على عكس المرة الأولى حين دخلت إلى المحمية، بدا وكأن كل ما في الغابة يطردها بعيدًا.
حتى العثور على الطريق لم يكن أمرًا يسيرًا. ذلك الصخر، وتلك الشجرة، وذلك الممر الضيق وتلك الأدغال… هل كانت مواقعها هكذا منذ البداية؟ وكأنها تتحرك حيّة أمامها.
إلا إذا كان سحر ما قد أُلقي ليُضلّها داخل الغابة، فلا يمكن أن يكون هذا طبيعيًا.
(مرة أخرى نفس الشجرة).
بعد أن مرّت ثلاث مرات بجوار شجرة اقتُلع جذعها بشكل غريب، تحولت شكوكها إلى يقين.
منذ تلك اللحظة، قررت أديل ألّا تثق بالطرق التي تراها أمامها. عوضًا عن ذلك، راحت تستشعر الأثر السحري الذي زرعه فالنتين وتتخذه دليلًا.
(إنه يتصل بالشرق).
إن كان هذا حقًا سحر وهم يغطي الغابة بأكملها، فهو إذن على نطاق غير مسبوق. وللحفاظ على وهم بهذا الحجم، فلا بد من وجود وسيط يمدّه بالطاقة على مسافات منتظمة.
ولحل مشكلة إمداد السحر، لم يتردد فالنتين في غرس أحجار سحرية عالية النقاء بدءًا من قلب الغابة حتى أطرافها.
لكن الحواجز التي أقامها لمنعها أصبحت في النهاية علامات ترشدها إلى الطريق.
(من هذه الجهة أستشعر طاقة أشد تركيزًا).
وبينما كانت تسير متجهة نحو موضع انبعاث الموجات السحرية، اصطدمت فجأة بشيء ما بعنف.
وضعت يدها على جبينها وسقطت جالسة على الأرض.
“آه….”
رفعت رأسها لترى ما الذي ارتطمت به. غير أنّ ما أمامها لم يكن سوى الطريق الملتوي والأشجار والأدغال الكثيفة التي ألفتها.
(غريب. أنا متأكدة أني اصطدمت بشيء ما).
هل يمكن أن يكون ثمة جدار غير مرئي؟ وقفت أديل مجددًا، وأخذت نفسًا عميقًا.
ثم مدت يدها إلى الأمام ببطء. وفي الحال، ارتدت يدها إلى الوراء كما لو أنها اصطدمت بعائق خفي.
كان الأمر مؤكدًا. ثمة حجاب غير مرئي يسد الطريق.
(لقد جعلوا الوهم يظهر وكأن الغابة تمتد إلى الأمام. وما وراء هذا الحجاب لا بد أن يكون حدود المحمية. إن أردت الخروج، فلا بد أن أحطمه).
جربت أديل بعض تعاويذ فكّ الحواجز، وأطلقت كل ما تعرفه من سحر. لكن الحاجز لم يتحرك قيد أنملة.
(السحر لا ينفع. لكن… ماذا لو كان بالقوة؟).
سحر الأوهام من أدق وأعقد تقنيات السحر.
إن تمكنت من إفساد ولو نقش واحد من النقوش السحرية الكثيفة المرسومة عليه، فربما تنجح في تدميره.
سحبت أديل سريعًا طاقتها السحرية وأحاطت بها يدها، ثم قبضت كفها وضربت الحاجز بقوة.
(انهدم).
ضربتها كانت عنيفة لدرجة أن الموجات انطلقت من موضع الضربة وامتدت عاليًا كأنها ستبلغ السماء.
ومع ذلك، لم يتزحزح الحاجز. عضّت أديل على شفتيها، ثم وجهت ضربة أخرى بكل ما أوتيت من قوة.
(انهدم!).
فالسحر ما هو إلا تجسيد لرغبة ملحّة. ولهذا سُمّيت الطاقة السحرية “بالقدسية”.
كان أول ساحر في تاريخ البشر يصف السحر بأنه رحمة ومعجزة.
إذ كان الاعتقاد أن من يتمنى شيئًا بشدة، ينال في تلك اللحظة رحمة الحاكم، فتتحقق المعجزة.
فكلما كانت الأمنية أشد صدقًا وإلحاحًا، كان احتمال المعجزة أكبر.
“أرجوك…!”
