-الشائعات-
“أنا آسف… لا بد أنني كنت متسرعًا جدًا. لو كنت أعلم أن الأمر سيؤذيك إلى هذا الحد، لكنت تصرفت بحذرٍ أكبر.”
ما الذي يقصده؟
رغم ارتباكها، أدركت أنه يلوم نفسه. ومع ذلك، لم تكن تملك طاقة كافية لتسأله عن السبب.
لكن فالنتين، وكأنه قرأ أفكارها، تابع حديثه بهدوء:
“يبدو أن كسر ختم سحرك بتلك الطريقة المتهورة قد أرهق جسدك. كان عليّ أن أنتظر حتى تجهزي، لكنني لم أتمالك صبري. هذا خطئي بالكامل.”
“…سحر؟”
“لو كان بإمكاني أن أتحمل عنك الألم، لفعلت دون تردد.”
نظر إليها كما لو كانت شيئًا هشًا ومثيرًا للشفقة، ثم مرر ظهر يده برفق على جبينها. لم يكن ذلك مجرد وهم…
في كل مرة كان يمدّها بقليل من السحر، كان الألم يخفُّ تدريجيًا.
الدموع انهمرت من عينيها المحمرّتين بحرارة الحمى، دون أن تتمكن من كبحها.
“إنه… حار جدًا… لكنه بارد…”
راقبها فالنتين بنظرة مركبة، ثم تمتم:
“الاعتماد الزائد على السحر ليس أمرًا جيدًا. البشر يتعافون بشكلٍ أفضل بطرقهم الطبيعية.”
“سوف… أموت إذا لم أستعمله…”
“إذا حدث خطأ، قد يتسبب ذلك في معاناة أطول.”
“أرجوك… أتوسل إليك…”
كانت وجنتاها محمرّتين، وعيناها تتوسلان، فتنهد وهو لا يزال جالسًا على حافة السرير، ثم رفع ذقنها بلطف بين إصبعيه.
شعرت بلمسته الباردة على شفتيها المتورمتين، وفجأة… انحنى نحوها.
الظل الذي غطّى مجال رؤيتها جعلها تفتح عينيها عن آخرهما، بينما كان يطبع قبلة خفيفة على شفتيها.
“…أونغ…”
اندفع السحر إلى جسدها عبر شفتيه، بارداً ومُنعشاً، فابتلعته بجشع غريزي.
تشبثت بياقة قميصه بكلتا يديها المرتعشتين، وكأنها ترجوه: المزيد… فقط قليلًا بعد…
فلبّى طلبها بصمت، يسكب فيها من قوّته ما شاءت دون تردد.
شعرت بقوة هائلة تجتاحها كعاصفة، ثم انقطع وعيها فجأة.
—
حين فتحت عينيها مجددًا، كان الصباح قد حل.
الحمى اختفت بالكامل، ولم يعد هناك أي أثر لذلك الألم الجليدي الذي كان يمزق جسدها من الداخل.
رغم أن الفجر بزغ، إلا أن الشمس لم تكن قد ارتفعت بعد. الهواء كان نقيًا ومنعشًا، يشوبه لون أزرق باهت.
أدارت ناظريها بخجل في أرجاء غرفة النوم الهادئة. خلال الأيام القليلة الماضية، كان فالنتين بجانبها كلما استيقظت.
وغريبٌ كم بدا غيابه اليوم غير طبيعي… حتى إنها فُوجئت بمدى اعتيادها على وجوده.
“يا إلهي، هل تشعرين بتحسّن؟!”
دخلت مارغريت بصمت، ثم اندفعت نحوها بقلقٍ واضح. كانت علامات السهر واضحة تحت عينيها.
ابتسمت أديل بهدوء عندما رأت الزهور البرية التي كانت مارغريت تحملها بيديها.
على عكس باقات النبلاء المزخرفة، كانت تلك الزهور بسيطة، طازجة، وذات رائحة عذبة وسحر خاص.
“أنا بخير الآن. هل أنتِ من اختارها؟”
“لا، لقد سلّمني إياها صاحب السمو الدوق الأكبر. استدعاه جلالته في طريقه إلى الإسطبلات، فتركها معي.”
“جلالته؟ في هذا الوقت المبكر من اليوم؟”
“اليوم يبدأ مهرجان الصيد، تذكرين؟ جلالته طلب حضوره لاختيار حصانه.”
أثناء حديثها، قامت مارغريت بتبديل الزهور الذابلة في المزهرية، لكن نبرتها لم تكن بالحيوية المعتادة، كما لو أن شيئًا يُثقل خاطرها.
أديل، وقد لاحظت التغير، أمالت رأسها وسألت:
“أليس من الجيد أن يهتم الإمبراطور بتجهيز حصان له؟”
“بالطبع… لكن هناك شائعات غريبة بدأت تنتشر.”
