-غريتا-
صدر صوت كأن القلب ارتطم بالأرض بقوة.
أديل اقتحمت الغرفة وهي في نصف وعيها.
لم يكن لديها الوقت لتفكر في احتمال أن من فعل هذا بغريتا قد يكون لا يزال بالجوار، أو أن هذا كله قد يكون فخًا مرعبًا.
“غريتا!”
ركعت أديل بسرعة إلى جانب غريتا. كان وجه غريتا، الذي خلى من أي لون، شاحبًا كجثة.
كانت بطنها مخترقة بسيف طويل، وكان المشهد فظيعًا ومروعًا.
كانت ترى حياة غريتا تتسرب من الجرح. خرج نشيج من بين شفتي أديل المشدودتين.
“أرجوكِ، غريتا.”
مدّت أديل يدها المرتجفة نحو أنف غريتا. ولحسن الحظ، لا يزال هناك نَفَس ضعيف.
تعلقت ببصيص الأمل الذي كاد ينطفئ. طالما أن روحها لم تغادر، فربما يستطيع معالج ماهر إنقاذها.
‘إن استطعت فقط أن أوصلها إلى شارلوت…’
أمسكت أديل يد غريتا الباردة بشدة.
لكن كيف يمكنها أن تصمد حتى ذلك الحين؟ سواء استدعت معالجًا أو أخذتها إليه، لا شيء من هذا ممكن في اللحظة الحالية.
كانت غريتا بحاجة إلى قوة تكفيها لتحمّل الوقت حتى ذلك الحين.
أديل عضت شفتيها بعنف.
‘لا يوجد إلا حل واحد…’
في الحقيقة، كانت تعرفه منذ البداية. عقلها توصل فورًا إلى الجواب.
إذا أُزيل النصل واستخدمت في نفس اللحظة سحر الشفاء لوقف النزيف، فإن الإسعاف الأولي سيكون ممكنًا. لكن… هل تجرؤ على فعل ذلك؟
‘لم أستخدم سحر الشفاء على إنسان من قبل… ولا يمكنني أن أؤكد أنه سينجح. بالكاد تعلمته من الكتب…’
وإن أخطأت أثناء نزع السيف وتسببت في جرحٍ أعمق؟ وإن فشل السحر تمامًا؟ حياة غريتا بين يديها الآن، وهي لا تثق بأنها ستبقى هادئة حتى النهاية.
‘ماذا أفعل… أرجوك… ماذا يجب أن أفعل…’
وبينما كانت تقبض بقوة على يد غريتا المرتجفة من التوتر، بدأ جفن غريتا يرتجف بصوت أنين خافت. مالت أديل بجذعها نحوها بسرعة.
“يا إلهي، غريتا… هل تسمعينني؟”
خرج أنين خفيف من بين شفتي غريتا، ثم فتحت عينيها بصعوبة.
وبدأت بصيرتها الباهتة تستعيد بعض الصفاء.
هل عرفت أن من أمامها هي أديل؟ دموع غزيرة تجمعت في عيني العجوز المتجعدتين.
“ل، لست… أحلم، أليس كذلك…؟”
“لا، غريتا. ليس حلمًا. أنا حقًا هنا.”
أسرعت أديل فخلعت رداءها وأسندت به رقبة غريتا، ثم أمسكت بيدها المتخبطة في الهواء.
كانت على وشك البكاء، لكنها تماسكت. لم ترد أن تفعل أي شيء قد يقلق غريتا.
“آنسة… أنا… باردة…”
لو كان بوسعها، لخلعت كل ما عليها من ثياب وغطت بها جسد غريتا حتى لا يزداد برودًا.
لو لم يكن ذلك السيف الملعون يغرز بطنها، لفعلت ذلك في الحال.
نظرت غريتا إلى بطنها باتجاه نظرة أديل، وسألت بعينين فارغتين:
“أنا… سأموت، أليس كذلك؟”
أديل هزت رأسها بقوة.
