تذكرت اللحظة التي التقت فيها عيناها بعيون فرسان الهيكل المقدّس قبل أن تهرب مباشرة من الملجأ.
كانت قد أعلنت عن هويتها بجرأة منذ البداية عند دخولها الملجأ، لذا لا بد أن العاصمة الآن تضج بخبر أن “دوقة أنسجار” قد مارست نوعًا من السحر الشرير.
فهمت أَديل الموقف، وامتقع وجهها ليصبح شاحبًا كالجليد.
“إن كان هذا صحيحًا، فلا ينبغي أن نبقى هنا.”
“…”
“أنسجار… مارغريت، الخدم الذين تبعونا، والفرسان، جميعهم قد يتورطون في هذه القضية. إذا اختفينا أنا وفالنتين، فستتجه الشبهات نحو أولئك الأبرياء. يجب أن نعود حالًا. إن لم أستطع أنا، فعلى الأقل يجب أن يعود فالنتين فورًا…”
“…”
“فرسان الهيكل على الأرجح قد رأوا وجهي. فالنتين، عُد وقل إنك لا تعرف شيئًا. قُل إنني أنا وحدي من تعلمت السحر وبحثت فيه. إن فعلت ذلك، فستكون أنسجار في مأمن…”
“أتطلبين مني الآن أن أتخلى عنك؟”
قاطع فالنتين كلمات أَديل المرتبكة بصوت بارد وجليدي.
ارتجفت حين سمعت نبرته، ونظرت إليه بدهشة، لكنه تنهد برفق، وجذب خصرها إليه بهدوء.
“اهدئي… ولو قليلًا.”
“لكن، علينا التصرف فورًا…”
“لقد أوقفت الزمن خارج هذا المكان. حتى لو قضينا ساعة هنا، فلن تمر في الخارج سوى رمشة عين. حتى موريج لم يدرك بعد أنني أوقفت الوقت، لكنه بالتأكيد شعر بشيء غريب.”
نبضات قلبها المتسارعة اصطدمت بصدره الهادئ، وكأنها ارتدت إليها مجددًا. رغم أنه كان خفقان قلبها، فقد بدا ضعيفًا، وكأنه على وشك أن يتلاشى.
“حين يعود الزمن إلى مساره الطبيعي، لن نتمكن من البقاء هنا. لقد فتحت هذا المجال في لحظة غفلة من موريج. وعندما يعود الزمن لسيره، سيدرك أننا كنا هنا.”
“وماذا سيحدث عندها؟”
“سيحاول، بكل وسيلة ممكنة، أن يجعلكِ تكرهينني.”
‘لا… لا يمكن أن يحدث هذا…’
كانت تنوي أن تقول ذلك، لكنها تذكرت فجأة بذرة الشك التي زرعها موريج داخلها.
حين كانت تلك البذرة تسكن جسدها، أحسّت لوهلة بكراهية موجهة نحو فالنتين.
وفوق ذلك، لم تُحل مشكلتهما بعد. كانت مشاعرها تجاهه منذ البداية ناقصة، ومقلقة، وغير مريحة…
“لذا، عليكِ أن تختاري الآن، يا أَديل.”
كما لو أنه ينقذها من أفكارها المعقدة، رفع فالنتين ذقنها بلطف.
“هل ستستمرين في حياتك كإنسانة، أم ستمسكين بيدي وتغادرين حدود البشرية؟”
كانت عيناه ساكنتين، ونبرته ما تزال ناعمة، لكن أَديل أحسّت لسبب ما أنه متوتر.
اختبأت أعصابه المشدودة خلف عينين ضيقتين، حتى أن أصابعه التي لامست خدها برفق نادرت أن ترتجف، لكنها فعلت.
“…لا أفهم تمامًا ما تعنيه. هل تقصد أن الاستمرار كإنسانة لا يتوافق مع اختيارك؟”
“إن اخترتِ الحياة كإنسانة، فستتحملين وحدك مسؤولية كل ما حدث حتى الآن. حتى إن هربتِ إلى بلد آخر، فلن تستطيعي الإفلات من كونك إنسانة، وستلاحقك العواقب دائمًا.”
