ضغطت أديل على راحة يدها بأظافرها بقوة، حتى شعرت بأنها تحفر في جلدها. أرادت أن تتمسك بوعيها بهذه الطريقة. ثم واصلت الحديث بهدوء:
“كنتَ تعلم، أليس كذلك؟”
كان في ذلك شيء من البؤس. أن تجد صعوبة في كرهه حتى في مثل هذا الموقف، أن تشعر نحوه بمشاعر عميقة لا تزال تسكن قلبها…
وهذا ما جعلها تشك في ما إذا كانت مشاعرها تجاهه حقًّا صادرة عن إرادتها الحرة.
“لا تبكي.”
كادت العاطفة أن تغلبها، لكنها بالكاد استطاعت أن تبتلعها.
“أنا… أعلم أنك كنتَ تعلم مسبقًا.”
رغم أن صوتها كان يرتجف، إلا أن الدموع لم تسقط، ولحسن الحظ. لم تكن الدموع مناسبة في مثل هذا النوع من الحوارات.
ما كانت تريده من فالنتين لم يكن شفقة أو تعاطفًا، بل تفسيرًا.
“كنتَ تعلم أنه حين أستيقظ قوتي السحرية، سأشعر تجاهك بهذه الطريقة… فكيف استطعت أن… لماذا فعلت ذلك؟”
“……”
“لأنني تهربت منك لبعض الوقت؟ لأن الوضع صار لا يصبّ في مصلحتك؟ هل كان هذا السبب فقط؟ لا أفهم، حقًا. كان يجب أن تمنحني وقتًا أكثر…”
“لا أرى ما الفرق.”
قالها فالنتين بعد صمتٍ، بنبرة حادة قليلًا.
رفع يده الجافة ومسح وجهه ببطء. كانت ملامحه المتوترة تبدو وكأنها اختفت فجأة.
“كما قلتِ، الأمر بالنسبة لي كان مجرد مسألة وقت. في النهاية، كنتِ ستحبينني، فلماذا لا أجعلكِ تحبينني الآن؟”
“……”
“لماذا عليَّ أن أراكِ تتجاهلينني أمامي، بينما أعرف أنه يمكن تجنّب ذلك، وأعرف كيف؟”
“……”
“البشر ينجذبون لأشياء كثيرة: الجمال، السلطة، المال… أما أنا، فقد كان لديّ السحر. لماذا تعتبرين استخدامي لما أملك أمرًا صادمًا لهذه الدرجة؟”
رفعت أديل عينيها الممتلئتين بالدموع ونظرت إليه في ذهول، عاجزة عن الرد.
لم يكن هناك يوم شعرت فيه بوضوح كهذا أنه ليس إنسانًا. وأن تفكيره مختلف تمامًا.
كل ما في الأمر، بالنسبة له، كان مسألة كفاءة. مراحل بناء المشاعر، والانتظار، والصبر… كلها خطوات غير ضرورية في نظره.
بل الأغرب أنه كان يتحدث بثقة غريبة، وكأنه على يقين تام بأنها في المستقبل ستحبه بإرادتها.
هل يمكن أن يكون… يعرف المستقبل؟
هل من الممكن أنها، في ذاك المستقبل، ستقع في حبه بإرادتها حقًا؟
“حتى لو كان ذلك صحيحًا، فلا شيء يبرر ما فعله.”
عضّت أديل على شفتيها المرتجفتين.
“لأن تلك المشاعر، لا تحمل إرادتي. لم تكن مني منذ البداية…”
“أن تقولي إنها مشاعر غير طبيعية… هذا ما يؤلمني فعلًا.”
“……”
“أردتِ القوة، وأعطيتكِ إياها. أعطيتكِ كل الخيارات التي يمكن أن يحلم بها الإنسان، ما عدا خيار من سيكون شريكك.”
“……”
“هل كان طلبي مبالغًا فيه… أن أكون الوحيد إلى جانبك، مقابل أن أوقظ قوتك؟”
… والمشكلة أنها لا تشعر أنه طلب مبالغ فيه.
