عاد إيثان إلى مقعده ، و تقدّم تييري نحو منصة الشهود.

“حسب ما ذكرته عن المحادثة التي أجريتها مع الدوق جيرارد ، فهو لم يقل صراحةً إنّه ‘سيعذّبكِ’ ، أليس كذلك؟”

ابتسمتُ بمرارة خفيفة عند سماع هذا.

“الشاهدة ، أجيبي”

“نعم ، هذا صحيح”

عند إجابتي ، هزّ تييري كتفيه و التفت.

“إذن ، هذا يعني أنّ شهادتكِ لا تؤكد نوايا الدوق جيرارد الحقيقية. انتهت أسئلتي …”

“هل أنتَ جاد؟”

قاطعته و سألت. التفت تييري نحوي مجددًا.

“لقد اختطفني الدوق جيرارد و حبسني ، و هدّدني بكلمات تشير بوضوح إلى التعذيب. بل و قد استدعى بالفعل خبير تعذيب لاستجوابي. و مع ذلك ، تدّعي أنّه لم يكن لديه نية لتعذيبي فقط لأنّه لم ينطق بكلمة ‘تعذيب’؟”

عبس تييري قليلًا.

“الشاهدة هنا لتقديم شهادتها. لم يطلب أحد رأيها الشخصي …”

“أقول هذا لأنّ الدوق الصغير جيرارد يحاول تغطية الحقيقة الواضحة بمثل هذه الحيل”

التفت تييري نحو الإمبراطور هنري السابع.

“جلالتك ، الشاهدة تتجاوز دورها و تسبب ارتباكًا في المحكمة. أطلب طردها فورًا”

“الشاهدة هي الضحية و المتورطة المباشرة في هذه القضية. أعتقد أنّ رأيها سيكون مفيدًا لفهم ‘نوايا الدوق مارلون جيرارد’ التي ذكرها الدوق الصغير” ، نهض إيثان و قال.

نقل الإمبراطور هنري السابع نظره بين إيثان و تييري و أنا بالتناوب ، ثم تحدّث: “دعونا نسمع المزيد”

“شكرًا ، جلالتك”

انحنيتُ مع إيثان للإمبراطور.

“أجِب ، أيها الدوق الصغير”

“…!”

حدّق تييري بي بصمت.

“حتى لو ألمح الدوق جيرارد إلى التعذيب ، لا يمكننا التأكد من أنّه كان ينوي فعلًا تعذيبكِ. ألم يقل إنّه لا يريد استخدام وسائل قاسية ضد امرأة؟ ألا يبدو من الأكثر منطقية أنّه كان يريد فقط تخويفكِ؟”

“لو كان الأمر كذلك ، لكان قد أعطى تعليمات أوضح للسيد ريجياني. مثل أن يُخوّفني و كأنّه سيعذّبني دون أن يلمسني فعليًا”

“لكن ، أليس من الحقيقة أنّه لم يأمر مباشرة بالتعذيب؟”

“لنفترض أنني حاولتُ صفعكَ على وجهك لكنني توقفتُ في اللحظة الأخيرة. بما أنني لم أقل ‘سأصفع الدوق الصغير’ ، و بما أنّكَ لم تُصفع فعليًا ، إذا ادّعيتُ أنني لم أنوِ ذلك ، فماذا ستقول؟”

“…!”

تردّد تييري للحظة.

“أجِب. هل ستتقبّل كلامي وتعتبرني بريئة في هذه الحالة؟”

“… المثال الذي ذكرته الشاهدة لم يحدث فعليًا ، ولا علاقة له بالقضية التي نناقشها في هذه المحاكمة.”

“لقد استخدمتُ هذا المثال لتوضيح مدى سخافة كلامكَ”

نظرتُ إلى تييري مباشرة وقالت: “إنّ تقديم مثل هذه الادعاءات الصبيانية في محكمة يرأسها جلالة الإمبراطور هو بمثابة إهانة له. إنّه يعني أنّكَ تعتقد أنّ جلالته سيُغريه مثل هذه الحيل الواضحة”

عند كلامي ، هاجت قاعة المحكمة بالهمسات مجددًا. صرّ تييري على أسنانه.

“احترسي من كلامكِ ، يا شاهدة. أنتِ أمام جلالته”

التفتُ إلى الإمبراطور هنري السابع و انحنيتُ.

“إذا كانت كلماتي قد تجاوزت الحد ، فأعتذر ، جلالتك. لكنني فقط أردتُ تنبيه الدوق الصغير إلى أنّه يرتكب إساءة لجلالتك دون أن يدرك ذلك”

“…!”

ظلّ الإمبراطور صامتًا بتعبير متصلب قليلًا.

كانت هذه هي الخطة التي أعددتها لمواجهة استراتيجية تييري.

كان تييري يلعب هذه المسرحية الواضحة لأنّه يعلم أنّ الإمبراطور يريد في قرارة نفسه مبررًا لتخفيف عقوبة جيرارد.

لذلك ، أشرتُ علنًا أمام الجميع إلى مدى سخافة ادعاءات تييري ، و أكّدتُ أنّ ‘جلالة الإمبراطور لن يُغريه مثل هذا الكلام الفارغ’

بعد أن وضعتُ هذا الحاجز أمام الجميع ، لن يستطيع الإمبراطور الآن استخدام حيل تييري كمبرر لتخفيف العقوبة. فعل ذلك سيجعله يبدو كحاكم أحمق.