“وماذا إن اخترت فالنتين؟”
“من يدري… ربما ستلومينني لاحقًا. ومع ذلك، سنظل معًا دائمًا.”
“ومع ذلك”… في تلك الكلمة، أحسّت أَديل بأنانية فالنتين. وفهمت ما الخيار الذي كان يدفعها نحوه.
لقد أدرك أن أنانيته قد تدمرها تمامًا، لذا لم يجرؤ من البداية على عرض هذا الخيار وكأنه الوحيد.
“ربما سأصبح مخلوقًا لا يُعدّ إنسانًا… بل شبيهًا بالوحوش.”
في الحقيقة، لم يكن من السهل اتخاذ أي قرار. إن عادت، فستُحاكم كمخلوقة خارجة عن الطبيعة.
وإن اختارت الاختفاء إلى الأبد؟
“ماذا عن أنسجار؟ وعن أولئك الذين وثقوا بي واتبعوني؟”
قد يُوصفون جميعًا بأنهم خدموا امرأة تواطأت مع الوحوش.
قد توجه سيوف فرسان الهيكل نحو فيتشلِيبن، نحو أنسجار.
حتى إن نُسيت قضيتهم من قبل البشر، فموريج ما يزال هناك.
وإن كان يضمر لفالنتين كل هذا الغضب والكراهية، فأي مكان سيكون ملاذًا آمنًا؟
“حين تنتهي هذه اللحظة، لن أكرر هذا العرض أبدًا. لذا فكري جيدًا، وأجيبي.”
“أنا… لا، أقصد… أنا…”
“قولي ما ترغبين به. أيًا يكن، سأحترم قرارك وأسير وفقه.”
كان هناك شعور غريب، وكأنها أجابت على هذا السؤال من قبل، في وقتٍ ما.
“أنا…”
أديل ابتلعت أنفاسها المتقطعة بصعوبة. هل هناك شيء أكثر رعبًا ونقصًا من أن تولد كإنسان وتعيش إلى الأبد؟
إنه سيكون أمرًا مؤلمًا بسبب الوحدة. وقد عرفت ذلك من خلال فالنتين.
الحياة التي لا يمكن أن تتلقى فيها عزاء من أحد، ولا أن تتعاطف مع مشاعر أحد…
بل وحتى مع فالنتين، الذي سيصبح خالقها الجديد، سيكون من الصعب أن تفهمه تمامًا.
فحتى لو كان يرتدي قشرة بشرية، إلا أنه كان مفترسًا منذ ولادته.
وعلى عكسها، التي وُلدت كفأر. فحتى لو نبتت لها مخالب فجأة، كيف لفأر أن يفهم أسدًا؟
“…”
يبدو أن فالنتين كان يتوقع إجابتها بالفعل. ملامح وجهه الهادئة بدت وكأنها انهارت قليلًا.
وكأنه يعرف كل شيء، لكنه ما زال يتألم لسماعها بلسانها.
أدارت أديل وجهها بعيدًا عن حزنه. رغم أنها كانت تلهث، نظرت في عيني فالنتين.
حاولت أن تتحدث بوضوح قدر الإمكان، لكن صوتها المرتجف خرج مشوشًا.
ومع ذلك، كانت إرادتها واضحة.
“أنا… وُلدتُ… كإنسانة.”
كانت ترغب في حياة تتلألأ بلحظات الفرح العابرة والإنجازات الصغيرة، بدلًا من اختيار الخلود الراكد.
كانت ترغب في أن تعيش لحظات ثمينة لأن لها نهاية.
حتى لو اختارت فالنتين، لم تكن تريد أن تختاره كهروب.
“لذا، أريد أن أموت كإنسانة…”
هذا كل ما استطاعت أن تُظهره من عزيمة.
أن تتحمل المسؤولية الكاملة عما نتج عن أفعالها.
وأن تُظهر عزيمتها بألا تهرب أو تتجاهل أي شيء في هذه الحياة مرة أخرى.
“حتى لو كانت البداية قد انحرفت، لا بأس.”
طالما أنه يحترمها، وطالما أنها لا تتجاهله، فسيجدان يومًا ما أرضية مشتركة.
وكان بإمكانها أن تثق بذلك.
لأن فالنتين يستطيع قراءة أفكارها، فلا بد أنه كان يفهم مشاعرها هذه أكثر من أي شخص آخر.
