-رمز-
انتشرت قشعريرة باردة على طول ظهرها كأن قطعة ثلج لامستها.
رفعت اديل رأسها المتجمد بصعوبة.
قبل أن يطيع جسدها حكم عقلها بوجوب إغلاق الباب، كانت “تلك الأشياء” قد سبقت ودخلت عبر شق الباب.
كانت أيدٍ لا تُحصى، عددها يفوق العدّ. أصابع بلا أظافر، طويلة على نحو غير طبيعي.
كانت تزحف من كل مكان يتصل بالخارج—من النافذة، والمدفأة، وشقوق الباب، وفتحات التهوية… من أي منفذ يصل بين الغرفة والعالم الخارجي.
“…آه.”
شرّ خانق متجسّد، ورعب يخنق الأنفاس، أخذ يطوّق جسدها ببطء. لم تستطع سوى التفكير بشيء واحد:
تلك الأيدي لا يمكن أن تكون بشرية. ولن يراها الآخرون.
“آدلهايت.”
صوت ينادي اسمها من خلف الباب المفتوح. كانت تعرف صاحبه.
ولي العهد، ميخائيل—تجسيد مورغ، ومورغ نفسه، واللعنة القديمة التي لاحقتها عبر الزمن.
“يبدو أن عليّ أن أراك قليلًا. هل آخذ الإذن بالدخول؟”
حتى أثناء حديثه كانت الأيدي تزحف بلا توقف داخل الغرفة، تتجاوز عتبة الباب، تلتصق بالأرض والجدران.
“هل تسمعينني، يا آنسة؟”
صوت لطيف لا يليق أبدًا مع هذا المشهد المرعب، بل يجعله أشد فظاعة.
“همم؟ آديل.”
كلما بقيت صامتة زاد إلحاحه اللطيف الممزوج بنفاد الصبر.
حينها فقط تذكرت: في الحلم، وفي منزل الأميرة، لم يستطع فالنتين تجاوز العتبة دون دعوة.
نعم… في الشمال، هناك خرافة قديمة: “من لم يُدعَ لا يستطيع الدخول”.
تلك الخرافة الساذجة كبّلت حتى حاكم مثل فالنتين، فما بالك بكائن شرير مثل مورغ؟
كان ذلك عزاءها الوحيد.
ضبطت نفسَها بصعوبة، تشدُّ على مارغريت بقوة، وردّت بحزم:
“يؤسفني، لكن الأمر غير ممكن الآن.”
“هم؟”
“يُفضّل أن تعودوا في وقت آخر. كبيرة الخدم ليست على ما يرام…”
في اللحظة التي نطقت فيها بالرفض، انقطعت كل الحركات خارج الباب.
اختفى الضوء الباهت، والأيدي الزاحفة، والبرد القارس المليء بالشر…
كل شيء تلاشى دفعة واحدة.
“هل انسحب… أم أنها خدعة؟”
لم تستطع رؤية ما خلف الباب من خلال الفتحة الضئيلة، فعضّت شفتها بتوتر.
ولما لم يظهر أي صوت لوقت طال قليلًا، بدأت تتراخى…
لكن فجأة، هبت عاصفة ريح عنيفة دفعت الباب بقوة.
اجتاحتها نسمة باردة مقززة وهي تلامس عنقها.
“آه…”
وقبل أن تستعيد أنفاسها، سمعت خشخشة خافتة عند أذنها.
ظنّتها أولًا قضم جرذ أو صرير أظافر تخدش الجدار… حتى اتضح الصوت أكثر فأكثر.
“ه… أها… ها…”
كانت ضحكات—ضحكات صادرة من آلاف الحناجر في آن واحد.
كادت تصرخ لولا أنها أمسكَت نفسها في آخر لحظة.
ثم اقتربت خطوات في الممر، فرأت ظلًا ممتدًا عند العتبة.
“كنت أعلم أنك لن تسمحي لي بالدخول.”
رفع ميخائيل رأسه—بهيئة بشرية تمامًا، بوجه هادئ وملامح مرتّبة، وثياب أنيقة كأنما في طريقه إلى حفلة.
لا أثر للبشاعة التي تخيلتها حين لم ترَ شكله بوضوح.
لو لم تكن تلك الأيدي البيضاء تخرج من ظلاله، لظنّت أنها تهذي أو ترى هلاوس.
خفضت رأسها بسرعة تخفي ارتجاف عينيها.
كان لا يزال خارج العتبة، ولم تسمح له بالدخول—ذلك يعني أنها بأمان.
“كما ترى… الوضع هكذا…”
قالت بهدوء مصطنع، قابضة على مارغريت حتى ابيضّت أصابعها.
“إن أذنتم لي، فسأزوركم لاحقًا.”
“لاحقًا؟”
“…نعم؟”
“لاحقًا، متى؟”
“طالما محاكمتي لم تنتهِ بعد، فلن أستطيع ترتيب وقت قبل أن تُحل الأمور أولًا.”
الحديث مع مورغ مباشرة وإعطاء وعود صريحة—أغبى ما يمكن فعله.
لذلك تهربت بحذر، فضحك ميخائيل بخفة، كأنه توقع إجابة كهذه من البداية.
“هكذا إذن؟”
كان قد أطال شكل فمه قليلًا حين ابتسم، ثم في اللحظة التالية عبر عتبة الباب بكل بساطة، من دون أن يطلب إذنها.
تجمدت أديل في مكانها، عيناها متسعتان من الصدمة أمام هذا المشهد غير الواقعي.
