ابتسامة باهتة ارتسمت على شفتيها، لكن ملامحها كانت شاحبة إلى حد الزرقة.
عيناها الفارغتان جعلتاها تبدو كدمية.
“هل أنزع ثيابي؟”
ولما عجز عن الكلام، نزعت أديل حمالة كتفها بنفسها.
انفرجت فتحة ثوبها المرتخي، كاشفة عن بشرة بيضاء ناعمة. كالمسحور، مال بجسده ممسكًا ذراعيها، دافعًا إياها برفق إلى السرير.
أديل ظلّت تحدّق فيه بوجه خالٍ من أي تعبير.
“……”
المضحك أنّ برود ملامحها لم يطفئ نارًا، بل أجّجها. لأنه يعرف تلك العينين، حين كانتا مشبعتين بالحياة.
يعرف كيف تبكي شفتاها حين تنكسر، وكيف تتوسل بعينين ممتلئتين بالدموع، وكيف يتفتت صوتها في لحظات العجز.
يعرف كل لحظة من لحظاتها.
ومن لا يدرك من ذلك الوجه الميت كم بلغت حافّة الهاوية، فذلك أحمق.
كأنها عالقة بين خطوة وأخرى على حافة جرف، متخبطة، لا تعرف ماذا تمسك، تستجدي النجاة.
وصورتها تلك، امرأة تتوسل النجاة، فجّرت كل دمه.
ما الفرق بينه وبين الوحش إذن؟ لا فرق. وربما… لا بأس.
[ستندمين.]
ابتسم لها ابتسامة شرسة، وهي أسيرة تحته.
“أريده… هكذا.”
عُنقها الناعم، جسدها النحيل الممتد… سرق بصره.
رغم أن بشرتها حملت أثر رائحة مورغ، رائحة الخداع والكذب والخيانة…
كانت أديل. ولم يكن يجرؤ على رفضها.
مال ببطء، يتتبع بشفتيه بشرتها الرقيقة.
صوتها بدأ يترنّح برطوبة، وجسدها ازداد تفتحًا تحت لمسته.
“فالنتين…”
كان صوتها المتوسل عذبًا.
“لا… تكبح نفسك.”
دمه اشتعل.
ويبدو أنها لم تأخذ تحذيره على محمل الجد. حتى رقبته تيبست من شدّة التوتر.
إذًا، لتشعر بنفسها. ولتندم لاحقًا على تحريضها.
وكان واثقًا أنه سيجعلها تندم. قبضته على معصمها اشتدت، حتى أن ملامحها ارتعشت قليلًا.
فتحت فمها لتتوسل بالرفق، لكنه ابتلع كلماتها بقبلة عنيفة.
وكانت هناك… جنّة بعيدة، تُلمس أخيرًا.
✦✦✦
كان الوقت أقرب للفجر. استيقظت أديل وسط عتمة باهتة.
الهواء كان باردًا للغاية، قبل أن يسطع أول شعاع للشمس. لكنها لم تشعر بالبرد، لأن كتفيها غطّتهما بطانية دافئة.
[أاستيقظت؟]
حين وصلها صوته، غمرها شعور عميق بالطمأنينة.
ما زال لديهما وقت… ولو قليلًا.
أرادت أن تلتفت لترى وجهه، لكن فالنتين زفر وهو يشد ذراعه أكثر حول خصرها.
[لنبقَ هكذا قليلًا. كنت أنتظر أن تستيقظي.]
صوته كان لا يزال يحمل بقايا حرارة البارحة.
وكلماته أيقظت ذاكرتها. ليلة كانت رأسها تكاد تذوب من شدّة الحمى.
ليلة اختفى فيها العالم، ولم يبقَ إلا هما.
ليلة ألقت بنفسها بين ذراعيه بكل ما تملك، ولا تزال تلك الحرارة تملأ جسدها حتى اللحظة.
“…لا تذهب.”
بصوت متقطع، شاحب، خرجت الكلمات من بين شفتيها المتورمتين.
“اليوم… لا تذهب إلى أي مكان. ابقَ بجانبي.”
كانت تعلم أن هذا لا يقدّم حلًّا.
لكنها أيقنت: لو وعدها حقًا أنه لن يرحل، ولو قررا أن يتركا هذا المكان معًا، يختفيان بعيدًا عن أعين الجميع…
لعلّ كل شيء، سيصبح بخير.
“……”
أمسك يد آديل التي تعلّق بها بيأس، وأخذ يطبع قبلة على كل إصبع من أصابعها.
ذلك الفعل أعاد إلى ذهنها ذكرى ليلة الأمس بصورة أوضح، حتى كلماته أيضاً.
من الآن فصاعداً، سأقدّسك كحاكمتي المقدسة وأحيا لأجلك.
حتى لو فقدت عقلي وسقطت في الفساد، فلن أتركك. سأغدق عليك ما تبقى من عمري بكل ما فيّ من محبة. حتى لو تلاشى هذا العالم ولم يبقَ أحد، ما دمتِ لا تُنتزَعين مني، فأنا مستعد لتحمّل كل شيء.
حتى لو ابتلعتني عقدة الذنب وأسقطتني في هاوية بلا نهاية…
جنتها، حتى في لحظات البؤس، كانت فاتنة الجمال حدّ الخيال. أغمضت آديل جفنيها المرتجفين بخفة، وتنفسها بات متقطعاً.
[ارتاحي قليلاً، سأعود سريعاً.]
ثم أرخى يديه عن خصرها برفق. ومع حركته للنهوض، جلست آديل بدورها.
“هل أنت سعيد الآن يا فالنتين؟”
سألته وهي تنظر إلى ظهره وهو يرتدي ملابسه ببطء.
