الفصل 34
توقّفت الصرخات، وسكن الوحش عن الحركة، ثم خيّم الصمت على كتفه المضرّج بالدماء.
استنشق لودفيل نفسًا خفيفًا.
تذكّر لحظة دخوله موطن الغراوتر،وتذكّر اندفاعه نحو أول وحشٍ هاجمه، دون أن يبطئ خطاه لحظة واحدة.
مزّق مخلب الوحش القوي درعه، فأحسّ بألمٍ حادّ، لكنه لم يتراجع.
لم ينتزع المخلب المغروس في عضلاته، بل ثبّت ذراعه كما لو كانت مرساة،
ثم حصد عنق الوحش بضربة واحدة.
وبينما وحش آخر يفتح فمه لالتهامه، وجّه لودفيل سيفه مباشرةً…
حتى اخترق الجمجمة من خلف جذور اللسان، بضربة قاطعة واحدة.
اخترقها بضربة واحدة.
اندفع الدم الأسود.
لحظة من البهجة تلتها فراغٌ عميق.
لم يشعر بالفرح من النصر، ولا بالخوف من الموت، وغمر جسده دم الوحش في لحظة واحدة.
لم يبقى سوى وعيه اللاشعوري بأنه طالما يتنفّس، عليه الاستمرار في توجيه السيف.
قطع الوحوش ببساطة لأنه كان أمامه، وجرى خلف ما يتحرّك، وتطاير الدم دون أن يلتفت.
كان يقطع الوحوش لمجرّد أنّها أمامه،
يطارد كل ما يتحرّك،والدماء تتطاير من حوله دون أن يلتفت.
لم تكن في قلبه رغبة للبقاء،ولا شوق إلى الموت.
كم مرّ من الوقت وهو على هذا الحال؟
فجأة، استعاد وعيه.
قطرات الدم على طرف سيفه تساقطت ببطء على الأرض.
وبعد أن رمش عينيه مرة أو مرتين، أدرك أنّه قد قضى على جميع الغراوتر.
كان وجهه ويداه، وحتى ما تحت درعه، غارقًا بدماء الوحوش وبقاياها.
‘لقد انقطع وعيي مجددًا.’
كان هذا يحدث كلّما واجه الوحوش،وكلّما تسلّل السحر إلى جسده، تلاشت حواسه تدريجيًّا، حتى مع صفاء ذهنه.
وكانت تلك الحاسة محبوبة لديه.
إحساس قريب من الموت.
كما لو أنّ راحةً أبديةً كانت تقترب…
في تلك اللحظة، لم يكن مضطرًا للتفكير.
وكان السبب في تدخينه للأعشاب الخطيرة عبر لفّها في سجائر ليشعلها، هو شعوره بذلك الإحساس بالذات.
لكن هذه المرة، بدا حتى الخدر المألوف غريبًا بعض الشيء.
دقّت قلبه فجأة بشدّة، ثم بدأ النبض يبطئ تدريجيًا.
وكأنّ الدم الذي يجب أن يفيض يتحجّم ويتباطأ.
وشعر وكأن عقله يغرق شيئًا فشيئًا في أعماق المياه.
‘هناك خطب ما…’
شعر بذلك اليقين.
جسده، الذي ظلّ يتحمّل بصعوبة، بدا وكأنه تجاوز حدّه الأقصى.
‘هل هذه النهاية؟’
كان يعرف أنّه سيتكبد ثمنًا باهظًا يومًا ما.
ولكن، فما المشكلة؟
فعل ما أراد دون تفكير عميق، فحتى لو فكر، سيعود الألم الرهيب في رأسه.
‘آه، صحيح…’
…الآن، ستزيل الأميرة الصداع عنه.
خطر على باله هذا التفكير فجأة.
بيده الملطّخة بدماء الوحوش،
لامس جبينه، عند النقطة التي لامستها يدها من قبل.
ربّما أراد أن يشعر بدفئها لمرةٍ أخيرة…
وكأنّ الإله الذي لم يستجب لدعواته طوال حياته، قد لبّى صلاته للمرة الأولى.
