-اليد البيضاء-
ازداد وجه مارغريت تشوّهًا وقسوة كلما قلبت جسد أديل تتفحّصه من جهة إلى أخرى.
مجرد رؤيتها تحرّك شفتيها بصعوبة من دون أن تستطيع نطق كلمة، كان كافيًا ليخبر بأنّها تبتلع سيلًا من الشتائم في داخلها.
يبدو أنّ إخلاصها للدوق منعها من التفوّه بها جهارًا.
“ه… ما هذا…؟”
توهّجت نظرات مارغريت مطالبةً بتفسير. لم تستطع أديل الصمود أمام ذلك البريق الحاد فحرّفت وجهها إلى الجانب.
“ملابسي الداخلية كلها ممزقة… لم أستطع البقاء مرتدية أي شيء.”
“…….”
“هل يبدو الأمر واضحًا جدًّا؟”
“أتقولين هذا الآن…؟”
أطلقت مارغريت زفرة مذهولة وهي تمسح جسد أديل كله بنظراتها.
حتى عندما أعادت النظر، بدا أنّ الكلمات تخونها من جديد.
“جسدك ضعيف أصلًا… وفقدتِ وعيك لأيام…”
ارتجفت شفتا مارغريت كمن تعرّض للخيانة.
بهذه الحال، سيُصبِح فالنتين في رأسها مجرد وضيع لا يُغتفر. سارعت أديل وهي تلوّح بيديها نافية:
“لـ… لم يكن بالقوة أو شيء من هذا القبيل! أنا… أنا التي طلبتُ ذلك من سموّه.”
نطق هذه الجملة وحده تطلّب منها شجاعة كبيرة.
تنهدت مارغريت طويلًا وهي تنظر إلى أديل التي احمرّت حتى عنقها. وكانت نظرتها تقول بوضوح: “وكأنني سأصدق هذا بسهولة.”
“سأُحضّر لك ماء الاستحمام أولًا. تفضّلي من هذا الجانب.”
جمعت أديل الملاءة على صدرها واتبعت مارغريت إلى الحمّام.
وعندما رأت انعكاسها في المرآة الكبيرة بجانب الحوض، فقدت القدرة على الكلام للحظة.
“…….”
على كل بقعة من بشرتها التي أمسكها فالنتين بشدة أو عضّها حين لم يستطع كبح نفسه، تفتّحت آثار محمرة متناثرة.
خصوصًا عند العنق وحول عظمة الترقوة…
كانت كل ضغطة من أصابعها على الجلد المتهيج توقظ ألمًا لم تنتبه له من قبل.
(لهذا كانت تتجنب النظر نحوي وهي تخدمني…)
التفكير في قوة قبضته التي كانت تثني الحديد جعلها تشعر بأنّ عدم إصابتها بكسر كان معجزة بحد ذاتها.
دخلت الخادمات بعد ذلك يحملن ماءً يغلي بالبخار وملأن به الحوض.
كانت تصرفاتهن ما تزال مهذّبة كمن يخدم شخصية رفيعة، بينما كانت مارغريت تتصرف وكأن التحكّم بهن أمر بديهي.
اقتربت أديل من مارغريت وهمست بحذر:
“هل يجوز لكِ أمرُ خادمات القصر هكذا؟ أنا حاليًا في وضع المتهمة قيد المحاكمة…”
هزّت مارغريت رأسها بحزم.
“لم تصدر أيّ أحكام نهائية بعد، لذا لا يمكنك اعتبار نفسك مجرمة. فوق ذلك، فقد أكّد الدوق مرارًا بأنه، مهما حصل لاحقًا، يجب ألا نهمل أبدًا خدمة سموّكِ.”
“…….”
“سموكِ هي سيدة أنسغار. ثم إنّ أي ’قوة‘ استخدمتها سموّكِ… لا يمكن أن تكون شريرة ما دامت قد أعادت الروح لإنسان.”
نطقت مارغريت كلماتها ببطء، كل كلمة تتثاقل كأنها تأكيد راسخ.
“مارغريت…”
كان لكلامها أثر كبير في نفس أديل، ربما لأنها تعلم الآن مدى قيمة مجرد إيمان صغير من أحدهم.
وبينما كانت غارقة في تأثير تلك الكلمات، خطر لها فجأة أمر مهم.
