كانت أديل تعضّ شفتيها بقوة حتى ابيضّتا، تشعر بكل وخزة تولد من أطراف أصابعه. انفلت منها نفس مرتجف.
تحركاته التي استبعد منها كل رغباته، ووجّهها كلها إليها وحدها، كانت رقيقة ولطيفة لدرجة جعلتها تكاد تبكي.
«أديل.»
ناداها، فرفعت جفونها المبتلة بصعوبة لتنظر إلى فالنتين.
وما إن التقت بعينيه—اللتين تعمّقتا وهي يركز عليها—حتى ارتجف قلبها. وفي اللحظة التي غامت فيها نظرة أديل بتوقعٍ متوهّج…
«آه…….»
أمسك بذقنها وعاد ليبتلع شفتيها. كان في أنفاسهما المتداخلة حرارة نافدة بالتلهّف. ولم يطل الوقت قبل أن يغدو تنفسهما متشابكًا وثقيلًا.
تحت جسده الصلب انحنى جسدها الناعم. ومن خلف طبقة الثوب الرقيقة الملتصقة بينهما شعرت بخفقان قلبه المتسارع.
«فال… لن… تين… أرجوك… الآن…….»
توسلت دون أن تعرف حتى ما الذي تريده حقًا. حدّق فيها منجذبًا بخديها المتورّدين، ثم اعتدل أخيرًا لينزع بقية ثيابه.
لاحظت أديل وجود قشور رقيقة على صدره.
وكأنه يصرّ على أن كل جزء يلامسها يجب أن يكون جزءه الخاص… ألا تختلط به قشرة أحد.
في الماضي، كان هذا المشهد ليُرعبها. لكنها الآن—وبشكل غريب—وجدته مؤثرًا. كل شيء منه بات مقبولًا… بل مرغوبًا.
هوسه المتشبث بها، ولطفه الذي رغم ذلك لم يجرؤ أبدًا على إجبارها على شيء، وصبره الوحشي الجميل…
«فالنتين…….»
حالما همست باسمه بتنهيدة، اندفع فوقها بخشونة. أخفت وجهها بظهر يدها وهي تنتحب، لا تعرف ماذا تفعل.
مع كل مرة يدفعها فيها، اجتاحها إحساس مرهق من الامتلاء. شعرت وكأنها تغرق في موجة لا يمكن مقاومتها.
«لا تخفي.»
تشابكت أصابعه بأصابعها وضغط بها فوق السرير.
ثم وضع شفتيه على بشرتها المكشوفة تمامًا، تاركًا آثارًا جشعة على كل ملمس طري يصادفه.
وعلى الرغم من النظرة الضارية في عينيه، كان فالنتين غاية في اللطف. تسللت منها أنفاس راعشة بين شفتيها المنتفختين. انعقدت أصابع قدميها وانتصب عمودها الفقري.
«آه…….»
انطلقت منها تنهيدة أقرب إلى شهقة. شعرت بلذة مسعورة وهي بين ذراعيه، تُهزّ برفق، كأن العالم اختفى.
لم يكن عجولًا، ولا قاسيًا.
من البداية حتى النهاية، بدا وكأن ما يهمه هو رضاها فقط—وكأن لا شيء آخر في الوجود يستحق الاهتمام.
«فال… لن… تين…….»
ضمّ فالنتين خصرها النحيل المرتجف بكل قوته.
والنهاية… لم تكن بعيدة.
✦✦✦
عاودها الحلم. كان غابة ممطرة.
هناك التقت أديل بـ«الأميرة». المرأة التي كانت تحدّق عند قدميها رفعت عينيها الفارغتين نحوها حين شعرت بخطواتها.
‘أنتِ إذن.’
ابتسامة قصيرة، كأنها زفرة، مرت على شفتي الأميرة ثم تلاشت.
