“إنها غريبةٌ عنا، وستغادر خلال نصف شهر.”
هكذا فكّر زيك، ذلك الخادم الحقير، وهو يستجمع أطماعه المتراكمة.
“وحتى إن شكّوا أنها سرقت، فلن يجرؤ الدوق على سؤالها مباشرة، إنها ابنة الكونت، وستكون فضيحة سياسية.”
‘وربما… لن يلاحظ أحد شيئًا على الإطلاق.’
بالنسبة له، كانت تلك القلادة كنزًا حياتيًّا، أما بالنسبة لعائلة نبيلة كالدوقات، فهي مجرد زينة تُركل تحت الأقدام.
لذلك تُركت مهملة في مستودعٍ بائس كهذا.
‘جيد… لنبدأ.’
قرّر زيك أن يختبر ردة فعل الآنسة أوديل، فبدأ بأشياء صغيرة.
أولًا، عبث ببعض الأدوات التافهة.
‘لم تلاحظ.’
لم تأتِي أي ردة فعل. فتمادى، وتجرّأ على العبث بجذر “وِرمبيلّا”.
نبتة ثمينة، لكنها قابلة للتلاعب، ويمكن التهرّب من الشك باتهام أي خادم آخر.
كان يراقبها بطرف عينه، بينما هي منشغلة بالحديث مع الخادمة الغبية.
‘لم تلاحظ.’
تمامًا كما توقّع.
‘لقد خدعتُ الدوق لعشر سنوات، فهل ستكشفني هذه الفتاة المدللة؟’
زاد يقينه. حان الوقت لسرقة الجوهرة الحقيقية.
‘ذلك الصندوق الفضي المزخرف…!’
كان صندوقًا صغيرًا أنيقًا، تلمع فيه الأحجار البيضاء النقية.
‘حتى الأحجار وحدها تكفيني لأعيش عدة سنوات دون عمل.’
لكن “زيك” لم يكن يعلم شيئًا عن ماهية هذا الصندوق، ولا عن ما يحويه.
كل ما عرفه هو أنه محفوظ في أكثر الأماكن إهمالًا في القصر، والآنسة منشغلة بأنشطتها اليومية.
لقد راقب جدولها بدقّة، وعرف أنها الآن نائمة، ومكتبتها بعيدة عن غرفة نومها.
‘الآن هو الوقت المناسب.’
اقترب بهدوء من الباب الخلفي للفيلا، وأدخل إبرة رفيعة في القفل.
تَك — صوت خفيف، وانفتح القفل.
دفع الباب ببطء.
لم يصدر عن المفصلات القديمة أي صرير، بفضل الزيت الذي دهنه سابقًا.
الغرفة كانت مظلمة تمامًا، إلا من ضوء القمر الخافت.
تقدّم بخفّة، يعرف وجهته جيدًا.
الخزانة الصغيرة بجانب الأريكة.
قلبه ينبض بقوة.
ها هو…
مدّ يده وسحب مقبض الدرج بهدوء.
“أخيرًا…”
تكت
فتح الدرج… ولكن…
“ماذا؟”
كان الدرج فارغًا تمامًا. نظيفًا لدرجة أن لا ذرة غبار فيه.
“لا… مستحيل… كان هنا!”
شعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي… ثم…
“هل كنت تبحث عن هذا؟”
صوت بارد اخترق جسده من الخلف.
تجمّد.
استدار ببطء، وإذا بشخص يقف تحت ضوء القمر، ممسكًا بالصندوق الذي أراد سرقته.
كانت “أوديل”.
نظراتها كالجليد، ثابتة، مخيفة، وكأنها انتظرته طيلة حياتها.
حاول أن يهرب.
لكن صوتها شلّ قدميه:
“من الأفضل أن تتوقف، يا زيك.”
تجمدت الدماء في عروقه.
‘كيف… كيف عرفت اسمي؟!’
العرق البارد سال على خده.
الهواء أصبح ثقيلاً، يكاد يخنقه.
وفي تلك اللحظة…
‘كما توقعت، لقد ظهر مجددًا.’
حدّقت أوديل في ذلك السارق، بل القاتل الذي كانت تترقبه.
في حياتها السابقة، تسلل إلى هذه الغرفة في ليلة مماثلة، بعد أن سرق جذور “وِرمبيلّا”، وقتل “ليونا”.
خنقها لأنه خاف أن يُكشف أمره.
‘كل ذلك… لأنها خرجت لتغلي لي ماءً بسبب نوبة سعال.’
انتظرَت ولم تعد… تلك الليلة، ذلك القلق، ظل محفورًا في صدرها.
كان لا بد من إنهاء هذه الحلقة البائسة.
“ألم تكتفِي بعشر سنوات من السرقة؟”
“كيف… كيف عرفت؟!”
انطفأ لون وجهه، ذُهل، وداخله الهلع.
‘إذا انكشف أمري… حياتي ستنتهي…!’
وفجأة، تحوّلت نظراته.
من خادمٍ إلى وحشٍ زاحفٍ خبيث.
“كنتُ أسمع أنكِ عليلة… ويبدو أن الشائعات صحيحة.”
تقدّم خطوةً نحوها، بنظرةٍ غريبة، خليط من القلق والتهديد.
لكن أوديل لم تتحرّك.
تلك السكينة زادته توترًا.
“هذا الشمال… بارد… وإن توقف قلبك فجأة، لن يُشك أحد.”
بدأ يهذي.
“الموت المفاجئ شائع هنا… وإن وُجدتِ ميتة في الثلج… سيظنونها حادثة.”
أوديل كانت تراقبه بصمت، بعينين نصف مغلقتين.
كان جنونه يفيض.
“إن اختفيتِ أنتِ فقط، كل شيء سيعود كما كان… فقط موتكِ سيكفيني!”
وهاجم.
بوجهٍ مسعور، ويدٍ تهوي نحو عنقها…
لكنها لم تتراجع.
نظرت إليه بثبات، ثم رفعت إصبعًا ولمسته في جبهته.
لم يكن أكثر من لمسة.
لكن…
“كــآآآآآآه!!!”
صرخة شنيعة مزّقت الصمت.
تدحرج على الأرض، يصرخ، يمسك رأسه، يتلوى كالشيطان في النار.
“نجحت…!”
همست أوديل.
كانت تلك أول مرة تستخدم فيها قدرتها الهجومية، التي اكتشفتها من ذكريات “لودفيل”.
ألم الأمراض، السموم، تمزق الأعصاب، نبضات القلب المتقطعة…
كل ما عانته خلال استخدام طاقتها التطهيرية، نقلته إلى جهازه العصبي.
أطلق عليها “لودفيل” اسم.
نقل الإحساس.
دربت نفسها على ذلك أيامًا… واليوم، نفّذت أول ضربة بنجاح.
لكنها شعرت بالوهن، جسدها أصبح أثقل.
تأثّرت طاقتها لأنها استخدمت المانا بطريقة مختلفة.
رغم ارتعاش كتفها، وقفت بثبات،
مستقيمة.
لم تكن لتنحني أمام ذلك القذر.
‘ذاك الألم… عليه أن يذوقه.’
كان عليه أن يشعر بأن دمه يغلي، وأعصابه تتفجّر، وأن عظامه تُطحن.
لأن “ليونا” تلك الطفلة الدافئة ماتت بردًا وخوفًا، وحدها.
ترجمة:لونا
واتباد:luna_58223
التعليقات لهذا الفصل " 16"