انقبضت الملامح الأنيقة في عيني أديل بخفة. في مثل هذه العلاقة الباردة، حتى النصيحة الطيبة تُثير النفور قبل أي شيء. فكيف إذا جاءت فظة، بلا شفقة ولا تفسير، مدفوعة كالحجارة في حلقها.
“…….”
أديل تماسكت وربطت يديها برفق. كان ذلك صبر عشرين عامًا من المهانة في القصر الإمبراطوري قد انغرس في روحها.
قالت بهدوء:
“أدركت ما حذرتِني منه جيدًا. من الآن فصاعدًا سأتصرف بحذر أكبر…….”
قاطعتها ناديا وقد غلّبها الضيق حتى ضربت الأرض بقدمها:
“ألا تفهمين الوضع الآن؟ هذه ليست مسألة تتغير بتصرّفك! الأمر أكبر منك.”
أديل لم تتراجع، بل ردّت بحدة مماثلة:
“حتى لو قلتِ ذلك، لا يمكنني أن أترك كل شيء وأرحل فجأة. أنا كاهنة في منتصف نذرٍ مقدس. بعد خمسة أيام فقط، عليّ أن أعود إلى المعبد، هذا واجبي.”
ناديا شهقت بحنق:
“المعبد لا! إذا عدتِ، ستتدهور الأمور إلى ما لا يمكن السيطرة عليه!”
أديل حدقت فيها بشك:
“لا يمكن السيطرة؟ ناديا، ما الذي تعرفينه بالضبط؟”
ترددت ناديا، عضّت شفتها وكأن الكلمات تخنقها:
“ذلك…… لا أستطيع قوله لك.”
ضيقت أديل عينيها:
“إن لم تخبريني بكل ما تعلمين، فإن نصائحك الناقصة لا تنفعني في شيء.”
أخفضت ناديا رأسها وهزته يأسًا، ثم مدت يدها لتفتح “الباب”. بدا أنها أيقنت أن مواصلة الحديث عبث لن يقنع أديل.
وبينما كان الشرخ الطويل قائمًا أمامهما، التفتت ناديا لتلقي آخر تحذير. رفعت سبابتها وقالت:
“تذكري جيدًا، على الأقل لأننا قريبتان، أنا…….”
لكن كلماتها انقطعت فجأة، وعيناها اتسعتا برعب. تجمدت في مكانها كما لو أصابها سهم مباغت. أديل، وقد ارتبكت باضطراب ناديا، تبادلت معها نفس الذهول.
“يا…… إلهي…….”
فالشق في الهواء انفتح أكثر، ومنه برزت فجأة ذراع بشرية. راحت اليد تتحسس الفراغ قبل أن تنقض على ناديا وتقبض على عنقها بوحشية.
“أك…… هاا…….”
جاء صوت خافت، عميق بنبرة غضب مكبوت:
“أرهقتِ نفسك سدىً يا ناديا.”
من اللحظة الأولى التي سمعَت فيها أديل ذلك الصوت، أدركت صاحبه. كان ولي العهد ميخائيل.
وبينما نظرت بعينين مذهولتين، خرج باقي جسده واحدًا تلو الآخر من الشق: الوجه والكتفان، الخصر والفخذان، حتى قدماه. ملامحه غارقة في غضب أزرق، لكنها مطموسة ببرودٍ قاتل.
ناديا، شاحبة كتمثال من جص، حاولت أن تتلوى من قبضته، لكنها لم تجد منفذًا.
وما لبث أن اكتمل جسده ووقف شامخًا خارج الشرخ. اقترب من أذنها بصوت هازئ، أنيق كالسخرية:
“السحر ليس حكرًا عليكِ وحدك، ناديا.”
شهقت ناديا تتلعثم:
“ج، جلالتكم…! ل، لم أكن… لم أقصد…”
أديل اتسعت عيناها دهشة. هل رأت يومًا ناديا، ساحرة المملكة العظمى، مهزومة بهذا الشكل؟ مهما يكن ميخائيل ولي العهد، فإن هذا القدر من الخضوع بدا مبالغًا فيه.
