‘العقد مفقود.’
حتى بعد تفتيش الداخل بالكامل، كانت النتيجة نفسها.
لم يكن هناك أثر للغرض الذي كانت تبحث عنه.
تلبدت ملامح أوديل بالقلق.
ما الذي حدث، يا ترى…؟
‘ربما حين فقد ذاكرته، انحلّ الخَتْمُ معه كذلك.’
أحيانًا يحدث هذا.
لأن المانا تتبع إرادة مستخدمها.
عادةً ما يُفعَّل الختم بقصد “حماية أحدهم” أو بـ”عزيمة بعدم التفريط فيه أبدًا”.
لكنّه الآن، لا بد أنه نسي حتى الهدف من الختم.
لقد انكسر… بفعل سوء الحظ وحده.
وربما، هناك احتمال آخر…
أنّ رودفيل نفسه فكّ الختم وأخذ العقد.
لكن…
هناك شيء غير مريح في ذلك الاحتمال.
لا تزال هناك أشياء داخل الخزنة.
كلها تبدو عديمة القيمة من ظاهرها.
قطع حجرية خشنة، وشظايا معدنية بالية، وخرق قماش لا رسوم فيها ولا لون…
من يراها لأول وهلة سيظنها قمامة.
لكن أوديل كانت تعرف تمامًا ما هي.
إرثٌ سحريٌّ هزّ عصراً كاملاً.
كنوز جمعها رودفيل بعد آلاف المحاولات الفاشلة في العوالم المتكررة.
أشياء لا يجب أن ترى نور العالم الخارجي أبدًا.
‘لم يمسّ أيًا من الأشياء ذات القيمة الحقيقية.’
من الواضح أن السارق لم يكن يدرك قيمتها.
لقد أخذ فقط تلك التي تبدو فاخرة من ظاهرها.
سرقة ساذجة من لصٍّ يجهل حتى كيف يُقيّم الغنيمة.
‘العقد أيضاً يبدو كأنه مجرد حجر كريم غريب الشكل.’
ويا للأسف…
لقد أخذ ذلك تحديدًا.
تنهدت أوديل بصوت خافت.
العقد ذو القلادة الحمراء لم يكن مجرد زينة.
البلّورة الدموية
شظية متبلورة من قوة حياة رودفيل.
كانت تلك البلّورة مفتاحًا.
بها يُمكن تفعيل النقش ، أو تعطيله.
كانت “المفتاح الرئيسي” لذلك السحر.
‘يجب إدخال العقد في مركز الدائرة السحرية لإلغاء المراسم بأمان.’
إن حاول كسر النقش بالقوة دون استخدام العقد…
‘سترتدّ كل الصدمة على جسد رودفيل.’
وفي أسوأ الحالات، قد يموت في لحظتها.
قبضت أوديل يدها بشدّة دون أن تشعر.
وحين عادت إلى غرفتها، بدأت تتجول بتوتر، تفكر.
من الذي سرق ذلك العقد؟
كان غرضًا لا يجب أن يغادر القصر أبدًا.
‘سأستعيده… بأي وسيلة كانت.’
في تلك اللحظة…
طَرق ـ طَرق.
دُقّ باب الجناح الجانبي.
توقفت أوديل عن السير ونظرت نحو الباب.
من بين الفتحة الصغيرة التي انفتح بها الباب، ظهرت فتاة صغيرة ملامحها متوترة للغاية.
حين التقت عيناها بعيني أوديل، شهقت بخفة.
جسد صغير، وكلمات ترتعش بعدم استقرار.
“آ… أهلًا بكِ، آنسة.
يشرفني خدمتك!”
تجمدت أنفاس أوديل للحظة.
‘…ليونا.’
مرّت ذكرى قديمة كوميض البرق في عقلها.
هل كان ذلك من تأثير الحجر العائد؟
رؤيتها لهذه الفتاة الصغيرة فجّرت ذكرى كانت ضبابية، وعادت فجأة بوضوح حاد.
مكتبة مظلمة.
جسد صغير ممدد على الأرض.
يد باردة كالجليد، وعينان لم تُغلقا حتى بعد الرحيل…
‘آه.’
الآن فهمت.
من أخذ العقد.
“واو…”
خرجت آهة دهشة من الفتاة، فأعادت أوديل تركيزها.
كانت ليونا تحدق بها بذهول، وكأنها تشك في ما تراه.