ظل يحدّق بها شاردًا لبعض الوقت، ثم تمتم بصوت خافت وكأن روحه منهارة:
“حسنًا.”
رغم أن نظراته كانت موجّهة إليها، إلا أنها بدت بعيدة.
كما لو كان ينظر إلى شخص آخر، أو إلى الماضي، أو إلى مستقبل ليس الآن.
“تلك كانت إجابتك، إذن.”
أبعد فالنتين أديل عن صدره بهدوء كما لو كان يدفعها.
ثم سار إلى جانب البحيرة، وتوقّف أمام “ذلك الشيء” الذي كانت أديل تظنه صخرة سوداء في البداية.
وبمجرد أن وقف أمامه، بدت قامته الطويلة وكأنها لا تساوي حتى عُشر حجم ذلك الشيء.
عندها فقط أدركت أديل كم كان ذلك الكائن ضخمًا.
“تعالي إلى هنا.”
هل تأثرت بالأجواء؟ رغم أنها كانت تظن أنها لن تقترب منه أبدًا، إلا أنها مشت نحوه كما لو كانت مسحورة بصوته.
عندها فقط، لاحظت أن ذلك الكائن كان ضخمًا مثل جدران قلعة إنغريدا، وهزيلًا لدرجة بروز أضلاعه.
“لم يكن أسودًا منذ البداية، بل بدا وكأنه مغطى بشيء لزج وسوداوي.”
ما كانت تعتقده نبضًا مفاجئًا، كان في الحقيقة قلبًا بارزًا فوق قشوره النحيلة.
كان هناك نصل طويل وحاد مغروز في قلبه النابض.
“يبدو أنه نائم بسبب ذلك السيف. لا يستطيع الحراك…”
فقط حين أدركت ذلك، بدأت أديل تشعر بالشفقة نحوه.
وفي تلك اللحظة، مدّ فالنتين يده ممسكًا بخنجر نحو ذلك الكائن.
“فـ… فالنتين! إنه خطير…”
لكن تحذيرها المرتعش كان بلا جدوى.
دون تردد، شقّ فالنتين جلده السميك بالخنجر.
جمع السائل الأسود الداكن الذي سال منه في كأس استدعاه في الهواء. ثم مدّ الكأس المرتعش نحو أديل.
“لقد عالجتك بقوتي بقدر ما استطعت، لكن جوهرك تحطم كليًا. عليكِ أن تشربي هذا.”
“…ما هذا؟”
لم يكن عليها أن تسأل لتعرف. كان دمًا.
رغم أنها خمّنت أن ذلك الكائن حي، إلا أن شرب دمه، وهو نائم وعاجز عن المقاومة… هل يجوز ذلك؟
“لا أستطيع أن أشرب شيئًا كهذا…”
“عُدنا لنفس النقطة من جديد.”
“لكن، فالنتين…”
“إن لم تشربيه، فبمجرد أن يعود الزمن لسيرانه الطبيعي، ستفقدين السيطرة. أنا بالكاد أُبقيك مستقرة الآن بقوتي.”
“لا أستطيع شرب شيء لا أعرف ما هو…”
ضحك بخفة وكأن إجابتها أعجبته.
عينا فالنتين الباردتان ذكّرتاها بحيوان تم أسره حيًا من قِبل فرسان منذ زمن بعيد.
“لا، أديل. أنتِ تعرفين تمامًا ما هو.”
✦✦✦
فتحت أديل عينيها فجأة. كانت مستلقية على أرض من الرخام الأبيض.
ماذا حدث للتو؟ كادت غريتا أن تموت، واستخدمت أديل سحر الشفاء.
ثم ظهرت ذكريات غير مكتملة.
ظهر فالنتين، قدّم لها شيئًا، وشربت دمًا…
“آه… رأسي…”
وضعت يدها على جبهتها بسبب الصداع الحاد.
لم تستطع أن تتذكر بوضوح ما كانت تفكر به قبل لحظات.
من فعل ماذا؟ ومتى؟ وكيف؟
“أديلهايت ديزيريه باتيلديس نيرنبيركيان.”
سمعت صوتًا باردًا فوق رأسها المنحني.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 80"