4
انستا : aahkk_7
***
ارتعشتِ الخادمةُ بعدما حكتَ ما قيل، كأنّما قد باحت بنصٍّ مُحرّم على الملأ
“مجرّد سماع ما يُشاعُ عنه يَدبُّ القَشعَريرةَ في النّفس”
ما الذي يحصلُ بحقّ الخالق!؟
تضاربَ عقلُ غريس مع ذكريات دينيسا،
ديتريش؟ الذي كان يكرّس نفسه لشعبه، ويرعاهم بحنان، ويحفظهم ويحميهم بين عينيه؟
هذا محال! لأن ما ارتسم في ذِهنها عن تكوُّنٍ شيطانِيٍّ يُمثّله غيرُ واقِعيٍّ أبدًا، إنها…إنها لا تصِفهُ البتّه!
” لكن أوليسَ الماكغراف مشهورًا بسمعتهِ الرّاسخة؟ فكيف إذن قد…”
“كان ذلك قبل أن تتوفَّى زوجته،
في الواقع، حتى بطبيعته لم يكن ذا خُلُقٍ ليّنٍ في الأساس؛ لذا حالهُ الآن ليستٍ بشيءٍ قد يُثير الدّهشة مقارنةً بما يُشاعُ عنه”
تمتمتِ الخادمةُ بتلك الكلمات وهي تشيرُ بسبّابتها إزاء عقلها في دوائر، دلالةً على الجنون…
كلّا…!، أظنُّ أن هنالك لبسًا ما…
” لا بدّ أنه سوء فهم…
فغريس التي قد تَشهدُ بكلّ ما تُجاهدُ بهِ روحها على ما يُشاع عنه، كانت مُربّطةً بهيئة دينيسيا، وفي كلتا الحالتين، كغريس أو دينيسيا، لم تكن قادرةً على التفوّه بحرف…
تبًّا لهذا…
خنقها الإحباط حتى صارت تُحسّ به في قَصبةِ أنفها
“…إذن، ألم يتزوّج الماكغراف مجدّدًا؟”
“أوه كلّا، كيف سيتزوّج، وهو لا يزال يؤكدُ أن زوجته لا تزال حيّه؟” لوّحت الخادمةُ بيدها لتؤكّد نافيةً أمر هذا الظّن.
〔لعنة الزّوجةِ الميّتة〕… بالطّبع أيُّ عاشقٍ سيُجنّ لفقدانِ محبوبته…،
ولكن مع استرسال الخادمةِ بثرثراتها حول ما قيل وقال عمّا يُصاغُ عنه، إلا أن غريس كانت قد توقّفت عن الإصغاء بالفِعل.
إذن، فهو لم يتزوّج مُجدّدًا…
لقد كان رجُلًا يكرهُ الزّيجاتِ المَبنيّة على إرضاء الآخرين؛ لذا اختارَ زواجًا تعاقُديًّا يقتضي حقوقًا وواجباتٍ واضِحة، وليس عاطفةً وحُبًّا، وكان الأمرُ طبيعيًّا لرجلٍ مثله أن يبتغي وريثًا يواصلُ نَسبَه وسلالته؛ أما الزوّجة فلا حاجة لهُ بها بعد ذلك.
ولكن رُغم ذلك؛ فقد ارتسمت بسمةُ واهنةٌ على محيا دينيسيا، التي صارت تُوجَّه بعاطِفةِ غريس…
“حقًّا؟”
” بلى آنستي! بل إن هنالك ما قال يأن العائلة الإمبراطورية تحال دفعهُ ليتزوّج مجدّدًا، ويستمرّ بنسله، لكنه عنيدٌ كالحَجَر.”
كان دافعُ ذلك جليًّا؛ فبعدَ مرورِ خمسِ سنواتٍ، كانت محاولاتُ تكبيل ديتريش بزواجٍ سياسي واستغلالهِ قد باءت بالفشل.