“تبدين كجنيّة الثلج…”
“…”
“أقصد، هناك أسطورة عن جنيّة طيبة تساعد من يضيع في الجبال المغطاة بالثلج…
تشبهين الصورة التي في الكتاب تمامًا…”
تمتمت ليونا بحماس قبل أن تضع يدها بسرعة على فمها.
“آه، آسفة! لقد كنتُ وقحة!”
كانت شخصيتها البريئة هذه السبب في وجودها في هذا الجناح البعيد، لا في القصر الرئيسي.
لم تكن تنسجم مع الآخرين بسهولة، وأوديل لم تكن تختلف عنها كثيرًا.
لهذا أصبحتا صديقتين مقربتين في الحياة الماضية.
“سمعت عن جنية الثلج من قبل.”
“حقًا؟!”
تهللت ملامح ليونا التي كانت متجهمة، حين استجابت لها أوديل بابتسامة خفيفة.
“إنها أسطورة من الشمال، من أخبرك بها؟ هل لديك أقارب من هناك؟”
ضحكت أوديل بصوت واضح، رغماً عنها.
“كان شخصًا عزيزًا عليّ.”
وبينما كانت تقول ذلك، مدت يدها برقة وأمسكت بكف ليونا الصغير.
كأنها تعيد لها دفئًا من ذكرى بعيدة…
ارتجفت ليونا من المفاجأة، ثم نظرت ليدها لبرهة قبل أن تصرخ بقلق.
“يدكِ باردة جدًا، يا آنسة!”
“حقًا؟”
أجابت أوديل بفتور بسيط.
على ما يبدو، لم تستطع نقل الدفء إليها كما ظنت.
“قالوا إنكِ مريضة… سأضيف الحطب فورًا! وسأجهّز كيس الماء الساخن!”
“شكرًا لكِ، هذا لطف منكِ.”
“لا بد أن ترتاحي تحت الأغطية! في الشمال، مجرد زكام بسيط قد يدوم طويلًا! عليكِ الحذر!”
لم تتغيّري أبداً…
كانت خادمة صغيرة، لم تفارق أوديل للحظة في حياتها السابقة.
عاشت معها في هذا الجناح المهجور، وكانت اليد الوحيدة التي امتدت إليها بدفء.
لكن أوديل لم تذق حرارة هذه اليد طويلًا.
فليونا…
رحلت بسرعة.
لم تمضِ أيام كثيرة على لقائهما، حتى فُجعَت بخبر موتها.
‘لقد بكيتُ كثيرًا.’
طوال الجنازة، شعرت وكأنها فقدت صديقة عمر.
مع أنها لم تعرفها إلا أشهرًا معدودة.
لكنها الآن تعرف.
ذلك الحزن لم يكن بسبب “فراق في حياة واحدة”.
بل لأنه كان فراقًا عبر حيواتٍ لا تُعدّ.
كانت الطفلة التي تمسك يدها كلما مرضت، تبكي وتتمتم.
“الآنسة قوية، لن تموت أبدًا!”
نفس الملامح، نفس الصوت المرتجف، نفس النبرة.
‘…اشتقت إليكِ.’
نظرت أوديل إلى ليونا بصمت.
‘في هذه الحياة، لن أدعكِ ترحلين مجددًا.’
تعهدت لنفسها.
لن تسمح أن تفقد حرارة هذا الكف مجددًا.
وفوق ذلك…
‘إن كان توقعي صحيحًا، فالقاتل الذي أنهى حياة هذه الطفلة هو نفسه من سرق عقد رودفيل.’
قُتلت ليونا على يد لص في القصر.
علي أن امسك به.
ثم…
أما ماذا سأفعل به…
هاه.
في تلك اللحظة، تذكرت أوديل قدرتها التي اكتشفتها لأول مرة من خلال ذاكرة لودفيل.
‘أوديل، إن وجدتِ نفسكِ في خطرٍ ولم أكن بقربكِ، جرّبي هذا.’
قدرة لم تكن تعرف حتى أنها تملكها
.
قوة هجومية.
لم تكن تتخيل يومًا أنها تستطيع استخدام موهبتها في التطهير بهذا الشكل…
لكن في الذاكرة، رأتها تستخدمها بمهارة مدهشة.
‘ربما عليّ أن أبدأ التدرب عليها.’
أشرقت عينا أوديل ببريق بارد.
لم تكن تنوي إرسال ذلك الشخص إلى السجن بلطف.
ترجمة:لونا
واتباد:luna_58223
التعليقات لهذا الفصل " 14"