-متى بالضبط؟-
“جلالة الإمبراطور؟”
أومأ فالنتين برأسه، وشفتيه مشدودتان في خطٍ متوتر.
مدّ يده وأعاد خصلات شعرها إلى الخلف، فاجتاحها شعور منعش انطلق من أعلى رأسها حتى وصل إلى أطراف قدميها ثم تلاشى. أدركت أديل أن العرق اللاصق الذي كان يغلف جسدها قد اختفى فجأة، وشعرها صار نظيفًا تفوح منه رائحة الصابون وكأنه غُسل للتو.
قال بهدوء، “لقد طُلب منكِ الظهور أمام النبلاء في أول وآخر أيام مهرجان الصيد. يمكنكِ الذهاب بالعربة، والظهور للحظة قصيرة، ثم العودة للراحة في معسكر أنسجار.”
“…”
“إذا شعرتِ أن هذا كثير، أخبريني. سأجد طريقة للاعتذار.”
هزّت أديل رأسها. “لا بأس. أشعر بتحسن كبير، وأستطيع فعل ذلك.”
في النهاية، كان فالنتين هو الشخصية المحورية في هذا الاحتفال. الظهور وحده دون رفيقة سيجعل الآخرين يتهامسون، وبما أن هناك عهودًا بينهما، فلا يمكنه اصطحاب امرأة غيرها. ورغم مرضها، إلا أن غيابها لم يكن بلا أثر.
ومع ذلك، لم يُبدِ فالنتين أي تذمر، وكأنه لا يهتم بما يقال. ربما لأنه، حتى بذكرياته كـ”دوق أنسجار الأكبر”، لم يكن بشريًا في جوهره؟ فكرت أديل في الأمر، وما زالت تجد الأمر غريبًا. كيف استطاع أن يعيش بين رجال الدين وكهنة موريج دون أن يشعر أحد بحقيقته؟
القوة الإلهية لا تُقاوم عادة. الكهنة كانوا يعودون أحياء من ساحات صيد الوحوش، لأن تلك الكائنات كانت تخشى النور الإلهي. فكيف لم يتأثر فالنتين؟
‘هل لأنه… من نفس نوع الحاكم؟’
“أنتِ تفكرين كثيرًا مرة أخرى.”
مسح شفتيها المفتوحتين بلطف وقال، “ستبدأين بسيلان اللعاب، أديل.”
همس في أذنها بخفة، واحمرّ وجهها فورًا وهي تمسح فمها بخجل. ضحك، ثم مدّ يده.
“لا بد أنكِ سئمتِ من الاستلقاء. تعالي نجرب الفستان الجديد. سأساعدك.”
“ستساعدني؟”
“لا أرى كيف يمكنكِ تدبير الأمر وحدكِ.”
لم تكن مخطئة؛ فالفستان يتطلب شدّ خيوط معقدة من الخلف. لكنها فضّلت النضال على أن تكشف ظهرها أمام فالنتين.
“لا بأس. أستطيع تدبر الأمر بنفسي.”
“صعب تصديقه.”
“إذا كنتَ قلقًا لهذه الدرجة، يمكنك إرسال مارغريت بدلاً منك.”
ضحك وقال، “أديل، أرجوكِ استخدمي يدي في أمور تافهة كهذه.”
بدا خطيرًا بشكل غريب وهو يتحدث بهدوء مرتدياً بزّته الأنيقة، وأزرار قميصه تلمع تحت ضوء الصباح.
همست أديل، “تتصرف بغرابة اليوم، تعلم ذلك؟”
“حقًا؟”
ابتسم بتلك الابتسامة الغامضة التي جعلتها تشعر بعدم الارتياح أكثر.
“هل ستساعدني فعلاً؟ لا يمكن أن تكون جادًا.”
“هل يبدو أنني أمزح؟”
اقترب منها بهدوء. أديل أمسكت بثوبها واندفعت خلف الحاجز، بينما سمعته يضحك بهدوء.
تحققت من ثبات الحاجز، ثم خلعت ملابسها بسرعة، لكنها تجمدت فجأة.
