شكّت أديل للحظة فيما إذا كانت قد سمعت ما قاله بشكل صحيح.
“ماذا… ماذا قلت؟”
“سألتُ إن كان هناك شخص تشعرين نحوه بموجة غير طبيعية من العاطفة.”
لكن رغم أنه نطق بتفاهة كهذه، بدا في غاية الهدوء والاتزان. بل حتى رجفته بدأت تهدأ تدريجيًا.
وكأن الحرارة العالية والدموع المنهمرة والتلعثم الذي غلبه قبل قليل لم تكن موجودة.
لقد استعاد صحته بشكل مريب وسريع للغاية حتى بدا ذلك غير طبيعي في نظر أديل.
استفاقت من ذهولها لتلاحظ أن يواكيم ما يزال ينظر إليها منتظرًا إجابة.
السؤال كان…
“عاطفة؟ قلتَ عاطفة؟”
“نعم.”
“وما علاقة ذلك بكل هذا؟”
“يصعب شرح الأمر.”
“ومع ذلك، تطلب مني أن أكون صريحة بينما لا تخبرني أنت حتى بالسبب؟”
“لأني إن أخبرتك، فلن تكوني صادقة معي.”
كان توترًا صريحًا. نهض يواكيم من الأرض بهدوء.
رغم أن وقوفه جعل منه شخصية مهيبة تفوق ما كان عليه وهو راكع، لم تتراجع أديل خطوة واحدة وقالت بوضوح:
“لن أخبرك بأي شيء عن أي شخص حتى تشرح السبب. ولا أنا مجبرة على ذلك.”
“نادراً ما يكون موقظو القوة السحرية موجودين. وفي تلك الحالات، فإن من استُيقظت فيه القوة يشعر بعاطفة أحادية قوية تجاه من أيقظها.”
“…ماذا؟”
عاطفة أحادية غير طبيعية؟ أديل لم تكن تعرف أي جزء من الجملة يفترض أن يُصدمها.
هل هو “غير طبيعية”؟ أم “أحادية”؟ أم “عاطفة” نفسها؟
هل من الممكن أن يكون يواكيم يصف حالتها بدقة، محض صدفة؟
“لماذا…؟”
مررت لسانها على شفتيها اليابستين لترطيبهما. لم يكن تصرفًا لائقًا، لكنها لم تكن تملك رفاهية التفكير في ذلك الآن.
“لماذا تظن أنني سأشعر بمثل تلك العاطفة تجاه ذلك الشخص؟”
“هذا استنتاج طبيعي. الأمر يشبه ما يشعر به الكهنة نحو مورج.”
“…”
“كان البابا السابق يقول إنه كلما سمع همسات مورج، شعر وكأنه واقع في حب أعمى، بنشوة مطلقة. لقد كانت موعظته شهيرة بما يكفي ليعرفها العامة، لذا لا بد أنك سمعتِ بها.”
أديل لم تردّ. لكن يواكيم واصل حديثه وكأنه تلقّى إجابة.
“إنه نفس الشيء بالضبط. كما أن مورج هو حاكمنا، فإن ذلك الكائن هو حاكم من يستخدمون القوة السحرية. لذلك، من الطبيعي أن يشعروا نحوه بعاطفة لا حد لها.”
“…”
“كما تحب القديسة حاكمها كزوج، وكما يوقر الكاهن حاكمه كوالد.”
صوته بدا كهمسة أفعى.
كأنّ سمًّا أزرق نقيًا تسرّب إلى أعماق قلبها، ساحقًا مشاعرها المزهرة تجاه فالنتين، مغروسًا الشك والريبة في مكانها.
رأى ترددًا في عينيها الشفافتين، فابتسم يواكيم قائلاً:
“ما من عاطفة أكثر أحادية وأعمى من تلك التي يشعر بها المؤمن تجاه حاكمه، أليس كذلك؟”
آه… أنفاسها.
“هل أنتِ بخير؟”
لم تعد قادرة على التنفس. ترنّحت من فقدان القوة، وأمسك يواكيم بمعصمها.
لكن حالما شعرت بيده تمسكها، سحبت يدها بقوة.
ثم صاحت بصوت حاد، حتى فاجأت نفسها:
“لا تلمسني… أبدًا!”
“كنت فقط أحاول مساعدتكِ.”
رفع يديه مبتسمًا، لكن أديل لم تنظر إلى ابتسامته، بل إلى اليد البيضاء على مؤخرة عنقه.
تحديدًا، “يد مورج”.
تلك اليد التي رأتها سابقًا تتسلل من بين الضوء السماوي، كانت الآن تزحف على كتف يواكيم.
في اللحظة التي كتمت فيها شهقتها المفاجئة، انشق سكون الجو بصيحة حادة لامرأة.
“آآآاااااه!!”
التفت كلاهما في نفس اللحظة نحو مصدر الصوت.
كان الصوت قريبًا.
“تلك الصرخة ترددت كأنها صدى. يبدو أنها من داخل المبنى، لا من الحديقة.”
“هل تكون غريتا؟” لم تكن متأكدة، لكن الصوت بدا مألوفًا.
حتى قبل أن تفكر، اندفع جسدها تلقائيًا نحو الصوت.
لكن في تلك اللحظة، أمسك يواكيم بمعصمها الأيسر بقوة.
لأن اتجاه حركته كان معاكسًا تمامًا لحركتها، كادت أن تسقط في أحضانه.
“هل تعلمين حتى ما الذي يحدث هناك قبل أن تذهبي؟”
“دعني.”