“إذًا… هل يعني هذا أنني ما زلت حرّة في الحركة؟”
“طالما أنكِ تبلغين مراقب المحكمة بوجهتك مسبقًا، ويرافقكِ فرسان القصر، فلا مشكلة. وبالطبع سيكون لنا نحن أيضًا حرّاس مرافقون لكِ.”
فكرت أديل قليلًا ثم رفعت رأسها بسرعة.
“إذًا هل يمكنك إبلاغ المراقب الآن؟ أريد زيارة أرشيف القصر والكاتدرائية الكبرى.”
“الأرشيف والكاتدرائية؟”
“هناك شيء أريد التحقق منه. سجلات المحكمة محفوظة هناك. إن استطعتُ مراجعتها سيساعدني ذلك كثيرًا.”
“إن كان هذا كل شيء، فلا مشكلة على الإطلاق.”
ذهبت أديل إلى الطاولة وكتبت على الرق جدول خروجها وسلمته لمارغريت.
“هل أحتاج لأي وثيقة تثبت هويتي؟”
“سأرسل السير دونوفان لتسليم الرسالة. يشعر بأنه مذنب لأنه لم يحفظ سلامتك، وهو مستعد لفعل أي شيء.”
“أعتذر لمقاطعة حديثكم… لكن ماء الحمّام سيبرد…”
قالتها إحدى الخادمات بخجل شديد وكأنها تخشى أن تتنفس.
كانت أديل تعرف ضرورة التحرك بسرعة، لكن إغراء غمر جسدها المتعب في الماء الدافئ لم يكن سهلًا تجاهله.
فاقترحت مارغريت كما لو أنها قرأت حيرتها:
“اسـ…ـتمري بالاسترخاء قليلًا. سيستغرق وصول الإذن من المراقب بعض الوقت.”
“هل يمكنني حقًا؟”
“بالطبع.”
أسقطت أديل الملاءة من أمام صدرها وانزلقت داخل الحوض المليء بالماء.
“آه…”
لسعها الألم عندما لامس الماء الأماكن التي قبّلها فالنتين.
مررت أصابعها برفق على بشرتها المتورّمة. اقتربت خادمة وسألت بخفوت:
“هل حرارة الماء مناسبة؟”
“ممتازة. شكرًا لك.”
ابتسمت أديل بلطف، لكن تعبير الخادمات ازداد شحوبًا.
يبدو أنّ الشائعات حول كون دوقة أنسغار “كائنًا شيطانيًا” بدأت تنتشر بالفعل.
“لا داعي لمساعدتي في الاستحمام. سأهتم بالأمر وحدي.”
“ك… كما ترغبين يا سيدتي؟”
تسابقَت الخادمات في دفع الإسفنج والصابون نحوها ثم هربن مسرعات خارج الغرفة.
لم يعجب ذلك مارغريت، غير أنّ أديل كانت تشعر براحة أكبر من عدم مواجهة خادمات يرتجفن خوفًا هكذا.
(كنتُ أفعل كل هذا وحدي دائمًا على أي حال.)
فركت كتفيها وذراعيها بحذر باستخدام إسفنج ناعم.
ثم رغّت شعرها جيدًا حتى امتلأ بالفقاعات، وغسلت جسدها بدقة حتى أصبح يُصدر صوت الاحتكاك النظيف.
وحين برد الماء تمامًا، نهضت أديل من الحوض. وبعد أن جففت جسدها، اقتربت مارغريت حاملةً وعاءً صغيرًا فيه دواء.
“إنه مرهم يزيل الكدمات من الجلد. جرّبيه. وسأضعه لكِ في الأماكن التي لا تصل إليها يدك.”
وضعت أديل المرهم بحرص على كل موضع ظهرت فيه الكدمات.
وبمجرد أن لامس جلدها، شعرت بوخز بارد منعش، وسرعان ما بدأت آثار الكدمات الخفيفة بالاختفاء. بدا تأثير الدواء ممتازًا.
(رائحته تشبه نبتة أوتيلا… أظنني قرأت عنها في كتاب الأعشاب. لم أكن أعلم أنها تُستخدم كمرهم!)
وراحت تتفحص المرهم بعينين مدهوشتين، حتى نسيت للحظة وضعها الحالي.
