“حسنًا، كما ترين، بالنسبة لشخصٍ يُفترض أنه ذهب في نزهة قصيرة، لم تكنِ حتى في الأفق القريب، وهناك وحوش برية تتجول… الجميع اعتقد أن شيئًا ما حدث لكما في الغابة. ولو تأخرتما أكثر، لكنا شكّلنا فريق بحث.”
أطلقت مارغريت تنهيدةً تشبه زفير تنين، بينما شربت أديل الشاي في صمت دون أن تنبس بكلمة.
“اشربي المزيد، لا تتركي شيئًا في الكوب. سنغادر قريبًا، وهذه فرصتك الأخيرة للاستمتاع بفنجان دافئ.”
“هل سنغادر قريبًا؟”
“يقولون إن العمل أوشك على الانتهاء — لم يتبق سوى إزالة بعض الحجارة. بصراحة، حتى لو كنتما مغرمين بجنون… ليس لديكما لياقة بدنية جيدة، أعني…”
احمرّ وجه إحدى الخادمات التي كانت ترتب أغراض المخيم خجلًا من تعليقات مارغريت. أسرعت أديل بالتلويح بيديها.
“لا، لا، ليس الأمر كذلك. في الحقيقة، كنا نتمشى فقط في مكان قريب…”
تلعثمت في شرحها واحمر وجهها. لم تكن متأكدة من سبب اضطرارها للشرح، لكنها شعرت بأنه من دون تبرير، قد يُساء فهم فالنتين.
ضيّقت مارغريت عينيها، ونظرت إليهما وكأنها متأكدة من وجود شيء ما بينهما.
وما إن انتهت أديل من شرب الشاي، حتى دفعتها مارغريت برفق نحو العربة.
“…هيا، اصعدي الآن. بما أنني حضرت الشاي، فسأقدمه لسموّه أيضًا.”
ومع شعورها بالارتياح لانتهاء محاضرة مارغريت، صعدت أديل إلى العربة. وبعد لحظات، عادت مارغريت ولفتها بعدة بطانيات.
“إنه خانق…”
“ما لم تكوني تنوين البقاء طريحة الفراش بسبب البرد، فاصبري.”
—
“جلالتك، نحن على وشك الوصول إلى العاصمة.”
استفاقت أديل من نوم ثقيل على هزة لطيفة من مارغريت.
رغم استيقاظها، بقيت في حالة من التشتت غير المعتادة. لا بد أنها نامت بعمق شديد، حيث غمرتها الأحلام الفوضوية وبللتها عرقًا باردًا.
“هل رأيتِ كابوسًا؟”
سألت مارغريت وهي تعطيها منديلًا. أومأت أديل.
“نعم… لا أتذكره جيدًا، لكنه كان مزعجًا.”
“ربما بسبب التوتر. حاولي أن تنظري للخارج قليلاً. هذا هو جدار إنغريد.”
فتحت مارغريت نافذة العربة بصوت مبهج.
في الخارج، امتد جدار قلعة أبيض شاهق — “جدار إنغريد” — إلى ما لا نهاية، وكأنه يلامس السماء.
كان الجدار قد بُني منذ زمن بعيد بيد الحكيم إنغريد كآخر حصن ضد غزو الوحوش، وقد بدا الآن كعملاقٍ باسل يحمل درعًا.
وراء الجدار كانت أراضي الإمبراطور وبراجما وجنوب بافاريا المزدهرة.
“يبدو أن الجدار على وشك أن يُفتح.”
قالت مارغريت بصوت يكاد يخفي حماستها.
رغم أنها عاشت في بافاريا سبعة عشر عامًا، إلا أن هذه كانت المرة الثانية فقط التي ترى فيها أديل الجدار بعينيها.
بوووو-أوووه!
مع صوت البوق المدوي، بدأ الجدار ينفتح ببطء.
تألقت الشمس على الجدار الأبيض، فرفعت أديل يدها لتحجب الضوء عن عينيها. رغم أنها رأته من قبل، فإن المشهد لم يفقد رهبته أبدًا.
“صاحب السمو الدوق الأكبر أنسجار يقترب!”
مع الإعلان، تصاعدت الهتافات كأنها ستبتلع العربة.
تراجعت أديل عن النافذة بسرعة، ورأت الحشود متجمعة تحمل الأزهار والأعلام قرب طليعة الفرسان.
“النصر الأبدي والمجد لنعمته!”
تناثرت بتلات بيضاء في الهواء، وهتف الناس ورفعوا أيديهم.
عرفت أديل أن فالنتين قد وسّع الحدود الشرقية ببراعة، لكنها لم تتوقع هذا الترحيب الهائل.
“انظروا! إنها صاحبة السمو، الدوقة الكبرى!”
“الصحة الجيدة لصاحبة السمو الدوقة الكبرى!”
وجهت التهاني لها أيضًا. وجهها المتجمد بالكاد استطاع الابتسام أو التلويح.
ما سبب هذه الضجة؟ هل كان انتصار جلالته مهمًا لهذه الدرجة؟
قبل بضع سنوات، لم يتجمع ربع هذا العدد عندما مرت من هنا.
