رننتُ جرس الباب بهدوء. و سرعان ما دخلت خادمة المكتب.

“نظفي هذا و قومي بإعداد مجموعة شاي جديدة”

“نعم سيدتي.”

مسحت الخادمة الشاي المسكوب و أزالت فنجان الشاي.

انتظر إيثان رحيلها قبل أن يُكمل كلامه.

“اطمئن. لم أستدعِك لأدينك يا سيد فينسنت. بل على العكس تمامًا” 

“……”

نظر فينسنت إلى إيثان بوجه شاحب.

قال إيثان ببرود: “سأنقذك من الوضع الصعب الذي أنت فيه حاليًا. لن يقتصر الأمر على تجنّبك المخاطرة غير المرغوب فيها، بل سأسدد ديونك في النهاية. بالطبع، هذا بشرط أن تكشف كل ما تعرفه وتتعاون معي تعاونًا كاملًا. هل يمكنك فعل ذلك؟”

للحظة وجيزة، ارتسمت في عيني فينسنت مشاعر معقدة.

لكن هذا لم يكن وضعًا للتردد. يعيش في عالم قد تكون فيه لحظة الحكم مصيرية، فاستجاب فينسنت فورًا.

“…بالتأكيد. فقط أخبرني ماذا أفعل”

كان قرارًا حكيمًا. لو حاول التظاهر بالجهل والهرب من الموقف، لكانت الأمور قد ازدادت سوءًا بالنسبة له.

“حسنًا. إذن، لنسمع أولًا ما لديك من كلام. من أمرك بتنفيذ هذه المهمة، وما هي المحادثات التي دارت بينكم؟ لا تترك شيئًا”

نفّذ فينسنت تعليمات إيثان. و كشف أن من هدّده هو غيوم بونيلو ، صاحب نوار بيرل. و كما هو متوقع ، لم يكن فينسنت يعلم أن جيرارد هو من دبّر الفخ الذي وقع فيه.

بعد أن استمع إيثان لكل شيء، وجّه نظره نحوي. 

التقت نظراتي بعينيه و أومأت برأسي قليلاً.

“سأشرح الخطة من الآن فصاعدًا. لتجنب إثارة الشكوك، لن يكون بيننا أي اتصال آخر بعد هذا الاجتماع. لذا استمع جيدًا وتذكر كل ما أقوله”

“نعم، جلالتك. من فضلك تابع”

عند رد فينسنت، توقف إيثان لفترة وجيزة قبل أن يتحدث مرة أخرى.

“أنوي أن أعطي مَن هددوك ما يريدونه تمامًا. ستُقام المبارزة غدًا كما هو مُقرر، وعندها ستُلحق بي إصابةً بالغةً – إصابةً شديدةً لدرجة أنه لن يكون من المُستغرب أن أنهار وأموت على الفور” 

فغر فينسنت عينيه عند سماع تلك الكلمات.

“ماذا تقصد …؟”

“بالطبع، لا أقصد أن تطعنني. الهدف هو أن تبدو وكأنك فعلت ذلك”

قال إيثان هذا و أشار إلى مايل ، الذي وضع بعد ذلك درعًا جلديًا مُجهزًا خصيصًا أمام فينسنت.

“صُمم هذا الدرع خصيصًا لهذه الخطة. من الخارج، يبدو عاديًا، لكن الجزء الداخلي من واقي البطن أجوف” 

قام مايل بالضغط برفق على منطقة المعدة من الدرع أثناء حديثه.

“غدًا، سيمتلئ هذا الجزء بدم خنزير. جرح بسيط يكفي لتدفق الدم بشكل دراماتيكي. بالطبع، إذا بدا الجرح سطحيًا جدًا، فقد يثير الشكوك، لذا يجب أن يبدو مقنعًا على الأقل. لكن بمهارتك يا سيد فينسنت ، لن يكون الأمر صعبًا” 

“بالطبع، القطع العميق جدًا سيُشكّل مشكلة أيضًا. لا أنوي الموت حقًا”

كان كلام إيثان مجرد مزحة، لكن فينسنت لم يستوعبه على ما يبدو. أجاب بسرعة بوجهٍ شاحب.

“هذا لن يحدث أبدًا. أقسم”

“حسنًا. حالما أتلقى الضربة وأنهار، سأبقى منعزلًا بحجة تلقي العلاج. قريبًا، ستنتشر شائعات بأن حياتي في خطر. ومع مرور الأيام، قد يتكهن البعض بأنني قد متُّ بالفعل” 

“……”

تابع إيثان بنبرة هادئة: “المهم هو ما سيحدث لاحقًا. نجاح هذه الخطة يعتمد على مهاراتك التمثيلية”

“مهارات التمثيل؟”

“صحيح. إذا كان من يقف وراء هذه المؤامرة هو من أشك فيه حقًا، فلن يكشفوا عن أنفسهم بسهولة. حتى لو انتشرت شائعات وفاتي في العاصمة، فلن يرضوا حتى يتأكدوا من جثتي بأم أعينهم” 

لأول مرة، تسللت نبرة رعب إلى صوت إيثان. 