عندما جفّ المرهم على بشرتها، أحضرت مارغريت فستانًا عاجيًا وساعدتها على ارتدائه.
“كيف تريدين أن أُصفّف شعرك؟”
“كما تشائين…”
كانت ستقول كعادتها “أي شيء مناسب”، لكنها عضّت شفتيها.
تذكّرت وصيّة فالنتين بأن تبحث عمّا تحبه وما تكرهه.
(ربما ليس الوقت الأنسب، لكنه سيكون جميلًا لو بدأتُ تجربة أشياء جديدة.)
ترددت قليلًا ثم سألت بصراحة:
“لا أعرف أي تسريحة تناسبني… هل يمكنكِ أن تقترحي شيئًا؟”
“ما رأيكِ أن نضفر الجزء الجانبي فقط ونربطه، ونترك بقية الشعر منسدلة؟ لو رفعناه اليوم فسينكشف عنقكِ كثيرًا.”
كانت مارغريت، وهي تمسك المشط، تتفحص ملامح أديل عبر المرآة وتفكر بجدية.
لكن فجأة، انطلق ضجيج من الخارج. اتسعت عينا أديل ومارغريت في الوقت نفسه عبر انعكاس المرآة.
“…….”
كان الصوت أشبه بمشادّة في الممر.
“ما هذا الضجيج الآن…”
تمتمت مارغريت بضيق، لكنها لم تكمل. فجأة توقفت كل الأصوات. ارتجفت عينا أديل بقلق.
“الصوت… توقف. تمامًا أمام بابنا.”
ارتسم القلق على وجه مارغريت أيضًا، لكنها ابتسمت لتهدئ أديل.
“ربما شخص سيّئ يعبث فحسب.”
“هل حقًا تعتقدين ذلك؟ ماذا لو حدث شيء بالخارج؟”
“…ابقَي هنا يا سموّك. سأرى ما يحصل.”
لعلها لم تستيقظ من حلمها منذ مدة طويلة… فقد تداخل وجه مارغريت مع وجهي بيتيتا ونديا في ذهنها.
أمسكت أديل بيدها بقلق شديد.
“كوني حذرة يا مارغريت.”
أومأت مارغريت بنبرة جادة وغادرت لتتحقق.
في الظروف العادية لكان الأمر مجرد مزحة عابرة.
لكن الآن… ربما اقتحم فرسان الكاتدرائية المكان مستغلين غياب فالنتين.
“لا… لا يمكنني البقاء هنا وحدي. سأذهب معك.”
لم تستطع أديل كبح توترها فلحقت بها إلى غرفة الجلوس.
رفعت مارغريت إصبعها إلى شفتيها، مشيرةً إليها بالتراجع.
“عليكِ أن تبقي مختبئة يا سموّك.”
“لكن…”
“لو أصابك مكروه، فسيُوضَع الدوق نفسه في موقف حرج. أرجوكِ.”
حالما ذكرت فالنتين، لم تستطع أديل الاعتراض.
تراجعت بضع خطوات وهي تراقب مارغريت تفتح الباب.
أخرجت مارغريت رأسها قليلًا لتفحص الممر. سألتها أديل بلهفة:
“هل ترين شيئًا؟”
“الظلام شديد… لا أرى—”
في تلك اللحظة، بدا وكأن مارغريت رأت لمعانًا خفيفًا خلف الباب.
اتسعت عيناها فجأة إلى أقصى حد.
“يا… إلهي…”
شحب وجه المرأة حتى تحول إلى الأزرق.
ارتعش فكها ثم أخذ جسدها يتيبس ببطء واضح.
وفي اللحظة التالية، مالت مارغريت إلى الجانب وسقطت.
لكانت اصطدمت بالمائدة الجانبية لولا أن أديل اندفعت وأمسكتها بجسدها.
“مارغريت؟”
بدت كبيرة الخادمات مسكينة، كأنها تجمّدت وعيناها مفتوحتان.
وضعت أديل أصابعها تحت أنف مارغريت بسرعة. لحسن الحظ كان تنفسها الخفيف منتظمًا.
(لقد فقدت الوعي… في لحظة.)
لكن الشعور بالارتياح لم يدم.
(ما الذي رأته؟)
كرييييك—
وقبل أن يكتمل سؤالها، انفتح الباب ببطء يصدر صريرًا مزعجًا.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 104"