أن تعرفي معنى العار… الكلمة التي خرجت من فمه بلا مقدمات جعلت عينيها تتسعان بذهول.
“هل… قصدتني أنا بكلامك؟”
“ومن غيرك أعنيه؟”
ارتسم التواء ساخر على شفتي يوآخيم، وجبينه تجعّد بامتعاض.
ذلك البغض في عينيه… طالما تلقته مرارًا، لكنه لم يترك لها مناعة. في كل مرة كان يؤلمها كأنه أول مرة. الجميع عاملوها على أنها تستحق هذا الازدراء، فقط لأنها وُلدت بلا سحر، لأنها ناقصة، لأنها لا تستطيع أداء واجبها كأميرة من سلالة الملك.
شدّت أسنانها وأجبرت نفسها على مواجهته بنظرات ثابتة.
“لم أتصرف قط بطريقة تستوجب أن أُهان منك.”
“أفتقصدين أن ولي العهد ثار على الملك وحده من أجل جنونٍ بكِ؟”
“ثار…؟ ماذا تعني؟”
“هاه، لا عجب أنك لا تدرين. فحتى وصيفة تخدمك لم تبقَ إلى جانبك، كيف لك أن تعرفي ما يجري حولك؟”
“إن كنتَ تنوي التلاعب بالألفاظ، فتَنحَّ عن طريقي.”
لكن ما إن مدت يدها لتدفعه حتى قبض على معصمها بعنف، شدّها نحوه، ونَفَسُه المحموم بالغيظ لامس أذنها.
“التظاهر بالبراءة الآن لن يُفيدك.”
“…”
“حتى لو كنتِ وضيعة، فثمّة حدود لا تُتجاوز. ومهما عقدتِ من اتفاقات سرّية مع الأمير الثالث، أن تحاولي إغواء ولي العهد لإسقاطه…!”
اتهام وقح، كالصاعقة. شحب وجهها في لحظة.
“ما الذي تدّعيه… ماذا فعلتُ أنا؟”
“أظننتِ أن الملك سيتخلى عن ولي العهد لمجرد شائعة رخيصة؟ أم خُيّل لك أنك ستصيرين ملكة؟”
“لا علم لي بشيء مما تقول.”
“لقد حاول ولي العهد إبطال نذرك، فنال سخط الملك. وبسببك، أنتِ وحدك، وُصم بالعار، وحُكم عليه بالاحتجاز. أي جريمة ارتكبتِ في حقه؟”
“أنا… حقًا لا أعلم شيئًا. لم أقترف ما يجعلني أخجل أمام الرب ولو لمرة واحدة!”
“سنرى ذلك عاجلًا أم آجلًا.”
شهقت آديل نفسًا مخنوقًا. لم تظن يومًا أن أحدًا سيصدقها إن أعلنت براءتها. طالما اعتادت أن الناس يؤمنون فقط بما يريدون تصديقه، مثلما كانوا دائمًا.
لكن، وسط هذا الحوار المرير، أدركت أخيرًا سبب تعجّل الملك بإرسالها إلى الملاذ المقدّس. لم يستطع أن يقف مكتوف اليدين أمام شائعة تجرف ولي العهد معها إلى الهاوية.
يوآخيم، وقد رآها صامتة، ظن أنها أقرت بذنبها. عينيه ضاقتا بنظرة أكثر احتقارًا.
“على أي حال، سواء اكتمل نذرك أو بطل، فلن تري ولي العهد مرة أخرى. فلتعيشي في الملاذ بهدوء، حتى إن لم يُعجبك، فهذا ما أمر به الملك. بذلك يُطوى هذا الملف ولا يُذكر بعد.”
“…”
“سأعود لأصطحبك بعد عشرة أيام.”
التفت عنها بحدة، كأنه أنهى مهمته، وعاد إلى العربة التي جاء بها.
أما آديل، فبقيت تحاول كبح الغضب المشتعل في صدرها. كم عانت من الافتراءات والاضطهاد، لكن هذه المرة بلغت الدناءة حدًّا لا يُطاق.