استجمعت ما تبقى من قوتها وضربت الحاجز. وللحظة، خُيّل إليها أنها تسمع صوت تشقق خافت.
لكن بعد ذلك، ومهما فعلت، لم يتحرك الحاجز مطلقًا.
بدأت أنفاسها تتقطع، وجلست على الأرض ببطء وقد أنهكها التعب.
“ه… ههق…”
والحقيقة أنها منذ البداية كانت محاولة مستحيلة. فهي ما زالت مجرد مبتدئة في عالم السحر.
كل ما تستطيع فعله هو استخدام تعاويذ بسيطة، فكيف لها أن تفك حاجزًا وضعه فالنتين بنفسه؟
(بهذا الشكل، لن أكون سوى حيوان أليف يُعاملونه بالمحبة الزائفة. ما الفرق بيني وبين كائن حُبس داخل قفص؟).
كان قلبها يغلي بالعجلة، لكن لا شيء يجدي. فتدفقت مرارة البكاء إلى صدرها. وحين كانت على وشك أن تنفجر نحيبًا، سمعت صوتًا.
“الأميرة أديلهَيت؟”
انبعث صوت متردد من خلف الحجاب. شهقت أديل ورفعت رأسها بفزع.
لكن ما تراه أمامها لم يكن سوى الغابة الكثيفة كما هي، دون أي أثر لبشر.
ومع ذلك، كانت متأكدة.
“…ناديا؟”
بمجرد أن نادت، بات الإحساس بوجود شخص ما أكثر وضوحًا.
رغم أن الحاجز منعها من رؤية ما خلفه، إلا أن وقع خطوات مسرعة اقترب حتى وقف تمامًا عند موضع جلوسها.
“هل حقًا أنتِ يا أميرتي؟ يا للسماء… هل أنتِ بخير؟”
بدت نبرة ناديا متوترة ومشوشة. أجابت أديل بهدوء:
“نعم، أنا حقًا أنا، ناديا.”
“ما هي آخر جملة تبادلناها؟”
“أعتقد أننا تحدثنا عن أمر يخص الطفل… إن كان بإمكاني أن أقول ذلك، رغم أن ذاكرتي باهتة.”
“…طفل؟”
ساد صمت قصير. وأثناء تردد أديل في كيفية الشرح، أطلقت ناديا شهقة متكلفة.
“آه، صحيح. تذكرت الآن. كان الأمر كذلك فعلًا… لكن حينها، كانت الأحداث متلاحقة لدرجة أني نسيت.”
ولم تترك لنبرتها مجالًا للشك، بل واصلت بسرعة:
“على كل حال، كيف ظهرتِ فجأة هنا؟ ما الذي حدث لك؟”
“بل هذا ما عليّ أن أسأله أنا. ما الذي يجري في الخارج بحق السماء؟”
“أتقولين إنك حقًا لا تعرفين؟”
“كنت في مكان مقطوع تمامًا عن العالم الخارجي. لا أعلم شيئًا عما يجري هناك. أرجوكِ، أخبريني بكل ما تعرفين يا ناديا.”
“…لا أدري من أين أبدأ.”
تنهدت ناديا بعمق. لم تستطع أديل رؤيتها بسبب الحجاب، لكنها تخيلت بوضوح ملامحها وهي تحك مؤخرة رأسها بتوتر.
“أولًا، منذ أن اختفيتِ، مضت ثلاثة أعوام على نورنبرغ…”
“ثلاثة أعوام؟!”
لم تكن تنوي مقاطعتها، لكن وقع الكلمة كان صاعقًا إلى درجة أنها لم تستطع كبح نفسها. سارعت أديل قائلة:
“ماذا تقولين…؟ بالنسبة لي، لم يمض سوى أيام قليلة منذ ذلك الحين. صحيح أنني ظللت أتقلب بين النوم واليقظة، فلا أستطيع أن أجزم، لكن على الأكثر… عشرة أيام بالكاد!”
“لقد مضت ثلاثة أعوام كاملة منذ اختفائك يا أميرتي. ونورنبرغ الآن على شفا الانهيار.”
قطعت ناديا كلماتها المتعثرة بحسم، وجعل ذلك الحكم البارد الدم يتجمد في وجه أديل.