“ألم اقل انّك ستحتاج إليّ؟”
من خلفه، سمع صوتًا كان ينتظره—
صوتًا لم يعرف أنّه كان ينتظره.
***
كانت الغابة بعد انتهاء المعركة مشهدًا من الجحيم.
أشجار مقطوعة من جذورها.
تلال ترابية مهشّمة.
جثث الوحوش ممزّقة بلا رحمة، كما لو اجتاحتها عاصفة عاتية.
كان هذا الجحيم صنعه شخص واحد فقط.
وفي مركزه، وقف لودفيل.
كان طرف عباءته ممزّقًا وملطّخًا بالدم.
السيف في يده نصفه بارز، والدم يتقطر عبر مفاصل قفّازه الممزّق.
لم يتحرّك لودفيل.
كتمثال مثبت في مكانه.
‘هل تحوّل إلى وحش بالفعل؟’
الوحوش كائنات فوق طبيعية، ولدت من تراكم ‘اليأس’ البشري.
الوحش النقي يولد من يأس البشر، لكن أحيانًا يتحول الإنسان المعرض لسحر الوحش لفترة طويلة إلى وحش.
ويسمّي الناس ذلك ‘التحوّل الوحشي’.
كان أمرًا نادرًا.
لأنه يحتاج إلى شروط خاصة.
في العادة، يؤدي التعرض للسحر إلى تعفن الجسم والموت.
لذلك لم يعلم أحد.
لم يكن على جسد لودفيل أي أثر للتعفن.
لكن، إذا كان السبب في ظهوره السليم ظاهريًا، هو أنّ التحوّل كان قد بدأ بالفعل؟
ماذا لو استوفى لودفيل الشروط اليوم في هذه المعركة؟
تسلسلت أسوأ السيناريوهات في ذهنها
كانت يتنفّس بصعوبة.
شدّت أوديل اللجام، ونزلت إلى الأرض وكأنها تكاد تتدحرج، متجهة نحوه.
لم تتردّد في لمس ظهره.
شعرت بطاقة كثيفة، لزجة وساخنة، تتدفق خلف درعه الممزق.
‘هذا…’
ارتجفت قليلاً.
وحبسّت أنفاسها لتركيز على الشعور.
ما وصل إلى أطراف أصابعها لم يكن مجرد مقدار التعرض للسحر.
بل شعرت كما لو أن جسده أصبح هو المصدر نفسه للسحر.
‘إلى هذا الحد…’
كان جسده كأنه ممتلئ بسائل مكثف من السحر.
‘كيف لم أشعر بذلك طوال الوقت؟’
كيف تحمّل كل هذا الألم دون إظهار أي شيء؟
كان من المدهش انه كان قادرا على السير والتحدث والعمل وكأنّه إنسان عادي.
ربما حتى تصرفاته الاندفاعية وكأن شخص آخر قد سيطر عليه، قد تكون نتيجة تأثير السحر.
ولكن…
“…هاه.”
تنفّست أوديل الصعداء.
‘لحسن الحظ، التحوّل لم يبدأ بعد.’
نعم.
كان جسد لودفيل مشبعًا بالسحر، لكنه لم يتحول إلى وحش.
والسبب الوحيد كان أنّه لم يكن يشعر باليأس.
بصراحة، لم يعد قادرًا على الشعور بأي عاطفة، حتى اليأس.
‘لأنه لم يكن هناك غذاء لليأس.’
الوحوش والتحوّل يحتاجان إلى العاطفة.
يجب أن تكون هناك بعض المشاعر لكي تنمو الجذور وتزهر شرورًا.
المفارقة أنّه لم يتحوّل بسبب جفاف عواطفه، رغم وفرة السحر فيه.
لأنه عاش في حالة لا يشعر فيها بأي شيء…
‘نجا لأنه بلا عاطفة.’
رفعت أوديل يدها نحو قلبه.
وسرعان ما تركزت طاقة التطهير.
وانتشرت الطاقة الذهبية فوق التيار الأحمر المتجلّي كالدم.
ترجمة:لونا
التعليقات لهذا الفصل " 34"