‘راقبتُ حياتي في هذه المرة، وكان لدي سؤال. لماذا، عندما منحك فالنتين فرصة، قلتِ إنك تريدين أن تعيشي كإنسانة؟’
خطت أديل خطوة حذرة للأمام. لم تحتج للتفكير في الإجابة.
‘لأن حياتي كلها اعتُبرت حياة ماشية، لا إنسان. وُجدت كشيء مملوك، ولا يمكنني أن أسلّم حياتي مجددًا لملكية أحد آخر.’
‘لم أحقق شيئًا بيدي، فكيف أقوم مباشرة على قدميّ بقوة مستعارة؟ قد ينجح ذلك للحظة، لكنه… لعيش الأبد بهذه الطريقة… سيكون دخولًا في بؤس أكبر.’
‘…….’
‘هل كان ذلك جوابًا كافيًا؟’
“سؤال واحد فقط بعد. لماذا أبقيتِ أولئك الذين صبّوا عليكِ الكراهية قريبين منك؟ بل وكنتِ تقدّرينهم إلى حدٍّ ما.”
كان سؤالًا غامضًا. بدا كأنه موجَّه إلى شعب أنسغار، ويمكن أيضًا أن يكون عتابًا على غريتا. لكن الجواب كان واضحًا تمامًا.
“لا أريد الرد على الغضب بالغضب، ولا على الكراهية بالكراهية. أؤمن بأن هناك يومًا ما ستبدأ فيه دورة فاضلة. أنا ناقصة، لكني أرجو أن أستحق تلك السلام يومًا ما.”
ضحكت الأميرة بحدة طفيفة.
“لقد تجاوزتِ الحد. كراهية الناس الطويلة علّمتكِ خضوعًا سخيفًا.”
حسنًا… لم توافقها إلا بنصف ذلك.
أن تقول إنها لا ترغب في أن تُكره أبدًا سيكون كذبًا، ولكن ذلك التوق أصبح قديمًا جدًا… أشبه بالسخام الملتصق بقاع قدر قديم.
“سلام قلبي أهم عندي. بدل أن أقضي حياتي أكره الآخرين، أريد أن ألتفت من حولي وأعيش ممتنة للحظة، مهما كانت بسيطة.”
“…… لكن دورة فاضلة؟ ألا تعتقدين أن هذا تفكير ساذج؟ هل تصدقينه حقًا؟”
“أليس الإيمان من امتيازات الإنسان؟ ذلك الإيمان الضئيل هو ما بنى الحكام وأسقطها. رغبة الإنسان يمكن أن تسكن حتى الأجساد الميتة بروح مقدسة.”
وما إن أشارت أديل إلى فالنتين بشكل غير مباشر، حتى حدقت الأميرة فيها بنظرة تفيض كراهية.
لكن ذلك الغضب ذوى سريعًا، كأنها لا تملك الجرأة حتى على الغضب.
“…… لو كان الأمر كذلك، ذلك اليوم……”
كان صوتها خافتًا جدًا، حتى إن لم تكن أديل منصتة لمرّ كنسمة عابرة. أنهت الأميرة كلامها بصعوبة شديدة:
“…… ذلك اليوم، أي خيار تظنين أنني كنت سأختار؟”
“ذلك اليوم.” لم يكن هناك سوى لحظة واحدة يمكن أن تستعيدها الأميرة بهذا القدر من الندم—لحظة عالقة، عاجزة عن الرحيل، متحجرة في مكانها.
راقبتها أديل بهدوء، وهي ترتجف، ممسكة بأطراف ثوبها الملطخة بالدماء.
الدم الغزير على صدر الأميرة الأبيض لا بدّ أنه كان دم فالنتين. انتزعت أديل بجهد عينيها عن تلك البقعة الفظيعة.
“أجيبي… أرجوك.”
كانت الأميرة وأديل كرافدي نهر واحد، انفصلا فقط بين منبعه ومصبه. ولذا تجرأت أديل على فتح فمها.