“وماذا عن هابروفيلد الصّغير؟”
“هابرو فيلد…الصّغير…؟”
ارتبكت الخادمة، وأمانتك رأسها بحِيرة:” لا أعلمُ حقًّا؛ فتلك المنطقةُ معزولةٌ تمامًا، ما لم يكن هناك مَن هو مشهورٌ فيها؛ فلن يتسرّب عنه أيّ خبر…”
“أهذا ممكن…؟”
انقبض قلب دينيسيا بشدة، إذ كانت تتوق بكل كيانها إلى سماع أي خبر عن طفلها، غير أن كلمات الخادمة لم تجلب لها سوى خيبة موجعة. أغمضت عينيها مطولًا، وأطلقت تنهيدة ثقيلة أغرقتها ببعض الحُزن…
“لكن، هذه أولُ مرّةٍ تُبدين فيها اهتمامًا بالماكغراف آنستي”
“ماذا…؟”
” قُلت من قبل أنكِ لا تودّين الارتباط بأراضي الشّمال الباردة”
هذه كانت دوافعُ دينيسيا وليست هي…
أطبقت على شفتيها مُحاولةً كتم استيائها لِألّا يُفضَح أمرُها
رغم أراضي هابروفيلد ذاتُ قيمةٍ عسكريّة وجغرافيّةٍ بالغة، إلا أن أراضيها عقيمةَ التّربة وأجواءها القارِسة تحول بينها وبين حياةٍ طبيعيةٍ مرنة؛ فالتُّربة فيها مُرهقة، بالكادِ تُنبِتُ ما يُزرَع؛ لذا لم يكن لأهلها سوى الاعتمادِ على الصّيد بدل حِراثة الأرض
لهذا بالنسبة للجاهلين؛ فهُم متوحّشون، وذلك ما وَصَمهم به الجميع؛ ونتبجةً لذلك قُرِن اسم ديتريش بنعوتٍ لا تصفه مُطلقًا، ومع دورانِ الأزمان والقيل والقال، صارت تلك النُّعوت حُكمًا مُتداولًا يلاصقه أينما حل
” الأمرُ فقط أنني…حينما سمعتُ بوفاةِ زوجته إثر المرض، لم يبدو لي الأمر أنه نُزوَةٌ عابرة…”
“وما الذي جعلكِ تُفكرين بهذا بعد مرور خمس سنواتٍ من رُفاتها؟”
خمسُ سنوات…
هذه المُدّة لا تزالُ تَصدَحُ في عقلها، كلّما تذكّرت مقدار ما فاتها عَجَزت عن الإدراك
بينما الخادمة التي كانت في حِيرةٍ من أمر سيدتها الغريب، فضّلت ألا تلتفتَ لفضولها العَدمَي، لربما…ستَعتَبرُ الأمر مجرّد نزوةٍ عابرةٍ إثر كثرة الوَحدة.
” سارة ” ، كان اسمها،
وما نَطقَت به دينيسيا بنبرةٍ وديّةٍ لطيفة،… تُحاول فيها التقرّب حتى لا تُكشفَ نواياها…
” على افتراضٍ فقط…أسيكونُ من الصّعبِ عليّ دخول أراضي هابروفيلد؟”
“عُذرًا؟” توسّعت عينا سارة إثر سؤال سيدتها الغريب، ثم أردفت بكلماتٍ تتخلّلُها بضعُ ضحكات :” آنسةُ رقيقةٌ وهشّةٌ مثلكِ تتوجّه للشّمال؟ آنستي، سيكون من حُسنِ حظّكِ إن لم تموتي من البرد القارس”
” آه…
لقد نسيَت غريس، حملقت في جسمها النّحيل بتجهُّم، حقًّا العيش في أراضٍ قارسةٍ كتلك بمثل هذا الجيد هو سيرٌ نحو الهاوية لنفسي
كوني ممتنّةً لكونكِ قادرةً على النهوضِ صباحًا…حقًّا
مجرّد التفكير في قسوةِ الشتاء هناك، تجعلُ شُعيراتها تقشعِرّ…
” ألا تعلمين أن اليوم هو العشاءُ العائلي؟ رجاءً آنستي لا تتهوّري، وابقي في فِراشك”
دفعتها سارة بِرِفق ما جعلها تتعثّر؛ فقطَبَت جبينها بانزعاج
لما يبدو أن سارة تتصرّف بسوء نيّة، ولكن أرادت غريس التأكُّد بنفسها؛ فألقت عليها بنظرةِ فاحِصة
“ما الأمر؟”
“لا شيء”
كان ما بينهُمَا أقربَ إلى حديثٍ عفوي يُخفِّف عنها ثِقَلَ المُجاملات وقواعد البروتوكول، غير أنه في المقابل لم تمنحها ما تستحقه مكانتها من وقار واحترام.
حين أَفاقت لأول مرة، ظنّت أن الجميع استقبلها بحَفَاوة، لكن مُراقَبتها الدّقيقة لتصرّفاتِ العائلة والخَدَم أظهرتْ غير ذلك. كانوا لا قساة تمامًا ولا وَدُودين حقًا، وهذا التّناقض جعل قلبها أسير حيرةٍ مَمزُوجةٍ بالخذلان.
تقلّبَت ببطء على فراشها، وسَحبت الغِطاء حتى غطّى صدرها، كأنها تبحث فيه عن دفءٍ يعوّض برودتهم. ومع ذلك، لم تستطعْ إنكار أن سارة، على حدّتها، بدت أفضل من سائرهم؛ فقد أحاطتها بعناية صادقة، ورعتْها على طريقتها الجافة.
بهذه الشذرات المتناثرة من الذكريات، يستحيل أن أفهم نواياهم كاملة.
صحيح أن الصورة لا تزال ناقصة، لكن بعض الذكرياتِ حَفَرت مكانًا ثابتًا في أعماقها: مذاقُ شاي الياسمين، عَبَق العُطور المَألوفة، وتفاصيل صغيرةٌ أيقظتها الحواس دون استئذان. غير أنّ هذه الذكريات كانت دومًا من منظور دينيسيا وحدها؛ لذلك لم يكن بوسعها اعتبارها كاملة أو جديرة بالثقة.
رفعت بصرها نحو البعيد، وهمست بابتسامة باهتة تسلّلت إلى شفتيها:
“إذن… اليوم سأرى تلك الوجوه التي غابت عني طيلة الأشهر الثلاثة منذ أن فتحت عيني على هذه الحياة من جديد…
- مَن يُفترَضُ أنهم عائلتي. “
***
انستا : aahkk_7
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"