“لمَ الدهشة؟”
ابتسم ميخائيل ابتسامة كلوحة مرسومة.
وما إن التقت نظرة أديل بنظراته التي تخفي قسوة لامعة خلف وجهه الهادئ، حتى أدركت غريزيًا أنها يجب أن تهدئ حذره المتصاعد فورًا.
“…….”
كان عليها، إن استطاعت، ألا تكشف أنها تعلم بأنه “مورغ”.
فهي لم تستطع توقع ردة فعله لو اكتشف أنها تعرف حقيقته.
عندما كنت أظنه وليّ العهد فقط، كان على الأقل يحافظ على قدر من اللياقة الظاهرية…
بكثير من الجهد كتمت ارتجاف جسدها، وتحدثت بوضوح مصطنع:
“على جلالتكم أن تتذكروا أن هذا موضعُ نومِ امرأةٍ متزوجة. وجودكم هنا الآن تجاوزٌ فادح في حقي.”
“آه، بسبب هذا فقط.”
مسحها بنظره من أعلى إلى أسفل كحيوان مفترس يحدق في فريسة مفضلة.
نظراته المتشبثة بها كأنها علقت عليها كائنات لزجة أثارت قشعريرة في جسدها.
وانحدرت عيناه ببطء… لتركّزا لوقت أطول على ظهر يدها الشاحب الذي كان يمسك مارغريت بيأس.
“هكذا إذًا.”
إن كان قد تظاهر سابقًا بقدر من الوقار اللائق بوليّ عهد، فقد بدأ ذلك الوجه البشري يختفي شيئًا فشيئًا.
وحلّت محله السخرية… والملل… والشر… ثم… محبة لزجة، مريعة بشكل لا يُصدّق.
“…نعم.”
رفع ميخائيل رأسه فجأة والتقت نظراتهما. عيناه الضيقتان كانتا كمن يقيس شيئًا.
“الآن فهمت.”
“…….”
“لقد استعَدْتِ كل ذكرياتك. وهكذا ضاع جدوى الهديّة التي أحضرتها لك.”
“ذكريات…؟ لست أفهم مرادك يا مولاي.”
واجهته بوجه ثابت متعمد، فابتسم ميخائيل ابتسامة خفيفة كأنه يشفق على محاولاتها. ثم جثا أمامها على ركبتيه ببطء.
أصوات أنفاسها المتسارعة كانت تصم أذنيها. ضاقت عيناه قليلًا.
“همم…”
أدركت أديل أن قلبها يخفق بقوة غير طبيعية.
الاشمئزاز الذي حاولت كتمه منذ بداية رؤيته وصل الآن إلى درجة مرعبة.
خصوصًا حين بدت ملامحه للحظة كملامح أخيها غير الشقيق الذي كان يسخر من الأميرة في الماضي…
قبض على معصمها المرتجف بعنف وابتسم برقة مصطنعة.
“في الحقيقة، جئت لأعطيك هذا.”
فتح أصابعها بالقوة.
وفي راحة يدها المفتوحة بصعوبة وُضع شيء يشبه خيطًا أسودَ وأحمر، حبالًا دقيقة ملتفة كأنها كرة صغيرة من الخيوط… لكنها كانت سوارًا مصنوعًا من طبقات خيطية. المشكلة أنّ هذا الشيء…
بيتّيتا.
ذكّرها مباشرة بشَعر بيتّيتا — المرأة التي حطّمت عقل الأميرة في الماضي.
والأسوأ… أن القطع العاجية الصغيرة المعلّقة في وسط السوار كانت تشبه أسنان طفل صغير.
كادت أديل أن تختنق من فرط قمعها للصراخ.
“…آه.”
كانت تلك ذكريات “الأميرة”. لم تعشها بجسدها هي. ومع ذلك…
مجرد حمل السوار فوق يدها جعل جسدها كله يرتجف كأنّه سيتهاوى.
مسح ميخائيل كتفها الهزيل بلمسة بدت وكأنها شفقة، وزفر ببطء.
“أديلهايت. أخشى أن تكرري الخطأ نفسه الذي ارتكبته مرارًا.”
حدقت عيناه ببرود في مارغريت الملقى رأسها على ركبتَي أديل، كأن وجودها أمر مقرف.
“قلتُ لك عشرات المرات، عبر حيواتك المتكررة، ألا تتركي بشريًا يقترب منك.”
“…….”
“كم مرة يجب أن تتألمي حتى تتقبلي ذلك؟ البشر الآخرون لا يليقون بك.”
“…….”
“ولو تصرفتِ كما يجب — حتى تؤدي ثمن خطاياك — فسأعتني بك كما يليق. أهذا أيضًا لا تستطيعين احتماله؟ همم؟”
انهمرت كلمات عن حيوات لا تتذكرها، بنبرة تختلط فيها الشفقة والتهديد.
وحده شعوره بامتلاكها كان واضحًا، لدرجة مخيفة.
“…….”
وفي اللحظة التي أدركت فيها أن التظاهر بالجهل لن يفيد…
قبضت أديل على السوار بكل قوتها.
غاصت قطع العاج في جلد يدها مسببة ألمًا وحشيًا… وكان ذلك أفضل.
فهو ما أعادها إلى وعيها.
“كيف… دخلت؟”
سألت والنصل الأزرق الداكن يلمع في عينيها المرتجفتين.
“أنا لم أسمح لك بالدخول.”
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 105"