“بفضل تعويضات الحرب السخية التي انتزعناها من أوغاد بادن المزعجين، ستبقى خزائني ممتلئة لفترة طويلة. ومع وجود شخص مثلك، يمكنني أن أطمئن تمامًا على الشمال.”
كانت كلماته الأخيرة مديحًا صريحًا، أُعلن للجميع. فانحنى فرسان فالنتين في انسجام، رؤوسهم تنخفض في توقيت موحَّد.
“حقًا، أنت نور أنسجار.”
لوّح الإمبراطور بيده وكأنه يرفض الإطراء، ولكن وجهه كان يحمل ابتسامة رضا.
“لا بد أنكم جميعًا تحملتم رحلة طويلة، وها أنا ذا أحتجز من أنهكهم السفر بالكلام. اذهبوا للراحة. سنلتقي في مأدبة المساء.”
“نعم، جلالتك.”
وحين انحنى فالنتين برأسه وفقًا لآداب البلاط، لوّح الإمبراطور مجددًا، هذه المرة باستخفاف لطيف، وكأنه يرضى فقط بمجرد أداء الطقوس.
وما إن اعتدلت أديل في وقفتها بعد الانحناء، حتى اقترب منها أحد خدم الإمبراطور بسرعة.
“من فضلكم، تفضلوا بالصعود إلى العربة. أمر جلالته بتخصيص قصر خاص لإقامتكم.”
“قصر منفصل؟”
“نعم، ليس بعيدًا، لكن المشي إليه قد يكون متعبًا.”
وبهذا انطلق الجميع مجددًا، على ظهور الخيول وفي العربات. وعلى عكس ما وصفه الخادم من أنه “ليس بعيدًا”، امتدت الرحلة وقتًا لا بأس به.
“لقد وصلنا.”
توقفت العربات أخيرًا أمام مبنى بدا وكأنه نسخة مصغّرة من القصر الإمبراطوري.
في براغما، بالإضافة إلى القصر الرئيسي، كان هناك اثنا عشر قصرًا ملحقًا. والقصر المخصص لأنسجار كان واحدًا من الأقرب إلى المقر الإمبراطوري.
نظرت أديل إلى المكان برهبة. حديقة فاخرة، وثكنات واسعة تكفي لإيواء خمسة عشر فارسًا من حرسها الشخصي براحة.
“من هنا، من فضلكِ.”
ما إن نزلت من العربة حتى تبعها خادم بخطى سريعة ليرشدها. وبينما لاحظت أن فالنتين يُقاد إلى غرفة قريبة، تابعت الخادم الذي فتح لها باب جناحها.
الغرفة كانت فسيحة ومريحة، بأثاث مزخرف ونوافذ واسعة تطل على الشرق، غمرت المكان بالضوء.
“تحياتنا يا صاحبة السمو.”
خادمات القصر أسرعن بالترحيب بها بانحناءات مهذبة، وكنّ قد بدأن بتفريغ الأمتعة مسبقًا.
“سنخدمك بإخلاص يا مولاتي، لتكون إقامتك مريحة قدر الإمكان.”
“تفضلي من هنا، سيدتي. أغراضكِ موجودة في الغرفة المجاورة.”
ألقت مارغريت نظرة مترددة على أديل قبل أن تتبع خادمة القصر التي حثّتها على المغادرة.
في أنسجار، لم يكن هناك فصل واضح بين الخادمات النبيلات واللاتي يقمن بالأعمال اليومية، بل كانت المهام توزّع حسب الحاجة، بسبب النقص في اليد العاملة.
“هل ترغبين أن نجهز لكِ حمامًا يا صاحبة السمو؟”
أومأت أديل فورًا، وهي تشعر بلزوجة عرقها القديم. كانت تتوق للخلاص من ملابس السفر.
“من فضلكِ، نعم.”
خرجت الخادمة مسرعة، ثم عادت مع خدم يحملون أحواضًا مملوءة بالماء المغلي. مزجوا الماء الساخن والبارد، وأضفوا عليه بتلات الزهور المجففة والزيوت العطرية.
انتشرت رائحة منعشة لطيفة في الهواء.
“الحمام جاهز، يا صاحبة السمو.”
رفضت أديل مساعدة الخادمات في خلع ملابسها، وخلعتها بنفسها، ثم انزلقت إلى الماء الدافئ.
ما إن غاص جسدها فيه، حتى بدأت أعصابها المشدودة تسترخي ببطء.
“هل حرارة الماء مناسبة؟ سنضيف بعض البتلات.”
“من فضلكِ، مدي مرفقك. سأقوم بفركك بلطف.”
الخادمات كن محترفات، يقدمن خدماتهن بأدب وهدوء. لم تعتد أديل بعد على هذا النمط الجنوبي من الخدمة، حيث يُعتمد على الخدم في كل شيء، من أول لمسة إلى آخر خطوة.
حتى في رايشناو، لم تكن هناك سوى غريتا من كانت تبادر بهذه الرعاية.
غريتا.
الذكرى وحدها سببت وخزًا في صدرها.
أثناء إقامتها في العاصمة، عزمت أديل على بذل كل جهد ممكن للعثور عليها.
كان هناك مقر لنقابة مرتزقة في العاصمة، تملك شبكة معلومات واسعة، تغطي دنبورغ بالكامل. ومن خلالها، قد تتمكن من معرفة أخبار عنها.
إن حالفها الحظ، فقد تجد موقعها.
لكن مغادرة القصر — مجرد الخروج للحظة — سيكون التحدي الحقيقي.