“ربما… ربما كنت سأختار مثلما فعلتِ أنتِ.”
“……”
“لكنني… لن أعيش بعدها أندم فقط.”
من عينَي الأميرة الذابلتين انهمرت دمعة صافية سقطت على خدّها.
ارتعشت شفتاها الشاحبتان ثم تمتمت وكأن اليأس يتسرب منها:
“أنتِ أنا… لكنكِ لستِ النسخة نفسها.”
“……”
“ولكن هذه المرة……”
اختفى بقية صوتها بين هدير المطر.
أكان ذلك بركة؟ أم لعنة؟ حدقت أديل في الوجه الشبيه بوجهها وهي ترى ابتسامة باهتة ترتسم عليه.
وبينما اشتد المطر أكثر وأكثر، ضاق بصرها شيئًا فشيئًا.
“أديل.”
بدأ جسد الأميرة يذوب تدريجيًا، كتمثال طيني ينهار تحت المطر، ثم ما لبث أن اتخذ شكلًا آخر—شكلًا مألوفًا لدرجة موجعة. فالنتين… هو.
“أديلهَيت.”
كان صوته يناديها واقعيًا إلى حدٍّ يخيف. وحين مدّت يدها لتجيبه، مال بجسده ودسّ وجهه في كفها. تناثرت أنفاسه الحنونة في الهواء.
“لقد وعدتِ… هذه المرة… أن ترثي لي وحدي.”
نعم… نعم، لقد وعدته. وكررت الكلمة مرارًا وهي تهز رأسها، فابتسم هو ابتسامة مشرقة بلا حدود.
وفي تلك اللحظة فقط أدركت أديل فجأة… أنه حلم.
فتحت عينيها فوجدت الفجر قد لاح. رمشت ببطء، محاولة فصل الحلم عن الواقع. لم يكن كابوسًا، ومع ذلك كانت قطرات العرق البارد تلتصق بظهرها.
“هنا……”
القصر الإمبراطوري، الغرفة، وفالنتين. عادت إليها الطمأنينة بدفء ذراعيه اللتين كانتا تحتضنان خصرها بلا تراخٍ. شيئًا فشيئًا تلاشى أثر الحلم، وعاد الإحساس بالواقع.
تنفست أديل بعمق ودست جبينها في صدر فالنتين العريض الصلب.
حرارة بشرته، ووزنه فوقها، منحتها راحة هادئة.
حتى عندما فكرت في الأمر الآن، بدت أحداث الليلة الماضية كأنها حلم.
لحظات متتابعة من الاندماج الكامل بينهما، لا وجود فيها إلا لبعضهما.
احتكاك بشرتها براحة يده الخشنة، أنفاسه الدافئة المتناثرة عليها، وصوته المنخفض الذي كان يهمس في أذنها الساخنة.
وحتى اللحظة الأخيرة حين لم تستطع احتمال قوته بعد الآن ووجدت نفسها تتوسل…
ورغم كل تلك الشدة، لم تشعر حتى بألم عضلي بسيط. لقد اعتنى بها فالنتين طوال الليل، حتى لا تُرهق.
تحركت قليلًا لتبحث عن وضع أكثر راحة بين ذراعيه، فبدا أنه شعر بذلك، فضمها بقوة وكأنه يخشى أن تفلت.
“أديل. استيقظتِ؟”
همس وهو يلف خصرها بذراعيه بإحكام. صوته الثقيل بنبرة النعاس ارتجّ في أذنها.
“هل يؤلمكِ شيء؟ كيف حال جسدك؟”
“أ… لا، لست… يعني……”
“همم.”
“أنـ…ـا بخير……”
ضحك بخفوت، صوته يهتز عند حنجرة سميكة. ثم رفع ذقنها بيده البارزة العروق، ليجبرها على النظر إليه بعدما كانت تهرب بعينيها.
التعليقات لهذا الفصل " 101"