سأل أديل بصوت يحمل قلقًا ناعمًا، يحدق في وجهها المتعب.
“كنت قلق… فأنت على الأرجح لست معتادًا على ذلك.”
أجابت بهدوء، “أنا بخير. ليست هذه أول مرة.”
رفع حاجبه في دهشة. “ليست المرة الأولى؟”
ابتسمت بخفة وتابعت: “عندما تزوجت من صاحب السمو، ركبت عربة أكثر تهالكًا وفي ظروف أقسى من هذه.”
كلماتها خرجت دون تفكير، لكنها لاحظت التغير الطفيف في وجهه. غيمت عليه نظرة غريبة، كأن ظلًا داكنًا مرّ عبر عينيه.
ربما شعر فالنتين بالإحباط… لأنه ليس أنسجار الحقيقي. ربما ذكرتُه دون قصد، لكن وقعها عليه كان مؤلمًا. ومع أن أديل لم تستطع أن تفسر تمامًا ما أغضبه، فإنها كانت تجد صعوبة أكبر في التخفيف عنه.
مرت لحظة صمت. ثم، كأنما قرأ اضطرابها، ابتسم بتصنع وهو يحاول تغيير الجو.
“شعرك مبلل.”
قالتها بدهشة: “أوه…”
“إن بقي على هذا الحال، ستصابين بالبرد. البشر هشّون.”
مدّ يده نحو خصلاتها الرطبة.
وبمجرد أن لامس شعرها، انبعثت منه حرارة لطيفة… ثم جفّ شعرها تمامًا في لحظة، مسترسلًا على ظهرها كما لو لم يكن مبللًا قط.
نظرت إليه في دهشة، تمسّك خصلاتها المتحررة، تتفقدها.
هل هذا سحر أيضًا؟
راقبها بصمت، ثم قال وكأن شيئًا ما خطر بباله:
“…هل ما زلتِ تفتقدينه؟”
رمشت أديل بدهشة. “مَن؟”
عندما رأى حيرتها، ابتسم ابتسامة مريرة.
“هذا مؤسف. لن تتمكني من رؤيته مجددًا.”
نظرت إليه بشك. “هل تتحدث… عن الدوق الأكبر أنسجار؟”
“ومن غيره؟”
قالها بفظاظة، وكان من الواضح أن قفزته في المنطق لم تكن منطقية أبدًا.
لكن ما لفت انتباهها أكثر أن نطقه صار أوضح، وكأن الحماسة تصقل صوته.
“لكننا عقدنا اتفاقًا، ألا تذكر؟ وعدتني بإعادة روحه.”
تصلب وجهه للحظة. ثم قال بهدوء، “ومن قال إنني لن أفعل؟”
“لكن كلماتك…”
“سأعيده، أديل. ثم… ستذهبين معي إلى أقاصي الأرض، إلى حيث لا تطأ قدم بشر. إلى الأبد.”
فهمت أخيرًا، فأومأت بهدوء.
راقبها بعيونه الذهبية الضيقة، وكأنه لم يتوقع أن توافق بهذه السهولة.
“ألستِ خائفة؟ أبدو لكِ… مخيفًا، أليس كذلك؟”
كانت نبرته خفيفة، لكن خلفها اختبأ قلق لا يُخطئ. قلق مألوف… كانت تعرفه جيدًا، لأنها شعرت به مرارًا.
الخوف من الهجر، ومن ألا يرغب بها أحد. وعندما نظرت إلى فالنتين، بدى لها أحيانًا كما لو أنها تنظر إلى انعكاسها.
لذلك، حتى في لحظات رعبه، لم تستطع سوى أن تشفق عليه.
“……”
كان ينظر إليها، كأنما يتوقع طعنة في أي لحظة.
اقتربت خطوة.
اهتز جسده.
ترددت، ثم مدت يدها ولمست خده برفق. اتسعت عيناه من المفاجأة.
“في الواقع… أنا ما زلت خائفة منك.”
ساد صمت ثقيل. ثم سألت، بنبرة أهدأ من الريح:
“لو أتى ذلك اليوم… هل ستكون أقسى مما أنت عليه الآن؟ أم أنك فقط… تمثل؟”
“لا! هذا… ليس… أنا—”
“إذن، كل شيء على ما يُرام.”
