بدت الكابينة خلف السياج أكثر خرابًا مما بدت عليه من بعيد. بدا وكأن شبحًا قد يظهر منها في أي لحظة، وكان السقف المتعفن بالكاد يحتمل هطول بعض قطرات المطر. كما قال فالنتين، بدا واضحًا أنها مهجورة منذ قرون.
“لا بد أنهم عاشوا هنا لفترة طويلة.”
تمسكت أديل بكم فالنتين وهي تشير إلى هنا وهناك. آثار الحياة اليومية كانت منتشرة في كل مكان، من سقيفة تخزين الطعام وحظيرة الدجاج القديمة، إلى الأعشاب المعلقة والمجففة بعناية. لكن الغريب أن كل شيء كان في مكانه تمامًا، رغم طبقات الغبار التي غطّت الأثاث. كما لو أن أصحاب المكان علموا أنهم لن يعودوا، فرتبوه قبل الرحيل.
أبعد فالنتين يدها بلطف عن كمه.
“سألقي نظرة بالداخل.”
“سأبقى هنا. فقط لا تبتعد.”
نظرت إليه بقلق، لكنه دخل الكوخ دون أن يرد. بدا وكأنه كان يقصد الذهاب إلى هناك منذ البداية.
بخطى حذرة، مشت أديل عبر حديقة الخضار المزدهرة بالطماطم والعنب رغم أن الموسم لا يناسبها. كان هدفها واضحًا: قراءة النقش على شاهد القبر.
ما إن وقعت عيناها عليه، حتى اكتشفت أنه مكتوب بلغة لم تألفها من قبل. ورغم إتقانها للآرية القديمة والديرثية، لم تتعرف على أي من الحروف المنقوشة.
“فالنتين، هل تعرف ما المكتوب هنا؟”
عاد فالنتين بعد أن أنهى جولته داخل الكوخ، وعبر الحديقة نحوها. نظر إلى شاهد القبر، وظهرت على وجهه لمحة غضب مكتوم سرعان ما حاول إخفاءها.
قال بنبرة هادئة، “أتمنى أن يجد الراحة الأبدية.”
شعرت أديل بانقباض في صدرها، ولم تدري هل السبب هو قدرته على قراءة اللغة أم النظرة التي ألقاها على القبر.
“هل هذا كل ما كُتب؟”
“نعم، هذا كل شيء.”
لكنها شعرت أنه يكذب. ثم أمسك بمعصمها فجأة وسحبها.
“لا يوجد شيء آخر يمكن رؤيته هنا.”
وكأنه يخشى أن تمتد يد من القبر لتسحبها، أسرع بها خارج السياج. وما إن عبروا، حتى أُغلق المزلاج من تلقاء نفسه.
“ماذا…؟”
“سحر قديم… لا يزال يتلاشى ببطء.”
“هل كان بانتظار سيده؟”
“ربما.”
نظرت أديل إلى فالنتين فرأت بين يديه كتابًا رقيقًا وسوارًا ذهبيًا. لكنها متأكدة أنه لم يكن يحمل شيئًا قبل دخول الكوخ.
عندما لاحظ نظراتها، قال بهدوء: “كانا لي منذ البداية. فقط استعدتهما.”
“هل أعرتهما لساكن هذا الكوخ؟”
“نعم.”
بدا أن علاقته بصاحب الكوخ معقدة، وربما يكون المكان فعلاً ملكًا لساحرة كما في القصص. سألت أديل، وقد زاد فضولها:
بينما كانت بين ذراعيه، شعرت أديل بالطمأنينة، لكنها أيضًا خافت من فقدان هذا الدفء الذي بدأت تعتاد عليه.
“أنا آسف. لم أقصد أن أتصرف بهذه الطريقة.”
رائحة الشتاء المنعشة كانت تفوح من سترته، وهمست بصوت منخفض.
“لقد تحسن نطقك كثيرًا مؤخرًا.”
أرادت تغيير الحديث، فتابعت: “أحيانًا، لا تتوقف أو تتلعثم. وأظن أن الجميع لاحظ ذلك.”