ابتسم ببرود قاتل وقال:
“أغضّ الطرف مرة واحدة، لكن لن يكون هناك عفوٌ ثانٍ.”
أجابت ناديا وهي ترتجف:
“ن، نعم… أف، أفهم….”
أطلق عنقها، فوضعت يديها على حنجرتها المرتعشة وانحنت بسرعة، ثم هرعت متعثرة لتختفي عبر الشرخ المفتوح.
ساد الصمت.
ثم التفت ميخائيل إليها، مستقيم القامة، يحدق في أديل. عيناه الخضراوان بدتا كلوحة ملوّنة بفرط الألوان، يقطران هوسًا وغضبًا، وفي أعماقها شيء غريب من النشوة.
ابتسم فجأة وقال بصوت ناعم كالكذب:
“أديلهايت، يا أختي.”
اقترب بخطوة، فارتدت أديل غريزيًا للخلف. “أختي”؟ لم ينادها هكذا قط طوال عشرين عامًا!
وفوق ذلك… كان هناك شيء غريب. هالة مختلفة، يصعب وصفها، كأن ميخائيل تبدل جذريًا. في عشرة أيام فقط؟ هل تكفي تلك الفترة ليُعاد تشكيل إنسان من أعماقه؟ إلا إذا… كانت “القدرة” قد مكنته من عيش كل تلك السنوات الثقيلة في ومضة.
‘مورِغ.’
خطر الاسم على ذهنها فجأة. ارتجف صوتها وهي تصرخ بحدة:
“لا تقترب!”
توقف ميخائيل عن التقدم، وأطلق ضحكة قصيرة.
“أهذا أمر؟ لي أنا؟”
أديل قبضت على شجاعتها وردت:
“حتى لو كنت ولي العهد، ما فعلتَه وقاحة. في المعبد يُحظر بشدة استخدام البوابة دون إذن كبير الكهنة. ألا تعلم ذلك؟”
لكن عينيه، الغامضتين، لم تفصحا بشيء وهو يرمقها بثبات. فعضّت أديل شفتها وأردفت بحزم:
“مهما بدوتُ جاهلة، أعلم أن التدخل في منتصف تعويذة يعوجّ سحرها. كان من الممكن أن يتضررَت آنسة باتيلديس! إن علم جلالة الملك بذلك…….”
ميخائيل فقط همس، كأنه يقطّع كلماتها:
“السحر.”
قطع ميخائيل حديث أديل المتواصل ببرود حاد، وعندها فقط أدركت أن الابتسامة قد اختفت تمامًا من وجهه. عيناه كانتا مشوهتين بمرارة، كمن رأى أمرًا لا يصدق.
تنفس بعمق، شاحب الوجه، ثم زفر كلماته:
“ظهر إذن، أديل.”
رغم أن صوته تظاهر بالتماسك، إلا أن أفعاله لم تكن كذلك. قبل أن تتمكن من التراجع، خطا بخطوات واسعة واقترب منها، قبضته تمتد لتغلق بقسوة على معصمها وتسد طريقها.
اتسعت عيناها بحدة:
“ما الذي تفعله بحق السماء؟”
ابتسم بسخرية مرة:
“ما الذي أفعله؟ بل ما الذي فعلته أنتِ؟”
صرخت وهي تحاول الإفلات:
“إنه يؤلمني… رجاءً، اتركني!”
لكن قبضته شدّت أكثر، حتى فاض منها أنين خافت، كأن عظام معصمها ستتكسر. وما تلا ذلك كان أبشع؛ يده الأخرى مزقت بعنف أزرار ثوبها الكهنوتي.
صرخت أديل، مذهولة:
“يا… يا صاحب السمو!”