هل تسربت كلمات ذلك اليوم؟ هل كان هناك من استمع إلينا؟
فإن لم يكن، فكيف يمكن تفسير ما يحدث؟ يوم بَوحها أمام ميخائيل، حين أفصحت عن خبايا نفسها، لم يقترب منها بعد ذلك أبدًا. في البداية عاشت في خوف متواصل، ثم أقنعت نفسها أنها لم تكن سوى أوهام ومبالغات.
لكن كيف إذن؟ من دسّ السمّ في أذن من؟
…لكن كما قال ابن عمي، كل شيء انتهى بالفعل. حين أُكمل النذر، لن أواجه أحدًا منهم مرة أخرى. حتى إن صار ولي العهد ملكًا، فالملاذ أرض محرّمة، لا تطالها يد أحد.
شدّت على حقيبتها الجلدية، تستجمع رباطة جأشها.
وحين اقتربت من بوابة الملاذ، فتح لها الحارس الباب الحديدي. صرير ثقيل اخترق الأجواء، والبوابة ما لبثت أن انغلقت خلفها بإحكام.
ذلك الانفصال البارد بثّ فيها، على غير المتوقع، راحة غريبة. لن يهددها أحد بعد الآن. على الأقل، لعشرة أيام قادمة.
الآن… أنا وحدي فعلًا.
“وحدي”… كم حملت هذه الكلمة من خفة، تفوق كل ما توقعت. لم يكن شعور الحرية مجرد ارتياح غامض، بل راحة مضاعفة، لم تتصور أنها ستذوقها بهذا العمق.
كلما تقدمت في عمق الغابة الزاخرة بالحياة، شعرت أن وجودها يُنقّى، كأن روحها تُجرد من التعقيد وتصبح أصفى، أبسط.
ذلك الهدوء، بعيدًا عن صخب القصر، بدا لها عطيّة ثمينة. كانت تسير كأنها في نزهة، بخطوات تبعث على البهجة.
“…”
لا تدري كم مضى من الوقت حتى أثقلتها متاعبها. اليد اليسرى تشد الحقيبة الجلدية، واليمنى تحمل السلة، وكلاهما صار عبئًا مرهقًا.
‘إلى أي مدى عليّ أن أمضي بعد؟’
شعرت أنها تجاوزت بثلاثة أضعاف المسافة التي توقعتها لتجد المعبد. التفتت خلفها لحظة، ثم أعادت النظر إلى الأمام. عند نهاية الدرب الضيق، ظهر لها مبنى أبيض لم تلحظه من قبل.
‘لا بد أنه هناك.’
استجمعت ما تبقى لها من قوة، أسرعت بخطواتها. وكلما اقتربت، بدا البناء شامخًا عظيمًا، يزداد رهبة. عند سفحه درجات عالية، تعلوها معابد بيضاء، نقية، كأن المطر ولا الثلج لم يمسّاها قط منذ شُيّدت.
‘يا لروعة المنظر…’
صعدت الدرج بخطى متسارعة، وهناك امتد رواق تصطف فيه الأقواس، وفي عمق ذلك الرواق ظهر بركة مشيّدة بسحر. خلفها ارتفع المذبح الذي وجب عليها العناية به كل يوم، وعلى المنحدر اللطيف بجانبه انتصب بيت الكهنة حيث ستقيم.
كان للبيت ثلاث أبواب، فتقدمت بحذر وفتحت أقربها، فإذا بها تدخل غرفة تصلح لتكون صالونًا وغرفة نوم في آن. الجدران بيضاء، والأرضية من خشب، أما الأثاث الذي يزيّن الغرفة فكلّه قديم بادي العتق. سرير واحد، وستارة حاجبة، خزانة للثياب، مكتب وطاولة طعام، وبالقرب من الموقد كرسيان أمامهما فنجانان للشاي. ومن النافذة الكبيرة المفتوحة على الجدار الأيمن تدفّق ضوء الشمس غامرًا المكان بدفئه.
‘لم أتوقع أن يكون المكان بهذا الجمال.’
حدّقت أديلايد في كل ما حولها بعينين مفعمتين بالسرور، ثم انتبهت فجأة لنفسها.
‘ليس هذا وقت الانبهار.’
