أخذ تييري الرسالة بصمت وفتحها.

كانت الرسالة تحتوي على اعتذار عن عدم التمكن من الوفاء بموعد للقاء، واقتراح لتعليق اللقاءات السرية مؤقتًا لتجنّب شكوك الزوج.

في نهاية الرسالة، كان هناك الحرف الأول ‘ك’.

وضع تييري الرسالة والمظروف على المكتب، وشبك يديه مجددًا.

“كيف حصلتَ على هذه الرسالة؟”

“كما قلتُ، إنّها رسالة كتبتها الدوقة دومونت بخط يدها لي”

“إذن، لماذا كتبت لكَ الدوقة دومونت مثل هذه الرسالة؟ هل تعني أنّك كنتَ على علاقة غرامية معها؟”

“لنقل إنّه لم تكن علاقة غرامية بالمعنى الدقيق، بل كان من الممكن أن تتطوّر إلى ذلك. بالطبع، كانت الدوقة هي الوحيدة التي كانت جادة. كان هدفي فقط هو التقرّب منها للحصول على معلومات.”

نظر تييري إلى نيكولاس بعيون متقلّصة.

في السابق، كانت هناك خطة مشابهة نفّذها جيرارد ضد الدوقة دومونت. كان الهدف هو إرسال رجل للاقتراب منها لاستخلاص أسرار دومون.

لكن الشخص الذي استُخدم في تلك الخطة لم يكن عميلًا من قسم المخابرات، بل كان رجلًا يُدعى ليام برنارد، وهو شخص عاطل.

فشل ليام في المهمة واختفى بعدها. كان قسم المخابرات يشتبه أنّ دومونت قد أخفاه.

‘في مثل هذه الظروف، هل يعقل أن يستبدلوا الرجل ويكرّروا نفس الخطة؟ مستحيل.’

نظر تييري إلى نيكولاس بنظرة مشككة وقال: “حقًا؟ لم أسمع عن مثل هذه الخطة داخل قسم المخابرات.”

“آه، ذلك لأنّني كنتُ أعمل بمفردي. في الحقيقة، أنا لست عميلًا رسميًا، بل متدرّب.”

عبس تييري عند سماع ذلك.

“متدرّب؟”

عندما أصبح صوت تييري باردًا فجأة، تابع نيكولاس بسرعة: “لكن من المؤكّد أنّ خطتي كانت تسير على ما يرام. لقد رأيتَ الرسالة، أليس كذلك؟ علاوة على ذلك، لقد أبلغتُ الدوق بهذا الأمر سابقًا.”

“أبلغتَ والدي؟ أنتَ؟”

نظر تييري إلى نيكولاس من رأسه إلى أخمصه. كان المعنى واضحًا: ‘هل تعتقد أنّ والدي سيقابل شخصًا مثلك؟’

تقلّص وجه نيكولاس قليلًا.

“نعم. التقيته مباشرة في هذا المكان وأخبرته.”

‘انظر إلى هذا الرجل.’

كانت نظرة نيكولاس إلى تييري تحدّيًا، كما لو كان يقول: ‘ماذا تعرف أنت؟’

في الحقيقة، كان ذلك كافيًا ليصفه بالوقاحة ويطرده. لكن الفضول والشكوك كانا أقوى من الانزعاج.

من يكون هذا الرجل؟ إذا كان مجرّد متدرّب، لما أضاع والده وقتًا لمقابلته.

حتى تييري نفسه لم يكن ليدع نيكولاس يدخل هذه الغرفة لو لم تكن حالة طارئة، حتى لو لم يعرف أنّه متدرّب.

كان هناك شيء مزعج. وجه نيكولاس بدا مألوفًا بشكل غامض، كما لو أنّه رآه منذ زمن بعيد.

“إذن؟ ماذا قال والدي؟”

“طلب منّي ألّا أفعل شيئًا والانتظار مؤقتًا. قال إنّه قد يكون فخًا من إيثان دومونت، لذا من الأفضل مراقبة الوضع أولًا”

“متى كان ذلك؟”

“بعد اختفاء المشرف أنغلارد مباشرة.”

في ذلك الوقت، بدأ مارلون تحقيقًا داخليًا واسع النطاق في قسم المخابرات، مشتبهًا بوجود جاسوس لدومونت داخله.

كان مارلون يدير قسم المخابرات مباشرة وبسريّة تامة، حتى أنّ تييري ، ابنه الأكبر و وريثه ، كان مستبعدًا تمامًا من شؤون المخابرات.

ومع ذلك، كان تييري على دراية بقضية ليام والتحقيق الداخلي بفضل رشوة أحد العملاء الكبار في قسم المخابرات، الذي كان يقدّم له تقارير عن تحركات القسم مقابل مبلغ كبير.

بالطبع، كان ذلك حتى وقت قريب. فقد هرب ذلك العميل فور هجوم دومونت. كان ذلك متوقّعًا؛ إذا كان مخلصًا بما يكفي للبقاء على سفينة تغرق، لما قبِلَ الرشوة من الأساس.

“لماذا أحضرتَ هذه الرسالة إليّ؟”

“بالطبع، ظننتُ أنّها قد تكون مفيدة للدوق الصغير.”

“ألم يقل والدي إنّها قد تكون فخًا من دومونت؟”

“نعم، قال ذلك … لكن ربّما كان ذلك فقط من باب الحذر. من وجهة نظري، لا يبدو أنّها فخ.”