لكن مشاعرها الإيجابية تجاهه لم تكن نابعة بالكامل من اختيارها. لقد شوّه هو بداية العلاقة بتدخّله، وهذا ما كان يجعلها غاضبة.
كان من العدل أن يتلقى نفس مقدار الألم الذي تسبب به لها.
دفعها هذا الإحساس اللاعقلاني إلى التمرد. نسيت حذرها المعتاد، ورفعت صوتها:
“إذن، هل السحر الذي منحته لي هو ثمن جسدي؟!”
شحبت وجنتاه. ساد الصمت لحظة، ثم أطلق ضحكة قصيرة، مريرة.
“لو كنتِ تهدفين لإيلامي، فقد نجحتِ… كعادتك دومًا.”
“……”
“ثمن الجسد؟ لم أفعل بكِ شيئًا يستحق هذه الكلمة.”
نظراته صارت باردة قاسية. شعرت أديل أن الغضب الذي كان يملأها قد بدأ يخفت.
كان احترامه الظاهري قد تبخّر، ولم يبقَ سوى شعور جاف ومتعالٍ منه. برودته كانت أشبه بالازدراء.
هل هذا هو شعور المؤمن حين يتنكر له حاكم؟
فزعت أديل من نفسها ومن رغبتها في التراجع، في قول: “أنا آسفة، لقد أسأت الفهم.” لكنها قاومت.
كانت على وشك الاعتذار، على وشك التوسل… على أمل أن تُمحى كل هذه المواجهة من الوجود.
نعم… لقد تمادت. لقد نسيت نفسها، وأخذت تواجهه بأسئلةٍ لا تليق بها.
ماذا لو شعر بالنفور منها؟
ماذا لو لم يعد ينظر إليها أبدًا كما كان؟
كانت تحبه وتكرهه في آن. وهذا التناقض الرهيب كان ينهش عقلها.
فكل ما كانت تخشاه الآن… هو أن يرحل.
“أديل.”
“آه…”
“تنفّسي. استعِدي وعيكِ، أرجوك.”
كادت تقول: “أنا آسفة، لقد أخطأت”…
لكن فالنتين سبقها، ووضع إبهامه على شفتيها ليمنعها.
رفعت أديل عينيها المغرورقتين بالدموع نحوه. وما إن رأى وجهها حتى شحب وجهه أيضًا.
“أرجوكِ… لا داعي لأن تعتذري عن أي شيء.”
“لكن…”
“أديل، أنا لا أحبك لأنك مطيعة وجيدة السلوك. أحبك لأنني أعتز بك حتى عندما تتصرفين بأنانية وتؤذينني، ومع ذلك لا أغير موقفي منك.”
بدت علامات الارتباك لوهلة في عينيها الخضراوين الباهتتين وهي تنظر إليه. كانت كلماته غريبة على مسامعها.
أن لا تكون طيبة؟ أن تتصرف بأنانية ويكون ذلك مقبولًا؟ لم يقل لها أحد شيئًا كهذا من قبل.
كانت تُعاقب إن لم تتصرف بلطف، وتُضرب إن لم تستخدم نبرة هادئة.
الطاعة والخنوع كانا جزءًا طبيعيًا من حياتها. في لايهياناو، كان موقعها أدنى حتى من الخدم.
أحيانًا، شعرت وكأنهم يربونها كحيوان مطيع ليس إلا…
وربما لهذا السبب، كانت مشاعر الحب التي يبديها لها تبدو غريبة.
لا تدري كيف تتعامل مع هذا الشيء الثمين، فتحتفظ به بارتباك وكأنه لا يخصها، ثم تسارع لإخفائه وكأنها لم تره.
لم تكن تعرف كيف تقبل ذلك بشكل طبيعي، فقد كانت ترى نفسها تافهة جدًا.
لم يكن فيها ما يدعو للإعجاب. كانت مجرد فوضى.
“…هل خيّبت ظنك؟”
“لم تخيبي ظني.”
ردّ بثبات.
“لو كانت مشاعري قابلة للانطفاء بسبب شجار كهذا، لما وصلت إلى هذه المرحلة أصلًا. وعلى الرغم من كل شيء، أنا ممتن لغضبك. أحيانًا، أنت شديدة التحفظ.”
