مرّت يد أديلهيد المرتجفة بلطف على القسم الموقّع من الكتاب، حيث كان اسمها مكتوبًا بوضوح: أديلهيد، دي سيريه، باثيلديس، نورمبركيان. جف الحبر الأحمر الداكن وتصلب منذ زمن بعيد، حتى صار مستحيلاً محوه أو تلطيخه. بدا كأنه بقعة دم جافة على الصفحة. هل كانت صدفة محضة أن يحمل هذا الكتاب اسمها ذاته؟ أديلهيد.
تذكرت كم تدربت مرات لا تحصى، تتوق لأن تسمع صوتًا بشريًا يناديها بهذا الاسم، وكأنه توقٌ للعودة إلى ذاتها الحقيقية. فجأة، تسلل صوت فالنتين الناعم إلى أذنيها، فارتجفت وأغلقت الكتاب بسرعة. رغم إغلاق عينيها بإحكام، كان اسم النبيلة يزحف بلا توقف في ذهنها، مضافًا إليه لقب “نورمبركيان”؛ امرأة آرية من عائلة نورمبرك، تلك العائلة الملكية القديمة التي تشير إلى أن مالك الكتاب السابق كان أميرة.
ترددت في أذنيها مرة أخرى كلمات فالنتين، كما لو كانت هلوسة: “عندما التقينا، أردت أن أنادي اسمك بشكل صحيح.”
نهضت بسرعة ونظرت حولها بقلق، تائهة بين الأمل والشك، هل عاد؟ لكن الغرفة كانت خاوية سوى من ظلها، الذي كان يسخر منها تحت وهج الشعلة الخافت.
أصابت قلبها فكرة حادة، فكررت في نفسها أن كلمات فالنتين وأفعاله مهما حملت من معنى عميق لم تكن كافية، طالما أن الاسم الذي يناديها كان ينتمي لها حقًا. لكنها الآن شعرت وكأنها ترتدي جلد شخص آخر، ليست فالنتين، بل هي ذاتها. صرخت في سرها:
“لا!”
سمعت فجأة ضجيجًا خارج الخيمة، حيث كان أحدهم يصر على رؤيتها، بينما يحاول الجنود منعه. عرفتها فورًا، كانت شارلوت، بصوت حاد وجازم:
“أنا هنا فقط لرؤية أختي، هل أحتاج إذنك للقاء عائلتي؟”
رد أحد الجنود: “ومع ذلك، فإن الدوق الأكبر—” لكن شارلوت قاطعته بغضب: “هل تحاول أن تقول إنه بدون إذن الدوق الأكبر لا يمكنني رؤية أختي؟ هذه وقاحة قد تكون خرقًا للآداب. أنا أختها الكبرى.”
تبادل الجنود نظرات متوترة، ولم يدم الحوار طويلًا. رغم أن شارلوت لم تكن وليّة العهد رسميًا، بل خطيبة ولي العهد ومرشحة بارزة، إلا أن الجنود العاديين لم يفهموا مثل هذه الفروق الدقيقة، خصوصًا مع الشائعات المتزايدة عن زفاف وشيك.
تراجع الجنود على مضض، وأبلغ أحدهم شارلوت بأنه سيخبر جلالتها بحضورها، لكن أديلهيد رفعت الستارة وخرجت بهدوء. كان الظلام حالكًا، لكن المشاعل المنتشرة أضاءت المكان كأنه نهار.
تباينت تعابير الجنود بين من ينظر إليها كمنقذ، ومن يعبس بغضب، على الأرجح بناءً على أوامر من “شخص ما” يمنعها من مغادرة الخيمة. استقبلت أديلهيد شارلوت بهدوء، فارتفعت إحدى حواجب الأخيرة، ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة باردة تعكس وقاحتها المعتادة:
“يا لها من وقاحة ألا تعطي أختك، التي تقابلها بعد زمن، كوب شاي؟”
أجابت أديلهيد ببرود: “لم تصل خادماتي بعد، إذا كان لديك عمل، فسأكون ممتنة لو اختصرت الحديث.”
زاد ابتسامة شارلوت تعمقًا، وفي الوقت نفسه ارتجفت أصابع أديلهيد. لم تنجح أبدًا في كسر عناد شارلوت. قالت الأخيرة:
“لدي أخبار قد تجدينها مثيرة، لكنها ليست للنقاش هنا.”
اقتربت أديلهيد جانبًا بحذر، ودخلت شارلوت الخيمة وكأنها ملكة، تلقي نظرة ازدراء على الأثاث الفاخر. دعتها أديلهيد للجلوس وهي تحرك الكتب والرقوص على الطاولة. رغم أن شارلوت كانت تقرأ اللغة الآرية القديمة، إلا أن أديلهيد شعرت أن الكلمات في الكتاب كانت مختفية كما لو كانت مسحورة.