كانت خطوة جريئة إلى حد ما لأنّها تتحدى كبرياء الإمبراطور ، لكن ذلك لم يكن مشكلة كبيرة. في هذه القضية ، كان لدومونت المبرر الأقوى و التفوق الواضح.

حافظ إيثان على تعبير محايد ، لكن عينيه كانتا مختلفتين.

كانت نظرته مثبتة عليّ بحرارة خفيفة.

‘كما توقّعت منكِ. رائع.’

كانت عيناه تقولان ذلك بوضوح.

“الدوق الصغير جيرارد ، هل لديك المزيد من الأسئلة للشاهدة؟”

عند سؤال الإمبراطور ، أجاب تييري بصوت منخفض: “… لا ، ليس لدي ، جلالتك”

كان تييري يحاول السيطرة على مشاعره ، لكن بدا واضحًا أنّه لم يستطع إخفاء اضطرابه تمامًا.

“دوق دومونت ، هل هناك شهود آخرون تريد استدعاءهم؟”

“نعم ، جلالتكم”

استدعى إيثان بعد ذلك شاهدين آخرين إلى منصة الشهود.

كانا ليام برنارد ، الذي كان عشيقي المزعوم ، و ماتيو أنغلاد ، عميل قسم مخابرات جيرارد الذي أمر فينسنت باغتيال إيثان تحت ستار مبارزة.

كان كلاهما مختبئين في الخارج لتجنب مطاردة جيرارد ، لكنهما أُعيدا إلى العاصمة لهذه المحاكمة.

شهد ليام أنّ جيرارد كلّفه بالاقتراب من الدوقة دومونت لسرقة سجلات دومونت. عندما فشل الأمر ، حاول جيرارد قتله لإسكاته ، لكن دومونت أنقذه.

أما ماتيو ، فشهد عن كل العمليات التي أمر بها مارلون خلال فترة عمله في قسم المخابرات.

ادّعى تييري أنّ شهاداتهما كاذبة لعدم وجود أدلة مادية ، لكن لم يبدُ أنّ أحدًا في قاعة المحكمة اقتنع بكلامه.

كان ذلك جزئيًا لأنّ تبادلي السابق مع تييري قد أضعف مصداقيته ، و لكن أيضًا بفضل التحضير الدقيق لإيثان.

كان إيثان قد جمع أدلة من استجواب ماتيو و تحقيقات منفصلة ، و قدّم أسسًا موثوقة لجميع العمليات المذكورة.

في المقابل ، كان كل ما يستطيع تييري قوله هو: ‘لا يوجد دليل قاطع.’

كانت أجواء المحاكمة تميل بوضوح لصالح إيثان.

فجأة ، رفع تييري ، الذي كان جالسًا بتعبير متصلب ، يده.

“… جلالتك ، هل يمكنني التحدّث؟”

“تكلّم”

نهض تييري.

“بغض النظر عن صحة كل ما ادّعاه الدوق دومونت عن أفعال عائلة جيرارد ، هناك شيء واحد يجب توضيحه. كما قلتُ في بداية المحاكمة ، كل هذه الأمور تمّت دون علمي”

نظر تييري إلى الإمبراطور بعيون مليئة بالتوسل و تابع: “لقد أبقى والدي ، الدوق مارلون جيرارد ، كل الأمور المتعلقة بقسم المخابرات سرية تمامًا ، و لم يخبرني بشيء. بما في ذلك قضية اختطاف الدوقة دومونت ، التي كانت الموضوع الرئيسي لهذه المحاكمة ، سمعتُ عنها لأول مرة هنا”

“…!”

استمع الإمبراطور إلى تييري بصمت.

“لذا ، أتوسّل إلى جلالتك. من الواضح أنّ جرائم والدي يجب أن تُكشف و يعاقب عليها ، لكن أنا الآن رب عائلة جيرارد. أليس من العقوبة القاسية جدًا تجريدي من اللقب و الأراضي بسبب جرائم لم أرتكبها؟”

وضع تييري يده على صدره و تابع: “ليس قصدي كابن أن أتجاهل جرائم والدي. بما أنّه اختار الفرار بجبن ، أنوي تحمّل المسؤولية قدر استطاعتي. لكنني فقط أطلب من جلالتك النظر بعين الرحمة و التساهل قدر الإمكان”

أنهى كلامه و انحنى بعمق ، كما لو كان يترك الباقي لإرادة الإمبراطور ، متظاهرًا بموقفٍ نبيل.

‘لقد غيّر استراتيجيته بسرعة عندما رأى أنّ الوضع يصبح ضده’

كانت استجابة ذكية إلى حد ما. كان من الواضح أنّ التمسك بموقفه السابق لن يغيّر الوضع.

الاعتراف بما يجب الاعتراف به ، مع الإصرار على أنّ الجرائم ارتكبها والده مارلون و ليس هو ، كان أفضل خيار متاح له. من المؤكد أنّه أعدّ هذه الخطة قبل بدء المحاكمة.

“… همم”

داعب الإمبراطور لحيته ببطء. نظر إلى تييري المنحني لبعض الوقت ثم تحدّث: “في الحقيقة ، ليس كلامًا بلا منطق”

“أنا ممتن جدًا ، جلالتك”

انحنى تييري مجددًا ، متظاهرًا بالامتنان العميق ، لكن من المؤكد أنّه كان يبتسم سرًا.

‘لكن ، من السابق لأوانه أن تشعر بالأمان’

كما لو أنّه سمع أفكاري ، نهض إيثان و قال: “جلالتك ، الدوق الصغير جيرارد يكذب”