“…”
“البشر، في نظري، دائمًا كائنات متناقضة يصعب فهمها.”
نظرت إليه بدهشة، ثم شعرت بنوع من التنافر الغريب.
نبرته…
كانت مختلفة. هل يعني أنه لن يحترمها بعد الآن؟
“الاحترام يُظهر بالأفعال. إن أردتِ، أزحف تحت قدميكِ، وأطيع أوامركِ. أشعر أن الكلمات الرسمية تمنحك منفذًا للهرب.”
“أنا، أنا…”
“لذا، عامِليني بندّية، خاطبيني كما تخاطبين من هم أدنى منكِ.”
شحب وجه أديل فجأة.
طلبَ منها أن تخاطبه بندّية؟! طلبٌ تعجيزي.
لم يسبق لها أن تحدثت هكذا مع أحد، حتى خدمها أو حتى أولئك الذين ينقلون الرسائل.
“…”
عندما لم تتمكن من الرد، رفع ذقنها بلطف.
وكأن الهروب لم يكن خيارًا، وكأن عليه أن يسمع منها جوابًا مهما كلف الأمر.
في عينيه الذهبيتين المتوهجتين، رغم الظلام، كان هناك حب عميق يفيض منهما.
“أديل، أنا…”
همس الحاكم الذي ارتدى جسد إنسان، فقط ليرى العالم بعينيها.
“لم أعد أريد أن أنحني لك، بل أريدك أن ترتفعي إلى مستواي، إلى حيث تلتقي أعيننا.”
“جلالتك، أنا، أنا…”
“فالنتين. قولي فالنتين.”
رغم تصحيحه اللطيف، لم تستطع أديل استعادة رباطة جأشها.
بعد محاولات عديدة، بالكاد تمكنت من إخراج جملة واحدة:
“أنا، أنا… فقط أشعر بالتعب الآن… أريد أن أرتاح، وأفكر… لاحقًا…”
تنهدت ودفنت وجهها بين يديها.
“لا، لا أستطيع… لا أستطيع فعلها…”
“خذي وقتك. لدي الكثير من الوقت لأنتظرك.”
“…”
“لكن يبدو أن الوضع في الخارج مختلف. وقتهم بدأ بالتحرك.”
ألقى فالنتين نظرة بعيدة، وضيّق عينيه كما لو كان يقيس شيئًا.
كأنه يرى ما خلف هذا “العالم”، ويراقب ما يحدث في المكان الذي أتوا منه.
“أخبرتكِ سابقًا أن ’القوة الإلهية‘ التي يستخدمها الكهنة و’السحر‘ الذي يستخدمه الوحوش لهما نفس المصدر، لكنهما يُسميان بطريقة مختلفة حسب ما إذا كان مصدرها موريج أو أنا. لكن هناك فارق واحد دقيق وأساسي: لا يمكن استخدام القوة الإلهية لإلقاء تعاويذ الشفاء.”
عندما لم تكن تعرف شيئًا عن سحر الشفاء، اعتقدت أن من الطبيعي أن يكون الشفاء والكهنة منفصلين.
فالقوة الإلهية كانت مخصصة لطرد الوحوش فحسب.
لكن لماذا يمكن للسحر أن يشفي، بينما لا يمكن للقوة الإلهية أن تفعل ذلك؟
ألم يكن من المفترض أن موريج هو الكيان الأقدس؟
تابع فالنتين بنبرة باردة، وكأنه لا ينوي شرح كل شيء:
“ما يسمى اليوم بفن الشفاء ليس إلا محاكاة ناقصة للسحر الأصلي. موريج، بعد محاولات عديدة، تمكّن فقط من تقليد السحر الشافي بشكل ناقص. وبما أنه ناقص، فمن النادر أن يظهر شخص بقدرة شفاء قوية.”
اهتزت أطراف أديل برقة حزينة، وهي تفهم مغزى كلامه.
“ولهذا، عندما أنقذتِ شخصًا من الموت رغم أنكِ لستِ كاهنة شفاء… فقد اعترفتِ أمام فرسان النور الإلهي بأنكِ ساحرة.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 79"