طالما ظل يمنحها هذه العاطفة الدافئة، طالما ظل قلبه ثابتًا… فذلك يكفي.
وبقوة اجتمعت بعد ألمٍ طويل، سمحت لكلمات دفينة أن تطفو على السطح:
“هل… هل تتمنى الموت يا فالنتين؟”
“هذا…”
“أنت من تناقض نفسك، يا فالنتين. قلتَ إنك ستبقى بجانبي إلى الأبد.”
تنفس فجأة، كأنما عاد من حلمٍ جميلٍ ومريعٍ في آن. ثم أمسك بيدها فجأة، ضغط على خده، وعيناه ممتلئتان بعاطفة لا توصف.
لسعتها يده، لكنها لم تشتكِ، لأن نظرته غيّرت كل شيء.
دمعة نقية انسابت من عينه.
“أنتِ كاذبة.”
قالها، لكن صوته كان مفعمًا بالرجاء، لا الاتهام.
“ما زلتِ… لا أستطيع ترككِ.”
ثم سحبها إليه، وضمّها بعنفٍ، كأنها الشيء الوحيد الذي يملكه في هذا العالم.
سكنت بين ذراعيه، وصوت دقات قلبه يهمس في أذنها. لم تعرف هل هو قلبه أم قلبها، لكنه لم يكن يهم.
رفعت يدها ببطء، وربّتت على ظهره.
تصلب.
رفعت ذقنه، حدقت في عينيه.
“هذا… اختيارك.”
نظرته اشتعلت، كذهبٍ منصهر.
“أنت تعلم كل شيء… ومع ذلك تختار هذا الطريق. أليس كذلك؟”
لم تكن ساذجة. فهمت ما يعنيه. رأته في عينيه.
أومأت.
فانحنى عليها، وقبلها بشغفٍ عميق.
كان قبلة نابضة بالحياة… لمسة من روح إلى روح.
—
“كيف… تفعلين هذا بي؟”
سألها فالنتين بنبرة مجروحة، لكنه لم يتوقف عن إطعامها.
أنهت اللحظة الحلوة صوت معدتها، فعاد إلى رشده كمن صُب عليه ماء بارد.
“لم يتبقَ الكثير من الوقت للراحة…”
رفع الملعقة، وإذا بالحساء المبرد يعود يتصاعد منه البخار وكأنه طُبخ من جديد.
قرب الملعقة إلى شفتيها، وسأل بمرارة:
“كيف تستطيعين إغرائي… حتى وأنتِ تعلمين كل شيء؟”
“لم أكن أقصد ذلك… حقًا.”
ابتسم بمرارة: “أنا أستجيب لكِ مثل كلبٍ وفي. ألا تدركين ذلك؟”
احمر وجه أديل، واستمرت بتناول الحساء بصمت.
كل ما فعلته هو لمسة على ظهره… لكنه تصرف وكأنها أغوته.
“سنرحل قريبًا. وأنتِ… لستِ قوية بما يكفي بعد. نسيتِ ذلك؟”
“لستُ بذلك الضعف.”
ضحك بسخرية: “يا لشجاعتك. تظنين أن بإمكانك تحمّل ركوب العربة مجددًا بعد… ما حدث الآن.”
لم تجب.
كان ينظر إليها بنظرات مشتعلة.
“أو ربما… يجب أن نهرب؟”
توقف، ثم تابع:
“سأكون راضيًا بذلك. هذه المرة، لن أفشل.”
لكن أديل قاطعته بصوت خافت:
“ولكن… ماذا عن العقد؟ ألم تقل إنك ستفي به مهما كلّفك الأمر؟”
صمت.
ثم عض شفته، وعادت الجدية إلى وجهه.
مرر يده في شعره، وقال:
“في الواقع… لم آتِ لهذا السبب فقط.”
رفع يده فجأة، وسقط خنجر كانت تخفيه في ثيابها.
“كنت… فقط فضوليًا. أردت أن أرى… إلى أي مدى يمكنكِ التحكم بالسحر الآن.”
توسعت عيناها، تنظر بينه وبين الخنجر. في كل مرة يذكرها بأنه ليس إنسانًا.
مدّ الخنجر نحوها.
“خذي.”
أخذته، ولا تزال في حالة ذهول.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 48"