“لماذا؟”

سأل تييري بلا تعبير.

“لأنّه … في نظري ، لم تكن الدوقة دومونت تتظاهر. إذا فكّرنا في سمعتها وقضية ليام برنارد السابقة، فهذا منطقي.”

“في نظرك؟ أنتَ مجرّد متدرّب، وهذا هو دليلك الوحيد؟”

احمرّ وجه نيكولاس عند كلام تييري.

“قد أكون متدرّبًا، لكنّني عميل في مخابرات جيرارد. لقد تعلّمتُ ما فيه الكفاية. علاوة على ذلك، الدوق―”

توقّف نيكولاس فجأة وهو يتحدّث بحماس.

“ماذا عن والدي؟”

“قال الدوق إنّه لا يمكن أن يخسرني تحت أي ظرف. لذا طلب منّي الانتظار حتى تصبح الأمور مؤكّدة.”

كان صوت نيكولاس يرتجف قليلًا، لكن تعبيره كان مليئًا بالفخر الذي لا يمكن إخفاؤه.

قد يكون مجرّد شخص مختل يتوهّم أنّه يحظى بتفضيل لا يستحقه. لكن رفضه كذلك كان يثير شعورًا غامضًا بالقلق.

عندما استمرّ تييري في الصمت، تحدّث نيكولاس بنبرة قلقة: “سمعتُ أنّ المحاكمة في البلاط الإمبراطوري ستبدأ قريبًا. ألا يمكن استخدام هذه القضية بشكل مفيد للتحضير لها؟”  

“كيف بالضبط؟”

“سألتقي بالدوقة دومونت مرة أخرى. بما أنّ الجميع في العاصمة يعرفون باختطافها، لن يبدو الأمر غريبًا إذا تواصلتُ معها بحجة القلق. يمكنني استكشاف الخلفيات عند لقائها.”

“…”

“أو يمكننا إظهار هذه الرسالة لإيثان دومونت ومحاولة التفاوض. إذا لم يرد أن يُكشف عن خيانة زوجته للعالم، يمكنه سحب الاتهامات. أو يمكننا الكشف عن ذلك أثناء المحاكمة للإشارة إلى عيب أخلاقي لدى الدوقة دومونت. يمكننا حتى الادّعاء أنّها لم تُختطف، بل كانت معي.”

قدّم نيكولاس اقتراحاته دون توقّف. يبدو أنّه قد فكّر في الأمر بعمق ووضع خططًا بنفسه.

“هل تقترح أن أشهد زورًا أمام جلالة الإمبراطور دون دليل؟ إذا اكتُشف أنّها كذبة، سأتحمّل كل شيء.”

“لن يتحمّل الدوق الصغير أي مسؤولية. الدوقة دومونت لا تعرف اسمي الحقيقي ولا وجهي الحقيقي. إذا شهدتُ باسم مستعار، لن يعرف أحد من أنا، حتى زملائي في قسم المخابرات.”

نظر تييري إلى نيكولاس بعيون متقلّصة.

“لماذا ستذهب إلى هذا الحد؟ لا يوجد مكسب لكَ في تحمّل مثل هذه المخاطر.”

“أنا مدين للدوق. لضمان عودته سالمًا، يجب أن أفعل كل ما في وسعي.”

تحدّث نيكولاس بتعبير جاد للغاية.

“…”

نظر تييري إلى نيكولاس بصمت.

“الدوق الصغير؟”

عندما طال الصمت، حثّه نيكولا مجددًا.

“سأفكّر في الأمر.”

“أعلم أنّ المحاكمة قريبة. إذا لم نتحرّك بسرعة، قد لا نتمكّن من اللحاق بالوقت …”

“قلتُ إنّني سأفكّر في الأمر. انتظر حتى ذلك الحين.”

“…”

أغلق نيكولاس فمه. نظر إلى تييري بتعبير غير راضٍ للحظة، ثم انحنى وغادر الغرفة.

بقي تييري وحده، مشوّشًا وهو يصدر صوت “تش” من شفتيه.

‘يبدو أنّني بحاجة إلى التحقيق في خلفية هذا الرجل.’

* * *

حلّ يوم الأربعاء.

بما أنّ المحاكمة التي أعلن عنها البلاط الإمبراطوري ستبدأ يوم الإثنين القادم، فهذا يعني أنّ اليوم هو الفرصة الأخيرة للتواصل مع غابرييل قبل المحاكمة.

لم يكن هناك أي تواصل من آرثر بعد، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ رسالتي لم تصل إلى غابرييل. 

في النهاية، الطريقة الوحيدة للتأكد هي الذهاب إلى الكاتدرائية اليوم.

غادرتُ قصر الدوق بحجة أنّني سأذهب للقيام بأعمال تطوعيّة في دار الأيتام بعد فترة طويلة.

“اعتني بنفسكِ، سيّدتي.”

رافقني فيكتور إلى العربة وقال ذلك. 

بدا في الآونة الأخيرة دائمًا مبتسمًا وسعيدًا. من المؤكّد أنّ ذلك بسبب تحسّن علاقتي مع إيثان بشكل غير مسبوق.

منذ تلك الليلة، كان إيثان يزور غرفة نومي يوميًا. 

لم أعد أستطيع حتى عدّ المرّات التي قضيناها معًا.

‘إذا استمر هذا ، قد أحمل قريبًا …’

لم يكن ذلك مزحة ، فقد يكون قد حدث بالفعل.