تخبطت بكل قوتها لتفلت، لكنه سيطر على جسدها النحيل ببراعة، يواصل تمزيق ياقة ثوبها بوحشية. عيناه، خضراوان كسم أفعى، انزلقتا ببطء عبر بشرتها العارية تحت الثوب الممزق.
“ها…”
كان جسدها خرابًا؛ بشرتها التي يفترض أن تكون بيضاء نقية، مثخنة بالكدمات وآثار العض والشفط. بدا كأن العثور على بقعة سليمة أصعب من رؤية الجروح. عينا ميخائيل ارتجفتا بمرارة.
“لقد وُسمتِ إذن.”
ارتجفت شفتاها لكنها لزمت الصمت.
قال وهو يزدري:
“هكذا نجسة وملطخة…”
تراخت قبضته فجأة، كأن الصدمة أفرغت قوته. عندها لم تُهدر أديل لحظة، دفعت بكل ما أوتيت لتتخلص منه. اندفع للخلف بلا مقاومة تُذكر، وكأنه لم يعد قادرًا حتى على الإمساك بها.
ثم غرق وجهه في برود جليدي وهو يقول:
“كان عليّ أن أدرك منذ البداية. منذ أن لاحظت تكرار الزمن لأكثر من عام.”
تسمرت عيناها عليه، مذهولة. كان اعترافًا صريحًا؛ هو مورِغ، ولم يعد يبالي بإخفائه.
لهثت، تجمع ثوبها الممزق على صدرها المرتجف. غضب، خوف، يأس… كل ذلك جعل جسدها يرتعش، لكنها لم تسمح لنفسها بالسقوط.
قالت بصوت متحشرج:
“إن لم يكن لديك ما تضيفه، فسأرحل الآن. وعندما نلتقي مجددًا، أرجو أن تكون لائقًا. إن كان هناك لقاء آخر أصلاً.”
ألقت كلماتها كسياط، وأدارت ظهرها لتبتعد. كان عليها أن تغادر قبل أن يراها أحد بهذا الحال. لكن صوته البارد لحق بها:
“لن تعودي إلى المعبد. نذرك قد أُلغي.”
تجمدت خطواتها، التفتت بعيون مشبعة بالكره:
“هذا بأمر من جلالة الملك نفسه. حتى ولي العهد لا يملك أن ينقضه الآن.”
ابتسم بخبث:
“أما أنا فلا أعلم، هل يليق بمعبد أن يحتفظ بكاهنة فقدت عذريتها؟”
كان محض افتراء، فمتى اهتموا بعذرية الرجال أصلًا؟ أديل صمدت بعينين متحديتين، لكنه ابتسم فجأة ببرود آخر:
“لقد وصل وحي جديد.”
اتسعت عيناها.
“جاء فيه أن دنسًا يتستر باسم الحاكم قد تغلغل في المعبد، يلطخ قدسية التنين الأول والحاكم ذاته.”
هبط قلبها إلى أعماق بطنها. كان يقصد فالنتين. قبضت على يديها المرتجفتين وصرخت:
“التنين المقيم هناك ليس دنسًا! وأنت تعرف ذلك أكثر من أي أحد… فأنت ظلّه!”
برق بريق وحشي في عينيه عند سماع كلمة الظل.
“يبدو أنك تعرفين الكثير عن ‘الذي بلا اسم’، أليس كذلك يا أديلهايت؟”
فجأة، أثقل الهواء حولها كأنه ماء عميق، أطرافها ثقلت وبطؤت، جسدها صار عاجزًا عن الحركة. كانت تعويذة حبس. لم يبق لها سوى رمش عينيها.
اقترب بخطوات ثابتة، مد يده ليلمس شعرها المتدلي على كتفها، يقبضه بحنان غريب يناقض كل شيء.
ثم همس:
“فأخبِريني… هل تعتقدين أن ما قاله لك ذاك الرجل كله حقيقة؟”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 89"