خارج المدينة نسير في طرق جبلية. اهتزت العربة بعنف.
”أولاً، كانت المربية. اعتنت بثيو كأنه ابنها، وهو أحبها. لكنها ماتت.”
ارتجف جسدي، ربما بسبب اهتزاز العربة.
”بسبب إهمال ثيو. دمه، لعنته، قتلها.”
بلعت ريقي. شعرت بطعم مر في حلقي.
”ثم جاء ابن البارون الذي كان قريبًا من ثيو. مات. ربما كان هذا متوقعًا. كانوا يلعبون المبارزة بالسيف وجرح ثيو. حاول صديقه معالجته و… بعد ذلك، ابتعد ثيو عن الآخرين.”
عندما قابلته أول مرة، أتذكر أنه غضب عندما لمسته.
”لكن المأساة لم تنته هناك. كان هناك جروٌ أحبه ثيو. لم يستطع الانفتاح على الآخرين، لذا كان الطفل الوحيد سعيدًا بوجود الجرو. بينما كانوا يلعبون، خدش الكلب ثيو دون قصد وسال دمه.”
كنت أعرف ما حدث بعد ذلك بالفعل.
”والجرو الذي أحب سيده، لحس جرحه.”
ابتسمت سايرسي بمرارة.
”كنا جميعًا صغارًا في ذلك الوقت، وكانت غلوريا مشغولة في أعقاب الحرب. بينما كان فينياس منشغلًا في البحث عن لعنتنا.”
”…”
”تصرف ثيو وكأنه قرر ألا يحب أي شيء. لم ينفتح على أحد أو يهتم بأي شخص أو أي شيء. أدرك أن كل ما يحبه يموت.”
كم يجب أن يكون هذا الطفل قد تألم عندما شاهد كل أحبائه وحيوانه الأليف يموتون. وبسبب لعنته هو. مشاهدة كل تلك الوفيات من حوله… عضضت على شفتي السفلى بقوة. نظرت سايرسي إلي بعينين قلقتين.
”ساشا، إذا أحببتِ ثيو، قد تتألمين.”
التعليقات لهذا الفصل "91"