-الإيمان الأعمى والاندفاع-
تجمدت أديل عند السؤال المفاجئ. بالكاد استطاعت أن تدير رأسها لتنظر إليه، لتجده يحدق بها بهدوء.
شعرت وكأن القناع المعتاد من الهدوء المترف قد سقط فجأة. وتحت ذلك القناع، كان هناك شيء صلب وجاف—فارغ حتى من لمحة راحة.
متى ستحبه؟ لم تكن تعرف. قربه دائمًا ما منحها طمأنينة غريبة، راحة دافئة عميقة، وكأنها عادت أخيرًا إلى موطنٍ مجهول.
كانت تشعر نحوه بمشاعر أشبه بغريزة؛ كسمكة تسبح في بحرها، أو طائر يجد نفسه في حضن الريح. هل كان ذلك هو الحب؟
لم تكن تعرف الكثير عن المشاعر بين الرجل والمرأة، لكنها شعرت أن هناك شيئًا صادقًا يتحرك بداخلها كلما نظرت إليه.
على عكسها، التي دائمًا ما كانت مترددة، كان فالنتين ثابتًا، واثقًا، لا يتزحزح.
وكأن ذلك الاتساق الذي يندر وجوده بين البشر هو طبيعته. لكنه، بالطبع، لم يكن إنسانًا.
لقد كان كائنًا عاش وتجاوز الأبدية.
وربما، حتى لو كانت هذه العلاقة تسلية عابرة بالنسبة له، فهي تعني لها عمرًا كاملاً.
وفوق ذلك، الطريقة التي غمرها بها بمودته الحنونة، من دون شروط ولا قيود—كانت شيئًا لم تتلقه حتى من والديها، وكان أعمق بكثير مما منحته لها جريتا.
كيف تجرؤ على رفضه؟ رجل منحها، بغير جهد، الشيء الذي تمنته طوال حياتها.
الآن.
كأن أحدهم همس داخل عقلها.
احتضنيه الآن. أخبريه أنك تحبينه.
كان ذلك الصوت قويًا، جذابًا، ساحرًا. لدرجة أنها كادت تستسلم له بلا تفكير.
وبالفعل، دون أن تقدر على كبح مشاعرها، تقدمت منه خطوة واحدة.
نظر إليها بصمت، ووجهه ساكن، لا يمكن قراءته.
لم يتحرك ليقترب منها، ولم يبتعد.
“فالنتين، أنا…”
فتحت فمها لتتكلم، تجمع كل الشجاعة التي تملكها.
لكن حينها، مر وجه جريتا الساخر في خاطرها.
_ “الرجال جميعهم متشابهون. يوهمونك بأنهم سيمنحونكِ العالم، ثم يرمونك في الزاوية بمجرد أن يحصلوا عليكِ. يصبحون أبرد من ريح الشمال.”
ترددت.
_ “لا تثقي بهم يا سيدتي. إنهم لا يعرفون كيف يحبون. كل ما يعرفونه هو الرغبة…”
شعرت بشيء يتصلب داخلها، شيئًا كان لينًا قبل قليل.
كأنها استفاقت فجأة من حلم دافئ وغامض.
‘كيف كدتُ أن أسلمه كل شيء؟’
في بعض الأحيان، كانت مشاعرها نفسها تخيفها. تبدو لها غريبة، ككرة ثلج تندفع بسرعة نحو انهيارٍ جليدي.
كل ما شعرت به تجاهه، كان سريعًا جدًا. مفاجئًا جدًا.
رفعت عينيها إليه. كان لا يزال واقفًا، ينتظر جوابها.
حاولت الابتسام لتبديد التوتر، لكن فمها ظل جافًا.
“ربما…”
“…”
“إذا… كان بإمكانك الانتظار… لفترة أطول قليلًا…”
رغم أن كلماتها كانت بالكاد مسموعة، ابتسم فالنتين بمرح.
“حسنًا. إنه وعد.”
—
“من الذي ربط هذا الحزام بهذه الطريقة؟”
“هل يمكن إنقاذه أصلاً؟”
احمر وجه أديل عندما رأت نظرات مارغريت المصعوقة.
لم تفعل شيئًا يُذكر، ومع ذلك شعرت بالإهانة.
كان فالنتين قد غادر منذ مدة.
مارغريت، وهي تنقر بلسانها، شرعت في فكّ العقد، ثم عبست.
“لقد تمزق من المنتصف. سأضطر لقصه برفق بالمقص.”
“ألن يبدو واضحًا جدًا؟”
“القماش داكن ومخملي. لن يُلاحظ إلا إذا دقق أحد النظر. وإذا ربطتُ الخيوط المتبقية جيدًا، فلن تكون خصلة مفقودة مشكلة.”
تنهدت أديل براحة.
رغم أن لديها ملابس مخصصة لهذا اليوم، لم تكن ترغب في تجاهل الهدية التي أحضرها فالنتين.
“لا تقلقي يا جلالتك”، قالت مارغريت وهي تضع كوب الشاي على الطاولة.
“سأضفر شعرك بشكل جميل، وسيغطي كل شيء. ولن تخرجي للصيد اليوم، صحيح؟”
“لا، على الأرجح لن أفعل.”