ابتلع فينسنت ريقه بصعوبة.

“سمعتُ أن الفرسان الذين يصلون إلى الإتقان ماهرون دائمًا في إخفاء مشاعرهم. آمل أن تُبلي بلاءً حسنًا يا سيدي فينسنت” 

“… ماذا تريدني أن أفعل بالضبط؟”

سأل فينسنت بصوتٍ متقطع قليلاً. 

نظر إيثان إليه مباشرةً و بدأ يتحدث.

“وبغض النظر عن ذلك … كان أداء السير فينسنت أفضل من المتوقع” ، تمتم جاك ، مما أخرجني من أفكاري.

في ذلك اليوم، كان السيد فينسنت ثملاً للغاية. 

اقترحنا عليه أن يشرب ما يكفي ليبدو طبيعيًا ، لكنني لم أتوقع قط أن يصل إلى هذا الحد …

“من بين جميع الناس، كان السيد فينسنت الأكثر عرضة للخطر في هذه العملية. لا بد أنه كان غارقًا في الشعور بالذنب والمعاناة طوال هذه الفترة. كانت هذه فرصته الوحيدة للهروب من فخ جيرارد و استعادة شرفه – بالطبع، كان سيشعر باليأس”

عند سماع كلماتي، أومأ مايل برأسه على محمل الجد و بتعبير مهيب.

“الدوقة على حق”

كان فينسنت الآن مختبئًا في منزل آمن تم إعداده من قبل دوقية دومونت.

مع اختفاء ماثيو و مرؤوسيه تمامًا ، أصبح فينسنت هو الشخص الوحيد المتبقي الذي يتعين على مارلون تعقبه للحصول على إجابات.

في هذه الحالة، كانت أهمية حرب الاستخبارات أمرًا بديهيًا.

لم تكن هناك حاجة لإبلاغ مارلون بأننا نحن من أسرنا ماثيو ، ولا بأننا توقعنا مخطط جيرارد و وجّهناه ضده.

في هذه اللحظة ، لا بد أن مارلون يشعر و كأنه تائه في ضباب كثيف. كان بإمكانه الشك بكل ما يشاء ، لكن لم يكن هناك سبيل للتأكد.

ومن ناحية أخرى، كانت هذه هي الفرصة المثالية لفريق دومونت لضمان ميزة حاسمة.

“حتى هذه اللحظة، سارت الأمور وفقًا لخطة الدوقة. لكن التحدي الحقيقي يبدأ الآن. إذا لم نتمكن من إقناع هؤلاء الرجال بالتحدث، فلن نتمكن من فعل الكثير ، قال جاك” 

“هل لديك أي خطط أبعد من ذلك؟” ، نظر إلي إيثان وسأل.

في الوقت نفسه ، وجّه جاك ومايل نظراتهما نحوي. 

لسببٍ ما، امتلأت أعينهما بالترقب. 

كان من الواضح أنهما لا يشكّان في أن لديّ خطةً مُسبقة.

“حسنًا، كنت أفكر في إجراء محادثة قصيرة معهم بنفسي”

عند كلامي ، عبس إيثان.

“أنتِ تقولين أنّكِ تريدين استجوابهم شخصيًا؟”

“نعم.”

“لا، إنه أمر خطير للغاية” ، رد إيثان بحزم.

أملتُ رأسي قليلًا ، “خطير؟ ماذا تقصد؟ إنهم مقيّدون تمامًا”

“هذا مؤقتًا. لا نعلم ما قد يحدث لاحقًا. لا يزال جيرارد يجهل هويتكِ الحقيقية. إذا اكتشف أنّكِ كنتِ وراء هذه العملية برمتها، فلن يكون لدينا أدنى فكرة عما قد يفعله بكِ” 

“أتفق مع صاحب السمو. الدوقة هي ورقتنا الرابحة الأهم. لا داعي للكشف عنها دون داعٍ” ، أضاف مايل. 

“حسنًا ، أرى الأمور بشكل مختلف قليلًا”

لقد لفتت كلمات جاك انتباه الجميع إليه.

“لولا الدوقة، لما حققنا أيًا من هذا. وصحيح أيضًا أننا وصلنا إلى طريق مسدود في هذه المرحلة. والأهم من ذلك، أن الدوقة نفسها هي من اقترحت الفكرة، أليس كذلك؟” 

“شكرًا لك ، جاك”

عند كلامي ، ابتسم جاك وسحب زاوية واحدة من فمه.

تصلب تعبير إيثان مرة أخرى ، “إذا كانت لديكِ خطة ، يمكنكِ مشاركتها هنا والآن. لا داعي لمواجهتهم مباشرةً”

“الأمر ليس بهذه البساطة. لجعلهم يتحدثون، عليّ تغيير الاستراتيجيات فورًا بناءً على ردود أفعالهم. مهما كانت التعليمات التي أقدمها لكم هنا مفصلة، ​​فلن تكون هي نفسها” 

“كاميل.”

كانت عيون إيثان مليئة بالقلق العميق.

ابتسمتُ بخفة و قلتُ: “لا تقلق ، لقد فهمتُ كل شيء. متى لم أفهم؟”

“……”