لأنه بلا ظل، لم أدرُك أنه اقترب. لم أشعر بوجوده أبدًا…….
تردد الرجل قليلًا، ثم مد يده بحذر شديد، وأمسك وجهها حتى لا تهرب بنظراتها.
[من الصعب عليّ فهم مشاعرك. أتريدينني أن أكون الكائن الذي يضمك بين ذراعيه؟]
حاولت دفع يده بعيدًا، لكنه لم يتزحزح.
كان انكشاف رغباتها الدفينة بالكلمات أمرًا يثير خجلًا يفوق كل ما عانته من قبل.
“…….”
في الأصل، لم يكن يهم من يكون. أي شخص آخر لكان يكفي، فقط ليس هذا الرجل الوقح أمامها.
حدجته بنظرة حادة، ثم استسلمت أخيرًا وقالت بمرارة:
“رجاءً، كفّ عن اقتحام قلبي على هذا النحو.”
ملامحه بدت وكأنه على وشك الانفجار بالضحك.
مد يده يمرر إبهامه على شفتيها الرقيقتين وخدها الناعم، ثم انساب ببطء نحو أذنها، إلى عنقها، إلى كتفيها الصغيرين المستديرين ومرفقيها، وكأنه يتفقدها بفضول.
“…….”
بدا وكأنه يجد وجودها غريبًا. وعيناه تابعتا حركة يده حتى رفع فجأة رأسه، لتلتقي عيناهما من جديد.
[لو كان الأمر في العادة لأزعجني، لكن لماذا أراك جميلة الآن؟]
“…….”
[هل لأن وعيك ناضج على نحو مختلف؟ أم لأنك رغم كل شيء وعدتِ أن تنطقي باسمي؟]
“…….”
[أو ربما لأنك، على خلاف البشر الذين عرفتهم، صغيرة وطرية.]
وكان صوته في رأسها مشوبًا بخيط من الضحك.
“على خلاف البشر الذين عرفتهم.”
[نعم، كانوا جميعًا يصلون على الأقل إلى مستوى فكي، وأجسادهم قاسية. ظننت أن البشر لا يكونون إلا هكذا.]
“…….”
[أما أنتِ، فصغيرة، ويخيل إلي أني لو ابتلعتك لذبتِ بسلاسة في داخلي.]
في عينيه الذهبيتين تلألأت لمعة دافئة، وصوته حمل مزيجًا من الإعجاب والأنين.
كان الأمر يوحي وكأنه يرغب بها، فارتفع نفسها لاهثًا رغم الموقف. مع أن ذلك لم يكن ممكنًا، لكنها لم تستطع كبح الشعور.
ألم يرَ امرأة بشرية قط حتى الآن؟
لم يكن ذلك مستغربًا. فالذود عن الأرض المقدسة كان حكرًا على الكهنة الرجال جيلاً بعد جيل.
حتى الحاجات اليومية لم يكن يُسمح بجلبها سوى مرة في الشهر. دخول البشر كان ممنوعًا إلى أقصى حد.
فلو عاش وحيدًا هنا حتى الآن، فمن الطبيعي ألا يكون قد رأى امرأة من قبل.
لكن إن كان حقًا تنينًا، فلماذا يتظاهر بأنه ليس كذلك؟
رغم أنها كانت متيقنة أنه سمع تساؤلها الواضح، إلا أنه لم يجب.
[العناية بالمعبد تحتاج إلى سحر. وأنتِ بلا سحر، فلن تتمكني من الصمود هنا.]
“إن كنت لا أستطيع الصمود…….”
[ألم تجف مياه الحوض بالفعل؟]
مع كلماته، أعادت بصرها إلى الحوض.
لطالما اعتقدت أنه مجرد ماء نقي جُلب من نبع، ولم يخطر ببالها أن الحفاظ عليه يحتاج إلى قوة سحرية.
ارتبكت، ولم تجد ما تقول سوى أن تطرف بعينيها.
