قطع حديثها هامسًا. كان الشجن المغروس في صوته جليًا إلى حد بدا ملموسًا، كأنه يقطر بين أصابعه.
«…….»
مع صمتها، غشّى عينيه ظلال داكنة، كأنه قد استشعر ما سيأتي.
عندها فقط أحست أديل أنها ترى وجهه العاري للمرة الأولى. عينان على شفا الجنون. اليأس والحزن المحتقنان فيهما بديا وكأنهما سيفيضـان في أي لحظة.
ومع ذلك، كان في يده التي ترفع ذقنها أثر من الاحترام لاختياراتها، إذ بدأ يفلتها رويدًا.
[إن كنتِ مُصِرّةً على الرحيل، فالأجدر أن…….]
«سأعود إلى هذا المكان لا محالة.»
التقطت أديل يده الموشكة على السقوط، فارتجف بصره بشكّ، كأنه لا يصدق أو يظن أنه توهّم.
شددت أديل قبضتها أكثر:
«أنا راضية بما هنا. راضية بهذا السلام، وراضية بالزهور والثمار التي تأتيني بها كل صباح. لقد وجدت السعادة إلى جوارك، سعادة لم أذقها في الخارج.»
شعرت بشفقة غامرة تجاهه.
قال إنه ليس وحيدًا، لكن أي نفسٍ يمكنها أن تصمد لآلاف السنين في عزلة ولا تفقد صوابها؟
لو لم يكن تنينًا، لو لم يكن كائنًا إلهيًا، لجنّ منذ زمن بعيد.
ولما لامست شيئًا من فقده العميق، أعلنت بنصف اندفاع:
«وأظنّ أنني…… قد وقعتُ في حبك.»
كلما رأته خفق قلبها وامتلأ صدرها. أي اسم آخر لِما لم تعرفه من قبل؟ أليس ذاك الحب بعينه؟
اتسعت عيناه في ذهول وهو يحدّق فيها. كانت عيناه الذهبية الشفافة ترتجفان بارتباك لا يميّزه.
[الحب.]
تجمد لحظة كمن يختنق، ثم بالكاد أفرغ الكلمة.
وفي الوقت نفسه، أحست أديل بفيض مشاعرها يزداد وضوحًا. كم من شعورٍ يتجلى حين ينطق باللسان، فيستمد من اللغة قوة جديدة.
[……أأنتِ حقًا، تحبينني؟]
كان وجهه غارقًا في الحيرة، كمن لمس دفء النار لأول مرة ويشكّ فيه.
جالت عيناه على وجنتيها المتوردتين، وشفتيها المعضوضتين حتى الاحمرار، وصدرها المضطرب بطرقاته العنيفة.
ومهما كان، بحواسه الأشد رهافة من البشر، فلا بد أنه استشعر انفعالها كما لو كان له.
لكن عيناه بقيتا متردّدتين:
[كيف أصدق كلامك؟]
«ألستَ تحبني أنت أيضًا، يا فالنتين؟»
[أتمنى أن تبقي بجانبي طيلة حياتي الباقية.]
كانت إجابته مباشرة، لكن عينيه ظلّتا متحفزتين بحذر.
[أتزعمين أن مشاعركِ هذه هي ذاتها؟]
«…….»
[سمعتُ أن البشر حين ينساقون وراء هذا الشعور يفعلون كل شيء. ربما قلتِها بخفة، ولم تدري ثقلها. قد يكون حبّك عابرًا كزَبد، بينما تطلبين البقاء عندي مدى الحياة.]
«أنا…….»
قطعها من جديد، كأنما يخشى ما ستضيفه، غير قادر على مواجهتها بعينيه.
يهاجم مشاعرها بكونها زائفة، بينما في قرارة نفسه يؤخر لحظة نفيها، متمسكًا بخيط وهمي.
[قد يكون صدقًا. لكن البشر يخطئون، يخلطون بين العبادة والحب.]
«ليس وهمًا.»
[إذن، لإقناعي…….]
تقدمت أديل نحوه بخطوات جريئة، فأجفل جسده الضخم إلى الخلف.
لكنها اقتربت أكثر بقدر المسافة التي ابتعدها، وأمسكت بطرف رداءه تسحبه.
ولو شاء لقهرها بقوته، لكنه أمال جسده المهيب إليها برضا، وخفّض رأسه ليلتقي عينيها.
«…….»
لحظتها شعرت بحب متفجّر يملأ كيانها لأول مرة. واستمدت منه شجاعة.
«أتصّدق إن فعلتُ هذا؟»
[ماذا.]
رفعت يديها إلى وجهه، وأطبقت على وجنتيه، ثم ابتلعت شفتيه بقبلة.
تجمد في ذهول، عيناه متسعتان ترتجفان ارتعاشًا خفيفًا.
أما هي، فبعد أن تأملت صدمته لحظة، أغمضت عينيها.
وبانسداد البصر، انصبت كل حواسها في تلك الشفاه. أزاحت بصلابة جوانب قاسية، لتظفر بما بقي من رقة دفينة.
«……!»
آنذاك أدرك هو أيضًا حقيقة ما يحدث.
انغلقت قبضته على ثيابها كأنها ستتمزق بين أنيابه. ثم رفعها في عنف بين ذراعيه.
دفعها بجسده العارم إلى الوراء، وأغرقها بقبلة أعمق.
تحولت رفقته الأولى إلى افتراس، كمن يخشى أن يفلت أنفاسها لحظة.
وأسقطها على السرير، ضاغطًا عليها.
«آه.»
انفصلت شفتاهما مع تنهيدة، وظل خيط رفيع من الندى يربط بينهما قبل أن ينقطع.
