0
هل كان سقوطُ شخصٍ ما سببًا للمتعة لدى الناس بهذا القدر؟
قارة تار، حيث تلتقي حدود خمس دول بعلاقات ودّية نسبيًا، وفي مركزها تقع عاصمة إمبراطورية لارسيكان، مدينة لاروشي، التي تغص يوميًا بالقصص الجديدة، كان آخر ما تناقلته صحفُ المدينة منذ أكثر من أسبوع نفسُ الخبر.
<‘الكونت كاينتي كلُو’ الذي اجتاح القارة بصناعة النسيج، هل سينهار الآن؟>
<نجاح ملطّخ بالاستغلال والاحتيال… الوجه المظلم للكونت كاينتي كلُو كما كشفته التسريبات>
<من هو الشخص المفاجئ الذي تحالف مع العمال ضد ‘كلو للنسيج’؟>
كان الحديث يدور حول شركة ‘كلو للنسيج’ التي، بعد احتكارها لصناعة النسيج، بدأت مؤخرًا في التجارة أيضًا، موسعةً نشاطها بسرعة مذهلة.
“لماذا كنتُ أظن أنّه يمتلك موهبة تجارية مفرطة في صغره؟ يبدو أنّه كان يعامل مرؤوسيه بغير إنسانية، أكثر مما تشير الشائعات.”
“يُقال إنّ موظفي المصنع كانوا يعملون 14 ساعة يوميًا بلا كلل.”
“لا حاجة للحديث، حتى صغار الحملان في المزارع كان يُحاسب العامل إذا مات أحدهم. وكأنّ موت المخلوق الصغير أمر عادي!”
منذ أن أُثيرت قضية طريقة إدارة كلو للنسيج قبل أسبوعين، أصبح كل صباح حديث الناس عن الشرور الجديدة للكونت كاينتي.
بيئة عمل قاسية لا تضمن حياة كريمة، أجر منخفض يجعل من الصعب توفير احتياجات الأسرة، التلاعب بأسعار المنتجات حسب الجودة، وحتى إدارة صارمة للمزارع التي تزود المواد الخام.
الناس يسمون كل ذلك ‘شرورًا’ لا ‘جرائم’، فمع أنّه لا يمكن تقديم شكوى رسمية، فإنّ هذه الأفعال تُدان أخلاقيًا.
“لا بد أنّه كان شريرًا لدرجة أنّ حتى زوجته لم تتحمّل الأمر.”
“منذ البداية كانت هناك شائعات كثيرة عن الزواج. بدا أنّ الأمور على ما يرام، لكن لم تكن كذلك.”
كان من بين أفعال كاينتي أنّه ترك بيت العروس يتداعى رغم قدراته.
“كلو للنسيج، ادفعوا الثمن!”
“ادفعوا! ادفعوا!”
“على مدير كلو للنسيج أن يخرج ويتحدث مع ممثلي المصنع!”
“تحدثوا! تحدثوا!”
في سوق العاصمة ‘دييلا’، حيث يمكن الحصول على أي شيء، كان المبنى المكوّن من ثلاثة طوابق لشركة كلو للنسيج، الواقع بالقرب من نافورة السوق، مكتظًّا بالناس المحتجين على ظلم الشركة.
“سيدتي، وصلنا.”
خلف هؤلاء الناس توقفت عربة متواضعة، وفتح السائق الباب بسرعة. نزلت من العربة السيدة يوليّا، زوجة الكونت كاينتي، التي كشفت القضية للعامة.
“احذري عند النزول، سأمسك بيدكِ.”
“شكرًا لك.”
“ها قد حضرت سيدتي!”
“سيدتي!”
استقبلها الحشد بشكر وامتنان، إذ أدركوا أنّها تدخلت نيابةً عنهم رغم أنّ ذلك قد يضرّها شخصيًا.
<‘هل أصبحت السيدة يوليّا عدوةً لزوجها؟’>
<جدل حول طلاق الكونت كاينتي وزوجته>
حتى لو كان الأمر مجرد فضول، كان رد فعل النبلاء مثيرًا: فقد كانت زوجة الرجل الذي تسبب في أزمة تجارية تدخل لتصحح الوضع.
“شكرًا لأنكِ أتيتِ بنفسك، سيدتي!”
“هل الكونت موجود بالداخل؟ هل نأتي لرؤيته؟”
“متى سنتحدث مع الكونت؟”
“نريد فقط رفع الأجور غولد واحدًا في الشهر.”
وقفت يوليّا، التي تعتبرها الناس حليفةً لهم، بلا أي رد فعل، وضعت يدها على بطنها واستنشقت نفسًا عميقًا.
نواه، أعطِ القوة لأمك.
كانت في الشهر الخامس من حملها، ولم يظهر بطنها كثيرًا بعد، لكن وجود الطفل في الداخل كان دعمًا.