[وليس الحوض وحده، بل كل شيء هنا كذلك. حتى المشاعل التي تضيء كل مساء تعمل بما تبقى من السحر. وبما أنك بلا سحر، فسرعان ما ستجدين كل شيء صعبًا. حياة البشر تحتاج إلى جهد كبير، وهذا لا يصب في صالحك.]
عيناها الخضراوان أظلمتا فجأة. تذكرت يوم قررت أن تؤدي النذر وتصبح كاهنة للأبد.
تذكرت وجه الكاهن الأكبر وهو يزف إليها الخبر بفرح أن مقعدًا شاغرًا في الأرض المقدسة ينتظرها. وتذكرت كيف حمدت الله يومها لأنها أخيرًا صارت ذات فائدة.
لكن في الحقيقة، كانوا قد قرروا إقصائي منذ ذلك الوقت.
بالنسبة للعائلة الملكية، كان ذلك القرار هو الأفضل.
فلا يمكنهم إبقاؤها في القصر وقد بلغت سن الرشد، ولا نبيل يرغب فيها زوجة.
ومع ذلك، لم يكن بوسعهم أن يلقوا بها تمامًا إلى الخارج، فهي تحمل نصف دم آل “باتيلديان” ونصف دم آل “نورنبرغ”، دماء نقية عالية الشأن.
فكان الحل أن يسجنوها في سجن أنيق، حتى يحين الوقت، فتُترك لتموت بمرضها المزمن.
من أجل ذلك تحديدًا ألزموها بنذر الكهنوت في أرض بلا سحر، ليكون موتها حتميًا.
وحين أدركوا أن قلب ولي العهد يميل نحوها، أسرعوا بتنفيذ الخطة أكثر.
[أترغبين أن أوقظ سحرك؟]
فوجئت أديل بالعرض المفاجئ، ورفّت عيناها في ذهول. للحظة لم تستوعب ما قاله. أن يمنحها سحرًا؟
“مـ، ماذا تعني بذلك…….”
اندفعت الكلمات من فمها على عجل، بلا ترتيب.
أمسكت بيد الرجل بسرعة قبل أن يسحبها، وقد نسيت من يكون، بل ونسيت إن كان فعلها هذا يعد وقاحة أم لا.
“ه، حقًا تستطيع فعل ذلك؟ أيمكن أن يكون لي سحر؟”
[إن كنتِ تريدين. لكن سيكون هناك ثمن.]
“مهما كان الثمن الذي ينبغي أن أدفعه، فسأدفعه عن طيب خاطر. أيًا كان.”
[الثمن لا تدفعينه الآن، بل يُنقش في روحك. غير أن…… أجل.]
“……….”
[الآن، أريدك فقط أن تمنحيني اسمًا، وأن تعلّمينني أكثر عن البشر.]
إن كان هذا هو الثمن، فلن تتردد في دفعه ألف مرة وأكثر. فأومأت بسرعة.
“إن كان بوسعي فعله، فسأفعل أي شيء.”
[لكن احذري. قد يتغير الكثير بعد ذلك—تفكيرك، مشاعرك، وكل شيء.]
هزّت أديل رأسها وكأنها لا تبالي، ثم فجأة نظرت إليه بترقّب وقد أحست بنفحة غرابة.
حينها فقط أدركت أنها على وشك أن تُبرم عقدًا.
عقدًا يُنقش في الروح ذاتها.
“هل سبق وأن عرضت مثل هذا على أي كاهن آخر؟”
[كهنة؟]
أمال رأسه متعجبًا، وكأنه لا يفهم لماذا تسأل ذلك فجأة.
ثم قرأ حذرها، فارتسمت ابتسامة سلسة على محيّاه.
[هل كنت سأمنح أولئك الكهنة ما لم يكونوا أنتِ؟]
سمعت أديل ضحكته ترنّ في رأسها، بينما شفتاه لم تتحركا قيد أنملة. عندها فقط استوعبت تمامًا حقيقة الموقف.
ما أمامها ليس مجرد إنسان، بل كيان مقدّس، يتجاوز حدود الفهم البشري بمراتب.
[اختاري الآن.]