وفي تلك اللحظة، انقطع خيط عقلها كذلك. لم تعد تريد سوى المزيد.
أكثر قربًا، أكثر احتياجًا.
[أنتِ.]
عيناه كانتا تغليان، كأنما ستبتلعها بنارهما. نظرته إلى أديل المبعثرة كانت متقدة. حنجـرته تضطرب بتيارات رغبة لا يعرف كيف يكبحها.
[لا أدري… ماذا عليّ أن أفعل.]
همس متوسلًا، غير مدرك حتى ما الذي يطلبه جسده.
وجهه الجميل تشوّه بألم الرغبة، وأديل لم تستطع صرف بصرها عن ذلك الإغواء الطفولي الخالص.
وضعت كفيها الرقيقين على كتفيه الصلبتين.
«سأعلمك… بنفسي.»
[كل شيء؟]
«نعم… كل شيء.»
✦✦✦
«الآن… أرجوك، دعني أذهب…»
[وماذا لو لم أرد أن أدعك بعد؟]
«لا… لا يصح هذا…»
[مرة واحدة فقط. ألا يمكن أن نعيد اليوم ليومٍ آخر؟]
رجاءً. رفعت أديل عينيها المبللتين نحو الحاكم الذي يتوسل فوقها، فلم تملك إلا أن تهتز.
رغم أنها عرفت خلال الأيام الماضية أنه لم يكن بريئًا، ولا طاهرًا، بل كان ثقيلًا مؤذيًا لها…
[ها؟]
تسرب نفس مضطرب من بين شفتيها المتورمتين الحمراء.
وفي النهاية، كأنها مستسلمة، أحاطت بذراعيها عنقه العريض.
«هذه… ستكون الأخيرة… حقًا.»
✦✦✦
«تفضلي، اركبي.»
صعدت أديل إلى العربة تحت نظرات يواخيم الباردة. فوجئت قليلًا حين جلس أمامها بعد أن أعطى بعض التعليمات للسائق.
حين جاءت إلى المعبد لم يلتفت حتى ناحية العربة، أما الآن فقد تغيّر.
«هل تشعرين بأي ضيق؟»
يبدو أن ملامحها خانتها. هزّت رأسها نافية.
«لا، لست كذلك.»
ألقى يواخيم نظرة على أصابعها المتوترة وهي تعبث بياقة ثوب الكهنة، ثم صرف بصره بلا اهتمام.
زفرت أديل بارتياح خافت، وأعادت يديها إلى حجرها مطمئنة.
كان بداخلها شعور بالذنب ينهشها. وإن لم يكن أحد يعرف أن جسد الكاهنة الطاهر مخضّب بعلامات أسنان تحت الرداء الأبيض.
«أفترض أن مشاعرك لم تتغير خلال الأيام العشرة الماضية.»
ارتجفت عيناها بدهشة من كلماته المفاجئة، وتباطأت في الرد، فما لبث أن قطّب جبينه.
«ما هذه النظرة؟ لا تفكرين بالتراجع عن نذر الحياة الأبدية، أليس كذلك؟»
«بالطبع لا.»
لعلها بدت مرتبكة، لكنها لم تستطع منع ذلك.
من المدهش أن أحدًا لم يلحظ أن يومًا واحدًا ظل يتكرر أكثر من عام كامل.
أما بالنسبة «لهم»، فلم يمضِ سوى عشرة أيام منذ دخولها المعبد. وهناك فقط أدركت عظمة سلطان فالنتين.
«ستقصدين قداسة الكاهن الأكبر مباشرة؟»
«نعم. غير أنني…»
بينما كانت تحدّق عبر النافذة، لفت انتباهها شيء عند فم زقاق مظلم متفرع عن الطريق.
ظنّت أولًا أنه قطة أو كلب لصغر حجمه، لكن حين اقتربوا أكثر…
«توقّفوا، أرجوكم.»
«ما الأمر؟»
«هناك طفل صغير. جسده هزيل… لا بد أنه في الخامسة. يبدو مصابًا بجفاف حاد. سيهلك إن تُرك هكذا.»
رمق يواخيم حيث أشارت، بملامح ضجر.
كانت طفلة هزيلة، طُردت حتى من زمرة الشحاذين. وجه شاحب، شفتان متشققتان، خد غائر وذراعان عظامهما بارزة.
حين التقت أديل بعينيها السوداوين الغارقتين في الوحدة، هتفت دون وعي:
«أوقفوا العربة.»
«وهل ستتكفلين الآن بكل نفس واهنة تموت بالعشرات يوميًا؟»
«لكنني… قد رأيتها.»
«إن لم تنوي الأميرة إنقاذ كل بائس مثلها، فلتكفّي عن شفقة رخيصة كهذه.»
حدّقته أديل بعينين ثابتتين.
حتى وإن سُميت شفقة رخيصة، لا يمكنها أن تغض الطرف عن طفلة تحتضر أمامها.
ما لم تكن عاجزة، فهي قادرة على أن تصنع لها معجزة صغيرة الآن.
ربما كان كل هذا الشجاعة من أثر فالنتين. مثلما عرفت طعم أن تُحب بعدما ظنت أنها غير جديرة بحب أحد…
الآن عرفت لذة أن تعطي مما في قلبها. لأول مرة، شعرت أنها إنسانة حقًا، لا مجرد كائن يُساق.
فتحت أديل باب العربة على عجل، فتوقفت القافلة بأكملها.
«ما الذي تفعلينه؟!»
زمجر يواخيم وهو يمسك بمعصمها ليمنعها من النزول.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 87"