“شعرك طويل وناعم بما يكفي ليبقى منسدلًا، لكن بما أنه مهرجان الصيد…”
ابتسمت وهي ترفع المشط، وبدأت في تمشيط شعرها بلطف.
قسّمت خصلاته إلى أقسام سميكة، ونسجتها بشرائط ملونة.
واستخدمت مكواة ساخنة لتجعيد خصلات الشعر حول أذنيها.
“لعشاء الليلة، يمكنكِ فكّه وربطه مجددًا في منتصف الرأس. سيبدو رائعًا.”
“شكرًا لكِ.”
“على الرحب والسعة.”
ابتسمت مارغريت ثم انضمت إلى بقية الخادمات، اللواتي كنّ يفرزن صناديق ممتلئة بالهدايا.
مناديل، قفازات، أحذية تناسب قدميها تمامًا، ومجوهرات وحليّ.
وعدد من الفساتين الزاهية، فاخرة التصميم.
كلما فُتح صندوق، أظهرنه لها بلطف قبل أن يُرتبنه بعناية.
“كم أنفق؟” همست أديل بدهشة.
“أرسل جلالته كمية كبيرة من الذهب هذه المرة.”
تقدمت مارغريت لتدافع عن فالنتين بلطف حين لاحظت ملامح القلق على وجهها.
فقد سمعت أديل من حديث الخادمات أن الإمبراطور، بعد الحصول على تعويضات ضخمة من بالسن، منح جبلًا من الذهب للدوق الأكبر أنسجار.
وعندما تأكدت من أن لا أحد يستمع، همست أديل، “ألن يُثير هذا غيرة الآخرين؟”
“ربما. صحيح أن دوقنا ساهم في إنهاء الحرب، لكن لا أحد حظي بمثل هذا الإكرام من قبل. لذلك تنتشر الشائعات الآن.”
لم تستطع إخفاء قلقها.
فالمحاباة المفرطة من قبل الإمبراطور لم تكن دائمًا نعمة.
وفوق ذلك، حتى لو استعاد أنسجار ذكرياته، ففالنتين لم يكن بشريًا، مما جعله عُرضة للتلاعب من السياسيين.
رأت مارغريت قلقها، فسارعت لطمأنتها:
“عليكِ التركيز على التعافي، جلالتك. يبدو أنني قلت شيئًا غير مناسب.”
“بل أنا من طلبت منكِ أن تخبريني.”
“ولكِ كل الحق. ولكن الأهم الآن… هل أنتِ جائعة؟”
“لا أشعر بالجوع. وسنغادر قريبًا.”
“حتى ولو كانت فاكهة فقط، سيكون من الأفضل تناول شيء بسيط. ما رأيكِ ببعض التين المجفف؟”
ترددت أديل للحظة. لم تكن تشتهي شيئًا، وشعرت بحكة خفيفة في حلقها. لكنها أومأت برأسها.
“حسنًا… قليلًا فقط.”
كانت بحاجة إلى طاقة. لا يمكنها أن تظهر أمام الجميع ضعيفة.
ابتسمت مارغريت وغادرت، ثم عادت بوعاء خشبي فيه تين مجفف ومكسرات.
نظرة مارغريت الحازمة أجبرت أديل على أكل كل ما في الوعاء.
“صاحبة السمو.”
دخلت الخادمات يحملن فساتين وصناديق مجوهرات، عرضنها أمامها بعناية.
“جهّزنا ملابسكم لمهرجان الصيد. هل هناك شيء ترغبين في إضافته؟”
كان المهرجان يمتد لثلاثة أيام، يُنصب خلاله خيام في غابة شوارزوالد، ويُقضى فيه الوقت بين الصيد والطعام والولائم الليلية.
النساء النبيلات عادة ما يختصرن متعلقاتهن، فيخترن بعناية ما يحتاجونه مسبقًا.
ورغم أن أديل لم تكن معتادة على المشاركة، لكنها كانت على دراية كافية من خلال تجهيز ملابس شارلوت في الماضي.
حدّقت في الفساتين الجنوبية الملونة الزاهية التي خيطت حديثًا، وهزت رأسها.
“هذا يكفي.”
بل أكثر من كافٍ.
لكنها لم تستطع قول ذلك أمام خادمات القصر.
“وإن كان هناك شيء ناقص، يمكننا استدعاء التجار إلى شوارزوالد. أليس كذلك، يا أديلهيد؟”
“صاحب السمو الدوق الأكبر.”
شهقت الخادمات وانحنين بعمق حين ظهر فالنتين عند الباب، دون أن يشعرن بوصوله.
“العربة جاهزة. يجب أن نتحرك.”
مدّ يده إليها، وشجعها بلطف.
وعندما وصلا إلى المدخل، وجدت عربة فخمة تنتظرهما.
لم تكن عربة أنسجار البسيطة، بل أخرى سوداء مطعّمة بالفضة.
سألت بتردد، “هل هذه أيضًا من جلالته؟”
“نعم.”
فتح الباب وساعدها على الصعود، ثم جلس مقابلها. انطلقت العربة بهدوء.
الراحة التي شعرت بها فيها جعلتها تهمس:
“فالنتين…”
“نعم، أديلهيد؟”
“هل… سمعت عن الشائعات التي تدور مؤخرًا في القصر الإمبراطوري؟”
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 58"