“شائعات؟”
“نعم… في البداية، كانت مجرد همسات بين أتباع أنسجار، لكن يبدو أنها خرجت عن نطاق السيطرة.”
“أي نوع من الشائعات؟ أخبريني، أرجوك.”
ترددت مارغريت، ثم أومأت أخيرًا وكأنها قررت ألا تخفي عنها شيئًا بعد الآن، خاصة وأن أديل أصبحت الآن جزءًا من الدائرة النبيلة في البلاط.
سحبت كرسياً، وجلست قربها، ثم بدأت:
“كما تعلمين، اللورد إدمونت، الدوق الأكبر السابق، تنازل عن منصبه كولي عهد واختار أن يرث أنسجار بدلاً من العرش الإمبراطوري.”
“نعم، إنها قصة مشهورة.”
“الإمبراطورة الراحلة كانت الوريثة الوحيدة المتبقية لعائلة أنسجار. ووفقًا للاتفاق، فإن الابن الأول منها يحكم الإمبراطورية، والثاني يرث أنسجار.”
“لكن إدمونت، رغم كونه الابن البكر، اختار التنازل عن العرش. هذا ما حيّر الجميع.”
أخذت مارغريت نفسًا عميقًا قبل أن تكمل:
“كنا نعتقد أنه لم يتزوج بسبب قسوة الحياة في بيتشسليبن… أرض موحشة وقاسية. لم تكن مكانًا يصلح لتكوين أسرة.”
ثم أضافت بصوت منخفض:
“لكن لاحقًا، أحضر طفلًا… رضيعًا، وقال إنه ابنه، وإنه سيكون وريث أنسجار. لم يكن ينوي الزواج أبدًا.”
“فالنتين… أليس كذلك؟”
“نعم. كان شعره أسود وعيناه ذهبية… سمات العائلة الإمبراطورية.”
تغيرت ملامح مارغريت تدريجيًا، وكأنها تخشى قول ما يلي.
“الشائعات… تقول إنه ليس ابن إدمونت، بل ابن غير شرعي للأمير الثاني، الإمبراطور جوزيف الآن.”
“ماذا؟!”
“يُقال إن عشيقة له من عائلة نبيلة تخلّت عنه بعد أن حملت. الشائعات كانت تملأ العاصمة، لكن ظهور اللورد أوسكار خفّف منها لاحقًا.”
أديل، وقد بدأ قلبها يخفق بسرعة، قبضت على أصابعها المرتجفة.
“هل هذه الشائعات منتشرة في القصر الآن؟”
“ليس تمامًا، لكن كثيرين يلاحظون الشبه. ولي العهد يشبه الإمبراطورة، بينما فالنتين… يبدو وكأنه ابن جوزيف.”
وفي تلك اللحظة، توقف صوت مارغريت. نظرت خلفها بتوتر…
كان فالنتين واقفًا عند الباب، يراقب بصمت.
وبنظرة باردة، أشار لها بالخروج.
غادرت مارغريت مسرعة، بينما قالت أديل:
“لم يكن عليك أن تكون قاسيًا معها. أنا من طلبت منها أن تحكي لي.”
“كان بإمكانك أن تسأليني مباشرة.”
“…”
“هل خفّت حرارتك؟”
اقترب منها، وضع يده على جبينها. كانت يده باردة من الخارج، مما جعلها تغلق عينيها براحة.
ثم، دون وعي، أمسكت بيده ومسحت بها خدها. وما إن أدركت ما فعلت، تجمدت.
ضحك بخفة:
“بعد أن دللتِ نفسك بهذا الشكل… كيف تنوين تحمّل العواقب؟”
“أنا… أعلم أنك لن تتصرف بطيش.”
“لا تكوني واثقة هكذا. لا تثقي بي كثيرًا.”
رفع ذقنها بأصابعه، ولاحظ ارتجافة عينيها الخضراوين.
ثم انحنى وطبع قبلة خفيفة على شفتيها. قبلة سريعة، لكنها كانت كافية لتترك أثرها في قلبها.
“تماسكي اليوم… سيكون مزدحمًا.”
ثم أخرج علبة أنيقة، ووضعها على حجرها.
نظرت أديل إلى الختم، وعرفت على الفور أنه يخص أشهر خياط في العاصمة.
“لقد طلبته فور وصولنا… وصل الليلة الماضية.”
فتحت العلبة بحذر، وظهرت قطعة قماش ناعمة من المخمل الأزرق الداكن، مطرزة بأناقة.
كان الفستان جميلاً، وتحتها كانت هناك قفازات، ومنديل، ومروحة، وقبعة صغيرة مزينة بالريش.
“هذا كثير…”
“كنت قلقًا من ألا تجدي ما ترتدينه.”
قال ذلك بصوت هادئ، ثم أضاف:
“في الحقيقة… كنت أريدك أن ترتاحي اليوم. لكن الإمبراطور أصرّ على رؤيتك.”
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 56"