قالت أديل وهي تلهث من الغضب، لكن يواكيم أمسك بها بقوة أكبر.
“وما الذي تنوين فعله وحدك؟ ماذا لو كان المهاجمون لا يزالون هناك؟”
“لا أحتاج إلى حراسة، فقط دعني وشأني. وإلا…”
“وإلا ماذا؟ هل تنوين التغلب عليّ بذراعكِ الضعيف؟”
همس ساخرًا. حاولت دفعه بذراعها الأخرى، لكنه لم يتحرك قيد أنملة، واقفًا بثبات.
شعرت بالغضب يغلي حتى فروة رأسها.
“ألم تُجبيني بعد؟ لا يجوز أن تهربي بهذه الطريقة.”
“قلتُ لكَ أن تبتعد. هذا أمر.”
“لا يمكنني السماح لكِ بذلك، حفاظًا على سلامتك.”
“أنا زوجة سيدك الذي أقسمتَ له بالولاء.”
احمرّ وجه يواكيم قليلًا من الحرج. يبدو أن ذكر “الولاء” أثار في نفسه شيئًا من كرامة الفارس حتى في حالته غير السوية.
“لو كان في ذلك إنقاذ لأختي، لفعلتُ كل ما هو دنيء.”
“لا تفعل شيئًا تندم عليه. أنت لست في وعيك حتى.”
“أنا بكامل وعيي.”
لو كان يرى خلف عنقه لما قال هذا.
كانت قوة مورج متشبثة بعنقه كأنها لعنة.
سواء أكانت حاكماً، شيطانًا، أو تنينًا، بدت في عيني أديل شنيعة بالقدر نفسه.
وربما في هذه اللحظة كانت غريتا تحتضر ببطء. قالت أديل بصوت بارد:
“لقد أنذرتك.”
كان غريبًا. كلما غضبت أكثر، أصبحت أهدأ في التعامل مع الموقف.
كانت أشياء لم تكن لتجرؤ على فعلها سابقًا، لكنها الآن شعرت بأنها قادرة عليها بلا تردد.
فكت بسرعة السوار عن معصمها الذي أمسك به يواكيم.
اتسعت عيناه بدهشة، وترك يدها. بدا مذهولًا، كما لو أنه صُعق بالكهرباء.
قبل أن يستعيد وعيه، استحضرت أديل قواها السحرية.
‘هل يمكنني استدعاء طاقة نقية كما فعل فالنتين؟’
لم يستغرق الأمر إلا لحظة، والنتيجة ظهرت فورًا: طاقة زرقاء داكنة، باردة، تركزت في يدها.
استشعرت تلك القوى التي كانت تزحف على عنقه هذه الطاقة، فانتفضت كما لو أنها أصابع ثعابين برؤوس متعددة.
وبلا تردد، مدت يدها نحو عنقه.
“ما الذي…”
صدر صوت فرقعة، كأن شيئًا ما قد تحطم.
فتح فمه ليقول شيئًا، لكنه تجمد بعينين متسعتين. وانسحب كل القوة من يديه.
دفعت أديل صدره مجددًا، ووقع على ركبتيه، ممسكًا بعنقه.
كان يلهث وكأن أحدهم يخنقه، ثم انهار ببطء على الأرض.
‘لقد فقد وعيه.’
تحققت من أن تنفسه لا يزال مستمرًا، ثم وقفت بسرعة.
رفعت أطراف فستانها وركضت عبر الدرج دون أي تردد، ثم اندفعت إلى داخل المبنى.
ما قاله يواكيم قد يكون صحيحًا. لو أن غرباء هاجموا غريتا، فما من ضمان أنها ستتمكن من التعامل مع الأمر.
“غريتا!”
لكن لم يهم شيء. لمجرد أن غريتا قد تكون هوجمت، تجمد عقلها من الرعب.
مزيج من الذعر الشديد، والهدوء الغريب لتجنب التخبط، سيطر على عقلها.
كأن عقلها انقسم إلى نصفين. حتى أديل شعرت وكأنها على وشك الجنون.
“أجيبي! أين أنتِ؟!”
صدى صوتها ارتد في الممرات الفارغة.
لو أن المهاجمين انتبهوا لها، ربما تمنح غريتا بعض الوقت… أو تشغلهم بقواها السحرية.
والأهم، أن دونوفان لا بد أنه لاحظ غيابها الآن.
ربما بدأ البحث عنها فعلًا. فكلما أثارت ضجيجًا، زاد توتر المهاجمين.
وإن فروا، فذلك أفضل.
“أجيبي رجاءً! أعلم أنك هنا…!”
عندما قطعت منتصف الممر تقريبًا، التقطت أذناها صوت أنين ضعيف.
لم يكن بعيدًا، وكان خافتًا جدًا.
فتحت أديل أحد الأبواب بقوة، وفورًا، انبعثت رائحة دماء قوية جعلت قشعريرة تسري في جسدها.
“يا إلهي…”
غطّت أنفها بظهر يدها وتقدّمت.
الستائر الثقيلة حجبت النوافذ، والمكان مضاء بمشعل واحد فقط.
وكانت تماثيل وأدوات دينية تُنسب لمورج مبعثرة كألعاب أطفال.
“آه… أهه…”
وفي وسط هذه الأشياء، امرأة ممددة، غارقة في جروح قاتلة يصعب النجاة منها، تئن بصوت واهن.
عرفتها أديل فورًا.
إنها غريتا.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 75"