“لكن… أنت لن تشفقي علي، أليس كذلك؟ لأني إن لم أتصرف كما لو كنت مريضًا، فقد يراني الناس ناقصًا.”
“لا يوجد ما يجعلك تبدو ناقصًا.”
“ومع ذلك، أنتِ تشفقين علي.”
نظرت إليه بصمت. ابتسم بسخرية.
“إذا شعرتِ بالشفقة تجاهي، ربما حينما تقررين تركي… ستتذكرينني مرة أخيرة على الأقل.”
كان وسيمًا، قوي البنية، حيويًا، ثريًا… رجل لا يُشفق عليه أحد. لم تستطع إلا أن تضحك وتقول:
“حتى لو لم تكن هكذا، لا أظنني قادرة على التخلي عنك، يا فالنتين.”
“وإذا فعلتِ؟”
سألها وهو يمسك وجهها بين كفيه، وظهر في عينيه بريق من الجنون.
“لماذا يقول البشر إنهم يحبون، ثم يتركون بعضهم؟ لماذا… يختفون إلى الأبد؟”
سألها بأسى، وكأنما يبحث من خلالها عن إجابة لشيء آخر، لامرأة أخرى.
صمتت أديل، وتظاهرت كالعادة بالجهل. كانت تخشى من الاعتراف بأنها مجرد بديل، مجرد ظل لتلك المرأة.
وفجأة، شعرت بشيء بارد يلامس معصمها. وضع فالنتين السوار الذهبي حول يدها.
“هذا ما كنت أرغب في إعطائه لك. منذ البداية.”
بدا أنه قد استعاد رباطة جأشه. تحدث وكأنه يعرف أنها لا تملك الإجابات التي أرادها.
نظرت أديل إلى السوار الثمين المصنوع من الذهب، والمزين بزمرد أخضر لامع.
“سيساعدك هذا على كبح سحرك. لا تخلعيه إلا عندما تحتاجين لاستخدام السحر.”
“قمع سحري؟”
“نعم. عند ذهابك للقصر، قد يُسبب أتباع موريج لك المتاعب. ارتداؤه سيكون مفيدًا.”
قلبت يدها تتفحصه، ثم سألت:
“هل صنعته بنفسك؟”
“نعم، كان شيئًا يخصني.”
فكرت في أن السوار كان من مقتنيات شخصٍ مات منذ زمن، وسألته بتردد:
“لا بد أنه ثمين لشخص يرقد هناك بسلام…”
“إنهم لا يرقدون بسلام.”
“…”
“لو كانوا كذلك، لكنتُ أنا أيضًا في سلام.”
نظرت إليه، وقد بدا صوته حادًا. فجأة، هبت نسمة باردة، وعبثت بشعرها.
“لا تتحركي.”
اقترب منها، وبدأ بجمع شعرها المبعثر. كانت لمساته حنونة بشكل غريب، ودفء أنفاسه تلامس جبينها.
ثم همس:
“أنا لا أؤمن بالحب… لكنني أؤمن بالشفقة.”
“لذلك، أتمنى أن تشفقي علي.”
—
عند عودتهما إلى المخيم، تبعتهما نظرات متطفلة، لكن أديل تجاهلتها.
كان واضحًا أن الناس افترضوا أن الزوجين قضيا وقتًا حميميًا في الغابة.
لفت مارغريت أديل ببطانية دافئة، ثم جمعت الأعشاب من دونوفان وغلت قدرًا من شاي الأعشاب الساخن.
“تفضلي، اشربيه كله.”
“أنا بخير، حقًا.”
لكن مارغريت لم تقتنع. دفعت الكوب تحت أنفها وأصرت.
“اشربي على الأقل رشفة. الجو بارد، وأنتِ قضيتِ ساعات في الغابة.”
كان القمر عاليًا، والهواء مشبعًا بالبرودة. لم يدرك أحد كم من الوقت مضى بالفعل.
وكانت مارغريت تحدق في فالنتين، كما لو كانت تلومه على أنانيته مع عشيقته الضعيفة.
“…هل مرّ كل هذا الوقت حقًا؟”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 52"