لو كان يانيك هنا، لما كان الأمر صعبًا. لكن للأسف، بقيت في القلعة لتتدرب كخادمة رئيسية.
من الصعب تصديق أن تلك الوقحة هي ابنة أخت هيرمان.
بينما كانت غارقة في التفكير، كانت الخادمات يدلكن كتفيها بحركات ناعمة مريحة.
تنهدت أديل براحة، وغاصت أكثر في الماء.
“شعركِ جميل يا صاحبة السمو.”
“يا له من لون! كأنه خيوط من الذهب.”
“يتطابق تمامًا مع لون عيني جلالته.”
دلكن شعرها بعناية، وفركنه من الجذور حتى الأطراف، ثم شطفنه بالماء النظيف. وغمرت أديل نشوة خفيفة من الانتعاش.
وفي دفء الماء وخدمة الخادمات الهادئة، بدأ النعاس يتسلل إليها.
—
“هل استيقظتِ؟”
أديل، التي بالكاد خرجت من غفوتها، رفعت نظرها لتجد فالنتين جالسًا إلى جانب سريرها، يبتسم لها ابتسامة حانية.
عقلها ما زال عالقًا بين الحلم واليقظة، تحاول أن تميز ما إذا كان ما تراه حقيقيًا.
أطلق فالنتين تنهيدة خافتة، ثم انحنى ببطء ليضغط جبهته على عنقها.
“هذا ليس عدلًا.”
يده المشدودة على الملاءة بدت وكأنها تقاوم شيئًا ما. كان صوته مشحونًا بالرغبة، لكنها كانت مضبوطة.
“من غير المنصف أن تبتسمي بهذه الطريقة فور استيقاظك.”
حاول أن يضحك، لكنه لم يستطع إخفاء الشوق المشتعل بداخله.
مرّت أديل أصابعها على ظهره، على امتداد عضلاته المتوترة، كوتر قوس مشدود.
شعرت على الفور بجسده يتصلب. رفع رأسه وهمس بصوت خافت:
“لا تثيريني. أنتِ لم ترتاحي بعد.”
“…لم أقصد أن أثيرك.”
“نامي أكثر. أنا هنا.”
رغم مشاعره الغامرة، تساءلت أديل في نفسها: هل يعاملها هكذا لأنها هي؟ أم لأنها تشبه “تلك المرأة”؟
هل كان حبًا حقًا… أم مجرد ظل لامرأة أخرى؟
“أديل… ما الذي يشغل تفكيرك؟”
“…هل صرتَ تقرأ أفكاري الآن؟”
“بالطبع لا.”
“فلماذا إذًا؟”
“كنتِ تعضّين شفتيكِ. ليس من عادة أحد أن يفعل ذلك وهو مرتاح.”
وبلطف، مرّر إبهامه على شفتها التي كادت تُصاب بكدمة.
انتقل من خدها إلى أذنها، ثم رقبتها، ملمسه يشعل بها إحساسًا غريبًا جعلها تضحك فجأة.
لكنها ما إن توقفت عن الضحك حتى شعرت بالظلمة التي تحيط بالغرفة.
انتظري… ما الوقت الآن؟ هذا ليس توقيتًا طبيعيًا… كان من المفترض أن تستعد للمأدبة!
“الحفل انتهى، أديل.”
“م-ماذا؟ انتهى الحفل؟”
شعرت وكأنها تلقت دلوًا من الماء البارد فوق رأسها.
فزعت من السرير، وكادت تصطدم بذقن فالنتين. أمسك بها فورًا لتهدئتها.
“يمكنكِ الراحة. قلتُ لهم إنكِ مريضة وغير قادرة على الحضور.”
“لكن… هل كان ذلك مقبولًا؟ لم يكن ينبغي أن أفوّت مناسبةً يحضرها الإمبراطور.”
“لا تقلقي. لقد عولج الأمر تمامًا.”
“…حقًا؟”
“ما الفائدة من الكذب بشأن شيء كهذا؟” قال ضاحكًا، لكنه لم يهدئ قلقها.
الإمبراطور لم يكن رجلاً متسامحًا.
كان شديد الحساسية لأي تلميح إلى التمرد أو التقصير، معروفٌ بقدرته على تذكّر الزلات.
ولهذا كان على أديل أن تحضر كل دعوة توجه إليها، مهما كان الثمن.
تحدثت وهي تتحسس أطراف أصابعها تحت الغطاء.
“ربما هدأتني… لكن جلالته ليس كريمًا. ربما تكون هناك عواقب.”
“لن يكون هناك شيء. ما كان يريده هو هذا — أن يراني واقفًا بجانبه أمام الجميع.”
نظرت أديل إلى يده الممسكة بيدها بقوة.
عندما تذكرت كيف وقفا سويًا اليوم، لم يكن مستغربًا أن يُفضّل الإمبراطور فالنتين.
لقد كان نسخة عنه — الملامح، العينان، وحتى الطريقة التي يبتسم بها.
بينما ولي العهد ميخائيل لم يكن يحمل أي شبه بالإمبراطور.
ربما… تلك الشائعات عن إمكانية انتزاع فالنتين للعرش لم تكن مجرد هراء.
عضّت أديل شفتها مجددًا.
“أنتِ تعضّين شفتيكِ مجددًا.”
“آه…”
عند تنبيهه، توقفت على الفور.
مرر فالنتين إبهامه على موضع أسنانها، ونظر إليها بعينين ضيقتين.
“عادة سيئة حقًا.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 54"