قبل أن أغيّر رأيي. هل كانت مجرد وهم؟ شعرت وكأنها سمعت تلك العبارة تتردّد.
وبلحظة، نسيت كل تردّدها وحذرها.
“لا يهمّ أي ثمن كان، سأقبله.”
[حقًا؟]
اختفى البريق البارد من عينيه الذهبيتين، لتحلّ مكانه ابتسامة رقيقة. وانحنت عيناه نصف إغماضة، وقد بدا راضيًا.
رفع ذقنها بخفة، وبعينين مضطربتين التقت بنظره بينما كان يميل برأسه ببطء.
تجمّدت أديل مذهولة، لكن ما إن اقتربت شفتاه أكثر حتى لم تحتمل، فأطبقت جفونها فجأة.
وارتسمت بسمة صامتة في صوته الخفي.
[افتحي شفتيكِ، كي أُدخل السحر فيك.]
ترددت لحظة، ثم فتحت فمها مرتبكة. وفي الحال، تلامست شفتاهما برفق.
كان بارعًا، إذ سرق أنفاسها حبة حبة، ثم أعادها إليها ممتزجة بنَفَسه.
“آه…….”
تسلل هواء بارد ناعم من بين أسنانها المشرعة بتنهيدة.
في تلك اللحظة، فتحت عينيها بتألق. لقد رأت للمرة الأولى هالة من الأضواء، تتلألأ في أرجاء الغرفة المعتمة.
كان المشهد باهرًا حتى كاد يُعمي البصر.
“اه…….”
انهمرت دموعها بلا توقف على وجنتيها.
طعم مالح حامض اختلط على شفتيها الملتصقتين. أما السحر الذي تدفق مع أنفاسه فكان عذبًا، رقيقًا حد البكاء.
ابتسم داخل قبلته، وهو يلتقط أنفاسها المرتجفة من جديد.
أحسّت بالخجل ينهشها، وتمنت لو تستطيع أن تخفي وجهها. كانت واثقة أن ملامحها الآن مشوّهة بالدموع والاضطراب.
“آه…….”
وأخيرًا، حين انفصلت شفاهه عنها، شعرت أديل بقوة هائلة تستقر في داخلها.
باتت قادرة على أن تشعر بالسحر الكامن في كل نسمة، في كل ذرة من العالم. أصبح الأمر ممكنًا الآن.
رفعت عينيها المبللتين بالدموع، لترى الرجل أمامها. جسدها كله ارتعش من النشوة.
[الآن، يجب أن تهديني اسمًا.]
همس إلهها.
“فالنتين.”
تمتمت أخيرًا.
“سأسميك فالنتين.”
✦✦✦
منذ ذلك اليوم، أقام فالنتين في مقر الكهنة.
كان السرير هناك واسعًا يكفي لشخصين، والأثاث من كراسٍ وأوانٍ معدّ أصلًا على هيئة أزواج، فلم تكن هناك حاجة لشيء جديد.
“هل، هل حقًا علينا أن نكون بهذا القرب طوال الوقت؟”
ترددت أديل في أول ليلة تشاركا فيها الفراش، لكنها لم تستطع أن تجادل بعدما ذكّرها بأنه وعدت أن تعلّمه كل ما يتعلّق بالبشر.
لقد صار هو شريعتها الجديدة.
ومنذ ذلك اليوم، صارا يتقاسمان كل تفاصيل الحياة. يزرعان الحديقة معًا، يقرآن الكتب، وأحيانًا حين تغفو كانت تجد كتفه وسادة لرأسها.
لأنه تنين، ولأنه لا يعرف، ولأنه يستحيل أن يشعر بشيء تجاه بشرية مثلي…….
كان العذاب دومًا نصيب أديل. كانت هي التي تنمو في داخلها رغبات خفية نحوه، وهي التي يعقد لسانها أحيانًا منظره.
[أنمتِ بخير؟]
وفي كل صباح، حين تفتح عينيها لتجده يحدّق فيها بذلك النظر العميق، كان قلبها يهوي رعشة.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 84"