“لا… لا، هذا مجرد إغماء من الصدمة. ال، المعالج قادم.”
“أ، أنا… تذكرت الآن… الرسالة التي… طُلب مني إيصالها… للآنسة لاورا…”
آه. عضت أديل شفتها. يبدو أن غريتا تظن أنها “لاورا”.
تلك الخادمة التي كانت والدتها البيولوجية. لكن… قالت “الآنسة”؟ بدا أن ذاكرتها بدأت تتلاشى، وهذا نذير سيء.
“مهما كان، لا تتكلمي الآن. هل يمكنكِ التحمل قليلاً؟ سأحضر المساعدة حالًا. لا بد أن في الملجأ معالجًا ما. سأجلبه، بأي طريقة…”
“لا، لا…”
وحين همّت أديل بالنهوض، أمسكت غريتا بذراعها بقبضة تشبه المخالب. كانت شديدة على نحو لا يُصدق لمن تحتضر.
“يجب أن… تسمعي، آنسة. اسمعي.”
تلألأت عينا غريتا في الظلام. وخلال العشرين عامًا التي عرفتها فيها، لم تر أديل تلك النظرة الحازمة المملوءة بالعزم.
كان الألم في ذراعها لا يُطاق، لكن أديل لم تجرؤ على المقاومة.
مالت بأذنها كما أمرتها غريتا. وصلها أنفاس المرأة الضعيفة على أذُنها.
تنهيدة طويلة، طويلة، طويلة…
“عندما… يختفي النور… وتغمر الظلال العالم… يولد العظيم… من رحم الرماد الأخضر… فاشهدوا مولد سيد هذا العالم…”
“و… يضع تاجًا من الشوك على رأسه… ويسير بصمتٍ في درب المعاناة والمهانة…”
“يطمع به أهل الباطل… لكنه في النهاية سيُصبح… كاملًا بذاته…”
كانت هناك جمل كثيرة لم تُسمع جيدًا بسبب ضعف صوتها، وفترات طويلة قضتها في التقاط أنفاسها، لكن غريتا أنهت كلماتها حتى النهاية.
لم تصدق أديل أنها تضيع هذا الوقت الثمين في ألغاز لا تفهمها.
“ما هذا بحق السماء…؟”
ثم فجأة، خطر في ذهنها احتمال واحد.
‘نبوءة…’
النبوءة التي تحدّث عنها الكونت رايشيناو، والتي قيل إنها نزلت على والدتها.
هل يمكن أن تكون هذه؟ وإن كانت كذلك، فكيف عرفت غريتا بها؟ تلك النبوءة التي أخفاها ثلاثة من كبار الكهنة بسرية تامة؟
كيف يمكن لخادمة بسيطة أن تعرف أمرًا كهذا… وبأي وسيلة…؟
“هـ… ذا.”
وفيما كانت أديل مشوشة، ناولتها غريتا شيئًا بين يديها بكل ما تبقى لها من قوة.
رغم الظلام، أديل عرفت ما هو فورًا.
كان الشيء الذي لطالما رأته حول عنق غريتا. عندما كانت طفلة، كانت تلعب به أحيانًا في حضنها.
‘خاتم مزخرف بنقوش الأيائل.’
لم تكن تعرف قصته، لكنها تعلم أن غريتا كانت تعتز به كثيرًا.
لم ترها يومًا تفارقه، ولو للحظة. فلماذا تعطيها إياه الآن؟
“احتفظي… به جيدًا… لأنه… يخصكِ، آنسة…”
“يخصني؟ هل تعطينني إياه؟”
“منذ… البداية كان لكِ… وفي النهاية أيضًا… لا وجه لي لأقابلك بعد الآن…”
سألتها أديل ثانية، لكن غريتا لم تكن قادرة على تمييز صوتها بعد الآن.
أغمضت عينيها بنظرة فيها راحة، كأن حملًا ثقيلاً انزاح عن صدرها.