تحركت بنشاط، وضعت ملابسها في الخزانة، ورتبت الحبر وريشة الكتابة على المكتب، وأخذت ملفات بحثها عن “الدمى” لتضعها فوقه أيضًا. كان ذلك البحث يشغلها منذ أيام دراستها في الأكاديمية، فقد انشغلت بالفكرة:
‘من الناحية النظرية، إذا صُنعت دمية باستخدام حجر سحري، فحتى من لا يملك قوة سحرية سيكون قادرًا على تنفيذ تعاويذ بسيطة عبرها.’
ربما لن يتوفر لها من الأحجار ما يكفي، لكن الطين الذي يُصنع منه الدمى متوفر بوفرة. ثم إن الانغماس في هذا البحث وحده يكفي ليشغلها سنوات طوال. نوت أديل أن تستغل وحدتها في هذا الملاذ المقدس للتعمق في دراستها.
‘يبدو أن كل شيء صار مرتبًا الآن.’
أعادت النظر بدقة في الغرفة مرة أخيرة، ثم أمسكت سلة وخرجت.
الغرفة المقابلة مباشرة كانت مكتبة، تتكدس رفوفها حتى السقف بكتب قديمة عتيقة. ولع الباحث جعل قلبها يخفق، فالمكتبة هنا لا تقل عن كنز ثمين. انجذبت إليها أكثر وأكثر، وشعرت بأن هذا المكان بدأ يحتل جزءًا خاصًا من قلبها.
‘وهذه…….’
أما الغرفة الثالثة فكانت مطبخًا وحمامًا معًا. هناك موقد جاهز لإشعال النار، وخزانة مليئة بأعشاب مجففة، وحوض واسع يتدفق منه ماء صافٍ.
‘ما هذا؟’
بينما تتفقد الخزانة، عثرت على كتاب سميك مربوط بجلد. وعلى غلافه كُتب:
<دليل الخلف>
امتلأ قلبها بفرح غامر، ففتحت الكتاب على الفور. كانت صفحاته تضم وصايا بسيطة عن تدبير شؤون المعيشة: كيف تُزرع البذور في الحديقة، وأي الخضروات تصلح للزراعة حسب الفصول، وطريقة حفظها بالمخللات بعد الحصاد، وكيفية تحميص أوراق الشاي، وأي الأعشاب يجب جمعها من أطراف الغابة لتُخزّن، إضافة إلى وصفات طبخ يسيرة.
كان واضحًا أنّ الكتاب جُمّع عبر قرون، فقد اختلفت فيه الأيدي التي خطّت، والأحبار المستعملة، والكلمات المختارة.
‘……هذا.’
توقف نظرها عند جملة في آخر الكتاب:
السبب الوحيد الذي يجعلنا نرعى هذا المكان ونقيم فيه، هو أن نهدي …… فلا يضلّ في حيرته.
قلّبت الصفحة فلم تجد شيئًا بعدها. مررت يدها على الرق القديم، وتنفست رائحة الورق العتيق. بدا أن هذه العبارة لم تُكتب في هذا العصر، بل أعيد ربطها في نهاية الكتاب عمدًا، ليظل ختمًا ثابتًا على مر الأجيال.
‘لا أعرف معناها الدقيق، لكن يبدو أنها مجرد وصية للعناية بالمذبح.’
وضعت الكتاب جانبًا دون أن تولي الأمر أهمية.
وسرعان ما أدركت أن الفصول في هذا الملاذ لا تسير كما في “العالم الخارجي”. فرغم أن البرد في الخارج بلغ حد تجمد الندى على الأرض، كان الهواء هنا دافئًا والضوء لطيفًا، أقرب إلى ربيع دائم. وقد نصّ الكتاب على أن مثل هذا الطقس هو الأنسب لزراعة اللفت.
‘على مسافات متساوية…… نعم، هكذا…….’
لم تكن ابنة القصر الملكي معتادة على الأعمال الزراعية، فكيف يمكن أن تكون الزراعة سهلة عليها؟ ومع ذلك أخذت تقلّب الكتاب بتردد، وأخذت تحفر بأصابعها التراب لتضع البذور بحذر.
لكن فجأة، اجتاحها إحساس بوجود غريب قريب منها.
“آه…….”
رفعت رأسها، فإذا بعينها تقع على ظل غريب يلوح من وراء السور.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 82"