شعرت أديلهيد بارتياح غريب لسلوك أختها الثابت، إذ حررها لقاءها مؤقتًا من أثقال الأفكار المعقدة التي تثقل كاهلها.
لكن عيون شارلوت الباردة انعكست عليها استياء خفيف، ثم همست بمرارة:
“بالنسبة لشخص مثلك، هذا مبالغ فيه. كيف لعزلتك هنا أن تخفي عنك ما يجري في الخارج؟ شككت في ذلك.”
ردت أديلهيد: “أنت صريحة. من فضلك، ركزي في الموضوع.”
قالت شارلوت بسخرية: “سمعت أنك تعتمد على عجوز وحيدة انتشلت من منطقة نائية. هل ظننت أنها مصدر إلهام في القصر؟ لم تكن تبدو ساذجة هكذا في صغرك.”
في الحقيقة، كانت أديلهيد قد أحضرت مارغريت لأنها لم تكن بحاجة إلى عيون وآذان. لكن شارلوت، التي أزعجتها ردود أديلهيد غير المبالية، ضغطت على أسنانها وقالت بتهكم:
“هل أصبحت عاجزة حتى عن فهم النقد؟ تمامًا مثل زوجك، تتوقين إلى العرش دون أن تعرفي مكانه.”
“عن ماذا تتحدثين؟ العرش؟ هل وقع فالنتين فريسة مكائد الإمبراطور؟”
ضحكت شارلوت ضحكة عالية على تعبير أديلهيد، وكأن رد فعلها يناسب توقعاتها تمامًا، وقالت:
“يبدو أنك لا تعرفين شيئًا.”
لم يكن من الصدق أن تقول إنها لا تعلم، لكنها فضلت التظاهر بالجهل. وعندما سألت عن غريتا، قبضت أديلهيد قبضتيها بقوة لكنها أخفت انزعاجها، لأن كلام شارلوت كان دومًا مليئًا بالفخاخ.
قالت شارلوت: “لماذا تسألين فجأة عن مكان غريتا؟”
أجابت أديلهيد بهدوء أنها فقط كانت فضولية. أخفت تعبيرها، رغم صعوبة إخفاء القلق في عينيها.
قالت: “غادرت غريتا أنسجار منذ وقت طويل.”
ردت شارلوت بلا مبالاة، وعلقت بسخرية: “هل تعتقدين أنني لم أرَ متسولًا في براغما يشبهها؟”
حبست أنفاس أديلهيد للحظة، لكن شارلوت واصلت حديثها بلا اكتراث:
“كانت وفية بما يكفي لتحدي والدتك، أليس كذلك؟ من العجيب كيف تخلّيت عنها فجأة. كنت أعلم مدى تعلقك بها.”
كان أديلهيد قد غمرها القلق، لكنها حافظت على هدوئها.
قالت شارلوت بخفة: “هذا كل شيء حقًا.”
رأى أديلهيد قلقًا يخيم على وجهها، فابتسمت شارلوت بسخرية، ثم اختفت ابتسامتها بسرعة، كزهرة سامة تتفتح وتذبل في لحظة.
—
عاد فالنتين متأخرًا في الليل، ووجد أديلهيد مستلقية بمفردها على السرير الكبير، تتحرك بقلق لا يهدأ، وقد غمرت كلمات شارلوت ذهنها وأبقتها مستيقظة بلا نوم.
تساءلت عن غريتا، عن وجودها في براغما، تلك المدينة التي تجتمع فيها كل الأطياف، وعن سبب تركها قلعة أنسجار وعن كل شيء، حتى عنها.
سمعت صوت الستائر تُسحب، ودخل فالنتين بحذر. جلس إلى جانبها، وهو يضحك بخفة بعد أن سألها عن سبب سهرها.
كانت رائحة الكحول تلتصق بملابسه وأنفاسه، نتيجة مأدبة الإمبراطور التي امتدت حتى الفجر، لكنه بدا متعبًا وقلقًا.
انحنى نحوها، دفن وجهه في رقبتها، واحتضنها بإحكام، وهو يزفر: “لو علمت أنك ما زلت مستيقظة، لكنت عدت إليك أسرع.”
سألته إن كان يريد العودة للخارج، فأجاب: “لا بد لي، لكني جئت فقط لأغير ملابسي.”
ضحك في سره متسائل لماذا يعشق البشر الشرب هكذا. مرر يده برقة أسفل ظهرها، متأكدًا أنها ليست ثملة.
عاد الخادم ومعه حوض ماء، بينما خلع فالنتين قميصه وبدأ يمسح جسده تحت ضوء خافت، حيث ارتسمت عضلات ظهره المشدودة بكل وضوح وجمال.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 63"