“حسنًا، يُقال إن عودته من الموت جعلت منه أسطورة.”
قالت مارغريت، وجهها متورد من الفخر.
“يُطلق عليه الناس اسم تجسيد موريج، المبارك من الحاكم.”
“لقد سمعت شائعات كهذه، لكن لم أتخيل أن تصل إلى هذا الحد.”
“بل هذا لا يُعد شيئًا، بالمقارنة. وهي ليست شائعة كاذبة تمامًا، أليس كذلك؟ فبقاؤه على قيد الحياة كان معجزة.”
منذ ساعات، كانت مارغريت توبّخها، والآن تعود لتستخدم عبارة “نعمتنا” بكل فخر.
ابتسمت مارغريت وقالت: “على أي حال، سنستطيع أخيرًا أن نستريح الليلة. سنقيم في نُزُل قريب الليلة، وندخل القصر في الصباح.”
لكن مع مرور الوقت، ازداد الزحام بدل أن يقل.
وصل فرسان من القصر الإمبراطوري، ومعهم أخبار جديدة.
عادت مارغريت من حديثٍ معهم، وجهها مرهق.
“ما الذي قالوه؟”
“لن نتوقف في نُزُل. أمرنا الإمبراطور بالتوجه مباشرة إلى القصر دون تأخير.”
تحركت الأمور بسرعة. أفسح الفرسان الطريق، واندفعت العربة وسط الحشود، سالكةً الساحة المركزية، ثم الطريق الرئيسي، حتى ظهرت أخيرًا بوابات القصر الحديدية.
“افتحوا الأبواب! إنها رايات بيت أنسجار!”
بانفتاح الأبواب وصوتها العميق، دخلت العربة القصر الإمبراطوري.
كانت أديل تحدق في المشهد: حدائق مرتبة، مبانٍ عاجية، أبراج شاهقة، مئات النوافذ تلمع تحت الشمس.
“هل سأبدو رثّة جدًا؟”
تشبثت بفستانها البسيط، الذي صُمم للراحة، لا للمظهر.
حين رفعت كمها لتشمّه، لمحتها مارغريت.
“سيأخذونك إلى أحد القصور الجانبية، لتأخذي حمامًا وتبدّلي ملابسك.”
أومأت أديل، لكن في داخلها شك. فبين أزياء بافاريا الراقية وملابسها العملية الجديدة، كان الفرق شاسعًا.
“إذا لزم الأمر، يمكننا خياطة شيء جديد…” تمتمت مارغريت بقلق، بينما تنظر إلى سيدات النبلاء في الحدائق.
لكن أديل ابتسمت بلطف وقالت:
“لا بأس. لدي فستان واحد على الأقل للحفل. ولسنا بعدُ في ذروة الشتاء، لذا لن أبدو خارجة عن السياق.”
“هذا مريح بالفعل…”
توقفت العربة أمام الدرج الطويل المؤدي إلى القصر الرئيسي.
وتجمدت أديل في مكانها عندما رأت الإمبراطور ومعه النبلاء عند أسفل الدرج — من بينهم والدها الكونت رايشناو، وشارلوت.
“أديل.”
فتح باب العربة، ومد فالنتين يده بلطف لها.
أمسكت يده ونزلت بكل ما استطاعت من رباطة جأش.
“تحياتي، جلالتك.”
وقفت إلى جواره، ثم انحنت أمام الإمبراطور.
أبدى الإمبراطور حفاوة غير متوقعة، وأمسك بيد فالنتين شخصيًا ليساعده على الوقوف.
لاحظت أديل الشبه الواضح بينهما: شعر أسود، عيون ذهبية.
لكن فالنتين بدا كتمثال حي، متقن الصنع.
أي شخص يراهما دون معرفة سابقة، سيظنهما أبًا وابنًا.
ضحك الإمبراطور بحرارة، وربّت على يد فالنتين.
“كنت قلقًا من تلك الشائعات المزعجة، لكن رؤيتك بخير تُريحني. هل أنت بخير بالفعل؟”
“بفضل اهتمام جلالتكم، نعم.”
بمجرد أن تكلم فالنتين، تحولت أنظار الجميع نحوه.
كانت هناك شائعة تقول إنه فقد عقله من صدمة عودته للحياة.
وإذا كانت سرعة انتشار الأخبار من أنسجار للعاصمة تُؤخذ بعين الاعتبار، فإن هذه الشائعة انتشرت بشكل غير طبيعي.
والسبب كان واضحًا جدًا…
ولي العهد.
حاولت أديل أن تتجاهل النظرات الفاحصة من الإمبراطورة، وركّزت مجددًا على المحادثة.
“كرم جلالتكم يغمرني. استقبالك لي شرف لا يُقدّر بثمن.”
“وهل هذا كثير؟” ضحك الإمبراطور، كاشفًا عن أسنانه كلها.
“حين سمعت أن الدوق الأكبر قادم، غادرت مجلسي دون تردد. إنه بطل نوردهوفن، وقد أثبت جدارته كحاكم.”
مع هذه الكلمات، شعرت أديل بقشعريرة تسري في صفوف النبلاء المحيطين بها.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 53"