حتى لو كان هذا الطفل من ذلك الرجل الذي أصبح خصمها.
“كفى مضايقة للسيدة.
لا أحد يعلم متى سيخرج الكونت أو يرفع الأجور. يُقال إنه لم يغادر القصر منذ شهرين.”
كانت يوليّا تعرف أنّهم سيتراجعون سريعًا إذا علموا أنّ سبب تدخلها ليس لمصلحتهم فقط.
رغم أنّها أرادت بعض الضجة، إلا أنّها تقدمت بوجه قلق وكأنّها زوجة سمعت أخبارًا سيئة عن زوجها.
خطوة بعد خطوة، كانت كل خطوة ثقيلة، فالمسافة القصيرة بدت بعيدة. وعند وصولها إلى باب المكتب المصنوع من خشب الجوز، قبضت على المقبض وأمسكت قلبها المتوتر.
اليوم، يجب أن تُحسم الأمور.
“سيدتي، هل كان يجب أن تفعلي كل هذا؟”
بخطوة حازمة فتحت الباب ودخلت، حيث التقت بعين المساعد هنري الذي أبدى استياءه.
“هل كان لا بدّ من ذلك؟”
كانت كلمات هنري صدى لسؤالها للكونت: لماذا فعلت ذلك؟ لكن لم تحصل على إجابة، فواصلت سيرها نحو الدرج في نهاية الرواق.
صرير الدرج.
شعرت بالنظر المراقب للمساعدين والموظفين، لكنها صعدت بسرعة إلى مكتب المدير في الطابق الثالث. عند دخولها دون طرق، أغلق الباب خلفها، وساد الصمت المكان رغم الضجة خارجًا.
“أتيتِ حتى هنا إذن.”
المكسّر للصمت كان كاينتي، جالسًا خلف مكتبه، عينيه الرماديتين تُظهران نوعًا من الفرح لرؤية يوليّا بعد شهرين، وقد لاحظ زيادة طفيفة في بطنها وابتسم بخفة.
كانت يوليّا تراقب وجهه، وتتساءل عن صحته ونمو الطفل دون أن تنطق بكلمة.
حتى لو كانت العينان الرماديتان مُغَشّيتين بالعاطفة، فإن يوليّا شعرت برغبة غريبة في التظاهر بعدم المعرفة واللجوء إلى صدره كما كانت تفعل دائمًا.
كان من المفترض أن تغضب، لكنها فوجئت برد فعله الهادئ، الذي يبدو وكأنه يتقبل الوضع ويمحو خطاياه.
ضغطت يوليّا شفتيها بقوة.
―سيدتي، هل كان لا بدّ من كل هذا؟
حتى هي لم تُحبذ الوضع، لم ترغب في أن تصل الأمور إلى هذا الحد.
الناس يقولون إن كاينتي ترك منزل يوليّا يتداعى، لكن الأمر لم يكن مقتصرًا على ذلك، وكانت يوليّا فضولية لمعرفة السبب. أرادت تفسيرًا مقنعًا، حتى لو لم تفهمه بالكامل، على الأقل لتفهم المنطق وراء أفعاله.
لكن كاينتي ظل صامتًا، ولهذا وقفت يوليّا هناك.
“مرحبًا، عدوي. هل كنت بخير كل هذا الوقت؟”
بوجه ليس كزوجته المحبوبة، بل كعدو.
“استغرقت الرحلة أطول مما توقعتِ.”
“وهل شعرتِ بالارتياح الآن؟”
“فقط بهذا القدر؟”
كان من المفترض أن تغضب أكثر، لكن يوليّا اكتفت بحبس أنفاسها.
لماذا لا تشعر بالراحة؟ كان هذا الرجل مصدر عونها وألمها وشوقها، وأمام يأسه، لم تشعر بشيء سوى الغرابة.
تملأ صمت الغرفة ساعة تدق بوضوح، والسماء الزرقاء وراء النافذة مشرقة، تعكس على الداخل الظل النسبي للغرفة، وكأنّها تعكس موقفهما.
بعد سنوات من الفراق، وبعد الزواج ووجود طفل، لم تتخيل أبدًا أنّ لقاءهما سيكون بهذا الشكل.
“كفى، وقع أوراق الطلاق الآن.”
حان وقت الحسم.
“لا.”
لكن كاينتي رفض على الفور.
“رغم كل ما حدث… هل هذا غير كافٍ؟”
“مهما حدث، لا يمكن الطلاق.”
“لماذا؟”
أجاب بصرامة لا تقبل الجدل:
“لأنني أحبكِ.”
لو كانت قد سمعت هذا قبل شهرين، لكانت دموع الفرح ذرفت، لكن الآن، كانت الكلمات موجعة لا تُطاق.
من كان يظن أنّ بعد سنوات من اللقاء، والزواج، والإنجاب، سنقف هكذا أمام بعضنا البعض؟
التعليقات لهذا الفصل " 0"