“أنا الآن بائسة للغاية.”
بائسة للغاية… تلك الكلمات جعلت حركة فالنتين تتجمد. اليد الكبيرة التي أمسكت أزرار القميص ارتخت وهوت إلى الأسفل.
“إن تكرر هذا الأمر، سأظل أعيش دائماً بانتظارك جاهلة بكل شيء. لن أسألك عن السبب، أليس كذلك؟ فأنت لن تجيب على أي حال.”
كلما ازدادت ملامح آديل احمراراً بالغضب والحزن، ازداد وجهه هو شحوباً.
“لا أعلم ما أنا بالنسبة لك. لا أستطيع أن أقدم لك شيئاً، حتى وإن كنت تجرح وتتألم تخفي عني. هل حقاً أنت تعتني بي؟”
بدأ صوتها هادئاً، ثم سرعان ما انهار فوضوياً. جسدها كله أخذ يرتعش بعاطفة لا تدري إن كانت غضباً أم خوفاً. امتلأت عيناها الخضراوان بالدموع، لتتساقط بغزارة على الملاءة.
[آديل… على مهل، أرجوكِ تنفسي أولاً.]
“لا تذهب.”
كأسطوانة موسيقية معطلة، راحت تكرر كلماتها، بينما أخذت ملامح فالنتين تخلو من أي تعبير.
أمام تغيره، نزلت آديل من السرير واقتربت بصعوبة حتى أمسكت بطرف ثوبه.
“ألا يمكنك ألا ترحل اليوم؟ لو أننا هربنا هكذا فقط…”
نظر إليها وهو تهذي، ثم فجأة ابتسم.
[الجو بارد يا آديل.]
“حتى لو لم أرغب أنا بذلك؟”
[سيكون من الأفضل أن ترتدي ثياباً أدفأ.]
كان الحوار قد انحرف تماماً، كلاهما يقول ما يخصه وحده.
حين أدركت ذلك وعجزت عن الكلام، انحنى فالنتين والتقط ثيابها التي ألقتها ليلة الأمس.
وبينما كان يعينها ببطء على ارتداء ملابسها، استسلمت هي بلا أي شعور بالواقع.
[حتى لو كان هروباً، فليكن حين يحين وقته.]
آه… كادت أن تئن، لكنه كان يعرف كل شيء بالفعل. لا شك في ذلك.
فدفعت بقوة يده التي كانت تشدّ خيوط فستانها بإحكام.
نظر إلى يده المرفوضة، ثم إلى آديل المرتجفة، وملامحه جامدة.
“إلى أي حد تعرف؟”
[كنت أعلم منذ البداية أنك التقيت بالبشر ليلة أمس.]
“… كنت أعلم أنني لن أستطيع إخفاء ذلك. هل قرأت أفكاري؟”
[شعرتُ بتحطم الحاجز. وقد وعدتك ألا أقرأ أفكارك.]
“ومع ذلك، تتحدث وكأنك تعرف كل شيء.”
أطال النظر إليها بعينين يستحيل إدراك ما وراءهما. لكنها لم تتراجع ونظرت إليه بثبات.
“هل تحبني حقاً؟”
[أكثر من أي أحد.]
“إذاً، ماذا عن طفلنا في أحشائي؟”
طفلنا. عند سماع هذه الكلمة، ارتجف فمه المنضبط لحظة، ولم تفُتها تلك الإشارة العابرة.
[الحاكم لا يمكن أن يُحبل به من بشر. كنت قد حذرتك أن جسدك سيمزَّق.]
“وأنا أريده هكذا. مهما حدث لي، أريد لطفلنا أن ينجو. هل ستحترم إرادتي؟”
[آديل.]
“هل طفلنا قادر حتى على أن يولد؟”
[لا أفهم لماذا تُصرّين على أمر مستحيل.]
لكن أن تسمعها من فمه مباشرة… كان فرقاً عظيماً عن مجرد ظنون.
فجأة غشا عينيها ضباب، وساقاها لم تحتمل ثقلها حتى أمسكت بالمكتب. عندها شعرت بألم يمزق بطنها. كأنه سينفصل حقاً.
فاحتضنت بيديها بطنها بكل قوتها.
لم تعد قادرة على تمييز ما يقوله أو ما يفعله. لم يكن في وسعها أن تحكم بعقل ثابت. فقط إحساس واحد واضح: طفلها كان يتأذى.
“آآآه!”
حتى وسط وعيها الباهت، رأت بوضوح يده تمتد نحوها.
لا شك أن فالنتين يريد انتزاع طفلها منها.
لا… لا تفعل. أرجوك، لا تفعل بي هذا…
كانت ترتجف متوسلة لجهة لا تعرف من تكون. فجأة، سائل دافئ انساب أسفل ساقيها. هل هو دم؟
أطلقت أنيناً كحيوان جريح. أرجوك. لا أستطيع أن أودّعه هكذا.
وسط رؤيتها المشوشة بالدموع، لمع نصل أسود. ذاك الذي ألقي بالأمس باستهانة.
“…آه.”
سخيف… لكنه بدا لها وكأنه وحي إلهي. الحل كان واضحاً. انفجرت باكية ضاحكة.
دفعت ذراع فالنتين التي أمسكت بها، وأمسكت السيف بثبات مدهش حتى لنفسها. ثم كان كل شيء سهلاً، كزفرة.
توقفت اللحظات فجأة. وجه فالنتين المشوه بالدهشة، يده الممتدة إليها مجدداً، وصدره المفتوح بلا حراسة.
وحين اندفعت إلى أحضانه، كانت في كامل وعيها.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 96"