شعرت أديل بيد غريتا، التي كانت تمسك بها بإحكام، تفقد قوتها. رأت الموت يجتاح غريتا كموجٍ عارم.
فقط عندها، أدركت أنها أضاعت الكثير من الوقت.
“…لا.”
لكن كل شيء كان قد تأخر كثيرًا. أنفاس غريتا الأخيرة كانت توشك أن تغادر جسدها.
تساقطت دموع أديل على خد غريتا المتجمد الشاحب. حينها فقط، أدركت أنها تبكي بكاءً مريرًا.
“هـه…”
أنين مخنوق، أشبه بصوت حيوان مجروح، خرج من بين أسنان أديل.
لم تتخيل أبدًا أن تكون لحظتها الأخيرة مع غريتا بهذه الطريقة.
بهذا الشكل… من دون وداع حقيقي، مفصولتين بالموت فقط.
‘…لن أسمح بذلك.’
عضّت على أسنانها. لم يكن هذا وقت الحزن. وإن وُجد حتى احتمال واحد، فعليها أن تخاطر بكل شيء من أجله.
فهي تملك الآن المفتاح لتغيير هذا الوضع.
جلست أديل بسرعة واتخذت وضعية أكثر ثباتًا. وبمجرّد أن عقدت عزمها، أصبحت حركتها سريعة ودقيقة.
أمسكت مقبض السيف الذي اخترق بطن غريتا بقوة. وما إن فعلت، حتى سالت الدماء مجددًا بغزارة.
شعرت بشيء لزج ومقزز عند طرف السيف.
‘تماسكي…!’
جسدها كله كان يرتجف.
‘يجب أن أنزعه بضربة واحدة… لا تترردي، لا تخطئي، رجاءً.’
أخذت نفسًا عميقًا، وشدت على قبضتها. ثم، بكل قوتها، سحبت السيف.
تأرجح صدر غريتا بعنف بفعل الصدمة. وسالت الدماء فجأة كأن سدًا قد انكسر.
سارعت أديل إلى استدعاء كل قواها السحرية. تجمعت طاقة زرقاء داكنة قوية في يديها، لم يسبق لها أن شعرت بها بهذا الوضوح من قبل.
‘أهم شيء هو الإرادة في التراجع عن المصير… ولمن يجرب لأول مرة، ثلاث إشارات يدوية…’
في الأساس، السحر هو فعل تسخير الإرادة عبر الطاقة. ولهذا، كان السحرة القدماء قادرين على استخدام السحر دون كلمات.
لكن بالنسبة لها، لم تصل إلى تلك المرحلة بعد.
ولهذا كانوا يستخدمون الرموز السحرية، أو التعاويذ، أو الإشارات اليدوية.
‘الأهم أن تربط البداية والنهاية معًا.’
أديل رسمت بعناية الإشارات التي رأتها في الكتب. وبما أنها تدربت عليها عدة مرات، تحركت يداها بدقة وسرعة.
وحين أنهت الإشارة الأخيرة، تغير لون الطاقة في يديها إلى ذهبية دافئة وناعمة.
‘تمامًا كما في الكتاب…’
هكذا بدا الأمر ظاهريًا، لكن لم يكن هناك ما يؤكد النجاح.
فبعض أنواع الفشل في السحر كانت تؤدي إلى نتائج كارثية.
لكن إن سمحت للخوف أن يمنعها من المحاولة، فلن تعود غريتا أبدًا.
‘بما أنني بدأت، فلا مجال للتردد.’
صفعت أديل قلبها المتردد. ووضعت يديها المتوهجتين بالذهب على بطن غريتا.
أزاحت الثوب الملطخ بالدماء المتجمد، فظهر الجرح العميق والممزق. مدّت كفيها فوق الجرح، واستدعت قوتها السحرية.
في البداية… لم يحدث أي تغيير.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 76"