تدلت ذراعاها بلا حول، وارتجفت شفتاها بالكاد وهي تهمس بوجه شاحب كالموت:
“انهيار…؟”
“الجميع التمس الرحمة، لكن التنين لم يغفر شيئًا. لقد قُتل الكثيرون. نورنبرغ وثلاث ممالك مجاورة تقاوم بكل ما أوتيت من قوة، لكن لا أحد يعلم إلى أي مدى سيمتد غضب التنين.”
“…….”
“وربما… ربما عزم حقًا على إفناء البشرية كلها.”
“هذا مستحيل.”
أنكرت بشكل انعكاسي، لكن كلماتها كانت خاوية من الإيمان، حتى في أعماق نفسها. فجاء صوت ناديا متعبًا، يخفت شيئًا فشيئًا:
“كم ندمت أني لم أصغِ لحديثكِ وقتها، وألا أخبرته. أحيانًا أشعر أن كل ما يحدث الآن خطئي وحدي… أنا…”
حمل صوتها رجع الندم والمرارة، كأنها تستعيد ماضيًا لا ينفك يطعنها. لكنها ما لبثت أن تماسكت وتابعت:
“على أية حال، الموقف العسكري في غاية السوء. نحن نخسر أكثر فأكثر أولئك الذين يعرفون كيف يستخدمون السحر. حتى أنا، لم أعد قادرة على استخدام سحر الانتقال المكاني.”
“ينقص عدد من يستطيعون استخدام السحر؟ ما… ما معنى هذا؟”
تسارعت أنفاس أديل بالذعر أمام هذا التصريح الصادم. فردت ناديا بهدوء:
“الخلل بدأ من القدسية نفسها. فالتنين، وإن كان قد ورث قوة الخالق، إلا أنه أقسم أن يحمي البشر باعتباره وكيلًا للحاكم. لكنه حنث بالقسم وهاجم البشر… لذا، ليس من الغريب أن تكون قدسيته قد بدأت بالانحراف والفساد.”
ترددت أديل، ولم تجد ما تقول. تحركت شفتاها بلا صوت، ثم أطبقت فمها بصمت.
“قدسية فاسدة”… كلماتها بدت متناقضة مثل “ثلج دافئ”.
بعد لحظة سكون، عادت ناديا بصوت يحمل رجاءً حزينًا:
“أعلم أن ما أخبرتكِ به دفعة واحدة مربك، لكنه الحقيقة. لم يعد السحر يتلألأ بألوانه القديمة. من كانت طاقتهم عظيمة ما زالوا يحتفظون بظلال باهتة من الألوان، لكن الغالبية تحولت طاقاتهم إلى سواد قاتم.”
“لكن… إن كان الأمر كذلك، فكيف تظل قواي أنا…”
توقفت أديل فجأة وقد ارتجف قلبها. إن كان قد مضى ثلاث سنوات منذ “تلك الحادثة”، فلا يمكن أن يكون الطفل الذي في أحشائها ما زال على حاله.
لو صدقت كلمات ناديا، فهذا يعني أن الزمن في داخل المحمية يجري على نحو مغاير للعالم الخارجي.
وببطء… بدأت تفهم شيئًا فشيئًا غرابة الموقف كله.
“أنتِ، وقد عشتِ إلى جوار التنين، لا بد أنكِ رأيتِه… تلك الهالات السوداء التي تلتصق بجسده.”
كلمات ناديا أيقظت في ذهنها صورة حيّة: ذلك السواد اللزج الذي كان فالنتين يتلوى محاولًا أن يتخلص منه…
أتُرى كل ذلك “قدسية فاسدة”؟ لكن بدا وكأنها تهاجمه وتفتك به! كيف لقوة خرجت منه أن تعود لتنهش جسده؟
وإن كان قد هاجم البشر فعلًا، فما زال هناك سؤال آخر يلحّ عليها.
“كيف ما زلتم صامدين إذن؟ بل ويقلّ عدد مستخدمي السحر… الأمر أشد غرابة. إن كان قد قرر فعلًا إيذاء البشر، فاعذريني على التعبير، لكن ما كان ليستغرق ثلاث سنوات كاملة!”
خلف الحاجز الكثيف، كادت تجزم أنها سمعت ناديا تضحك بسخرية.
“ذلك لأن كل مرة يؤذي فيها البشر، يتفتت جسده هو أيضًا.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 94"