‘أين الملابس الداخلية؟’
بحثت مرارًا وتكرارًا دون جدوى.
“فالنتين…”
نادته بخجل، “هل يمكنك مناداة مارغريت؟”
“لماذا؟”
ترددت، ثم قالت، “أعتقد أنني أفتقد ملابسي الداخلية.”
“ملابس داخلية؟”
“نعم، التي تدعم الجزء العلوي…”
“أوه.”
خطواته اقتربت، ثم قال بهدوء، “أسقطتها على الأرض.”
“هل يمكنك إعطاءها لمارغريت؟”
“ألا تحتاجينها الآن؟”
ازدردت ريقها بقلق. ثم امتدت يد فوق الحاجز وأعطته إياها، وجهها يشتعل خجلاً.
“شكرًا… سأخرج قريبًا.”
ارتدت ملابسها بسرعة، وحاولت ربط خيوط الفستان المعقدة وحدها. لكن الشرائط كانت متشابكة، وكانت تلف وتدور، عاجزة عن التحكم بها.
ثم قال فالنتين من الخارج، “إذا كانت سمعتك تعتمد على ارتداء هذا النوع من الملابس، فربما لا يجب أن تهتمي.”
“لا تقل شيئًا كهذا.”
“بالنسبة لي، ما ترتدينه لا يغيّر شيئًا. كل شيء يبدو متشابهًا.”
تجمدت. لا تعرف كيف ترد. ثم قال، “دعيني أساعدك.”
وفي اللحظة التي نطق فيها بذلك، سحب الحاجز جانبًا.
“آه!”
شهقت أديل، وقامت بتقويم نفسها على الفور. نظرته انعكست في المرآة—هادئة، وباردة، بلا أدنى اهتمام.
“يناسبكِ.”
“لا أصدق كم أنتَ وقح…”
“اكتشفتِ ذلك للتو؟”
اقترب، ولم يظهر عليه أي اهتمام بمظهرها العاري. قال: “ارفعي شعركِ.”
فعلت ذلك، وبدأ يربط الخيوط. لم يكن هناك حنان، ولا ابتسامة. فقط صمت غريب، كأنه نسي حتى وجود المرآة.
تأملته. بدا مختلفًا. توترٌ ما كان يختبئ خلف ابتسامته المعتادة.
“هل هناك ما يقلقك؟” سألته.
“هل يبدو عليّ ذلك؟”
“إنها أقل تعبير هادئ رأيته على وجهك.”
رفع حاجبيه قليلًا، وابتسم باهتًا.
“هل تحاولين مواساتي؟”
“إذا كان ذلك سيساعد، نعم.”
التقت عيونهما عبر المرآة. انعكست عيناه الذهبيتان تحت ضوء الشمس.
ثم همس، “لم يحدث أبدًا أنني لم أرغب في ذلك.”
“…”
“وما زلت أرغب الآن.”
حتى أديل، التي كانت تجهل الكثير، فهمت ما يعنيه. عضّت شفتها، وابتلعت السؤال الذي كاد أن يفلت.
‘لماذا لا تطلب المزيد؟’
قال بصوت خافت، وهو يربط الخيوط، “لأنك إنسانة. ولست معتادًا على قواعد البشر.”
“…”
“لا أريد أن تكون الظروف السبب، ولا رغبتك في السحر. أريدك أن تطلبيني لأنكِ ترغبين بي.”
“…”
“سأنتظر حتى تصبحي مستعدة.”
نظرت إليه عبر المرآة بدهشة. ملامحه التي كانت دائمًا رائعة الجمال، بدت أكثر إنسانية الآن. كأنه، رغم قوته، لا يريد شيئًا بالقوة.
“تمّ كل شيء.”
تراجع خطوتين، وابتسم.
لكن أديل نظرت إلى انعكاسها. الخيوط كانت فوضوية، والفستان مرتخيًا.
تنهد، ثم قال لها بابتسامة خافتة:
“فمتى تعتقدين أنك ستحبني؟”
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 57"